Ignaty Yulianovich Krachkovsky (Russian: Игна́тий Юлиа́нович Крачко́вский) was a Russian and Soviet Arabist, academician of the Russian Academy of Science (since 1921; since 1925 Academy of Science of the USSR).
Krachkovsky was one of the founders of the Soviet school of Arab studies.
Krachkovsky is known for authoring the translation of Quran into Russian. His book of recollections Among Arabic Manuscripts was awarded Stalin Prize (in 1951).
"تحتشد المخطوطات حولي بتواضع كأنما هي خائفة فتقترب مني على استحياء، فأسمع في رفرفتها أصواتا هادئة تناديني: ألم تنسنا؟ ألن تبتعد عنا؟... المخطوطات تهمس، و أنا أدقق النظر فيها باهتمام...0 المخطوطات غيورة: فهي تطمع دائما في أن تستحوذ على كل اهتمام الإنسان. وعندئذ فقط، تعرض أسرارها وتكشف عن روحها و روح أولئك الناس الذين كانت مرتبطة بهم. أما المتطلع العابر فإنها تظل خرساء لا تنبئ عن شيء. و هي كأزهار "الست المستحية" تقفل أوراقها عندما تلمس بدون حذر. و هي لا تفضي بشيء إلى من يتطلع إليها بنظرة موحشة ملولة." 0 و لأنه من النادر أن يتحدث دارس عن آلية عمله من الداخل، و لأنه ينظر إلى الغربي المختص في علم اللغات و الآداب الشرقية على أنه شخص غريب منعزل بعمل بارد، و لأن النسيان يلف الباحثين المخلصين الذين يعملون بصمت في هذه الميادين، كتب كراتشكوفسكي المستعرب الروسي المولود عام 1883 ذكرياته مع المخطوطات و الناس الذين قابلهم، إيمانا منه أن الكتاب وحده هو من يحفظ ذكراهم... لم يكبح كراتشكوفسكي نفسه من تدفق حنينه من خلال مقالات صغيرة و متنوعة كتبها بحميمية عن عالم المكتبات و المخطوطات و كل أولئك المنكبين وراء الكتب، حتى لو اتهم بالرومانسية! فهو ما تحدث إلا كما عاش...0 يأخذك بكلماته و يغمرك في فيض من الحب و السحر تجاه عالم قوامه البحث و الدراسة للعربية بكل ما فيها... يذهلك أن تلك الحياة التي يخيل لخارجي صرامتها و جمودها ورتابتها، ما هي إلا حياة تنبض بالألوان و المغامرات و المشاعر المتأججة... و بداخل القوقعة الصلدة ينفتح وجود من الدفء و الشغف والأسرار: 0
المخطوطات تحدث أخبارها
عن رسالة الملائكة للمعري التي عثر عليها كراتشكوفسكي و تفاجأ من كونها رسالة إلحادية أكثر منها نحوية، ثم ركض الشيخ المحمصاني أحد أمناء مكتبة الأزهر وراء القطار الذي ركب فيه كراتشكوفسكي _مثل أحد مشاهد السينما_ ليصرخ له بدهشته من أن المعري لم يـُحرق مع الرسالة! ه عن صفحات قديمة من القرآن بالخط الكوفي ظهرت فجأة في روسيا يبيعها أحفاد جدة عربية مدعاة... ليتعرف على أنها مكتبة سليم نوفل التي توازعها أولاده من بعده.0 عن لمزه لبعض مثقفي العرب الذين تركوا بلادهم و يتهكمون على مواطنيهم أو يحتقرون ثقافتهم أو الدين الإسلامي... و عن استغرابه من عدم اهتمام العرب بتراثهم...ه عن ذكره لآخرين من مثقفي العرب الشغوفين بتراثهم و الذي ربطته بهم علاقة روحية و تراسل طوال حياتهم أمثال أحمد تيمور باشا "الارستقراطي الفلاح" _كناية عن تواضعه_ و أمين الريحاني "فيلسوف وادي الفريكة" الذي كتب له يبثه شعوره بتقاربهما أن نسب الروح هو أقرب الأنساب و أصحها.ه عن الشيخ محمد عياد الطنطاوي الذي سافر إلى روسيا في القرن التاسع عشر و درّس العربية هناك حتى توفي فيها، و اكتشاف كراتشكوفسكي لمخطوطات بيد الطنطاوي كتبها بصعوبة و هو في مرضه يكابد الشلل.0 عن تتبعه لمخطوطات عن أبي الفرج الوأواء الدمشقي الذي يسميه بشاعره من مكتبة لأخرى في البلاد العربية، ملاحقا إياه.0 عن بيت شعر كفري للأخطل حرّفه الناشر ليمر عبر رقابة المطبوعات التركية في القرن الـ 19 مع أنه قيل أمام خليفة دمشق في القرن الثامن، و عن كيف كتب بشكله الصحيح للنسخ المبعوثة لأوروبا!ه عن الأدب العربي في شمال القوقاز أي داغستان، حيث كانت اللغة العربية مع اللغة المحكية هي اللغة السائدة هناك. و عن العسكري الملازم للإمام شامل الداغستاني الذي ترجم القرآن الكريم للروسية و شغف بالمخطوطات العربية.ه عن أستاذه و صديقه المستشرق شميدت الخجول المنطوي الذي له (عيني ظبي مرتعب) و رسالته عن الشعراني التي أنهاها رغم الظروف، و عن تلقيبه لكراتكشوفسي بالحافظ لأنه قرأ القرآن في عطلة الصيف حين كان طالبا.0 عن المستشرق كراكاس الملقب بـ الوديع الذي لم يكن يحب أن يتحدث عن نفسه و لا يتحدث عنه الآخرون، متمثلا حكمة أبيقور (عش مخفيا). و الذي كان يستدرك على طريقة العرب بقوله: (إن شاء الله) حتى في أصغر محاوراته.0 عن المستشرق الألماني ريسكه الذي لقب نفسه بـ "صريع الأدب العربي" و الذي (ذاق تعاسة الكمال المطرد) و عاش عمره في فقر مدقع مكافحا الجوع، و قد تحدث عن ظمئه الملتهب تجاه الأدب العربي الذي لم يجلب له إلا التعاسة نظرا للزهد به في بلاده.0 عن مخطوط ابن قزمان الشاعر الأندلسي الذي شغل علماء اثنتي عشرة لغة، من بينهم عالم فنلندي أملى عن عمله حوله و هو على سرير موته: 0 "أيها العمل السلمي العالمي! ليتك تستطيع أن تستمر و تتصل بصرف النظر عن كل ما يهددك اليوم بالدمار"0 عن كثير من أمناء المكتبة الصامتين الخجولين المنعزلين العزاب الذين تزوجوا المكتبات، فمن يدخل المكتبة تستغرقه فلا يخرج منها أبدا... عن كثير منهم و قد قضوا بردا و جوعا بسبب الحصار... عن كثير من الدارسين المستشرقين الذين خطفهم الموت حربا أو عوزا...0
قد فتنت العربية ومخطوطاتها كراتشكوفسكي فوهبها حياته برمتها، فزوجته فيرا كراتشكوفسكايا كانت عالمة بتطور الخطوط العربية قد جمعه بها نفس الافتتان... بل حتى شاهدة قبره كتب عليها بيت شعر بخط عربي لأبي العتاهية: 0 الموت باب و كل الناس داخله.0
قبر كراتشكوفسكي
و بسبب كل الدفء الذي في الكتاب ظننت بسذاجة أن الرجل قد عاش حياة بحثية هانئة مليئة بالتقدير، و لكني تفاجأت حين قرأت عن اعتقاله و زوجته بسبب تهمة سياسية كاذبة، و وضع في الانفرادية لفترة، و بعد وساطة أخرج منها للسجن العام و قضى شطرا من الزمن في سجنه و هو يكمل أبحاثه ودراساته. و بعد جهد جهيد أخلي سبيله لأن التهمة كانت باطلة أساسا. 0 لكنه رغم ذلك لم يتحدث عن هذه الفترات العصبية، بل كل ما لمح إليه هو حنينه للمخطوطات حين أبعد عنها قسرا... بل بلغ به التفاؤل ظنه أنه ربما تسهم المخطوطات يوما في جعل هذا العالم الظالم المليء بالحروب مكانا أفضل:0 "إن للمخطوطات أقدارها فإن قوتها السحرية التي توحد العلماء الكثيرين في اندفاع مشترك، تطرد نهائيا في يوم من الأيام أرواح الظلام الشريرة التي ترمي إلى التفرقة بين الناس والشعوب."0
خرجت من الكتاب و شعور بالشغف تجاه حياة المخطوطات و الأبحاث و المكتبات...0 و شعور بالحماس تجاه تراثنا العربي و الإسلامي...0 و شعور بالامتنان لأولئك الغرباء الذين كرسوا حيواتهم و استنزفوها حبا بالعربية...0 و شعور بالخجل من نفسي لحالة من اللاجدوى اعترتني، بينما هناك من صرفوا حيواتهم لأجل دراسة و فهرسة علم لا معنى له في محيطهم مع أنهم قضوا بردا وجوعا ثم لا حمدا و لا شكورا...0 و شعور بحب عارم تجاه هذا المستعرب القريب من القلب كراتكشكوفسكي أو (غنطوس الروسي) و هي التسمية المشرقية التي يبهجه أن ينادى بها...0 و شعور بالحزن لانتهاء كتاب جميل جميل جميل...0
مبهوووورة تماماً --- قضيت وقتاً أفكر فيما سأكتبه عن هذا الكتاب، هذا الكتاب الذي مازال يشعرني بالمرارة على نفسي وعجزي وكسلي، جلده وتفانيه وجده ومثابرته لخدمة شغفه برغم عدم أهميته المباشرة في بلده، لكن هذا لم يثنيه أبداً، كان يجعلني أتنهد طويلاً بين الصفحات والسطور .. أوجز وصف كتبته العزيزة سلمى عن الكتاب بأنه أشبه بقصيدة غزلية في المخطوطات العربية لغة عاطفية -وإن كانت متزنة- تجاه المخطوطات العربية، وتحديداً مخطوطات الأدب العربي، وأيضا تجاه المكتبات، وعدد من الوراقين الروس الذين أفنوا حياتهم داخل المكتبات وكيف كابد بعض الباحثين والأكاديمين شطف العيش والجمع بين عدة مهن ومع ذلك تمسكوا بالبحث والعلم والتأليف والتحقيق أيضاً .. بعض المقاطع كنت أعيد قرائتها مرات ومرات وأعود لها للاستمتاع بما كتبه، ليس من أجل شيء ولكن للإحساس الواضح فيها واللطيف أيضا .. مايميز الكتاب خلوه من الاستعراض والتباهي الفج الذي ينتاب عادة بعض القراء والمؤلفين والباحثين حينما يتحدثون عن القراءة والكتب. هذا المقطع الشاعري تحديداً أسرني كثيراً وودت لو كبرته وعلقته أمام عيني "المخطوطات تحيطني، وفي ليالي السهاد و وقت المرض حين تصيب الحمى رأسي، وحين لا يستطيع عقلي أن يتحكم في أفكاري في كل هذه الأوقات تحتشد المخطوطات حولي بتواضع كأنما هي خائفة فتقترب مني على استحياء، فأسمع في رفرفتها أصواتا هادئة تناديني: (ألم تنسنا؟ ألن تبتعد عنا؟ أتذكر كيف أعدتنا إلى الحياة؟ وكيف أنك دققت النظر باهتمام في سطورنا البالية المطموسة؟ وكيف أنك فتحت معاني تلك السطور رويداً رويداً؟ وكيف دققت النظر أيضا في تلك الخطوط التي كتبت بسرعة أو بصورة غير جذابة، وكيف أنك عرفت منها قصة حياتنا فجأة، في الوقت الذي كان يلفح ظهرك فيه برد خفيف يثير الانفعال؟ وعندما كان يلمع أحد الأسماء في عينيك، فإن ذلك كان يعطينا مكانا في الحياة الماضية وها نحن من جديد قد استعدنا الحياة إلى الأبد وقد كنا من قبل مطروحين تحت الأرض أو في الصناديق المنسية مئات الأعوام)"
إنْ كنتَ تُحِبُّ الكتبَ وتشعرُ بالقربِ النفسي من نفائسِها فإنَّ هذا الكتابَ يقربُ أكثرَ هذا الحب فالحديثُ هنا منحصرٌ حول الكتبِ التي تُمثِّل لصاحبِنا (سرورًا ومتعةً في طريقِ الحياةِ) وتتشابكُ معَ البشرِ، ومَعَ ذلك تعلو محبةُ الكتبِ أحيانًا فيجدُ فيها سلوتَه؛ ولعل هذا الصراعَ تمثل أكثرَ ما تمثل في رحلتِه للشامِ ومصرَ حيثُ كان "يشتري ولا يبيع" في بدايةِ رحلته والتي تعني أنه يكثرُ من الصمتِ ومُقلٌّ من الكلامِ ومع ذلك فعندما يخلو بالمخطوطاتِ فهو يستمتعُ غايةَ الاستمتاعِ.
علاقةُ كراتشكوفسكي مَعَ المخطوطاتِ علاقةٌ روحيةٌ، ليستْ هوايةً ولا عملًا يرتزقُ منهُ، إنَّما علاقةُ حبٍ ووَلَهٍ بها فهي أشبهُ بأحدِ أبنائِه، وهو يسعى إليها ويسافرُ ويراسلُ، يفرحُ حين يصلُ إلى يديْه مخطوطٌ طالََ انتظارُه أو يقعُ عليه صدفةً فهو طالما يكررُ "للمخطوطاتِ أقدارُها" فهي عمليةُ جذبٍ وإن طالَ الزمنُ، بل قد ينسى مَرَضَه وتتولدُ لديه حيويةٌ مجهولةٌ مثالُ ذلك عندما وصلتْ الرسالةُ الصغديةُ وحاولَ فكَّ طلاسمِها وتفكيكَ غامِضِها منذُ اللحظةِ الأولى، ويدركُ القارئُ مقدارَ الفرحِ الطفولي الذي اعتراهُ من اكتشافِه ذاك
كذلكَ لم تقتصرْ جهودُ كراتشكوفسكي على الأدبِ العربي فهو وإن أفنى زهرةَ شبابِه في دراسةِ الشاعرِ الدمشقي ورسالةِ الملائكة للمعري وديوانِ الأخطل إلا أنه نجحَ في العثورِ مصادفةً على لوحةٍ برونزيةٍ من مملكةِ سبأ، وقصةُ العثور عليها من بين رُكامِ الأحجارِ المزيفةِ التي كانتْ من نصيبِ كثيرٍ من السياحِ الروسِ السذجِ الذين لا يميزونها قصةُ الحصولِ عليها وتحقيقُه تعطي صورةً واضحةً وأنموذجا بَينا على مقدارِ الجهد والعملِ اللامحدودِ الذي كان يبذلُهُ صاحبُنا وتعطي فكرةً عن عزةِ نفسٍ علميةٍ وفي عدمِ الاستسلام والاعتمادِ على تحقيقِ الآخرينَ
كتابٌ نادرٌ ومن حُسن الحظِ الطبعةُ التي لدي قديمةٌ "١٩٦٩"، وعشتُ معَ كراتشكوفسكي ذكرياتِه البديعةَ معَ البشرِ والأجملِ مع الكتبِ
شغف عظيم ذلك الذي جعل اغناطيوس كراتشكوفسكي يغرق باكراً في عالم الاستعراب والمخطوطات العربية، لينتشل لنا وللعالم ما خبأته القرون والحضارات المتعاقبة من كنوزٍ دفينة.
يبدأ كراتشكوفسكي كتابه بهذه الافتتاحية :
"أرجو أن لا ينظر إلى هذا الكتاب على أنه مذكرات شخصية للمؤلف فإنني لم أكتب هذه المذكرات عن نفسي، وإنما عن المخطوطات العربية التي لعبت دوراً كبيراً في حياتي، والتي شاء لي الحظ أن أُصادفها، أو التي شقت طريقها إلى دنيا العلم عبر يدي." بدأ نشاطه الاستشراقي بالجامعة وانتقل بعدها للبلاد العربية لينهل من منابع اللغة والمكتبات العربية عن قرب، كان لـ أبو العلاء المعري النصيب الأكبر من محبة كراتشكوفسكي واهتمامه، كتب عن سيرة حياة الشيخ الأزهري محمد عياد الطنطاوي المعلم العربي الأول في روسيا، وكذلك تحدث عن ابنة الناصرة كلثوم عودة التي عملت معه في روسيا بعد أن كانت تلميذته في فلسطين، ترجم القرآن الكريم للروسية وشارك في اعداد القاموس العربي الروسي الأول، بادر بالاهتمام بالأدب العربي الحديث في بلاد القوقاز. تحدث عن تنوّع المخطوطات وقصص اكتشافها، عن المتحف الآسيوي والجامعة، والمكتبات وأمناء المكتبات، عن أعمار العلماء القصيرة نسبة لطريق العلم الممتد، عن أصدقاءه الروس والعرب، والذين ارتبط مع بعضهم بعلاقة روحية غنية، كان زادها في البعد الرسائل والمخطوطات وعشق الأدب العربي، ومنهم أحمد تيمور باشا وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة وغيرهم. لغة الكاتب أدبية بامتياز وتَلمس دفء عاطفته وتعلّقه بالشرق عبر الصفحات، ربما كان هذا سر جمال الكتاب ونجاحه في روسيا قبل البلاد العربية، نجح الدكتور محمد منير مرسي في نقل ذكريات كراتشكوفسكي للعربية كما لو أنها اللغة الأصلية للكتاب، أغفلت دار النشر الروسية الاشارة لاسم المترجم في النسخة العربية، أعادت طباعتها دار النهضة العربية بمقدمة المترجم وزوجة الكاتب وأكثر من مقدمة لطبعات مختلفة بقلم الكاتب وكلها تستحق القراءة. - حتى لمن يُهمل قراءة المقدمات مثلي -
ذات خيال دار هذا الحديث العذب بين المخطوطات وكراتشكوفسكي ليكشف عمق العلاقة بينهما :
في رشفتين فقط، أو قل في لحنين طويلين فقط، في جلستين أنهيتُ هذا السفر العظيم .. وكانت عيني ترقب النهاية بحزن دفين !
من محاسن القراءة للمطوّفين في الأسفار سواء في الكتب أو في البلاد، أنه يأتيك بفوائد لم تكن تخطر على بالك قط! وإغناطي في هذا اللحن الطويل عزف موسيقى شجية جدا،في التغزّل بما عاش بينه وأعطاه عمره، وحدّثه كثيرًا؛ المخطوطات العربية ! فلا تسفيد من مثل هذه الكتب هذه المعلومات شديدة الأهمية فقط، بل تستفيد منها النفس ابحثي شديد الجدية والتدقيق بما يفيدك في طريقك الذي تصبو أن تصل إليه، والعلم رحمٌ بين أهله ..
هذه المخطوطات التي دلّلَها إغناطي لا كما يدلل المرء معشوقته .. بل أكثر .. "تحتشد المخطوطاتُ حولي بتواضعٍ كأنما هي خائفة فتقترب مني على استحياء، فأسمع في رفرفتها أصواتا هادئة تناديني: ألم تنسنا؟ ألن تبتعد عنا؟ المخطوطات تهمسُ، و أنا أدقِّـقُ النظر فيها باهتمام"
"المخطوطات غيورة: فهي تطمع دائمًا في أن تستحوذ على كل اهتمام الإنسان. وعندئذ فقط، تعرضُ أسرارها وتكشف عن روحها و روح أولئك الناس الذين كانت مرتبطة بهم.
أما المتطلِّعُ العابر؛ فإنها تظل خرساء لا تنبئ عن شيء. و هي كأزهار "الستّ المستحية" تقفل أوراقها عندما تُلمس بدون حذر. و هي لا تُفضي بشيء إلى من يتطلع إليها بنظرة موحشة ملولة."
هذا اللحن الشجيّ من هذا المستعرب ذكرني بكتاب الطناحي العظيم "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي،" والجهود الأوليّة لإخراج دفائن تراثنا الذي لم يخرج منه شيءٌ بعد، وهو لحنٌ رثائيّ آخر لما آل إليه حال الصعاليق الموجودين اليوم وحالهم في التعامل مع المخطوطات !
وفي كل مقالة منه تعرف تماما ليس فقط تتيّم الغرب بهذا التراث الشرقي الممتاز بل في كثير منه استفادة الغرب التامة من هذا التراث والبناء عليه، ويكفي ما قاله ريسكه هذا اللاهوتي البارع الذي أضفى تعليقات ثرية لنسخة ديوان الأخطل التي وجدها بعده كراتشكوفسكي..
هل لأحد أن يُحب المخطوطات بهذا الشكل؟ هل لأحد أن يكون أمة لوحده في البحث في تراث قوم آخرين غير قومه بل ويحب هذا التراث بهذا الشكل؟ أصابني الإعجاب الشديد وأن أتأمل ذكريات الأستاذ العَلَم كراتشكوفسكي الذي يظهر فيها حجم تقصيرنا في حق أنفسنا وحق تراثنا. الذكريات لا تخلو من فائدة في الحقيقة، فضلًا عن كونها محفزة جدًا ورافعة للهمم بشكل كبير، والرجل كما لا يخفى صاحب أشهر ترجمة للقرآن الكريم بل وأجود ترجمة إلى اللغة الروسية، وهو قليل المكر والدهاء ومنصف جدًا إذا تمت مقارنته بغيره من المستشرقين الأفاعي الآخرين. غفر الله للأستاذ إسلام الذي نبهني إلى هذا الكتاب القيّم. أنصح به كل مهتم بالاستشراق - المخطوطات العربية والإسلامية - المستشرقين وهو كتاب ماتع وأسلوبه قمة في الجمال الأدبي.
##عن الحب و أعياد الميلاد: ******* -يندفع أحدهم إلى حيث أقف، لا تمنعه جموع الناس ولا وقار " البالطوا الابيض" أن ينادي بعلو صوته:" يا دكتور، هابي فالنتين داي!"، ثم انخرط في ضحك على هذه النكتة التي تراءت له انها فوق المضحكة....الموقف يفرض نفسه، نضحك جميعا...ثم يتفرق الناس، ولكن تبدا في ذهني تساؤل: لماذا يتم السخرية من هذا اليوم؟. نمضي في حياتنا نبحث عن لحظة الحب، نستشرف صدقا في كلمة تعبر عنه ومن ثم نحتفي بها، يصيب قلبنا اليأس أن نعرف معناه، نتحينه في كل بسمة أو لطف غير معهود ونقول : ها هو. أيكون كل هذا ثم نسخر منه هكذا؟؛ يهتف بداخلي هاتف أنه الضعف، نسخر إذ نسخر لنداري ضعفنا وقلة حيلتنا.....لنعلن استغناءنا، والحق أن الكل متلهف.... يتبادر إلى ذهني قول آخر= هي ليست مداراة بل هي حقا سخرية: نفشل في تكريس معنى الحب في نفوسنا، لا نسعى لتحديد ملامحه اصلا ، لا نميزه بأعمال ينتهي يومنا ونحن ندرك انها ملأناها ، ثم إننا ننسحب في قسوة، أو نتحرى أكثر اسلحتنا حدة لنرمي بها من نحب، بل إننا قد نسأم ،والسأم محطة قل مجتازوها بل هي ملآى بمن وضعوا عصا ترحالهم ....يطرق الهاتف في نفسي ثم يقول: العيد هو احتفال بمجهود بذل و احتفاء بإنجاز ولو صغير، فإن كان الفشل حليفا لنا ، فعلام الإحتفال؟، أعتقد أن سياق الاحتفال غير المبرر بالخسارة هو السياق الذي نستطيع فيه أن نرى للسخرية معنى، السخرية التي يطلقها الكبار أن قد كبرنا و الانتهاز الذي يخوضه الصغار بسبب تسيب اليوم أوليس هذا داع للسخرية والكل يخوض الاحتفال بروح الإبتذال ؟؟...في السخرية والاحتفال مفارقة مزعجة كأن تأكل المربى وعليها جبنة قديمة !!!. - دع عنك هذا وتعال احدثك حديثا ذي شجون؛ في غرفة تجمعني انا وأخي، يجلس كل منا على مكتبه مولين ظهورنا لبعضنا البعض، كل منكب على حاسوبه المحمول في استذكار و استعداد لأيام الجامعة، الحق أن أخي لا زال يذهلني بسعة اطلاعه و جودة قراءاته، أعلم أنه كان مكبا على كنز ما يطلع عليه أثناء مذاكرته، أترقب قيامه، وعندما ينهض: أسرع في حذر أتلصص على ما كان يقرأ...بهذه الطريقة تعرفت على مفضليات الضبي والاصمعيات وقبلهما شرح المعلقات للزوزني، واهم ما تعرفت عليه هو رسالة الغفران لحكيم المعرة ،والقائمة تطول....في هذه المرة أسرعت إلى حاسوبه، أتلفت يمنة خشي�� أن بفاجئني برجوع، ولو أنه حدث وقفشت متلبسا فاعلم أننا على وشك معركة عن الخصوصية و غيرها ، اقول انني أسرعت ومررت اصبعي على لوحة اللمس فإذا الشاشة السوداء تضيء و اذا انا وجها لوجه مع كاتب ما يتحدث بتؤدة وفي حماس عما يسمى مخطوطات وعن كتب ما قديمة وعن مكتبات ، اقطع الصفحات متعجبا متعجلا، أدرك أنه لا جدوى من استمرار التصفح،فأرجع ادراجي مدهوشا، ولكني أدرك أن الصبر فضيلة وأنه في التأني السلامة ، وأنه سيجمعنا طريق الصلاة في المسجد، و على جوانبه سيدور الكلام . - في الطريق طرق سمعي اول مرة ذلك الاسم الغريب، الذي لم استسغه الا من قريب، يقول " كرشوفسكي" أو كراتوفسكي" ، ثم ينطلق في حوار لا احفظ منه عدا كلمة المخطوطات العربية .....ثم تمر الايام و تنازعني نفسي في تلك الأوقات التي ازهد فيها في القراءة أن اشحذ همتي بكلام ذلك الروسي، ولكن تصرفني الصوارف...ثم كان أن مرت سنون وها نحن على اعتاب معرض الكتاب لعامنا هذا، وإذا انا بصورة المؤلف الروسي وكتابه يطالعني ويحدق في أن ألم يحن معاد اللقاء؟!، لا اخفيك اني فرحت فرحتين فرحة لي وفرحة لاخي وكان هو أول مشترياتي من معرض الكتاب. ##المخطوطات والمكتبات و " كراتشكوفسكي": التقينا اخيرا ، يحدق في واحدق فيه ، يلعب الزمن لعبته، يساومني التسويف، و تهدد الأحداث بانشغالات وهي جد ضرورية، ثم إن الإجهاد يأتي كعذر و يشد علي لحافا؛ أنظر إلى تلك المكتبة الصغيرة بجوار سريري وهي قد مدت أوراقها ظليلة: وهنا اعتراني أسي ألا اقترب من تلك الدوحة فأضيع على نفسي ظلا ظليلا من لفح الإنشغالات. حسمت أمري ،سأبدأ؛ الرجل على غلاف الكتاب بنظارته الدائرية و عينيه اللامعتين تستريح له نفسك وما أن قطعت اولى الصفحات حتى تبدى لي ما يصدق ظني: رأيته جالسا في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم يلقي فصولا من كتابه ، ثم يتنبه أن بعض الحاضرين يبادر إلى تسجيل الاسماء والتواريخ فيغفل عن فحوى الكتاب وهو أنه ينقل حبا وقر في القلب للمخطوطات وشغف بتتبعها و حماسا لتعلمها وفهم خباياها، هو لا يعنى بالاسماء فهو يريد ما خلف كل الاحداث فتمضي به في حياتك مستفيدا منه . - الحق أنه يقول منذ البدء أن المخطوطات _ وهي بالمناسبة صفحات الكتب القديمة التي عبثت بها يد الزمن فهلك منها جلها وبقي آخرون أكلهم مرور السنين أكلا _ ربما تبدت لكم مملة و عسيرة بل وغير مفهومة ولا حاصل من وراءها ولكن رويدا على مهلكم " أن الانشغال بالمخطوطات يحمل في ثناياه السرور و الحزن معا شأنه في ذلك شأن أي شيء في الحياة ...ولكن المتخصص في دراسة المخطوطات تظهر له افراح الأعياد " يوما بعد يوم وخطوة بعد خطوة ، فإن كنت تصم هؤلاء المستشرقين بالإنطوائية فتعال أحدثك عن رحلتي إلى المشرق : إلى القاهرة و الإسكندرية و زيارتي لمكتبة الأزهر الكبيرة و المكتبة الخديوية و زيارتي لمكتبة الإسكندرية ثم رحلتي الى لبنان و زيارتي لبيروت لجامعة القديس يوسف ، وفي كل تكونت هناك صداقات و الاصل اني لا اتكلم العربية افهمها و اعيها لكن محادثة لا، لكني رميت بنفسي في سوق اللغة ابيعهم الكلام حتى استقام لي عوده ولم أك مجرد شاريا، هذا عن الخوض مع الناس، أما كبار الكتاب فلا أحدثك عن احمد تيمور باشا وابنيه أو الشيخ الأزهري الذي اكتشفنا معا رسالة لحكيم المعرة كانت ضائعة ، و توالت رسائلي مع احمد تيمور لإخراج الرسالة للنور ، ولا أحدثك أيضا عن لويس شيخو جالسا يحاول طباعة ديوان سلامة بن جندل أو مراسلاتي مع ميشا _ ميخائيل نعيمة_ أو أمين الريحاني، يا عزيزي صف كيفما تشاء من تشاء بالإنطوائية والبعد عن العالم لكن ليس نحن، فديوان ابن قزمان مثلا لكي يخرج إلى نور قد سافر من سوريا إلى بطرسبورج ليستقر هناك ضمن ورق كثير كان من الممكن أن يضيع ضمنه لو لا أن تولاه أحدهم يدعى ف.ر.روزن بفهرسة ثلاثمائة مخطوط تضم ذلك الديوان ، ليتفرغ بعدها له ،ثم أن روزن يجد أن عمله ليس كافيا فيحيل إلى عالم آخر يدعى دوزي ثم تنتقل الى غينتسبورغ عالم آخر ليصورها صورة فوتوغرافيه لتصبح متاحه للعالم كله ثم يتناولها عالم آخر يدعي ريبيرا ثم يضيف إلى عمله عالم آخر هو بيتروف وهكذا......بإمكانك أن ترى أن هؤلاء الشخصيات لو كانت بالضعف الموصوم به عالمهم لما حدث ذلك التبادل المعرفي ونقل الخبرات. في الحقيقة الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يمتد إلى جو من المغامرات والالغاز و اعمال للذهن لحل اشكاليات قد تتبدى سهلة ولكنها مغرقة في الصعوبة فمثلا وقعت على مخطوطات من بلاد تاجيكستان، مخطوطات صغدية وعربية وهو شيء غريب خاصة أنها مكتوبة على الجلد وكان الجلد متآكل ولا يتبدى من الكلمات إلا أقل القليل، وما يتبدى هو كلمات بلغة غريبة ، لكن يتبدى تقارب مع كلمة مشابهة، فأهرع إلى تاريخ الطبري بحثا عن تلك الكلمة، وما أن وقعنا عليها حتى فهمنا معناها و بدأ تاريخ المخطوط يتضح، وبدأ بناء و ترميم الرسالة كلمة كلمة بنوع من التنبوء والحق أن هذا لا يتم إلا ببناء معرفي و منهج صارم في التحليل ،او كتاب المنازل والديار فهو كان مطوي ولم يعرف عن أحد شيئا عدا ملاحظة عابرة من مستشرق عريق ولكن لم يقدم دليل على وجود المخطوط، وعندما تصفحت ما يمكن أن يكون المخطوط وجدت إشارة إلى خراب عام ضرب البلاد والحق أنه بالفعل في تلك الفترة ضربت زلازل سوريا فاودت بأهلها وفي آخر المخطوط إشارة إلى عام الفراغ من الكتابة في حصن معين، وهو نفس الحصن الذي تواجد فيه في تلك الفترة اذن المخطوط له ومع الوقت بدأت تظهر مخطوطات أخرى وبضمها لبعض تتبدى الصورة التي تنتمي بالفعل للكاتب ....... حتى لا أطيل عليك فما أود قوله إن حياة المخطوطات حافلة وثرية و مليئة بالحكمة واعمال العقل و التقصي والتتبع والسفر... ****** يمضي كلام كراتشكوفسكي في نفس السياق وان كان لي أن أشير إلى فصلين هما الأحب لقلبي ففصل معارض رسالة الماجستير عن سيدي عبدالوهاب الشعراني الذي توفر على دراسته أ.إ.شميدت، والخلاصة أنه كان موضوع دراسة له وكان من سيعارض أو يناقش دراسته تلك هو كراتشكوفسكي ويعتبر من المثالب الا يتضمن البحث المصادر المهمة التي تعالج شخصيتك محل الدراسة، وهذا ما حدث اغفل شميدت مرجع هام ولكن أثناء مراجعة كراتشكوفسكي وجد أن هذا النقص لا يمس نتائج الرسالة بشكل من الأشكال وعليه فلا حرج، ولما كان كراتشكوفسكي تلميذا لشميدت، كان تعديله عليه في أثناء النقاش ربما يثير ضغينة شميدت ولكن كراتشكوفسكي آثر عكس ذلك وعندما سئل قال : انا لست من أنصار ميدا لتتحقق العدالة ويهلك العالم فإذا هلك العالم فاين ستظهر العدالة ،ان العلم يتحرك بالاحياء من الناس ، وإذا نحن لم نفكر في هؤلاء الناس فإن العلم نفسه قد يتوقف . الحق أن تلك الروح الطيبة هي ما كان يسعى لبثه في نفوس مستمعيه وان المسئول عن تلك الروح الشفافة النقية كان جزء منه يعود لهؤلاء العلماء وتلك المخطوطات . أما الفصل الآخر الذي ملك علي قلبي فهو كلامه عن الشيخ محمد عياد الطنطاوي ، فهو يقول أنه مما كتب يفضل أربعة كتب وعلى رأسهم كتابه عن الشيخ محمد والمثير هنا هو ذلك الوفاء والتبجيل لغريب تعلم الروسية وأشاد بأهلها فلم ينسه أهلها والمتوقع أن ينخرط أهل اللغة في المن على ذلك الطنطاوي الذي قدم إليهم وعمل عندهم ولكن النفوس العالية تعرف لكل امريء حقه وتنزل الناس منازلهم . أما وهذه اخلاص من بطن الكتب ومن قلب الاحتكاك بالناس في عالم الاستشراق فحيهلا عليها و كل الثناء على هؤلاء ، واقول بلسان محمود تيمور : (....واستهواني هذا الحديث، وجعلت أنظر إلى الصورة وانا معجب فخور بهذا الاستاذ المستشرق الذي انبرى لعالم من علمائنا المنسيين ينشر حياته على الملأ...في هذه اللحظة أحببت الأستاذ كراتشكوفسكي وشعرت في صميم قلبي بأنه ليس غريبا عني....).
هذا الكتاب اجتمع له جلالُ الموضوع (عن المخطوطات) وندرةُ المادّة التي لا تجدها في سواه (عن التفاصيل التي أغفلها الكُتّاب العرب - لا إهمالًا وإنما لم يحيطوا بها أو يدركوا أهمية رصدها لمن بعدهم، عن وضع الكتب ومخطوطاتها مطلع القرن العشرين الميلاديّ) وعن تفاصيل أخرى صاحبتْ بعض المخطوطات وعن بدايات النهضة العربية ورصد لبعض مظاهرها، وعن الحياة التي سخّرها الله للتراث العربيِّ المطمور في الطوامير والرَّقِ والجلود، فبُعثت من مراقد النسيان والغفلة والحروب، وإن كانت المفارقة في أنّ إحياءها جاء من أولئك المستشرقين الذين كانت الرَّيَب تحيف بهم، لكنّ هذه الصورة التي حملها هذا الكتاب، دالةٌ أوضح الدلالةعلى أنَّ من المستشرقين من سعى للذخائر العربية وجاد بأزكى سنوات عمره وبخلاصة نفسه في سبيل العلم وحده! ثم هو مكتوب بأسلوبٍ يفيض شاعريّة، وبنفسٍ تتنفّس الشغف عما تكتب عنه.. لذا كان يعيرك شغفه، وكنت تتمنّى لو رأيت ما يصفه عيانًا! ولم أقرأ كتابًا كنت فيه أستبق الصفحات - لا مللًا! - بل لأن إيقاع موسيقاه وطربه يتعاظم كلما مضيت فيه! تمنيت لو كانت لشيوخ التحقيق العرب ودائع من المذكِّرات وسجلّات حفظوا بها ما مرّ بهم كما فعل كراتشكوفسكي.. لكني أقع على مثل هذه الملحوظات في تفاريق كتبهم ومقالاتهم مثلما كتبه الطناحي رحمه الله أو عبدالسلام هارون في تضاعيف مؤلفاتهم.. ولم يفردوا ذلك في مذكّرات.
اكتفي بما كتبه غير ممن سبقني إلى قراءة الكتاب، فقد استوفوا ما في نفسي وزيادة، إلا أنني أحب أن أشير إلى أسماء الأعلام الذين تحدث عنه كراتشكوفسكي في كتابه هذا، وهم: ١. رزق الله حسون . ٢. الأب شيخو ٣. المترجم سليم قبعين . ٤. حبيب الزيات. ٥. أمين الريحاني . ٦. ميخائيل نعيمه ٧. محمد عياد الطنطاوي . ٨. أنطون صالحاني
Marvelous book. Kratchkovsky captures the joy and passion of a life working with manuscripts. Wonderful and evocative descriptions of libraries, discoveries, and some of the great scholars and writers of the first half of the twentieth century.
وفي العقد الرابع من هذا القرن أُرسلت من شمال القوقاز مجموعة أشعار عربية لشعراء الفترة الأخيرة ، وقد بلغ بي الأمر من شدة المفاجآت في أولي اللحظات أنني ظننت أن في الأمر مقلبا مدبرا ، ذلك لأنني ذهلت من المعرفة الواثقة لكل أشكال وألوان الشعر العربي القديم في هذه المجموعة .. لم تكن هناك أي مقالب فإن قوة تيار التراث العربي القديم في القوقاز استطاعت أن تحمل حتي أيامنا اللغة العربية الفصحي التي لا تستخدم في التخاطب العام في موطنها في البلاد العربية ، أما في شمال القوقاز فقد عاشت اللغة العربي�� حياة كاملة ، لا في الكتابة فحسب ، بل وفي الحديث أيضا.
بيقال إنه لو شغفك هو شغلك/أكل عيشك/مصدر دخلك فغالبا هتكون مبدع وغالبا هتعرف تعمل أحلي شغل وأحلي فلوس ، كراتشكوفسكي كان عايش في روسيا أثناء الثورة البلشفية فغالبا معرفش يعمل أي فلوس بس عمل شغل فوق الرائع ، الراجل اكتشف وأعاد نشر كتير من المخطوطات المنسية أو المهملة في الأرشيف الروسي لشعراء عرب أصبحت بعد كده ملء السمع والبصر ، وبيقال إنه ألف كتاب "مع المخطوطات العربية" اعتمادا علي ذاكرته في أثناء الحرب سنوات حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية.
وهو كتاب يوميات ممتع للغاية مكتوب في أوائل القرن العشرين لمستعرب روسي مفتون بالمخطوطات ويعشق العربية كواحد من أبنائها وتقريبا أفني عمره في خدمتها ، كتبه عن يوميات عمله في دار المخطوطات وفي الجامعة وفي الوظيفة وذكر طرف من زيارته لبلاد العرب وأماكن حفظهم لمخطوطاتهم زي الجامعة الأمريكية والجامع الأزهر ، وذكر طرف من مراسلاته مع كثير من أبناء البلاد العربية من قامات الشام ومصر ، وطبعا شغله في الكشف عن مخطوطة كتاب أبو العلاء المعري ، وعن ذكر الشيخ الأزهري محمد عياد الطنطاوي اللي استوطن روسيا لدراسة العربية ومات هناك.
مما يلاحظ إنه الكتاب لم يذكر أو يعلق علي أي حوادث تاريخية أو سياسية واجتماعية طوال الكتاب اللهم إلا ذكره لانقطاع عمله ومراسلاته مرتين بسبب الحربين العالميتين ، فشخص مثله كان الاولي برأيي أنه يذكر تأثير حوادث السياسة والثورات والحروب علي التعامل مع المخطوطات وحتي نقلها من مكان لمكان أو حتي طرق جلبها وأرشفتها والعناية بيها ، ولكن طبعا هو مش ملزم بتوقعاتي عنه ، وكان مخلص لعنوان الكتاب عن البشر والكتب ، فالمجمل العام مفيش سياسة ولا تاريخ لكن في علم ومخطوطات وبس وفي حب جارف للعربية ولمخطوطاتها ، وهو في عمومه كتاب يوميات رائع كنت أتمني أن يطول اكثر من كده
ملحوظة: الصورة المنشورة هي لدار تراث التي أعادت نشر الكتاب مرة أخري جزاهم الله خيرا أما أنا فقرأت النسخة القديمة بالآلة الكاتبة المنشورة سنة ١٩٦٩م عن دار النهضة العربية
اللهم انصر أهلنا في القطاع واربط علي قلوبهم واغفر لنا حياتنا تلك التي نحياها بشكل اعتيادي دون أن نملك لهم شيئا وهم في مواجهة الموت كل لحظة اللهم فرجا قريب
الرجل الذي وهب حياته لخدمه اللغة العربية وقدم العديد من الأعمال وكشف عن الكثير من تراثنا فهو أول من اكتشف مخطوط "المنازل والديار" للأمير أسامة بن منقذ ، نشر "رسالة الملائكة" لابي العلاء المعري ، وكتاب البديع لابن المعتز و الاراجيز الثلاثة لوصف الطرق البحرية لاحمد بن ماجد ملاح فاسكو دي غاما وتحت إشرافه صدرت الطبعة الكاملة الروسية لترجمة " ألف ليلة وليلة" وترجم كل من كتاب " كليلة ودمنة " وقصة " الأيام" لطه حسين
ألف كراتشكوفسكي كتابه "مع المخطوطات العربية" واعتمد علي ذاكرته في تأليفه أثناء الحرب وقت حصار لينينغراد
يحكي كراتشكوفسكي في الكتاب عن بداية اهتمامه بالمخطوطات منذ دخوله مكتبة بطرسبورغ وهو طالب ماجستير والمخطوطات النادرة التي وجدها
سافر كراتشكوفسكي إلي بيروت ونزل في بلدة صغيرة وحاول أن يبعد عن الكتب ويتعلم التحدث باللغة العربية ،يزور جامعة القديس يوسف ويقابل هناك مجموعة من المؤرخين والعلماء و ويتعرف علي الكاتب جرجي زيدان وأمين الريحاني ومحمد كرد على
يكمل رحلته في البحث عن المخطوطات ويسافر إلي القاهرة وهناك زار المكتبة الخديوية وقابل الخطاطين والنساخين ومكتبة الأزهر ويجد هناك رسالة الملائكة لابي العلاء المعري ومكتبة أحمد تيمور باشا و سيكون هناك اتصال دائم بينهم
يزور مكتبة الخالدية بالقدس ، والمكتبة المتروبولية المارونية في حلب ، ويبحث في دمشق ولبنان
يحكي عن المخطوطات التي عثر عليها في المتحف الآسيوي في روسيا "الآثار الباقية عن القرون الخالية " للبيروني الخوارزمي ، "ديوان ابن قزمان" وكان المتحف لايخزن الا الكتب والمخطوطات الشرقية
يحكي عن الشيخ محمد عياد الطنطاوي الذي كان يقوم بتدريس المحاضرات في معهد اللغات الشرقية بروسيا وعين مستشار في الدولة الروسية وقام بتجميع العديد من المخطوطات تقارب مئة وخمسين مجلد توفي الطنطاوي و دفن في قرية فولكوفو في بطرسبورغ
يقول كراتشكوفسكي أرجو ألا ينظر إلي هذا الكتاب علي أنه مذكرات شخصية لنفسه وانما عن المخطوطات العربية التي لعبت دورا كبيرا في حياتي .
"تحتشد المخطوطات حولي بتواضع كأنما هي خائفة فتقترب مني على استحياء، فأسمع في رفرفتها أصواتا هادئة تناديني: ألم تنسنا؟ ألن تبتعد عنا؟ المخطوطات تهمس ، و أنا أدقق النظر فيها باهتمام"