Ashyafe (أشياء من النقد والترجمة) كتاب يتقصى من خلاله “أبو يعرب المرزوقي” المشروعات الفكرية بصنفيها التحديثي والتأصيلي من حيث هي ظاهرة طاغية طيلة نصف القرن الأخير. يقول الكاتب في فاعلية الفكر والمفكرين كلاماً مما ليس منه بد لقد صارت أكثر الكلمات مدعاة للتقزز عندي، كلمات من جنس المشروع الفكري، ودور المثقف، ومسؤولية المفكر، ورؤى الفيلسوف، والحاجة إلى فتاوى علماء الدين، مع ما يصاحب ذلك من العناوين الأكاديمية الجوفاء خاصة”. ما يريد أن يقوله الكاتب أن نجومية الفكر لا صلة لها بالفكر وهمومه النظرية والإعلام ليس مقياساً (الحاكم والمعارض على حد سواء) لأن هناك نجوماً لا علاقة لهم بالفكر وأن لا دور للوسط الأكاديمي ومراكز بحثه في الحدث الثقافي إلا بشروط الإنتساب والتبعية إلى منطق مؤسسات السلطان السياسي والثقافي الذي يحاول تحويل النظر إلى أيديولوجيا في خدمة العمل المباشر الذي يهدف أولاً وأخيراً إلى التأثير في الجماهير. وعليه تتضمن الفكرة الأساسية في محاولة المرزوقي كما يقول همّين: أولهما، وصف خصائص الفكر في نصف القرن الأخير من النهضة وتشخيصها، لعل ذلك يساعد على فهم هذه الخصائص التي نستخلصها من وضعية الفكر الحالي. والثاني، إقتراح علاج نسقي يحدّد طبيعة التأثير الذي يمكن أن ينسب إلى الفكر مع بيان شروطه وآلياته ما أمكن البيان … أيضاً يتضمن الكتاب فهم العقبات الحقيقية في فعل الترجمة للفكر الغربي عند الأدباء العرب المعاصرين، إضافة إلى ملخص مقال جابر عصفور المعنون (أسلوب القول النقدي اللساني والمنطقي) و (شروط القول النقدي النظرية والمنهجية) مع التعليق والمناقشة، كذلك يتطرق الكتاب إلى (تأويل هيغل لمعاني بعض أركان الإسلام) … و (تعريف هايدغر للفلسفة، وموضوعات نظرية أخرى …
الدكتور محمد الحبيب (أبو يعرب)المرزوقي مفكر تونسي له توجه فلسفي إسلامي في إطار وحدة الفكر الإنساني تاريخيا وبنيويا. ولد الدكتور أبو يعرب المرزوقي في بنزرت، حصل على الإجازة في الفلسفة من جامعة السوربون في العام 1972 ثم دكتوراة الدولة 1991. درّس الفلسفة في كلية الآداب جامعة تونس الأولى، وتولى إدارة معهد الترجمة (بيت الحكمة) في تونس قبل أن ينتقل لتدريس الفلسفة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
مشروعه الفلسفي يمكننا القول إن المفكر العربي التونسي أبا يعرب المرزوقي استطاع أن يخطو الخطوة الأولى، وهي الأصعب من غير ما شك باتجاه التأسيس لفلسفة عربية معاصرة لا تناصب الدين العداء وإنما تتفيأ ظلاله وتسترشد بتوجيهاته. ولعل نجاح المرزوقي في هذا عائد في المقام الأول لكونه خبر الفكرين الديني والفلسفي، الإسلامي والغربي، وبدأ يشق طريقاً ومنهجًا جديدًا، يسعى من خلاله إلى أن تستعيد الفلسفة دورها الرائد في البناء الديني والفلسفي. اهتمام المرزوقي هذا لا يقتصر على الفلسفة فحسب وإنما يتعداها إلى أمور أخرى, تتعلق بالنهوض السياسي والفكري الحضاري العربي والإسلامي. والحقيقة أن المرزوقي يمتلك الأدوات اللازمة للبحث في هكذا موضوع، فهو الضليع بأهم اللغات العالمية، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية". (مقدمة حوار محمد الحواراني، مجلة العربي الكويتية، يناير 2005)
والفكرة المركزية في مشروع الدكتور أبو يعرب هي أن التاريخ الفكري للإنسانية هو تاريخ واحد ويشمل ذلك كل من الفكر الفلسفي والفكر الديني حيث لا يمكن الفصل بين الفكر الفلسفي (العقلي) والفكر الديني (الإيماني). ولذلك يقدم الدكتور أبو يعرب تصورا تاريخيا وبنيويا في نفس الوقت لهذا التاريخ الفكري الإنساني الموحد. ويطرح تصورا مفاده أن كلا من ابن تيمية من خلال تصوراته "الإسمية" (أو المنطقية أو البنيوية) وابن خلدون من خلال تصوراته الاجتماعية التاريخية (أو التطورية) قدما معا "ثورة" في مسار تطور هذا الفكر الإنساني. وتظهر ملامح هذا المشروع بشكل واضح في "إصلاح العقل في الفلسفة العربية – من واقعية أرسطو وأفلاطون إلى إسمية ابن تيمية وابن خلدون" (1994)، كما يظهر في وحدة الفكرين الديني والفلسفي (2001)، و المفارقات المعرفية والقيمية في فكر ابن خلدون الفلسفي، (2006). ولذلك يتخذ المشروع الفلسفي لأبي يعرب توجها إسلاميا لأنه يطرح تصورا مبنيا على "الفكر الإسلامي" لهذا الفكر الإنساني. ولكنه في نفس الوقت لا يعتمد على التصورات التقليدية "التراثية" أو الكلامية للفكر الإسلامي، ولكن على العكس