واتتني فكرة هذا الكتاب من الأحداث التي مرت بها مصر في العامين الماضيين والتي شهدتها جميع ميادين وشوارع مصر والتي ذات صلة وثيقة بالماضي البعيد والقريب وخاصة ميدان التحرير (الإسماعيلية) سابقا والذي شهد بداية تلك الأحداث ولا يزال شاهدا عليها. ومن منطلق كل ما مرت به مصر مؤخرا أحسست بحاجة ملحة للتعريف بتاريخها للشباب والنشء الذي سيبني بسواعده مستقبل هذا البلد كما روت دماؤه الزكية الطاهرة أرضه.
والحديث عن تاريخ مصر حديث طويل لا يمكن حصره بين دفتي كتاب واحد فكل موضوع من الموضوعات التي يتضمنها هذا الكتاب تحتاج إلى كتاب مستقل وقائم بذاته ولكني حاولت قدر المستطاع أن أوجز المعلومات الخاصة بكل موضوع وأن أنتقي من كل بستان من بساتين تاريخ مصر زهرة يانعة حتى يكون الكتاب بمثابة باقة تاريخية عبقة تصف أحوال مصر فيما بين الفترة قبيل حكم الخديوي إسماعيل لمصر وأثناء فترة حكمه إلى ما قبل ثورة 1952.
ورغم أن الكتاب يتضمن فقط مقتطفات من تاريخ مصر في تلك المرحلة إلا أن الإعداد لمادته العلمية لم يكن بالأمر اليسير بل كان مضنيا وشاقا إذ كان علي أن أجمع المعلومات التاريخية من أكثر من مصدر لأتأكد من مدى صحتها، وحاولت جاهدة أن أستعين بالمصادر الموثوق بها سواء كانت القديمة أو الحديثة وأن أتحرى الدقة قدر الإمكان كما حاولت جمع أكبر عدد ممكن من الصور التي ترسم ملامح تلك الفترة الزمنية لمزيد من التوثيق والمتعة أيضا لإرفاقها بالمادة العلمية للكتاب حتى يكون بمثابة نزهة تاريخية شيقة عبر الزمان والمكان.
كما تضمن الكتاب فصلا للتعريف بتاريخ البطاقات البريدية والتي كانت أحد مصادر توثيق الأحداث في مصر في تلك الحقبة الزمنية. وبعض البطاقات البريدية لتلك الفترة الزمنية هي التي وجهتني نحو بعض موضوعات الكتاب ومن ثم البحث عن المادة العلمية عنها في المراجع التاريخية وليس العكس ومن الملاحظ أن هناك بعض المدن والقرى في مصر حظيت باهتمام أكثر من غيرها من المصورين الفوتوغرافيين ورسامي البطاقات البريدية لما أولاه لها الخديوي إسماعيل من اهتمام في تخطيطه للدولة المصرية الحديثة وهذ هو السبب في أن موضوعات الكتاب خاصة فيما يتعلق بالمدن والمحافظات لا تحصر جميع محافظات مصر وإنما مختارات منها فقط.
وقبل الترحال عبر الزمان والمكان في تاريخ مصر المعاصر، كان لابد من التنزه عبر نهر النيل الخالد لما له من أهمية قصوى في حياة مصر إذ يعد هذا النهر - والذي هو من أنهار الجنة - شريان الحياة الذي يجري في الغالبية العظمى من مدن وقرى مصر لذا فلم يكن من المناسب أن يتم إلحاقه بمدينة دون الأخرى من المدن التي تضمنها الكتاب.
كما تضمن الكتاب بعد المناسبات والاحتفالات والمهن والصناعات التي لم يعد لها وجود الآن في عصرنا الحالي لكي يتعرف القارىء عليها وكأنه يعايشها واقعا ملموسا.
ورغم مشقة العمل والبحث إلا أنه كان ممتعا، فالإبحار بين ضفاف التاريخ واكتساب المعرفة شيء بالفعل يستحق العناء والمثابرة. وإذا كانت مصر هبة النيل كما قال هيردودت، فبعد رحلتي أنا عبر الزمان والمكان يمكنني القول وبكل ثقة أن التاريخ هبة مصر.
تلك هي فكرة هذا الكتاب حيث يتخذ مفردات الحياة والتاريخ والجغرافيا والحضارة مداخل إلى تعريف القارىء بهذا الوطن الغالي الذي يعيش فينا ويتغلغل في أرواحنا ونتنفس عشقه حتى الثمالة.. هذا الوطن الذي نأمل أن يكون القادم فيه أجمل لأولادنا وأحفادنا.
وقد حرصت على الإيجاز في المادة العلمية للكتاب بحيث تشكل المادة العلمية والصورة مشاهد متكاملة عن الحقبة التاريخية التي يضمها الكتاب دون إخلال بالمضمون قدر الإمكان ليكون الكتاب بمثابة بانوراما تاريخية مصورة لمصر المحروسة.
فالتاريخ هو الذي يصنع المستقبل لذا كان من المهم أن أنقل للأجيال الجديدة حكايات مصرية من الزمن الجميل فمعرفة التاريخ بلا شك من العوامل التي تساعد في رسم ملامح المستقبل.
وقد تم ترتيب الكتاب بحيث يشتمل على ثلاثة فصول مستقلة في بدايته وهي: نبذة تاريخية عن البطاقات البريدية، نهر النيل، وتعريف مختصر بالخديوي إسماعيل. ثم تم تقسيم باقي موضوعاته إلى ثلاثة أجزاء رئيسية أولها تم تخصيصه لبعض المدن والقرى المصرية والثاني لملامح الحياة المصرية في الفترة التي يغطيها الكتاب، أما الثالث فهو مصور فقط وأسميته وجوه مصرية كونه يتضمن صورا فواوغرافية لما كانت تبدو عليه الشخصية المصرية في تلك الفترة الزمنية التي يغطيها الكتاب.