إصدار الكاتب البحريني عبدلله مطيويع عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" هو سرد الاستبداد والتسلط والألم الإنساني. قصص عذابات مؤلمة، من سجن وإهانات للكرامة الإنسانية وترويع من أجل إخضاع الروح والعقل يسردها المطيويع في سيرة ذاتية تحكي عن نفسها وتفضح "أبطال" مرتكبيها، لكنها في الوقت نفسه تفصح عن القوة الروحية والنفسية التي يمتلكها أصحاب القضايا من الملتزمين والمناضلين. الكتاب فصل يُضاف إلى كتب تاريخ الاستبداد والتسلط في كل أرض العرب وعبر القرون الطويلة
أنتهيت من قراءة كتاب عبد الله المطيويع (من محرق الى سجن بيت الدولة)، وعبد الله المطوع نسميه نحن بـ(خالي) وهو في الحقيقة ليس كذلك بل شقيق جدي وبمعنى آخر عم والدتي، ولكن نسميه خالي تجوزًا، ولذلك هذا الكتاب تطرق الى أشخاص في عائلتي من طرف والدتي دهشتُ لما ذكر عنها، مثلاً أن جدي إبراهيم أُعتقل من قبل جهاز الأمن، ومثل أن خالتي نورة حُصر بيتها لمدة 3 شهور من قبل جهاز الأمن فقالت متهكمة: "والله حصلنا حراسة أمنية مجانية من الداخلية"، والمؤلف أهدى الكتاب الى خالتي لطيفة ولكن أعرف حادثة عنها لم تذكر في الكتاب وهي أن في أحد المرات كان أحد المخبرين يتتبعها من مكان الى مكان حتى قرفت من هذا الوضع فخلعت نعالها وطبعتها على وجهه. ولكن لم أعرف أن كان لها دور نضالي آنذاك كنت أظن أن تتبعهم لها إنما لسياسة العقاب الجماعي التي قد تفرضها أحياناً الدول على أسرة المعارض.
ولكن هنالك نقطة هامشية تتعلق بلقب الأسرة، وهي أن عائلة الوالدة هي الجابر ولكن بسبب امتهان الأجداد لمهنة قصاب اللحم أصبحوا يسمون بعائلة القصاب كما جرت العادة في تلقيب العوائل التي يقوم أبائها بالعمل في مهنة واحدة، ولكن لقب (المطيويع) هي صفة شخصية لعبد الله، لأنها كما يقال في سن الطفولة كان مطوع أو ملتزم ولقب بهذا القلب ومشى معه حتى كبر. فلقب المطيويع ليس أسم عائلة بل هو صفة شخصية لفرد واحد من العائلة؛ ولكن عبد الله هنا أراد إيهام الناس في الكتاب أن هذا هو لقب العائلة فقال: لطيفة المطيويع ونورة المطيويع!
وبسبب اقتحامات الأجهزة الأمنية المتكررة لبيت كبير العائلة والد جدي الذي كان يسكن فيه الجميع للتفتيش والاعتقال نشئ نوع من التحفظ على ممارسة أي عمل سياسي وأصابتهم ردة فعل نحو هذا الاتجاه.
والكتب التي تكلمت عن حقبة النضال والصراع السياسي آنذاك قليلةً، وأنا شخصياً إطلاعي قليل على هذه الكتب والإطروحات ولم ألتفت الى تاريخ البحرين السياسي إلا مؤخرًا بعد أن عملت في مجال متعلق بتاريخ البحرين، فالجيل الأول جيل الخمسينيات وهو جيل هيئة الإتحاد الوطني قد كتب أحد مؤسسيها وهو عبد الرحمن الباكر مذكرات بعنوان (من البحرين إلى المنفى سانت هيلانه) تقع في 500 صفحة، قد قرأت بعض فصوله قديماً، وكذلك الفصول الأولى من كتاب عبد النبي العكري (التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي)، ولكن الجيل الثاني جيل الستينيات والسبيعينات لم أطلع إلا على كتاب عبد الله المطيويع هذا وكتاب عبد النبي العكري الآخر (ذاكرة الوطن والمنفى) ولا ننسى المجلد الضخم الذي قامت عليه فوزية مطر في تدوين سيرة زوجها وهو (أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن) من طبعة (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). وأما المراجع التي وقفت عليها في كتاب (الحراك الفكري السعودي) لوليد الهويرني كان من ضمنها (التنظيمات الماركسية في الخليج) للمعارض اليساري البحريني عبد الهادي خلف، وورقة بعنوان (شيء من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين) لعضو اللجنة المركزية لمنبر الديمقراطي التقدمي: فاضل الحليبي.
وعبد الله المطيويع يعتبر نفسه الأقرب إلى جبهة التحرير، وهذه الجبهة كما عرفها كريم مروة في كتاب "قضايا التحريرو الديمقراطية في البحرين والخليج" بأنه أول تنظيم مارسكي لينيني وأول حزب للطبقة العمالية في البحرين وفي الخليج بأسرها".
ولكن من عمل في القطاع الخاص -كأمثالي- لا يستطيع أن يُنكر الجهود التي أمتدت لأجيال منذ جيل الخمسينيات (هيئة الاتحاد الوطني) والتنظيمات العمالية التي أتت بعدهم في الستينيات كجبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية أثمرت في النهاية في تصليح أحوال العمال عموماً والعاملين في القطاع الخاص خصوصاً.
وكتاب عبد الله المطيويع من الكتب التي أُستعجل في نشرها، وكان من المفروض أن يقوم المؤلف بإرسال هذا الكتاب الى مُعد ومنسق حتى يخرجه بحله أفضل (ولاحظ بين كيفية كتابة المؤلف لكتابه وبين الكيفية التم تم نشر لقاء صحيفة الوسط معه ومن خلاله يتبين لك أثر المعد والمنسق)، فمن الأخطاء التي وقع فيها المؤلف، هو أنه لا يسرد الأحداث سرد تسلسلي من البداية حتى النهاية، وإنما يتنقل مابين الأحداث، فمرة يضع لك أحداث في السبعينيات وثم يضع أحداث في الستينيات ثم يضع أحداث حصلت في السبيعينات وهكذا .
والنقطة الثانية: وهو الإكثار من استخدام العبارات العامية، وكأن الكتاب قد وّجه الى البحرينيين حصراً، وأحياناً يضع تعريف أو توضيح ولكن في أغلب الأحيان لا يضع التعاريف ولا يشرح المصطلحات.
والنقطة الثالثة: أنه قام بسرد موجز في قضايا التعذيب وليس سرد تفصيلي، فلم يَذكرُ كيف تم التعذيب وإنما يكتفي ببيان أن التعذيب تسبب آثار في الظهر أو أُغمي عليه أو أنه كاد يموت، ولكن لا شرح تفصيلي.
والنقطة الرابعة: ذكر الكثير من الشخصيات، وهذه الشخصيات لا توجد أي مراجع أخرى تتكلم عنها، فكان حري بالمؤلف طالما بينه وبين هذه الشخصيات معرفة أن يذكر تعريف موجز لها في هوامش الكتاب.
والنقطة الخامسة: وهي الملاحق وبالأخص الرسائل المكتوبة بخط اليد كان يفضل أن تفرغ كنص في الكتاب، لان طباعة الرسائل المكتوبة بخط اليد وعرضها كصفحة في الكتاب جعلها غير واضحة ولا يعرف ما هو مكتوب فيها
والكتاب يصلح كوجبة سريعة، وهو اذا حذفنا الصور والملاحق (التي هي كلها صور تقريباً) يقع في 214 صفحة، وقد قدم له جمهرة كبيرة من رؤس ورموز اليسار في البحرين.
لم يتغير شيء، وعلى صعيد المعطيات الراهنة، لن يتغير شيء.. وإن ثمة أمل معقود بنواصينا لن يزيد عن تنفسنا تنفسا طبيعياً دون الحاجة إلى أجهزة تنفس اصطناعية.. أما أمل التغيير فهو مربوط بهمزة "الأسوء"
هذا ما استشفيته من كتاب "من المحرق إلى سجن بيت الدولة | جزيرة جدا".. الذي يسرد فيه المناضل والنقابي عبدالله مطيويع ذاكرة عذاب الاعتقال بشكل عفوي، صادق، بسيط وشفاف
ابراهيم بشمي.. المرحوم عبدالله خليفة.. قاسم حداد.. عبدالله هاشم.. علي الشرقاوي.. علي الشيراوي.. أحمد الذوادي.. محمد جابر صباح.. سلمان كمال الدين.. إبراهيم كمال الدين.. المحامي حسن رضي.. أحمد الشملان.. المرحرم مجيد مرهون.. علي ربيعة.. علي دويغر.. وغيرهم ممن لا يسعني ذكر اسماؤهم.. يقفزون دفعة واحدة من ذاكرة عبدالله مطيويع
أين كانوا وكيف أصبحوا؟! سؤال لا أحاول الاجابة عليه ولا يفعل مطيويع ذلك.. كل ما يفعله هو كشف ذاكرة عصية على النسيان، ٱريد لها أن تطوى لكنها تأبى
في مارس ١٩٦٥ قررت بابكو الاستغناء عن حوالي ٢٠٠ عامل بحريني و عندها خرج طلاب المدارس و أولهم مدارس المحرق و مدرسة المنامة الثانوية للاعتراض فقابلهم مسلحون بالرصاص و الهروات و مسيلات الدموع و تم اعتقال الكثيرين حينها و زجهم في سجون الانجليز تحت حكم السجانين المرتزقة.
تم اعتقال عبدالله مطيويع و عمره ١٧ سنة و قضى حوالي ٨ سنوات و عدة شهور متنقلا بين سجن القلعة و سجن جدا و سجن جو الذي كان بني حديثا خصوصا بعد اغتيال الشيخ و الصحفي عبدالله المدني في عام ١٩٧٦ م حيث آلت الأمور إلى ماهو أسوء بعد وفاة محمد غلوم بوجيري تحت التعذيب. يحكي لنا عبدالله أيام سجنه و لكن دون ترتيب للأسف و دون تدوين تفاصيل التعذيب. كتاب جيد يوثق للحركة العمالية و لكن يفتقر للتنسيق.
سرد مطيويع ذكرياته السعيدة والحزينة والمؤلمة في الفترة ١٩٦٥-١٨٤. الجدير بالذكر أن الأحداث التاريخية في الكتاب غير مرتبة بالتسلسل مما يصعب على القاريء تتبع القصة وورد تكرار بعض الأحداث في أكثر من موضع. القفز ما بين التواريخ سبب لي إزعاج وتداخل للأفكار خلال القراءة، وعدم توضيح بعض الأحداث/الشخصيات ولو من خلال الكتابة في الهوامش جعلني أوقف القراءة وأبحث في مصادر أخرى. وددت أكثر لو كانت الأحداث مرتبة تاريخياً، وودت لو أنه سرد في مذكراته بتفصيل أكثر عن الحركات والجبهات الشعبية في البحرين وعملها الذي أدى لاعتقال مؤسسيها. ص 128-ص 142 من الكتاب تلخص الموضوع بالكامل. مع الاحترام للجهد المبذول، الكتاب يحتاج إلى مراجعة وتطوير أكثر.
لطالما استهوتني قصص السجون والسجناء قبل سنوات قرأت حول السجون في السعودية سجن القبو في الحجاز وسجن العبيد في الأحساء وحين وجدت عنوان الكتاب عن سجن جزيرة جدا دفعني الفضول لقراءة الكتاب ومعرفة ماهية السجون في دول الخليج جدا عبارة عن جزيرة او كما يقول عبدالله المطيويع عنها جزيرة الأحلام تعتبر من أجمل الجزر خصصت بموجب الاتفاقات الدولية لمواطني دول الكومنولث يحاكمون فيها ويحجز فيها السجناء السياسين عرفت بسجن بيت الدولة وفيها سجن صاحب المذكرات بعد الثورة الإيرانية تم إلغاء سجن جزيرة جدا لينقل الى سجن آخر يدعى سجن جو الكتاب مليء بقصص السجناء وآلامهم يستحق القراءة