كتاب يستقصي فيه المُحاوِر مرجعيات وآفاق وينابيع إلهام ورسائل مجموعة من رموز الكتابة في حقول الفكر والفنون والفلسفة والسرد من مختلف مراكز إنتاج المعرفة والجمال في العالم.
هناك جوانب مقبولة من الغرب و هناك أشياء مهمة، الديموقراطية لا بد من أخذها عن الغرب رغم أن أصلها من العرب، فقد جاءتنا نحن في عصر النهضة من العرب، ثم أعتقد أننا ماضون إلى حضارة كونية و إن كانت ستأخذ وقتاً ، و الثقافات القومية تمضي نحو الاضمحلال.
في البداية وجدت الكتاب فرصة لطيفة للتعرف على كُتاب لم أسمع عنهم من قبل، كان الكاتب الأول هو الإيطالي ألبرتو مورافيا، وبشعلة الحماسة الأولى بحثت عنه على الإنترنت، موضوع كتاباته، كتبه المترجمه، موجز بسيط عنه، ثم قرأت الحوار، فيصير الأمر كأن تقرأ حوارًا لكاتب تعرفه، لكن ليس كل الكُتاب معروفين أو لديهم نفس هذا التواجد على الإنترنت، لذلك فقد توقفت عن البحث بعد بعض الكتاب المتصدرين الكتاب. والمشكلة هي اعتماد المُحاور -خالد النجار- في الأساس على الكُتّاب الذين لهم خلفية ثقافية فرنسية، التي هي خلفيته أيضًا، فكل الكتاب المذكورين لهم صله بطريقة ما أو بأخرى بالثقافة الفرنسية، فالمفروض أن تسقط عنهم صفة (العالمية) الاعتماد الثاني على الشعراء، والواضح أن هذا هو المجال الشاغل للمُحاور من أسئلته، وأغلب الأسئلة المُوجهة للشعراء من تلك النوعية العائمة الغير واقعية والإجابات بالتالي تكون انعكاس لها، عموما أنا أكره نثريات الشعراء حين تتخذ صبغة شاعرية، وهذا ما كانت عليه الكثير من الحوارات مع الشعراء، لكن هناك تنوع طفيف، مع بعض الروائيين، مترجم وحيد، مفكر بحجم إدوارد سعيد (الوحيد الذي تعرفت عليه من بين كل الكُتاب) لكني وجدت في بعض الحوارات (وخصوصًا بعض الأسئلة) قيمة كبيرة، تجعلني لا أندم على قراءة الكتاب. لكني مُعجب بثقافة خالد النجار ولغته، في بعض أسئلته يطرح قضايا مهمة، أتذكر حديثه عن اللغة كونها عائقًا مقدسًا في الأدبيات العربية. تلك القصة الأسطورية التي ذكرها الكاتب التركي كمال يشار عن لقمان الحكيم تبدو لي مدهشة لأبعد الحدود، لخصها في بضعة أسطر، فكرت أن الكتاب يستحق أربع نجمات بسببها.
هي حوارات صحفية يغلب عليها الشكل المهني للصحافة، فجوهرها إن وضعت جانبًا لغتها الأدبية العالية يظل هو هو جوهر الحوار الصحفي المبتذل، والمبتذل هنا بمعنى الشائع لأن الحوارات في حد ذاتها جميلة، وإلا فهناك أسئلة بذاتها تكررت بصيغ مختلفة في كل حوار تقريبًا، منها:
- كيف اكتشفت نفسك كشاعر (مثلا) لأول مرة؟
- ما الكتب والقراءات الأولى التي أثرت فيك؟
- كيف تكتب ما هي عاداتك؟
- لماذا تكتب؟ لماذا الكتابة؟
- كيف ترى وضع الشعر (مثلا) في بلدك في اللحظة الراهنة، ومن هم أبرز أعلامه؟
وتثاقلت نفسي معه منذ المقدمة التي كتبها لهذه الحوارات، التي يقول فيها في الصفحة الأولى: اكتشفت أن السؤال رحلة، لسؤال مغامرة، السؤال ذهاب إلى المجهول، سفر داخل الليل، والمهم في السؤال هو السؤال نفسه، لأن السؤال ينشط العقل والمخيلة، ويدفعك لاقتحام المجهول، ولأنه كذلك فهو ينطوي على شيء من المغامرة، ولعل الأسئلة الحقيقية ليست تلك التي نطرحها، بل تلك التي نتجنّب طرحها دون وعي منا، دون وعي بوجودها
هل أقول مختزلاً: السؤال سفر والجواب وصول السؤال حركة دينامية، والجواب سكون والسؤال ليس تلك الصيغة الاستفهامية، إنها شكله اللغوي، وصورته الخارجية لا أكثر .. لأن السؤال تعبير عن قلق داخلي ورغبة في الذهاب إلى الأبعد
..
أعرف!، أعرف!، لست وحدك!، كنت أرغب في هذه النقطة في قذف الكتاب من حالق أنا أيضًا، ولكن اسمعني! .. لم يكن معي غيره!، ولم يكن الأمر - في النهاية - سيئًا لهذه الدرجة حقًا
س: ما النص الذي شدّك أكثر من غيره لدى غوته؟ آلام فارتر أم فاوست؟
ج: لا!، الشعر هو الذي شدني
وشرع - في ضوء ذلك المساء البرتقالي الأزرق الممتزج بغبار الصيف والمندلق في فضاء الغرفة - يقرأ لي شعرًا لغوته مما ترسّب في الذاكرة في لغة ألماني مقاطعها الصوتية مزيج من حدة ونعومة
وباستنثاء هذا التحذلق اللغوي الأزرق المندلق في فضاء الحورات، فالكتاب خصيب لأن الضيف كان لديه ما يقوله على كل حال، فهذه الأسئلة المكررة والمبتذلة هي عين ما سخر منها ماركيز في مقالته (مقابلة صحفية؟، لا شكرًا!) المترجمة من قبل صالح علماني في كتاب: قصص ضائعة، والتي بدأها ماركيز قائلا: إثناء احدى المقابلات الصحفية، وجّه إلىَّ الصحفي السؤال الأزلي: "ما هو منهجك في العمل؟"، استغرقتُ متأملاً، أبحث عن إجابة جديدة إلى أن قال الصحفي إنه إذا كان السؤال يبدو لي صعبًا فيمكنه استبداله بسؤال آخر، فقلت: "بالعكس!، إنه سؤال سهل، وقد أجبت عليه مرات ومرات، لذلك فإني أبحث عن إجابة مختلفة!"، تضايق مقابلي لأنه لم يستطع أن يفهم كيف أشرح منهجي في العمل بشكل مختلف في كل مناسبة، لكن الامر كذلك بالفعل فعندما يتوجه على المرء أن يقدّم مقابلة كل شهر، خلال اثنتي عشرة سنة، فإنه ينتهي إلى أن ينمي في نفسه طريقة أخرى للتخيّل، كي لا تكون جميع تلك المقابلات عبارة عن مقابلة واحدة مكرورة
ولذلك فالكتاب خصيب ^_^، والجزء الصغير المرفق في آخر الكتاب والذي ضم الحوارات المترجمة من مصادر أخرى والتي قام بها آخرون، كان فاتنًا كثيرًا، وأقصد بذلك خاصة الحوار المترجم بين الشاعر اليوناني جورج سيفيريس والشاعر الفرنسي سان جون بيرس، فهكذا هكذا تكون الحوارات الصحفية وكأنها قصة قصيرة غرائبية ورائعة؛ أما هذه الأسئلة والتحذلق في سائر الحوارات الأخرى التي قام بها المحاور فهذا النوع ذاته الذي دفع ماركيز لكتابة مقالته السابقة وإنهائها بقوله: بعد كل هذه السنوات من الإحباط ينتظر أحدنا من أعماق روحه أن يأتيه أخيرًا صحفي حياته الذي سيقابله مقابلة حقيقية مثلما هو الحب تماما
كان صحفي حياة سان جون بيرس - إذن - هو اليوناني سيفريس، وكذلك صحفي حياة نزار كانت هي: سعاد الصباح في حوارهما المنشور في كتاب حوارات العربي، ولكن للأسف قلّما يتوافر ذلك، لأن بيرس وسيفيريس كلاهما من الحائزين على جائزة نوبل في الآداب، ونزار وسعاد من قامة شعرية واحدة
ملاحظتانِ أساسيتانِ في هذه الحواراتِ: أن أكثر ما يزعج النجار هو امتعاضُه من ارتباطِ العربيةِ بالقرآنِ فهو يرى أنَّ البلاغةَ العربيةَ تحجرتْ وهي تجدُ أنَّ بلاغةَ القرآنِ لا تعلوها أيُّ بلاغةٍ وهو لا يجري حوارًا ويثبتُه إلا وكان هذا الأمرُ حاضرًا، والأمرُ الثاني يبدو أنَّ العنوانَ غيرُ موفَّقٍ فوصفُهم بالعالميينَ ليس بدقيقٍ وكان الأولى أن يكونَ حوارات مع كُتابٍ ذي ثقافةٍ فرنسيةٍ رُغمَ هذا فإنني أحسدُ النجارَ على علاقاتِه الكثيرةِ مع كتاب وشعراءٍ كبار، ولولا هذه العلاقاتُ لما تمكنا من الإطلاعِ عليهم، ولعل عفويةَ هذه العلاقةُ ظهرتْ وطفتْ على سطحِ الحواراتِ، لا نجدُ سؤالًا وجوابا كأستاٍ وتلميذٍ، ركزتْ على خَلْقِ الإبداعِ الشعري والروائي والفني وكيفَ تتنزلُ المادة على مبدعها، مع وظيفةِ الأدب وموقعها من الكاتبِ، وعن مَنْ تأثرَ، وحديثٌ عن الإصداراتِ ومناسباتها للأسفِ جل المحاوَرينَ أجهلُهم ولعل أجملَ حوار أعجبني حوارُ إدوارد سعيد
أغلب الحوارات مع شعراء لا أعرفهم (أنا لا أقرأ الشعر مترجماً) وبالتالي لم يجذبني الكتاب بشكل كبير. من مجموع الحوارات أستوقفتني نقطتين، الأولى إشكالية اللغة العربية بإعتبار أن منجذها الأهم - القرآن - هو نص مقدس يتحدى بلاغة كل من يكتب بالعربية، الثانية هو هل على الترجمة أن تكون أمينة في نقل النص الأصلي ووفية له وهل هناك معنى للوفاء للنص بالأساس.