يتناول الكتاب الصراعات الفكرية التي دارت بين الأيديولوجيتين الشيوعية والرأسمالية على مدار غالبية القرن العشرين, واستماتة كل منهما في إثبات صوابية توجهها, فإن أياً من هاتين الأيديولوجيتين لم تحقق مفهوم التصالح العام, وهو المحور الذي تدور حوله كل الفلسفات السياسية على مدار التاريخ.
وعدنا الكاتب منذ البداية بأنه سيتسخدم المنهج "التحليلي" على حد تعبيره، والنقدي -كذلك- للنظر في التناقضات الكامنة داخل كلا الأيديولوجتين الكبيرتين (لا الأيديولوجيات كما وعد العنوان)، ولكن هذا لم يحدث إلا نذرًا يسيرًا جدًا منه..
ما حدث هو محاولة "جمع" تعريفات لمفهوم "الأيديولوجيا" وهذا الجمع الكثير بين التعريفات، لكثير من منظرين وناقدين من مختلف التيارات، أشعر الكاتب وأشعرنا معه بالتيه أمام تلك اللفظة المفاهمية، فلم نخرج بأي "حد" لتعريف "الأيديولوجيا". لكنه أجاد في تعريفات أخرى مثل الدوجماطيقية؛ وله مقاربة جيدة عن العولمة والتعولم والعالمية وأزمة المركزية (الغربية-الأمريكية)؛ هذا من حيث التعاريف.
أما باقي الكتاب فهو سردية تاريخية هامة، جامعة وبسيطة، ولا أقول اختزالية بالنسبة لحجم الكتاب، وللمساحة التي غطاها السرد؛ انقسم السرد نصفين: نصف للماركسية والماركسيات (إن جاز التعبير)، والنصف الآخر لليبرالية وتراثها وجدتها. فقسم كل منهما لمراحل متتابعة ومتشابكة، ولم يقطع الصلة أبدًا بين هذه المراحل، بل أبقى التركيز منصبًا على التداخل وسير النقد بين مختلف الأقسام.
وعن الأزمة أو الأزمة، فهو لم يجهد كثيرًا في الحجاج عليها، بل ثبتها من البداية ولم يحاول تدعيمها، فكانت المقدمة والبداية كأنها منقطة الصلة بالسردية التاريخية إلى حد ما! والأزمة من وجهة نظر الكاتب تكمن في الثقافة الغربية بعامة، وهي أزمة الثنائيات المتقابلة أو الحدية، وهي التي بلورها ووسمها بالدوجماطيقية (امتلاك الحقيقة المطلقة) وأن هذه الأزمة هي السبب وراء "هزيمة" الشيوعية والاشتراكية؛ ووراء أزمات الرأسمالية النيوليبرالية الحالية. وفي هذا يتبدا لي بعض العور في الاستنتاج والاستدلال (لغياب المحتوى التحليلي المركز).
ومن جهة أخيرة يبقى الكتاب هامًا، ومن أفضل الترشيحات لكل من يريد البداية والبحث في الرأسمالية والحركات الماركسية، كسياق تاريخي داخلي (بالنسبة للأيديولوجيا ذاتها)؛ وتبقى نقطة ضعفه في استبعاده السياق الخارجي، وقلة تحليليه، وضعف تفسيريته.
كتاب جيد لمن يريد التعرف على تطور الشيوعية والليبراليةبصورة مختصرة وسريعة ومقارنة التطبيق بالنظرية وأزمة تحول بعض تفريعتها إلى دوجما يعتقدون معها أنا أيديولوجياتهم قادرة على حل كل المشاكل وتقديم اجابات لكل الأسئلة.