What do you think?
Rate this book


Hardcover
First published November 30, 1921
وإلا فنحن نرغب لأنفسنا ما نرغب فيه عندما نرغب فيه دون أن نرتاب كثيراً في الوسائل التي نستخدمها لتحقيق ذلك.
وذلك لأن توزيع القوة الخلاقة بين العمل والمهن الأخرى توزيعاً عادلاً، واستعمالها استعمالاً إنسانيّاً أوسع في ميدان الأعمال، يعتمد على الفهم الصحيح للقوى الحقيقية للعمل، ويربط قادة الصناعة بين الاهتمام بمخططات بعيدة الأثر، وتوفيق كبير بين الظروف بینی على الدراسة، وسيطرة على المهارة الفنية المهذبة والمعقدة، وسيطرة على القوى والأحداث الطبيعية، وبين حب المخاطرة وإثارة الأشخاص والسيطرة عليهم.
على أن كل عادة فيها ناحية آلية، ولكن الآلية ليست بالضرورة كل ما هو موجود في العادة. على أننا نجد في مناحي حياتنا المختلفة نوعاً من الآلية لا نستطيع الاستغناء عنه، وكلما كان شكل الحياة أسمى كانت هذه الحياة أكثر تعقيداً وتأكيداً ومرونة، واحتاج الفرد الإنساني الذي يحياها إلى نوع من الآلية لمواجهة كثير من مواقف الحياة. فالحياة والآلية ليستا متعارضتين، ولكنهما ليستا متساويتين. وعلى هذا، فنحن نتطلب أن تكون العادات عادات فنانة مشحونة بالذكاء والتفكير، فيها المهارة والآلية، وفيها المرونة والقدرة على التصرف.
والأخلاق إنسانية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. الأخلاق هي أقرب المواد جميعاً إلى الطبيعة الإنسانية. وهي ليست لاهوتية ولا ميتافيزيقية ولا رياضية. والأخلاق لها علاقة مباشرة بالطبيعة الإنسانية، وهذه الطبيعة الإنسانية تعيش وتعمل في بيئة، وهي لا تكون في هذه البيئة كما تكون النقود في الصندوق، ولكن كما يكون النبات في التربة وضوء الشمس، فهو منها مستمر مع طاقاتها، معتمد على مساعدتها، ولا يستطيع النمو إلا إذا استعملها. فالأخلاق ليست ميداناً منفصلاً منعزلاً ولكنها معرفة مادية بيولوجية تاريخية وضعت في محتوى إنساني حيث تضيء مناشط الإنسان وترشدها.
إن المسألة الأخلاقية تكون في تغيير العوامل التي تؤثر في النتائج المقبلة، فإذا أردنا أن نغير إرادة شخص، أو أن نعدل من شخصيته الحاضرة، وجب علينا أن نغير من الظروف الموضوعية التي تدخل في تكوين العادات التي اكتسبها، ومن هذه الظروف طريقتنا في الحكم، وفي إلقاء اللوم، وتوجيه المديح، وفي توقيع العقاب أو منح التكريم.
فأي نوع من النشاط أصلي عندما يحدث لأول مرة، فكما تتغير الظروف على الدوام فإن مناشط جديدة بدائية تحدث باستمرار. وعلم نفس الغرائز التقليدي يخفي الاعتراف بهذه الحقيقة؛ إذ يقيم طبقة جامدة سابقة الوجود تندرج تحتها أفعال معينة، حتى إن نوع هذه الأفعال وأصالتها يختفيان عن النظر. وهذا هو السبب في أن الروائي والكاتب المسرحي مفسران وموضحان للسلوك الإنساني أكثر مما يفعل السيكولوچي المنظم. ويقوم الفنان باستجابات فردية مدركة ويعرض بذلك طوراً جديداً من أطوار الطبيعة البشرية ظهر في مواقف جديدة. أي إنه يكشف بذلك عن الواقع الحيوي. والمنظِّم العلمي ينظر إلى كل عمل على أنه مثال آخر المبدأ قديم، أو على أنه ارتباط آلي لعناصر مستمدة من قائمة سبق إعدادها.
وعندما نقول إن المجتمع يهمل القيمة الأخلاقية للفن فليس معناه أن نقول إن إهمال المهن المفيدة ليس أمراً ضروريّاً للفن. بل على العكس من ذلك كل ما يحرم اللعب والفن من مرحهما، فإنه يحرمهما أيضاً من وظيفتهما الأخلاقية. ويصبح الفن بذلك هزيلاً کفن، ولكنه يصبح أيضاً وبنفس الدرجة أقل تأثيراً من ناحية وظيفته الأخلاقية الدائمة. فهو يحاول أن يفعل ما تستطيع الأشياء الأخرى أن تفعله بطريقة أفضل، ويفشل في فعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله للطبيعة البشرية من تخفیف وتهدئة التوتر والشعور بالمرارة والقضاء على الهم والكآبة، والقضاء على الانعزال الناتج عن أعمال التخصص.
وغالباً ما نرى أن الرجل الذي يجب أن يبذل جهده وطاقته في نقد التقاليد، يبذل هذا الجهد وهذه الطاقة في نقد من يرغب في إصلاحها. ويكون ما يعترض عليه في الحقيقة هو اضطراب أمنه ومصالحه وراحته وقدراته الممتازة.