كان شاعراً موهوباً غني الإحساس. وكان خياله الشعري مليئاً بالصور الفنية الغزيرة النادرة، وكان إلى جانب ذلك ذا طبع إنساني ممتاز ... انه مولود وفي قلبه ابتسامة مشرقة وعلى فمه ابتسامة مشرقة، الكلمات التي نطقها طيلة خمسة وعشرين عاماً هي كل عمره، كانت كلها كلمات محب عاشق للإنسان والحياة، وقد قاده هذا العشق إلى الارتباط الصادق بأحزان بلاده ومشاكلها والتعبير عن هذه الأحزان والمشاكل وسرعان ما اجتمع الفن والثورة في شخصيته الصادقة مما ترك اثره القوي على وطنه الصغير: تونس ووطنه الكبير: الوطن العربي. تلك هي الملامح للعامة الشخصية الشابي.. وهي ملامح تحتاج إلى تفصيل يكشف لنا عما كان وراء هذا الفنان العاشق الثائر من دوافع الإحساس والعمل.
كان ناقد أدبي وصحفي مصري. تخرج من جامعة القاهرة قسم اللغة العربية عام 1956 واشتغل بعدها محرراً في مجلة روز اليوسف المصرية بين عامي 1959 إلى غاية 1961 ثم محرراً أدبيا في جريدة أخبار اليوم وجريدة الأخبار بين الفترة الممتدة من عام 1961 حتى عام 1964، كما أنه كان رئيس تحرير للعدد من المجلات المعروفة منها مجلة الكواكب ومجلة الهلال كما تولى أيضا منصب رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون
إذا الشعب يوما اراد الحياه فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر أشهر ما نعرفه عن شعر أبي القاسم الشابي، ربنا لأنها تتفق من رغبات الشعوب في التحرر والثورة والاستقلال، التي مازالت رغبات قائمة حتي الآن عند شعوب كثيرة، وهي آفة الشرق الذى تأخر كثيراً عن العالم حوله!
"والشرقيون يعيشون في مسارح الماضي، ويميلون إلى الأمور السلبية المفكهة، ويكرهون المبادئ والتعاليم الإيجابية التي تلسعهم وتنبههم من رقادهم العميق المغمور بالأحلام الهادئة، إنما الشرق مريض تناولته العلل، وتداولته الأوبئة حتى تعوّد السقم، وألف الألم وأصبح ينظر إلى أوصابه وأوجاعه كصفات طبيعية بل كخلال حسنة ترافق الأرواح النبيلة والأجساد الصحيحة، فمن كان خاليا منها عد ناقصا محروما من المبادئ والكماليات العلوية". تلك الكلمات هي كلمات جبران خليل جبران الذي توفى منذ ٩٣ عاما ومازالت تنطبق على الشرق وتصف بكل صدق أوضاعه المحزنة.
ينقسم الكتاب إلى قسمين القسم الأول يتناول بالتحليل والنقد شعر أبي القاسم الشابي وحياته القصيرة والظروف المحيطة بها التي ساهمت في تشكيل وعيه وشعره وما لديه من حس شاعري وثوري ومثالي في نظرته للأشياء وخصوصا المرأة فقد رأي فيها ملاكا وصورة مثالية ينقصها النضج الذي ربما كنا نراه في شعره لو طالت حياته واصطدم بالتجارب الإنسانية في مراحل الحياة المختلفة. والقسم الثاني هو مقتطفات من شعره.
ومن أعظم ما كتب قصيدة "إلى الشعب": أين يا شعب قلبك الخافق الحساس أين الطموح والأحلام؟ أين يا شعب روحك الشاعر الفنان أين الخيال والإلهام؟ أين يم الحياة يدوي حواليك فاين المغامر المقدام؟ أين عزم الحياة؟ لا شئ إلا الموت، والصمت، والأسي؟ والظلام
يالهي أما تحس؟ أما تشدو؟ أما تشتكي، أما تتألم؟ نل نهر الزمان أيامك الموتى وأنقاض عمرك المتهدم
عاش الشابي حياة قصيرة باحثا عن الحرية والتجديد الثوري والحب، ولم يجد أيا منهما ومات في ذروة شبابه.
سيرة حياة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، الذي توفى قبل أن يصل إلى عمري الآن ، انا 27 سنة وهو توفي عن 25 فقط عرفنا من سيرته كيف عانى طويلا مع المرض وكيف انه كان طلعة في الفكر وفي موهبته الشعرية القوية
تأثر الشابي بشعراء المهجر كجبران وميخائيل وايليا ابو ماضي احب الخضرة والطبيعة والجبال والوديان والازهار وقضى في هذه المروج الخضراء سنينا من حياته، وهذه النظرة المحبة للطبيعة واضحة من شعره
لدى الشابي سحابة من السلبية الى حد كبير، وسبب ذلك مرضه القاسي وبعض ظروف حياته مثل وفاة والده، كان فتا حساسا جدا وذكيا جدا ،
كانت له شطحات دينية وبعض النظرة السلبية للدين، رغم انه حفظ القرآن الكريم وهو صغير ، ربما لانه رأى حياته فيها الكثير من العذابات ، ولأنه تأثر بعد ان اصبح فتا بالكتابات المهجرية والاداب الاجنبية البعيدة عن الدين ، فصارت له هذه النفسية البعيدة بعض الشيء عن الدين ، وعلى اية فقد توفي شابا لم يكلف سوى عشرة اعوام والله كفيل بحسابه.
شعر الشابي جدا رائع وراقي ، له كثير من القصائد الجميلة ، نعرف من اشهرها اذا الشعوب يوما اراد الحياة ، ونعرف الا ايها الظالم المستبد، كما منها قصائد اخرى جميلة مثل القصائد التالية:
يا أَيُّها الطِّفْلُ الَّذي قَدْ كانَ كاللَّحنِ الجَميلْ والوردةِ البيضاءِ تَعْبُقُ في غيابَاتِ الأَصيلْ يا أَيُّها الطِّفلُ الَّذي قَدْ كانَ في هذا الوُجُودْ فرِحاً يُناجي فتنَةَ الدُّنيا بمعسولِ النَّشيدْ ها أَنْتَ ذا قَدْ أَطْبَقَتْ جفنَيْكَ أَحلامُ المَنُونْ وتَطَايرتْ زُمَرُ الملائِكِ حولَ مضْجعِكَ الأَمينْ
..
الجنة الضائعة
كَمْ من عُهودٍ عذبةٍ في عَدْوة الوادي النضير فِضِّيّـةِ الأسحار مُذْهَبَةِ الأصائل والبكورْ كانت أرقّ من الزهور, ومن أغاريد الطيور وألذّ من سحر الصِّبا في بَسمة الطفل الغرير قضيّتُها ومعي الحبيبةُ لا رقيب ولا نذيرْ إلاّ الطفولة حولنا تلهو مع الحُبِّ الصغيرْ أيـام كانت للحياة حلاوة الروض المطيرْ وطهارةُ الموج الجميل, وسِحر شاطئه المنير ووداعة العصفور, بين جداول الماء النميرْ
..
أما إذا خمدت حياتي وانقضى عمري وأخرست المنية نائي فأنا السعيد بأنني متحوّل عن عالم الآثام والبغضاء لأذوب في فجر الحياة السرمدي وأرتوي من منهل الأضواء
عرّف أبو القاسم الشابي "يقظة الأحساس" أنها هي الدافع الأقوى الذي يقود الانسان للتغيير للأفضل أو للانجاز ... رغم أنه توفي بالخامسة والعشرين من عمره إلا أنه استطاع وضع بصمة رائعة وحزينة جدا في الأدب العربي الحديث والشقيّ الشقيّ من كان مثلي ** في حساسيتي ورقّة نفسي..