لا تتوخّى هذه المقالة أن تكون بحثًا سوسيولوجيًّا أو تاريخيًّا شاملًا في موضوع المثقّفين والثورات، بل هي مقالة فكريّة مفهوميّة الطبع تنتج المعرفة عبر النقد كما عبر التمييز والتفريق في المصطلحات، لغويًّا ومفهوميًّا وتاريخيًّا: "المثقّف"، "الانتلجنسي"، "المثقّف العضوي"، وأخيرًا "المثقّف العمومي" الذي يتمّ التركيز على ثقافته العامّة التي تتجاوز الاختصاص مع كونه مثقّفًا عموميًّا في الوقت ذاته، أي متفاعلًا مباشرةً مع المجال العمومي وقضايا المجتمع والدولة.
بيد أنّ رحلة التمييز والتفريق لا تتوقّف هنا، بل تتواصل لترسم الحدود بين المثقّف والعامل في مجالٍ معرفي يستثمر فيه نشاطه الذهني أساسًا، والأكاديمي المنهمك في اختصاصه وحده، والفاعل الاجتماعي الذي يُعْنى بشؤونٍ عديدة دون فقه مجال واحد في العمق، وصولًا إلى التمييز بين المثقّف وبقيّة أفراد المجتمع.
هكذا، تتوصّل المقالة، عبر ضروب التمييز ونقد بعض الرؤى، إلى ما تعدّه العلّة وراء اكتساب صفة المثقّف، وهي القدرة على اتّخاذ المواقف استنادًا إلى قاعدة معرفيّة تمكّن من التوصّل إلى أحكامٍ قيميّة أو معياريّة. وبذلك تُعاد الأهمّية إلى الأدوات النظريّة، وإلى النظريّة التي هي، في معناها الهيغلي وبحكم تعريفها، نفي الواقع وإشارةٌ إلى إمكاناته الكامنة.
ويُجلى الربط بين المثقّف والثورة، مزيدًا من الجلاء عبر الإشارة العيانيّة إلى افتقاد المقالة في الثورات العربيّة كلًّا من المثقّف الثوري الذي يحافظ على مسافةٍ نقديّة ليس من النظام فحسب بل من الثورة أيضًا، والمثقّف المحافظ القادر على أن يشرح ضرورة الحفاظ على النظام وإمكانات التغيير القائمة فيه والحكمة التي تنطوي عليها الدولة وتقاليدها. وذلك قبل التمعّن في ضروب المثقّفين بحسب مواقفهم من الثورة، وفي مهمّة المثقّف الثوري التي لا تنتهي مع تفجّر الثورة بل تصبح أعقدَ وأهمّ بالغةً ذروتها في صوغ البدائل من الوضع القائم بعد الثورة.
عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا. مفكر وباحث عربي معروف، نشر الدكتور عزمي بشارة مئات الأوراق والدراسات والبحوث في دوريات علمية بلغات مختلفة في الفكر السياسي والنظرية الاجتماعية والفلسفة، ومن أبرز مؤلفاته: المجتمع المدني: دراسة نقدية (1996)؛ في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي (2007)؛ الدين والعلمانية في سياق تاريخي (جزآن في ثلاثة مجلدات 2011-2013)؛ في الثورة والقابلية للثورة (2012)؛ الجيش والسياسة: إشكاليات نظرية ونماذج عربية (2017)؛ مقالة في الحرية (2016)؛ الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة (2017)؛ في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟ (2018)؛ تنظيم الدولة المكنى ’داعش‘: إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة (2018)؛ في الإجابة عن سؤال ما الشعبوية؟ (2019)؛ والانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة (2020)، ومنها كتبٌ أصبحت مرجعيةً في مجالها.
كما أنجز بشارة عملًا تأريخيًا تحليليًا وتوثيقيًا للثورات العربية التي اندلعت في عام 2011، ونشره في ثلاثة كتب هي: الثورة التونسية المجيدة (2011)؛ سورية درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن (2013)؛ ثورة مصر (في مجلدين 2014). تناولت هذه المؤلفات أسباب الثورة ومراحلها في تلك البلدان، وتعد مادةً مرجعيةً ضمن ما يُعرف بالتاريخ الراهن، لما احتوته من توثيق وسرد للتفاصيل اليومية لهذه الثورات مع بعدٍ تحليلي يربط السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل ثورة في ما بينها.
Azmi Bishara is the General Director of the Arab Center for Research and Policy Studies (ACRPS). He is also the Chair of the Board of Trustees of the Doha Institute for Graduate Studies. A prominent Arab writer and scholar, Bishara has published numerous books and academic papers in political thought, social theory, and philosophy, in addition to several literary works, including: Civil Society: A Critical Study (1996); On the Arab Question: An Introduction to an Arab Democratic Statement (2007); Religion and Secularism in Historical Context (3 volumes 2011-2013); On Revolution and Susceptibility to Revolution (2012); The Army and Political Power in the Arab Context: Theoretical Problems (2017); Essay on Freedom (2016); Sect, Sectarianism, and Imagined Sects (2017); What is Salafism? (2018); The Islamic State of Iraq and the Levant (Daesh): A General Framework and Critical Contribution to Understanding the Phenomenon (2018); What is Populism? (2019) and Democratic Transition and its Problems: Theoretical Lessons from Arab Experiences (2020). Some of these works have become key references within their respective field.
As part of a wider project chronicling, documenting, and analyzing the Arab revolutions of 2011, Bishara has also published three key volumes: The Glorious Tunisian Revolution (2011); Syria's Via Dolorosa to Freedom: An Attempt at Contemporary History (2013) and The Great Egyptian Revolution (in two volumes) (2014). Each book deals with the revolution’s background, path, and different stages. In their narration and detail of the revolutions’ daily events, these volumes constitute a key reference in what is known as contemporary history along with an analytical component that interlinks the social, economic and political contexts of each revolution.
أحب الاستماع لعزمي بشارة أكثر من القراءة له لكن لكثرة استماعي لمحاضراته (المحاضرات أفضلها أكثر من لقاءاته التلفزيونية) بدأت أقراء له كثيرا مقالات مراجعات وأخيرا كتبه.....مستحيل أسمع أو أقرا لهذا الانسان الا وأخرج بفوائد كثيرة كتاباته تنورني كثيراً توضح لدي تلك الصورة القاتمة أكثر ويجاوب بكتابته على أسئلة مرت بذهني في فترة من الفترات وذهبت بدون أجابه سيظل المثقف المناضل العربي عزمي بشارة له مكانه لدي في مساري الفكري وكذلك د مصطفى حجازي . بعد هذه المقدمة الضرورية بالنسبة لدي نبدأ بالحديث عن الكتاب المثقف والثورة ...بالبداية شاهدت المحاضره الصيف الماضي ووجدت متوفرة ك كتاب الكتروني ... وبدأت قراءته , الكتاب هنا يتحدث عن المثقف والثورة وبداء بتعرف المصلحات لهاتين الكلمتين باللغة العربية ,وتاريخ أول أستخدام لمصطلح مثقف كان في القرن التاسع عشر في فرنسا عندما المثقفين اتخذوا مواقف من الشأن العام ,ووقعوا عريضة سياسيةوسميت في الصحافة لاحقاً بيان المثقفين . وكذلك هناك مصطلح(انتلجنتسيا) بالروسية صاغه مثقفو الحركة الشعبية الروسية , والمشترك بين المصطلحين هو رفض المثقفين الواقع القائم ,وأدواء وظيفة نقدية. وهذا المصطلحيين يختلف عن مصطلح المثقف العضوي : الذي هو عندما ينحاز المثقف إلى طبقة وإلي أيديولوجية وينظر لها في إطار المفهوم الهيمنة الايدلوجية......وما أكثر هذه النوعية من المثقفين بعالمنا العربي سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين . ويوضح الكاتب عندما تقوم الدولة باحتواء المثقفين والهيمنة عليهم يؤدي بنهاية المطاف اعتراف المجتمع بشرعية النظام وتثبيت حكمة ,وهنا أصلا لا يلعبون دور مثقفين ولم يكونوا مثقفين أصلا في يوما ما هولاء غالبا مثل ما نطلق عليهم شبيحه, فلول ,مطبلين للنظام.....وما أكثر المطبلين للأنظمة العربية في بلادنا من الشارع الى التلفاز والصحف واخيرا المسجد . نوضح أولا معنى لفظ مثقف هو ...المثقف الذي يؤدي دوراً في الشأن العام انطلاقاً من كونه مثقفاً مستخدما معارفه الشامله والعابرة للتخصصات . ما يجب ان يتحلى بة المثقف هو مناقشه ونقد الوضع السائد بأدوات عقلانية ومن منطلق اخلاقي . وهذا لا يعني ضرورة أن يكون المثقف نقدياً للنظام ويدعو لإسقاطه مثل حالة المثقف الثوري هناك مثقفون مثل حالة ادموند بيرك مثقف أصلاحي يدافع عن حقوق المواطن وحرياته ولكن يعارض الثورة (بعكس المثقف الثوري) ويرى أن النظام يجب أن ينتقد ويصلح ذاته في اطار تراكم التقاليد والخبرات المتجسدة عموما في حكم الدولة وهذا ما نطلق عليه المثقف المحافظ . اما المثقف الثوري يهدف الى تغير نظام الحكم بالتحرك الشعبي من خارج الدستور وهدم التقاليد والخبرات المتجسدة في النظام . ذكر د عزمي بشارة في حالتنا العربية لا يوجد مثقف محافظ بمعنى محافظ على الدولة بطوائفها بكيانها نقدا للنظام ..وأن اغلب المثقفين العرب ثوريين أنا هنا أختلف معه في الحالة السورية لدينا مثقف أستطيع أن اقول عنه محافظ وهو أدونيس وهذا الانطباع أخذته بعد مشاهدة لقاء له في سكاي نيوز عربية عن معرفه موقفه حقيقة مما يحدث في سوريا . على الاقل لدينا حالة واحده : ) تحدث الكاتب وانتقد المثقفين الثوريين في حالة الثورات العربية وان المثقف الثوري يجب ان ينظر لحالة الثورة من منطلقات ثلاث الاول تحليلي نظري ان واقع النظام لايستطيع التغير التدريجي الاصلاحي من دون ثورة, ثانيا :لان الثورة على نظام الاستبداد هي فضيله ضد الظلم وهذا لا يعني تقديس الثورة وعدم نقد جرائم الثوار خلال الثورة . ثالثا: عندما ينضم المثقف للثورة يجب ان يتخذ منها مساحة نقدية ,يضيف الكاتب لا أشك في حماسة المثقف الذي يعد الثورة قيمة لكنني أشك في مستوى ثقافته وحتى مواقفه الاخلاقية. على المثقف الثوري أن يحافظ على مسافة نقدية ليس من النظام فقط بل من الثورة أيضا وعلى المثقف المحافظ أن يشرح لنا ضرورة الحفاظ على النظام وإمكانيات التغير القائمه فيه ,والحكمة القائمة في الدولة والتقاليد التي تستند إليها. أخيرا الدولة العربية لم تتح مجالاً للمثقف المحافظ وحاربت تقاليد الشعب والدين ك مصدر للشرعية و الاخلاق والحكمة السياسية وقد حاربت هذه القوى التقليدية والنتيجة كما نرى ان الثورات وجدت قوى أهلية وتقليدية ودينية وقفت فيها الى جانبها ضد الانظمة , وهذا في حد ذاته مركب مناقض لأي مشروع نهضوي تحرري ك بديل من الاستبداد .
دراسة فكرية مبهرة تُعنى التمييز في المصطلحات، لغويًّا ومفهوميًّا وتاريخيًّا ويبدأ الكاتب بتمييز المثقفين الى:
- "المثقّف الانتلجنسي" بالروسية كما صاغه مثقفو الحركة الشعبية الروسية،والذي لا يرتبط بالمؤهل أو الدبلوم العلمي أو الإختصاص بل برفض الواقع السائد وتغييره من منظور الشعب، واستخدم في حينها في وصف فئة المتعليمن والخبراء العاملين في مجال التفكير كمهنة, مهندسين كانو او صحافين او خبراء او مهندسين أو علماء من العاملين في مجالات المعرفة والعلم, من دون ان يكونو من المفكرين المبدعين (أي الذين يقدمون انتاجا ابداعيا, فكريا كان أو أدبيا. - "المثقّف العضوي"، إنه المقف الذي ينحاز الى طبقة وإلى ايديولوجية وينظّر لها في إطار المفهوم الغرامشي للهيمنة الأيديولوجية في سبيل التحول عمّا هو كائن الى ما يجب أن يكون. وأخيرًا "المثقّف العمومي" وهو المتخصص صاحب الثقافة الواسعة الذي يكتب وينتج بلغة مفهومة للعموم عن قضايا المجتمع والدول بشكل عام, كما أن المثقف العمومي يساهم في هذا الفضاء من منطلقه، ولا تخلو مساهمته من مواقف الذي يتمّ التركيز على ثقافته العامّة التي تتجاوز الاختصاص مع كونه مثقّفًا عموميًّا في الوقت ذاته، أي متفاعلًا مباشرةً مع المجال العمومي وقضايا المجتمع والدولة.
مصطلح المثقف مترجم من القرن التاسع عشر الميلادي وبالتحديد من مصطلح Intellecual الوارد من صفة أطلقت على العاملين في مجال الفكر والأدب تحديدا, والذين اتخذو مواقف من الشان العام في فرنسا في القرن التاسع عشر بصفة كونهم مثقفيين.
في هذا المقال الطويل أو الكتاب القصير يقوم الدكتور عزمي بشارة بمقاربة مفهومين أساسيين في أي عملية ثورية أعقبت عصر النهضة ألا وهما المثقف والثورة. في البداية يقوم بالحفر الأركيولوجي اللغوي التاريخي للفظة المثقف باستدعاء المعاجم المختلفة كتاج العروس ولسان العرب وباستدعاء السياقات التاريخية سوءاً إسلامية أم أوروبية حداثية -ما بعد نهضوية- ، بعدها يطرح إشكالية تعريف المثقف وتصنيفه إلى عدة أقسام أهمها المثقف العمومي ، والمثقف النقدي ، والمثقف الثوري ، بعدها يقوم بتعريف الثورة ويُفرق بينها وبينها الحركة الإصلاحية ، وأخيراً يقوم بتوضيح دور المثقف بأصنافه المختلفة بعد إعادة موضعته مفاهيماً و وجودياً في ظرفي الزمان والمكان أي ما بعد 2010م في الأراضي العربية ، ينتصر هو في النهاية للمثقف النقدي الذي يقف مع الثورة ويريد التغيير الجذري ولكن يعمَل على تصويب مساراتها وممارسة النقد بدافع أخلاقي استراتيجي يهدف إلى خلق واقع أفضل والتخلص من الإستبداد وقِيم الإستبداد وثقافة الإستبداد التي يمكن أن تتجلى أيضاً داخل الفعل الثوري وتكون الثورة مجرد سياق مختلف للقوة الإستبدادية . أنصح بقراءَته خاصة للمهتمين في هذا المجال وهو العلاقة بين المثقف والسلطة خاصة .