كتاب -كما يُسمون أمثالَه- للمتخصصين، فقد أقامَ أبو عبد الله محمد بن جعفر القزاز القيرواني التميمي هذا الكتابَ على مسألة ما يجوز للشاعر في الضرورة، وهي تجاوزات في اللغة تُباح للشاعر ولا تُباح فيمن يتكلم كلامًا غير الشعر. وسُمّيت ضرورات لأن الشاعرَ محكوم بوزن وقافية، فيحتاج أحيانًا إلى الترخّص بهذه الضرورات ليخرج من المأزق الذي يقع فيه. من الصرورات ما هو مُستساغ كصرف الممنوع من الصرف، فبدل أن تقول (مررت بمساجدَ) تقول (مررت بمساجدٍ) ومنها ما هو قبيح كالاجتزاء بحرف من الكلمة يدل به على سائرها كقول الشاعر: بالخير خيرات وإن شرًا فا ولا أريد الشرّ إلا أن تا يريد: وإن شرًا فشر، ولا أريد الشر إلا أن تَشاء. اقتباسات:
ومما يجوز له [الشاعر] عند الكوفيين: حذف باء الإلزاق، في قولهم: «مررت بزيد» فأجازوا: «مررتُ زيدًا» وأنشدوا: تمرّون الديارَ ولم تعوجوا كلامُكم عليّ إذن حرامُ يريد: «تمرّون بالديار»
وأنكر هذا سائر البصريين، وقالوا: لا يجوز في كلام ولا شعر. وقال محمد بن يزيد: قال عُمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: إنما قال جدّي:
مررتم بالديارِ ولم تعوجوا كلامكم عليّ إذن حرامُ
فعلى هذا ليس فيه اضطرار، ويصح ما قال البصريون؛ لأن الفعل لا يصل إلى اسم إلا بالباء، ولا يوجد في كلام العرب بغير ذلك.