نضرب الأرض بمعاولنا كمن ينتقم من عدو قديم. كنا أربعة وخامسنا شيخنا، أنا وأحمد ومصطفى وعيد، أما الشيخ فقد كان مسعد. يقولون إن الاستعانة بشيخ ورع، ذي علم وفتوح حقيقية، سيساعدنا في بلوغ الكنز. كان يقرأ علينا أدعيته، وكنا نرددها وراءه بصوت خفيض، كعبيد يحفرون قناة أو يشيدون هرمًا. كانت الأدعية التي تحولت لأهازيج تضبط إيقاع ضرباتنا للأرض البائسة.
… بعد قليل سيظهر باب المقبرة، كعتبة من عالم إلى آخر. بالنسبة للمومياء بالداخل فسيكون عبورًا من عالم الأحياء إلى عالم الأموات. بالنسبة لنا فسيكون العكس بالضبط.
تصحبنا الرواية الجديدة لمحمد علاء الدين في رحلة بانورامية لتفاصيل حياة أربعة من الأصدقاء، ألجأتهم الحاجة إلى النبش في بيت أحدهم بحثا عن كنوز فرعونية محتمل أنها مخفية هناك من أزمان سحيقة، مستعينين على ذلك بمزيج من السحر والإيمان، والقنوط واليقين العنيد، وأيضا الكثير من الشاي وسجائر الحشيش والدردشة والنكات.
بالتوازي مع الحفر تحت البيت، تحفر الرواية في عوالم الأصدقاء الأربعة، الروابط التي تجمعهم وأيضا قصصهم المنفردة، لنلقي نظرة، عن قرب كثيف على ما يدور داخلهم، ونظرة أخرى من بعيد، على المدينة حولهم وهي تتحول كل يوم وتبتعد عنهم أكثر وتتركهم وحيدين بلا سند، فنعود إلى أصل الأزمة التي دفعتهم إلى ما فعلوا.
"الوعد والوعيد" رواية عن الهزيمة، وما تفعله في الإنسان، عن الشوارع الخلفية للمدينة، وعالمها وأخلاقها الخاصة، عن الأشخاص العاديين عندما تدفعهم عاديتُهم إلى الحافة، فيكون عليهم أن يسألوا أنفسهم: من نحن الآن، وما هذا الذي فعلناه؟!
محمد علاء الدين روائي مصري، ولد في القاهرة في السابع من أكتوبر ١٩٧٩. صدرت له ست روايات وأربع مجموعات قصصية. حصل على الجائزة المركزية لهيئة قصور الثقافة عن فرع الرواية في ٢٠٠٤ ، وعلى جائزة ساويرس عن فرع المجموعة القصصية في ٢٠١٧. تُرجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والروسية والهولندية.
لفتت كتابته المختلفة الأنظار منذ روايته الأولى "إنجيل آدم" (٢٠٠٦) إلى أسلوبه المميز في التداعي الحر الذي يمزج جماليات الفصحى الجزلة بخفة ومرح العامية، وتجريبه المستمر في أساليب السرد.
محمد علاء الدين أحد الكُتاب المصريين الشباب ويعتبر من بين البارزين في جيله مع أحمد العايدي ونائل الطوخي. لفتت روايته الأولى إنجيل آدم إليه الأنظار بشدة، ونالت احتفاءً كبيرًا من كتاب مثل بهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وعبد الوهاب الاسواني. كما تم اختياره من بين أهم كُتاب الألفية الجديدة في مجلة أخبار الأدب في العام 2011، كما ذكره الكاتب الامريكي بول توتونجي في مقاله المعنون بـ"خمسة مؤلفين مصريين لا تعرفهم، ولكن يتوجب عليك قراءتهم" في موقع themillions.com.
عُرف علاء الدين بأسلوب التداعي الحر في كتابته، ورأت "الأهرام"-- بتاريخ 10 مايو 2006-- أن روايته الأولى إنجيل آدم "قدمت تجربة جديدة في الكتابة تعكس مرحلة أو موجة جديدة من الكتابة هي بالتأكيد انعكاس للواقع الاجتماعي الذي أصبح بلا ثوابت من اي نوع". وهي "جحيم عصري يسكنه العاديون" علي حد تعبير الكاتب طارق إمام في مقالته بجريدة أخبار الأدب. وهي "نقلة نوعية وتجريبية في النص السردي المعاصر في مصر" كما ذهب الكاتب إبراهيم فرغلي في جريدة النهار (لبنان). ووفي كتابه "الرواية العربية ورهان التجديد" الصادر عن مجلة دبي الثقافية في مايو 2011 وضعها الناقد والكاتب المغربي الكبير محمد برادة من بين الروايات التي احدثت تجديدًا في الرواية العربية.
"لا يُمكنك القطع باللحظة التي سيتحول فيها الناس من التظاهر ضد لعنة طبية إلى التظاهر ضد لعنة سياسية."
"الوعد والوعيد" رواية للكاتب المصري "محمد علاء الدين" تدور أحداثها في خلال ساعات معدودة، بداخل أحد الحارات المصرية، حكاية تجمع لفيف من أربع أصدقاء يبحثون عن طريقة للثراء السريع لحل أزماتهم الاقتصادية، فيحاولون شق الأرض من أجل العثور على بعض المساخيط بعد تأكيدات عديدة لإمكانية وجودهم الحتمية تحت أرضهم، فهل سيعثروا على مساخيطهم؟
حكاية مُلتفة ومُتشعبة، مكتوبة من فصل واحد طويل، يذهب بالماضي لأحداث غرضها التعرف على الشخصيات الرئيسية، ويعود إلى الحاضر لنفهم تفاصيل المهمة الخطيرة التي يقوم بها الأصدقاء وما يترصدها من مخاطر عديدة، وبسلاسة في الانتقال من زقاق لزقاق ومن حدث لحدث، يحكي الكاتب حكاياته الساخرة -ويُمكن إضافة ثلاثة نقاط أيضاً للكلمة السابقة- والممتعة، المأخوذة من الحواري والقهاوي وما بينهما من أزقة، حكايات يختلط بها الهزل بالجد كأي حارة شعبية تحترم نفسها، عندما تقرأ عن هذه الشخصيات والأحداث ستشعر أنه محض خيال مجنون، عندما تكون من أحد قاطني الحارات الشعبية ستعرف أن كل تلك الشخصيات والأحداث قد رأيت مثلها من قبل مراراً وتكراراً، ولذلك زادت دهشتي وإعجابي بالرواية، فقد تمكنت من نقل شخصيات بطريقة كاملة، تصرفاتها وكلماتها، وحتى الأفراح الشعبية التي لا تخلو من دراما.
الكاتب جريء في طرحه، ونقده، نقل معاناة الشباب من فترة لأخرى، ذكر الطرق الوهمية التي يسلكوها بعدما سُدت كل الطرق الشرعية، وأكثر ما أعجبني أنه على الرغم من قصر الرواية لكن سردها يشي بالكثير، الجمل مكتوبة بحرفية، كنت أقرأ بعض الجمل أكثر من مرة لفهم فحواها وتذوق جمالها، جمل مكتوبة بعناية، وسخرية الكاتب ملموسة وفعالة، وعندما نصل إلى النهاية نجد أن الكاتب في جعبته أكثر من ذلك.
ختاماً.. من الروايات الحديثة التي أدعي أنه بمرور الوقت ستحظى بشعبية لا بأس بها عند القراء وبالأخص المصريين منهم، حكاية من داخل الحارة المصرية بتشعباتها الهائلة التي تمتد من فلسفات عميقة إلى خرافات ضحلة. قراءة أولى للكاتب مشجعة للقراءة له أكثر مُستقبلاً، وبكل تأكيد يُنصح بها. 3.5/5
❞ نضرب الأرض بمعاولنا كمن ينتقم من عدو قديم. كنا أربعة وخامسنا شيخنا؛ أنا وأحمد ومصطفى وعيد ❝ في سردٍ لا يعوقه أيُّ فصول، يأخذنا محمد علاء الدين إلى قلب حارة خانقة لسكانها، وفي قلبها حفرة خانقة لحافريها، وفي القلب حلم لكل واحد منهم. والشيخ في الخلفية يقرأ ويرتل الأدعية. ❞ بالنسبة للمومياء بالداخل فسيكون عبورًا من عالم الأحياء إلى عالم الأموات. بالنسبة لنا فسيكون العكس بالضبط. ❝ الوعد والوعيد واللعنة على الأحلام المقتولة (عن من يحاول فتح مقبرة وسط حارة تتكون من نسيج هذا الشعب) وشعب الحارة المغدور به، الغادر لنفسه.. ❞ تمثال واحد لكل منا، وستبدأ الحياة الآخرة في نعيم وسلطان. كان وعدًا لن نخلفه. ❝
في ليلة واحدة يرجع الكاتب للماضي كثيرًا ليسرد تاريخ جزء كبير من البلد العتيق، وخصوصًا بعد ثورة من الثورات، على لسان راوي مثقف متعلم عاطل حشاش محب. ننتقل معه في أحداث الليلة المنسوجة، ليلة الفتح، ليلة الفرح، ليلة جني ثمار التضحية، ويأخذنا لنتعرف على أهل الحارة وبعض المواقف والشخصيات الكثيرة. ❞ كان الحشيش صديقًا ودواءً، أفيون المدينة العتيقة التي شح فيها الأفيون، وقلب العالم الذي بلا هو قلب، والرجاء في عالم بلا رجاء. ❝
الرواية جميلة وسريعة ويمكن إنهاؤها في جلسة واحدة -لولا الامتحانات- والنهاية رغم أنها سريعة في تغير أو انكشاف طبيعة بعض الشخصيات، إلا أنها صادمة وقوية. وفعلًا الجزء ده لو بدلأته مش هتسيب الا لما تخلص الرواية من كتر ما الرتم سريع والأحداث what the fuck what the fuck كتير ورا بعض. ❞ لا يمكنك القطع باللحظة التي سيتحول فيها الناس من التظاهر ضد لعنة طبية إلى التظاهر ضد لعنة سياسية. ❝
عيب الرواية بالنسبة لي كان في أمرين: الأسلوب وطريقة السرد، إذ أخذت وقتًا لتقبلهما لأن كل شيء مختلط وداخل في بعضه، وكثيرًا لا تعرف من يتحدث وهذا يجعلك تعيد قراءة الفقرة أكثر من مرة والشيء الثاني هو كثرة الشخصيات، وذكر الكثير منها دون تمييز، مما يجعلهم يختلطون ببعضهم. لكن في النهاية، الرواية جميلة وتستحق القراءة، وأكيد سأقرأ للكاتب مرة أخرى.. ❞ وكأن كل ما هو ممتع في حارتنا يُسرَق خلسة. ❝
الوعد والوعيد، تكرار حروف ال و ع د في الكلمتين، توكيد لشيء منتظر موعودين به وهو كما يخبرنا الغلاف العثور على المقبرة، أو الكنز الفرعوني، فهل سينجحا؟ تلك كانت فكرتي قبل القراءة. كذلك الكتابة الهيروغليفية والتي تعني اللعنة، تذكرنا بخرافة لعنة الفراعنة التي تصيب من يفتح قبر أحد المومياوات، وأيضاً بطقوس اللعنة التي كان المصريون القدماء يفعلوها للمتوفي كتقييده أو حذف ( كشط) اسمه... إلخ. وبالفعل جاءت اللعنه أو العقاب في آخر الرواية. غلاف موفق جداً، أنوبيس إله الجبانة وحاميها، ممسكاً بصولجان الواس، أسفله مجرفة، نظرة سريعة على الغلاف تدرك أن الحبكة تدور حول التنقيب خلسة عن الآثار. رواية سريعة تنتهي في جلسة واحدة، كتبت بدون تقسيمها لفصول. الرواية تحكي عن حلم يراود كل الناس، وهو الثراء السريع، وفي بلدي مصر اسرع وسيلة لهذا الثراء هو بالعثور على الآثار ( المساخيط) باللهجة الشعبية. الرواية تدور في ليلة واحدة ١٦٠ صفحة تمتد من أواخر سويعات الليل إلى أوائل آشعة الصباح، رواية تدور على لسان الراوي، والذي نعرف على لسانه تاريخ الشخصيات والذي أحب أن أسميهم بمجتمع الرواية، بأسلوب سهل وسلس ننتقل من شخصية لأخرى.
❞ نضرب الأرض بمعاولنا كمن ينتقم من عدو قديم. كنا أربعة وخامسنا شيخنا ❝ بهذه الكلمات يفتتح محمد علاء الدين روايته، والتي قد صيغت بذكاء شديد: • حالة انعدام الثقة في الحكومة. • التشاؤم بين طبقة الشباب. • الفساد الذي ينخر في جميع مؤساسات البلد. • والأهم من ذلك الأحلام التي تطرق على أبواب الشباب المتعلم من العثور على وظيفة لائقة إلى الزواج بالفتاة التي يحبها. فكل هذه المقومات ساعدت المؤلف على صياغة تلك الرواية، بالإضافة إلى لغة الرواية المتراوحة بين العامية الشديدة إلى العربية الفصحى، وذلك أساسي لتناسب بيئة ومجتمع الرواية. الحارة الشعبية كنز دفين، طبقات اجتماعية متفاوتة، علاقات اجتماعية قوية جداً، لذلك الحالة المادية لكل الشخصيات معروفة، فمن يُنتشل من حالة الفقر العامة إلى حالة الثراء يصبح سيداً وحاجاً، ومن ضمن تلك الطبقة هو الحاج عبدالسلام
❞ كان الحاج عبد السلام كائنًا أسطوريًّا معتادًا في أزقة منطقتنا وما شابهها من مناطق شبه مستنسخة على طول المدينة وعرضها حاج لا يملك من حجه سوى رؤية الكعبة صوَّام قوَّام لا يملك من صلاته سوى زبيبة تتوسط أعلى جبهته. ❝
والذي ساعد أحمد والراوي في إيجاد وظيفة في إحدى شركات السياحة، يشعر راوي القصة بأن الدنيا أخيراً قد ابتسمت له، ويستغل تلك الوظيفة ليخطب صديقته، إلى أن سرعان ما يتم فصلهما من تلك الوظيفة. عن طريق أحد الشيوخ تم الإشارة إلى أحد الشقق والتي كان يمارس فيها أحد السودانيين المقيمين بها السحر الأسود، بأن هذه الشقة تحوي أسفل منها أحد المقابر الفرعونية، ويستغل الراوي حادثة حريق الشقة، ليعلن للحارة أن الشقة تحتاج لترميم، فيبدأ بمعونة صديقة أحمد ونسيبه مصطفى وصديقه عيد والشيخ بالحفر بالمعاول. فكما تتشابه المعاول تتشابه كذلك أحلام الخمسة أفراد باختلاف طبقاتهم الاجتماعية، الزواج وتكوين عائلة وشراء سيارة، تتلخص أحلام أي شاب مصري في تلك الأشياء والتي يا للمفارقة هى أشياء أساسية ومطالب ضرورية لكل إنسان، ولكن ليست كذلك في بلدي. تنتشر إشاعة بأن هناك بالفعل كنز أسفل تلك الشقة، فيستغلون فرح أحد أشقياء المنطقة ويعلنون أن ذلك اليوم هو اليوم الموعود، ولكيلا يلفتون الانظار يخرج الراوي وصديقه أحمد للمشاركة في الفرح، ويبدأ واحده من أمتع الحوارات في الرواية بين المدعوين في الفرح، وإذ فجأة يندلع عراك كبير، ويلمحا الشيخ وعيد يعدوان، فيشعرا بأنهم قد عثروا على المقبرة أثناء غيباهما، ولكنهما يعثران على أبو الدهب أحد ظباط الشرطة والذي أغتنى فجأة، كانت مفاجأة غير سارة، ولكنه بالفعل قد وصل إليه الخبر، أبو الدهب الذي أيضاً ذاع صيته وازداد ثرائه فجأة كان يريد أن يقتسم الجائزة معهما، ويستكملا الحفر، ولكن يدخل عيد ومعه أحد المومسات والتي قد قرروا أن تستخدم كقرباناً بشرياً، فتذبح، ويتم استكمال الحفر حسب إتجاه الدماء، فيحدث زلزالاً ويبدأ العبث بظهور الشيطان ذاته ويصيح بأنه قد أرادها عذراء. الجزء الأخير في الرواية، بالطبع هو جزء عبثي وصادم بعض الشيء، ولكن تلك العبثية ملائمة تماماً لمجتمعنا، فكل شيء عبثي، بداية من الشيخ المتعلم المعين إماماً في مسجد الحارة من قبل الوزارة، والذي هو مثال الاعتدال، ولكنه يشترك في هذه السرقة متفقاً على تصيبه منها، مروراً بالمشاركين في الحفر المتعلمين خريجين الجامعات الذين لم يجدوا الوظيفة ولا التقدير المستحق، أليس هذا عبثاً أيضاً، مروراً بالظابط الذي يستدرج مومس لتُغتصب ولتذبح بدم بارد من أجل احتمالية وجود مقبرة فرعونية، أليس هذا عبثاً أيضاً، ثم جاء ظهور الشيطان ذاته لتكتمل معزوفة العبث التي نعيشها!!
كل هذا بالإضافة إلى قلم جريء يعرض آراءه السياسية بقوة وبوضوح شديد.
❞ ولكن الفزع مشى يدًا بيد مع الاستهانة، كما يفعل اليأس مع الأمل، والسعي بالتسليم، والحشيش بالقهوة. ❝
❞ ربما كانت ندرة القتل الحميدة تلك هي ما قادتنا إلى الخضوع لأي ضبع يقفز فوق كرسي العرش، ربما. ❝
علاقتي بمحمد علاء الدين قديمه للغاية.. في اوائل الالفيه ظهرت سلسلة مجانين اللي اصدرها نبيل فاروق لتكون سلسلة ساخره و في نفس الوقت تفرز جيل جديد من الكتاب .. السلسلة كانت جيدة للغاية و للأسف توقفت بعد صدور ١٠ اعداد فقط لاسباب غير معلومة و ان كنت اعتقد انها اسباب رقابية.. المهم ان السلسلة افرزت فعلا جيل جديد من الكتاب زي احمد العايدي و محمد فتحي و ميشيل حنا .. و ابرز الاسماء علي الاطلاق في السلسلة كان محمد علاء الدين.. اللي تميز بتقديم كوميديا سوداء شعبيه شديدة السخريه من الواقع.
صدرت عدة روايات لمحمد علاء بعد كده يمكن أبرزها انجيل ادم .. للاسف مسيرته الروائية بعد كده لم تنل الاهتمام الكافي .
مؤخرا صدرت عن دار وزيز رواية جديدة لمحمد علاء الدين هي رواية الوعد و الوعيد .. اول ما شفتها علي ابجد استعدت ذكرياتي مع محمد علاء الدين و قررت اقرأها فورا .. و فوجئت بجمال الرواية!
مش هقدر اسميها رواية اوي .. ممكن اسميها سردية مطوله .. او جمله واحده طولها ١٢٠ صفحه .. بدون فصول او حوارات في النص .. سرد طويل متشعب .. بيحكي الراوي فيها حيوات كامله لحاره مصريه معاصره !
الرواية بأختصار بتتكلم عن اربعه اصدقاء احدهم الراوي ..قرروا ينقبوا عن الاثار تحت بيت الرواي في منطقه شعبيه.. و في وسط التنقيب بيستعرض الراويه حياته و حيوات اصدقائه ثم اقرانه و جيرانه في الحاره بالتفصيل..حيوات اناس الحاره الشعبية بتاخدنا معاها لاحوال البلد و المدينة العتيقة في اعقاب ثورة و جائحه عالميه.. اقدر اقول ان الرواية تأريخ اجتماعي لاحوال الطبقه دون المتوسطة من الشعب المصري حاليا.
احلي ما في الرواية هي لغة محمد علاء القويه و السلسه في نفس الوقت.. تعبيرات مبتكرة قادره علي ابهارك و انت بتقرا.. خصوصا إجادته لاستعمال الفاظ و تراكيب قرءانيه ببراعه في وسط النص
تجربة روائية رائعة و مختلفة .. اتوقع ان الرواية مع الوقت هتاخد حقها و تنتشر اكتر .. روايه من نفس عالم الصداقه كما رواها علي لمحمد عبد الجواد و ام ميمي لبلال فضل .
تجربة الرواية شجعتني ادور علي اعمال محمد علاء السابقة و اقرأها.. و قد اعيد قراءة سلسلة مجانين للمره الخامسه بعد الالف 😀
الرواية عبارة عن مونولوج طويل بالأنا لراوي لن نعرف اسمه، بتبدأ الرواية من تجمع لأربع أشخاص ومعاهم شيخ بيحفروا في شقة للوصول لآثار فرعونية مزعوم وجودها لتحقيق حلم ثراء سريع بعد فشل أي طرق أخرى لتحقيق حياة لائقة، وعن طريق التداعي الحر للأفكار بتتولد حكايات عن شخصيات مختلفة بتدفع السرد بداية من الأربع شخصيات المصاحبين لشخصيات بيقابلها لحظة خروجه من الشقة، كأنه الرواية بورتريهات لشخصيات مختلفة، رغم ذلك بتظل الحكاية متماسكة، الرواية رحلة للتشريح الاجتماعي والسياسي للبلد في السنوات الأخيرة باستخدام الحارة كمنطلق للأحداث، ومع غرق الشخصيات في السكر والإدمان والجنس ومع السوء الدائم للأحوال الاقتصادية بنتابع تهاوي الأحلام والسقوط الأخلاقي للجميع، مع التبرم من الأوضاع سواء بين المنتفع أو المعارض للسلطة. في الرواية استخدام لافت لصيغ المبالغة بداية من العنوان "الوعيد" للألفاظ داخل الرواية "فسيح" "وسيع" "خفيض" ربما للتعبير عن نشوة الأحلام اللي بتتسرب من خلال ذروة اليأس المتواصل، وتنتهي الرواية بدم مسفوح متبوعًا بدم مفقود يتوج الوصول لذروة الانهيار. العمل بعيد عن غرائبية وغموض "الأعراف" و "إنجيل آدم" وأقرب في بنائه للعالم الروائي بروايته "كلب بلدي مدرب" مع لغة قريبة للغة الشارع باستثناء ألفاظ قليلة غير دارجة حاليا زي الأفندية. وبالعودة للعنوان هل الوعد هو وعد التاريخ بالمجد لأبناء الفراعنة، ولا وعد كل فرعون جديد بيدخل الحارة، أو ربما هو وعد واحد فقط وهو الوعد بالوعيد.
"بعد قليل سيظهر باب المقبرة، كعتبة من عالم إلى آخر. بالنسبة للمومياء بالداخل فسيكون عبورًا من عالم الأحياء إلى عالم الأموات. بالنسبة لنا فسيكون العكس بالضبط."
هذه ليست مجرد حكاية خاصة، تخص فقط أربعة شبان قرروا أن يضربوا معاولهم في الماضي تحت مباركات شيخ، وعدهم بأنها الليلة الموعودة لاستخراج الكنز المنتظر، لأن الحاضر قد ضاق بهم، وعليهم، إنما حكاية ترصد تاريخ شخصيات حارة عتيقة كاملة، تقع تحت وطأة الفقر، والعوز، أبناؤها يقيسون المستوى الإجتماعي للشخص بلون فلتر سبجارته، لهم محاولاتهم المستميتة للهروب، والخروج منه، لاغتنام فرصة للحياة، رغم أن كنوز الماضي، القادرة على حل كل مشاكلهم الحياتية تقريبًا، تسبح تحت أقدامهم في التراب. تتشابك الحكايات، ويتصاعد الإيقاع، حتى تصل الرواية إلى ذروتها في نهايتها، وتتحقق المأساة، لتكتمل ترنيمة الحياة التراجيدية وسط صخبها، وأهازيجها، وفرحها. (رواية اجتماعية معاصرة عكس ما قد يوحي به الغلاف)
مصر هي الوعد والوعيد في آن واحد تجربة قراءة أشبه ما يكون بمشاهدة فيلم تدور أحداثه في إطار زمني ومكاني محدودين، وهو نوع أفضله جدًا في الأفلام أشخاص كُثر، تشعر وكأن هناك مرجع لهم جميعًا في مكان ما بعيد في ذاكرتك، لا بُد وأنك قابلت إن لم تكن تعرف أحدهم بسكل شخصي أحداث هي أيضًا ليست بالغريبة على كل من عاش في قاهرة الخديوي أو قاهرة النصر هناك صعود وهبوط في حدة الأحداث لكنه منطقي كما أن أسلوب السرد ذكي وسريع بشكل أدهشني
أشعر فقط بأن النهاية كانت تحتاج لمساحة أكبر من تلك التي استحوذ عليها الفرح في المجمل تجربة سريعة لطيفة تمس كل من اكتوى بنار القاهرة القاهرة
القراءة التانية عشان دخلت دماغي _________ كنت قريت عن الكاتب من كام شهر في كتاب اجنبي عن كتاب مصريين معاصرين لكن ماعرفتش اوصل لكتاباته القديمة، عشان كده فرحت بإصداره الجديد مع وزيز وقولت اقرا واشوف الأجانب دول بيتكلموا عن ايه.
بقالي فترة مهتمة بحلم مطاردة الثروة ما بين امريكا واوروبا والخليج ف عجبتني فكرة مطاردتها تحت رجليهم/ مطاردة الماضي/ نضرب الأرض تطلع فلوس
حلوة رحلة البحث اللي هي اطار بيشد القصة وفي نفس الوقت له ابعاد تانية أكبر (ومانكرش ان الحس الاكاديمي طلع وبقيت بفكر استغفر الله العظيم في الورقة البحثية اللي ممكن تطلع من الرواية) لكن بسرعة اتشديت للحشو وللسلاسة اللي بيتنقل بيها من حدوتة فلان لعلان (وان كنت احيانا بتلخبط في الشخصيات)
خطر على بالي ان لو حد في مكان أو زمان تاني مش هيفهم كتير من الاشارات للاشخاص والأحداث اللي يمكن تحتاج وقتها وضع ملاحظات زي بتاعه الكتب المترجمة عشان القارئ يفهم الكلام على ايه، خاصة ان الكاتب لا اختار يشيل الاسماء والتفاصيل خالص ولا انه يحطها بوضوح، كأنه قاصد ان ولاد العصر ده بس هما اللي يقروا الرواية. ربما أكون ببالغ وتكون مفهومة عادي، ربما.
جاز لبعض مراجعات الروايات الصغيرة أن تنتهج الصغر ذاته، فتُكتَب في جلسة واحدة كما قُرِأَتْ. هذا على الضد من روايات أقصر لم ينجُ كاتبوها من ثقل الدم، فنقذف بها إلى ثقب القراءة الأسود. ودون اللجوء إلى القراءة المتعمقة والإشارة إلى نصوص بعينها في الرواية، أقفُ هنا على أطلالها. هذا وقوفٌ يجتاز الاستعارة لأنّي بالفعل أسترجع قراءتي الشهر الماضي لتلك الصفحات المئة والأربعين التي نَشَرَتها كتب وزيز في بداية العام الفائت.
يج��ز أيضًا اجتياز التعريف بتاريخ منشورات الكاتب الذي اشتهر بروايته الأولى التي لم أقرأها بعد. في البحث عن محمد علاء الدين في جوجل، جاء مؤلفنا في المرتبة الثالثة، بعد لاعب كرة قدم قطري (من أصول مصرية، والحمد لله) وصحفي سوري نشِط. لكن لمؤلفنا صفحة على الويكيبيديا، على غرار الحرّيف القطري الذي وُلِدَ مصريًّا، وفيها بيانات وافية نسبيًّا لما أنتجه أدبيًّا من قصص وروايات. في المرتبة الرابعة، كاتب مقال "مهتم بعلم الاجتماع والفلسفة، جنوبي الهوى، ينتمي للربيع العربي."
في روايتنا البديعة هذه، ينهل محمد من تراث "عالمي" يخلط بين ماركيز في رصّه للأحداث (تقرأ، مثلًا، عن حكايات عديدة في صفحة واحدة) وفوكنر في جمل طويلة تمزج بين جوّانية الراوي وبرّانية الملاحَظ بخيره وشرّه، وفي أغلب الأحوال بشرّه. والإثنيْن يجتمعان في تدوين أحوال بقعة جغرافية متخيَّلة تقفز على المجاز وتنخرط بلا هوادة مع أحوال ناس البقعة تلك. فنرى الرّاوي يحكي لنا دون أن يُسأل عن أحوال قاطني الحارة المجهولة في المدينة المجهولة التي نعرف أنها القاهرة.
في حوار مع عماد أبو غازي، يشدّد محمد على هذا التأثير. يتطرّق أبو غازي في الحوار إلى تكنيك الراوي المنعش في الإشارة إلى الأماكن والمشاهير دون ذكر الأسماء. هذه لذّة أفضّل أن يستكشفها القارئ بنفسه. لحثّ القارئ على نبش الرموز والإشارات، يتعدّى محمد النص نفسه ويحبّذ أن يبحث القارئ عن معنى النص الهيروغليفي في الغلاف؛ لكن مساعيه تفشل مع الناشر، فنقرأ المعنى في تقديم الكتاب.
تدنو هذه المقاربة فلسفيًّا من الشرح التبسيطي لمفهوم هايدغر "دازاين"، أي الكينونة، أو كما ترجمها شارحه الأشهر في الإنجليزية، هوبير دريفوس، "الهناك / the there"، إذ يقدم مثالًا في الحدّاد المتمرس الذي يمارس مهنته دون التفكير في عناصرها، ذاك أن عقله راح يفكر في أمور أخرى. من هنا تحضر الهنا في الخلفية ويستكشف هايدغر فردانية البشر في إدراكهم لوعيهم وفنائهم وعلاقاتهم مع سائر الكائنات. من هذه الفذلكة التسطيحية، ينتهج نص رواية محمد "الإخبار" في ربطه واقع بطلنا مع ذكرياته وأفكاره التي لا تنفصل عن الفقرات السابقة. النص كله مكتوب في فقرة واحدة طويلة، ليست غريبة على من احتضن اختراعات جيمس جويس وويليام فوكنر في استكشافهما تداعيات الوعي، أو كما تُعرَف في لغتها الأصلية، stream of consciousness.
لم هذا التعنّت في عرض الخطوط العريضة وحتى الرفيعة لمحتوى الرواية، لا سيما أنها قصيرة ويسهل كشف "أحداثها"؟ لأن هذا النوع من الكتابة لا يُعنى بحدوث شيء ما. هذا أسوأ كوابيس المخرج المجري، بيلا تار: أن تصير أفلامه عرضًا لشيء ما حدث. ذِكْر بيلا تار متأتِّ من تزاوج الجمل الطويلة التي تحوي ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا مع هندسة اللقطات الطويلة كما انتهجها في أفلامه. صحيحٌ أن حكايتنا هذه يسردها شاب، أو كهل ربما، يشترك في التنقيب عن مقبرة "فرعونية" للخروج من متاهة عتبات الفقر. صحيحٌ أيضًا أنها حكاية عن الهزيمة والانتصارات الصغيرة معًا، هزيمة ثورة يناير في الخاص وتخدير الحارة في العام (الحشيش حاضر بقوة)، ولكن هذا الصحيح المُصحِّح يتبدّى مخلًّا بانفتاح النص على انطباعات الراوي في يوم واحد فقط؛ أي لا رؤى تُكشَف ولا آراء تكشِف، حتى في ظهور بواطن الراوي في ما خص أحوال المستضعفين والمستقويين معًا في حارتنا المخفية.
وبذكر الحشيش، يمكن قراءة نص الروائي بتأثير مخدر ما (ينسطل الراوي في الجزء الأخير من الرواية) فيستفيق من وطأته بفعل العنف والدماء التالية. ولأن محمد لا يؤمن بحرق الأحداث، لا ضير من ذكر العنف والقتل في نهاية رواية لم تدنُ من العنف إلا في فلاشباك الراوي المنفعل. متوقع، بطبائع الأحوال، أن تلازم أعمال النبش غير القانونية تبعات عنيفة مع السلطة والناس "البسطاء" أيضًا، وهذا ما حدث.
حتى لحظتي هذه، لستُ متأكدًا إن كانت النهاية موفقة في ختام أفكار بطلنا. اعتراضي منبثق من تضمين المجاز في خاتمة رواية لم تقدّم شخوصها كمجازات (والمفارقة هنا أن روح النص السينمائية لا تبتعد كثيرًا من مآلات المجاز الكثيرة). بيد أن الاعتراض الذي يواجه اعتراضي ذاك كامنٌ في رهافة التصوير، ذاك أن المجاز لا يجزم بخاتمة تنهي "الأحداث" بعبرة ما.
وإذا جاز في الختام استجلاب الهوية، أنوّه فقط إلى الاقتباس الوحيد من فقرات الرواية اللذيذة، "أأنتم من كنتم تريدون تغيير البلد؟ أنظر إلى نفسك." استهزاء وتقزز من ضابط شرطة صوب بطلنا المهزوم، وهو أحد الثوّار في 25 يناير. تكمن الهوية هنا في إحدى جوانب هويتي إثر هزيمة ثورة 17 فبراير في ليبيا، على غرار يناير. وهذا الاقتباس من النهاية المجازية المذكورة، وكأن تأثير الحشيش في رواية النص المنثال بحلاوة الشعر وخفة الدم والألاعيب الأدبية، يكسره المجاز الغليظ الذي أعارضه؛ "نقد الذات بعد الهزيمة"، هزيمة الثورات التي اعتقدنا أنها حوت أناسًا يشبهوننا ويعارضوننا، فتبدّت المعارضة الأكبر أقوى، تستهزئ بنا وبسينمانا وبأدبنا وفنوننا التي نعبّر من خلالها على هذا الاستهزاء.
بانوراما شعبية لقطت لحظة في زمان ومكان هذا البلد، حكى فيها محمد علاء الدين قصة ناس كتير بالكاد عايشين، وكل اللي في إيديهم دلوقتي إنهم يلجأوا للماضي، لكن كل ما بيحفروا فيه أكتر، كل ما الدنيا بتطربق فوق دماغهم أكتر. استمتعت بيها جدًا.