جماعة فكرية عاشت في القرن الرابع الهجري ( العاشر ميلادي) وامتازت برجاحة التفكير والتطلع العلمي , في الإقناع بما فسره الحكماء من ظواهر طبيعية , أو ما تبنته الجماعة في ما سميناه بالليبرالية المبكرة , وقناعتهم في ما نسميه في عصرنا الحالي بالتكنوقراط , والحرفية في أمور الصنائع , أو فكرتهم عن الدولة , وما قدموا من إشارات في العمران.
كذلك قناعاتهم الإيجابية ضد المذهبية الدينية , التي تحاصرنا اليوم , مع علمنا أنهم من أهل القرن العاشر الميلادي , أي قبل أكثر من ألف عام , كانت رسائلهم إشارة إلى رقي اجتماعي مبثوث في حياة ذلك العصر , ويعد قياسا بعصرنا الحاضر , أمرا لافتا للنظر فيه بإعجاب وعجب.
هو باحث عراقي ولد في الجبايش (العمارة) جنوب العراق وتخرج من معهد المعلمين في بغداد سنة 1975. حصل على شهادة البكلوريوس من جامعة عدن 1984. نال شهادة الدكتوراه في صوفيا في الفلسفة الإسلامية سنة 1991. مارس التعليم في مدارس بغداد الابتدائية للفترة 1975_1979 في الوقت الذي نشرت فيه منظمة اليونسكو تقريرا قالت فيه ان التعليم في العراق يضاهي التعليم في الدول الاسكندنافية. درس في الجامعات اليمنية للفترة 1979_1988 وهي الفترة التي شهدت رحيل حوالي أكثر من 23 الف باحث وطبيب ومهندس إلى خارج العراق نتيجة حرب الخليج الأولى التي خاضها العراق بقيادة صدام وايران بزعامة الخميني.وهو أيضا كاتب مقال اسبوعي في جريدة الشرق الأوسط وصحف أخرى ابرزها الاتحاد الإماراتية.
ما يجذبني بالأساس لإخوان الصفا جانب قد لا يبدو على قدر كبير من الأهمية وهو الغموض الذي يحيط بهذه الجماعة. فالأسئلة من قبيل: هل هم مجموعة كتاب أم كاتب واحد تعمد الإيهام بأن الكاتب مجموعة؟ هل كان لهم تنظيم سري على أرض الواقع أم مجرد كتابات نظرية؟ ما هي حقيقة تصوراتهم المذهبية التي تبدو أحيانا متناقضة في كتاباتهم؟ ... إلخ. أما تفاصيل فلسفتهم أو آراءهم فلا تثير hهتمامي في إطار عدم كون الفلسفة التقليدية أو الكتابات الفلسفية الإسلامية ضمن موضوعاتي المفضلة. في إطار ما سبق فإن الكتاب الذي بين أيدينا لم يقدم لي ما يشفي غليلي، فلم يضيف جديد لما أعرفه ولم يكن العرض للموضوع جذاب. يضاف لما سبق أن أسلوب ولغة رشيد الخيون جافة وغريبة علي ولذلك أحيانا يكون معنى الجمل غير واضح.
غالباً ما تكون القراءة عن أخوان الصفا ممتعة، فهي تستحث عقل القارئ، بالإضافة إلى منحه الأمل بنهضة فكرية للعرب، وعندما يكتب باحث متمكن ذو قلم محترم مثل رشيد الخيون عند هذهِ الجماعة الفكرية تكون القراءة أجمل وأجمل. إخوان الصفا وخلان الوفا، جماعة عراقية يكتنفها الغموض نشأت حوالي القرن الرابع الهجري في البصرة -على الأغلب- واشتهرت برسائلها المعروفة باسم “رسائل إخوان الصفا” وهي 52 رسالة تناولت أغلب المعارف الموجودة في ذلك العصر. وقد تميز إخوان الصفا عن غيرهم بسعة المعرفة والإنفتاح بالتفكير فكانوا حقاً كما وصفهم الدكتور إسماعيل محمود بأنهم “رواد التنوير في الفكر العربي” يتناول الدكتور رشيد الخيون في هذا الكتاب (إخوان الصفا المفترى عليهم إعجاب وعجب) تاريخ إخوان الصفا، عارضاً أفكرهم، موضحاً ما استعصى منها، مقارناً بينهم وبين غيرهم من المفكرين وسنتناول هنا أهم ما جاء بهذا الكتاب المهم. يبدأ الكاتب بتقديم للكتاب يوضح فيه سبب أختياره لعنوانه، فيرى أنه مفترى عليهم من خلال محاولت البعض إنكار وجودهم، أو نسبت تأليف الكتاب لبعض الشخصيات من خارج الجماعة، ومحاولة البعض وضعهم في خانة هذهِ الطائفة أو تلك، كما تم رميهم بالكفر والشعوذة والجهل إلى آخره من اتهامات طلما قرأناها في تراثنا المجيد، فكانوا بحق مفترى عليهم.. وماذا عن (الإعجاب والعجب)؟ يرى الخيون إن رسائل أخوان الصفى -كغيرها من كتب التراث- تحتوي الغث والسمين، ولكن لو تمعنت النظر جيداً لرأيت أنهم قد سبقوا عصرهم ببعض القضايا والآراء مما يثير الإعجاب، فتراهم يتناولون بعض المسائل بعقل منفتح قد نفتقر إليه نحن أبناء القرن الواحد والعشرين، هذا من حيث الإعجاب، أما العجب فيبرره الكاتب: “ وبعد الإعجاب يأتي العجب ما تضمنته رسالتهم في السحر والعزائم، ودفاعهم عن التنجيم والمنجمين، كون ما قرأناه في هذهِ الرسالة جاء نقيضاً لما ورد من علمية وواقعية وعقلانية في بقية رسائلهم، في النظر إلى ظواهر الكون الطبيعية منها والإجتماعية، قياساً بزمانهم وزماننا أيضاً فهو الآخر ما زال مشوباً بالرداءة، كذلك كان طعنهم في الجدل والمناظرة يثير العجب والتعجب في الوقت نفسه! أي كيف لمحبي الفلسفة إلى هذا الحد والانفتاح العقلي يعترضون على المناظرة وهل هناك فلسفة وفكر وعلم بلا جدل؟!”. هذا إذاً سر عنوان الكتاب “إخوان الصّفا المفترى عليهم.. إعجابٌ وعَجبٌ” وبرأي إنه عنوان ذكي وموفق جداً رغم إختلافي مع الأستاذ الفاضل حول عجبه، فهو ممن لا يجهل إن الإنسان -مهما كان متحرراً فكرياً- يبقى أبن بيئته وعصره، وإن هناك العديد من القضايا والأفكار في بعض العصور تدخول في خانة “باب اللا مفكر بهِ” والتاريخ يذكر لنا الكثير من الحوادث والقصص التي تبين هذا، منها على سبيل المثال ولع الفيزيائي العظيم إسحاق نيوتن بالخيمياء واكتشاف حجر الفلاسفة. أما العجب من طعنهم في الجدل والمناظرة فأتفق فيه مع رأي الدكتور الخيون تماماً.. بعد هذا التقديم، يأتي الفصل الأول بعنوان “وجود إخوان الصفا” حيث قام الكاتب باستقصاءٍ وافي حول المصادر التي تناولت تاريخ إخون الصفا، وما عُرف من أعضاء هذهِ الجماعة، وموقف بعض رجال الدين منهم ومن رسائلهم، كما ناقش نسبة هذهِ الرسائل لعدد من الأشخاص كالإمام الإسماعيلي “أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق” أو جده الإمام جعفر الصادق، أو أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجرطي، حيث استعرض النصوص التي تذكر المؤلفين وناقشها باسلوب يقطع الشك باليقين.ويذكر بعض الدراسات التي تناولت أخون الصفا عند المستشرقين والباحثين العرب، وكنت أتمنى -كقارئ- أن يكون البحث هنا أوسع ليضم أعمال الباحثين المعاصرين الذين درسوا إخوان الصفا وفكرهم. بعد هذا البحث التاريخي يتطرق الدكتور الخيون إلى الرسائل وموضوعاتها والهدف من تأليفهم هذهِ الرسائل وممن أخذوا علومهم، لينهي الفصل بفهرست بالرسائل وموضوعاتها مما يساعد القارئ الإنتقائي لو شاء أن يقرأ بعضها. الفصل الثاني بعنوان “ظلال الرسائل على مقدمة ابن خلدون” يناقش فيه الكاتب تأثير إخوان الصفا وخلان الوفا على إبن خلدون واستفادته منهم، والتطابق بين ما جاء في مقدمته وبين ما جاء في الرسائل، والجدل الفكري الذي جرى بعد هذا تسليط الضوء على التشابه الشديد بين آراء إخوان الصفا وآراء إبن خلدون في مقدمته، حيث كان للمؤلف رآي في هذا الجدل يقول: “ وبعد إعادة قراءة المؤلفين (المقدمة والرسائل)، والمقابلة بين أهم الأفكار التي وردت فيهما، تأكد لي أن للرسائل حضوراً قوياً في المقدمة، أكثر من الأقتباس والتأثر إلى الانتحال. وأسهمت في النقاش الذي تفجر (1996 - 1997) في بحث نشرته جريدة (الحياة) تحت عنوان (ظلال رسائل إخوان الصفا وارفة على أسلوب ومكونات المقدمة الخلدونية)”. يناقش المؤلف في الفصل الثالث “إخوان الصفا مذهبهم اللا مذهبية” مذهب أخوان الصفا، متطرقاً إلى دعوى انتمائهم للتشيع، أو إلى من صنفهم -كالغزالي مثلاُ- كملحدين لا تحوي رسائلهم إلا الجهالات، وبين من يصر على اسماعيليتهم. ناقش الخيون جميع هذهِ الآراء، وأستقرء ما جاء برسائلهم ليصل إلى نتيجة إن أخوان الصفا لا ينتمون إلى أحد المذاهب الإسلامية المعروفة، بل كان مذهبهم هو اللا مذهبية، متوصلاً إلى أنهم كانوا يحملون ملامح لليبرالية المبكرة. وناقش كذلك في ما إذا كان لأخوان الصفا تنظيماً سياسياً كما افترض البعض، منهياً الفصل بتعليل كتمان أخوان الصفا وسريتهم وعدم اعلان اسماءهم، ويرى الكاتب إن سبب هذا الكتمان يعود لمستوى المخاطبة فالرسائل صنفت للعلماء والحكماء، لا لعوام الناس. الفصل الرابع “عموم أفكارهم وآرائهم" هو أهم فصول الكتاب، حيث قام الكاتب بعرض مختصر ومغني لما حتوته رسائل أخوان الصفا، محاولا الإيجاز قدر الإمكان دون الإخلال بالأفكار، وقد نجح في هذا العرض نجاحاً يستحق كل الثناء. فكان هذا الكتاب أشبه برسالة جامعة مكتوبة بلغة عصرية علمية خالية من أي حشو أو تعقيد. الفصل الخامس “ مقالة القرد جدنا” تناول فيه رأي اخوان الصفا -وابن خلدون- بنظرية النشوء والأرتقاء، حيث كانوا قريبين بعض الشي لآراء داروين المنشورة في كتابه “أصل الأنواع”، وتطرق إلى موقف رجال الدين من دارون ونظريته، وكيف كان استقبال العراقيين لكتاب أصل الأنواع. الكتب بشكل عام كأغلب كتب رشيد الخيون غني بالمعلومات والنوادر التاريخية، بالإضافة إلى جدية الطرح، وعدم التحيز بالحكم، وبرأيي المتواضع هو من أهم ما كُتب عن جماعة أخوان الصفا وخلان الوفا.
رشيد الخيون. . هذا الاسم من قبل أن أعرف صاحبه قرأت له مقالات عدة على مواقع التواصل يكتب في مواضيع شتى بالأخص في الشأن العراقي إلى أن رأيت مقابلة له وأذهلني منظره فقد توهمت انه شاعر ما وأذهلني أكثر عندما عرفت انه صاحب ذلك الاسم لا ادري لم كل هذا التتبع لكاتب ما قبل أن أقرأ شيئا له ، وجدتني واقفة أمام الكتاب وأنا متأكدة اني سأخذه وان كان الثمن باهظ كما العادة في كوردستان العراق كأنهم يقيسون الكتاب "بالمثقال" بالأخص لو كان في المعرض!! بدا لي ذكاء الكاتب من أول ما أشار في المقدمة بتشبيهه الجماعة بالليبراليين .. تشبيه موفق حقا هذه الجماعة شدتني اليها ليس لكونها جماعة مثيرة للتساؤلات والظنون، بل لأن في العراق الصابئة المندائيين لهم من نفس جنس أفكار هذه الجماعة أو كما كنت أتوهم وكذا بالنسبة لطائفة الدروز القاطنين في الشام.. الكتاب عمل قيم من حيث المصادر والترتيب والتجميع يقطع الشكوك والظنون قطعا منطقيا وواقعيا بلا خرافات المذاهب.
لدكتور رشيد الخيون صدر له كتاب بعنوان (آراء إخوان الصفا وخلان الوفا إعجاب وعجب»
وجاء في المقدمة:
إخوان الصفا وخلان الوفا جماعة بصرية ظهرت في القرن الرابع الهجري وشاعت رسائلهم وذاع صيتها في الوراقين بلا أسماء المؤلفين.
وقال المؤلف:
ما ورد في رسائل إخوان الصفا في ثلاث نسخ: الأقدم هي النسخة الهندية المطبوعة طباعة حجرية العام 1888 في بومباي.. والنسخة الثانية ما حققه وأصدره صاحب معجم الأعلام المعروف خير الدين الزركلي العام 1928م. أما النسخة الثالثة فهي التي أصدرتها دار صادر العام 2006م.
واشتمل الكتاب على عدة فصول:
خص الفصل الأول حقيقة وجود إخوان الصفا ووصول رسائلهم إلى الأندلس مبكراً، ويختص الفصل الثاني بما أثير حول اقتباس أو انتحال العلامة ابن خلدون من الرسائل «إخوان الصفا وابن خلدون».
مراتب الدولة التي يحكم بها اخوان الصفا مرتبة الابرار الرحماء وهم ارباب الصنائع مرتبة الاخيار الفضلاء وهم الرؤساء ذوو السياسات مرتبة الفضلاء الكرام وهم الملوك ذوو السلطان والامر والنهي المرتبة الناضجة ويسمونها بمرتبة التسليم والقبول والتأييد ومشاهدة الحق وهم الحكماء الفلاسفة وتكون اعمارهم خمسين عاما وهم غاية التعليم عند اخوان الصفا
يؤكد اخوان الصفا على ضرورة سعي الانسان لمعرفة نفسه قبل كل شي حتى قبل معرفة الله تعالى لانها الطريق لمعرفته
يعتبر اخوان الصفا الحذق في الصنائع العملية لان هذا العلم هو احد الابواب التي تؤدي الى معرفة جوهر النفس
يقول اخوان الصفا .. اعلم انه لا يصل الى معرفة الله تعالى احد من الناس الا بعد جوازه على الاراء الفاسدة اما في ايام صباه او بعد ذلك ثم الله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم من نفي الشرك وينجيه منه .. ومعنى هذا انهم لا يؤمنون بعصمة اي من الناس وان كان من الحكماء او الفلاسفة الاخيار فالكل يخطأ
الكتاب عرض لآراء عدة اخترت منها ما قد يناسب ان يظهر ان اخوان الصفا سباقون الى وضع مناهج علمية لكثير من الافكار والنظريات .. في التعليم والسياسة والدين .. وهناك من يرى ان ابن خلدون نقل عنهم فيما يخص علم الاجتماع في مقدمته الشهيرة .. الكتاب كبسولة تضعك على اهم نقاط حياة اخوان الصفا .. ومن اراد الاستفاده فهناك كتب اخرى الكتاب ممتع جدا
الكتاب رائع كونه منصف ولا ينتمي لأي طرف سواء مؤيد أو معارض. أخوان الصفا كانوا ولايزالون وسيبقون اللغز الغائب عن التاريخ الإسلامي والذي سطر لنا إرثاً فلسفياً إسلامياً بإمتياز