بعد ثلاث مجموعات شعرية ورواية واحدة ها هي هدى عمران تطرق عالم القصة القصيرة المفتوح على التجريب والمغامرة الأدبية. بطلات هذه القصص يبحثن عن الحب، في مدينة تشبه القاهرة، وفي زمن يُشبه الحقبة الحالية؛ نساء على حافة "الانهيار العصبي"، وحيدات دون مظلّات اجتماعية، في زمن تتداعى فيه كل المؤسّسات على مهل وبالتصوير البطيء. يتنقلّن بين قصص هذا الكتاب العشرة، في أقنعة مختلفة وفي أدوار متباينة، بالتوق ذاته، يبحثن عن الاكتفاء والأُنس، فإذا بهن في مغامرات عبثية. يلعب الحلم دور القاطرة التي تنقل الشخصية من طور إلى آخر؛ من امرأة تراقب انهيار حياتها الزوجية في بيت البرجوازية الصغيرة، إلى الباحثة الجادة في أروقة البيروقراطية الحكومية، داخل منظمة عبثية أُنشئت لغرض صوري، إلى الأم الوحيدة التي ترعى طفلا صغيرا بوعي يتفتح ترى العالم من عينيه ويصدمها تعارض ما تراه مع تفترضه الحياة بنظمها البالية ذاتها، إلى المرأة البرجوازية صاحبة الطموحات، أو المرأة الغارقة في فلسفاتها عن اللغة، فتتحايل مع شريكها لتأليف كتاب تراثي مزيف. في لعبة ممتعة، تتنقل بعض الشخصيات من قصة لأخرى، بتاريخ وذاكرة جديدين، أو يتم الانتقال بين شخصية وأخرى داخل قصتين متتاليتين ، فنرى جانبًا آخر من الأحداث من عيني شخصية مقابلة للراوية الأساسية. هي قصص كُتبت بلغة ذات مذاق أنثوي تتأرجح بين شفافية الحلم والنبرة الجارحة للجوع والعنف، قد يجوز عليها التصنيف الذي ابتدعه الراحل إدوار الخراط "متتالية قصصية" وقد نراها روايةً مهشمة عن قصد، تدور في عالم واحد، لكنه قد تفتت إلى قصص صغيرة عن الحب والعنف والجوع كمتلازمات في حياتنا الحالية.
هدى عمران، شاعرة وكاتبة مصرية، تحضر الماجيستير في السياسات الثقافية والأدب النسوي، صدر لها رواية حشيش سمك برتقال الحائزة على منحة آفاق والمرشحة للقائمة القصيرة في جائزة ساويرس2021، حصل ديوانها القاهرة على جائزة حلمي سالم للشعر، وحصلت روايتها غير المنشورة لليافعين" حياة الجيمرز" على منحة مفردات. نشرت مؤخرا ديوان " كأنها مغفرة" عن دار صفصافة للنشر 2023 ومجموعة قصصية " حب عنيف" 2024 عن دار الكتب خان. بالإضافة إلى ديوان ساذج وسنتمنتالي عن دار روافد 2016.
في قراءة الأدب نجد العزاء لذواتنا ونعثر على أرواح تشبه إلى حد كبير أرواحنا، على ما أعتقد هذه إجابة شافية لكل من يتساءل عن سبب قرأتنا للقصص والروايات أكثر من غيرها.
لكل بطل في كل قصة مأساته مع الحب إما ان هذا الحب يأتي قليلاً أو يأتي بغزارة أو لا يأتي من الأساس. أن يأتي للشخص الصحيح في الوقت الخاطئ أو العكس. وهذه هي الحياة ولا يجب أن نتوقع منها أكتر من ذلك.
ببراعة شديدة تكتب هدى عن الإنسان المصري المعاصر بعيدًا عن الكليشية، هي تكتب عن شخصيات من لحم ودم، قد تكون قابلت بعضاً منهم أو معظمهم بكل احلامهم ودوافعهم ونقاط ضعفهم. وقد تكون أنت أحد تلك الشخصيات.
كتاب يُقرأ على مهل وأعتقد أنه يجب قرأته مره ثانية.
القصص التي أعجبتني:
🔥"ألعاب الحب"
🔥"طعامي الشهي، طعامي الطيب" لغتها جميلة وكأنها قصيدة نثر، ملامحها تشبه أجواء رواية "حشيش سمك برتقال"
🔥"نانا،نيللي،علي، ماريو وآخرون"
🔥"حب عنيف"
🔥 "يوم عادي في حياة امرأة متزوجة"
🔥"قبلة في الظلام"
🔥"مدام مروة" علاقة البطلة مع سمسم كانت لذيذة جداً
🔥"أحلام امرأة عجيبة"
في النهاية لا يسعني سوى الدعاء بأن يحمينا الله من الحب، خاصة العنيف منه 💔.
تقييمي: ٥/٥
اقتباسات:
❞ نصحتها صديقة أن تحبَّ كل شهر رجلًا مختلفا، لم تستطع. كانت تستهلك نفسها بكلّ طريقة تستطيعها: لا تنام، تبكي، تأكل، تتكلم بلا انقطاع. ثم أنهت كل ذلك الصخب بين ليلة وضحاها. انزوت وقررت العودة إلى نفسها. ❝
❞ "كل شيء في قلبي غريب، لقد ملكني اليأس من بعد الحياة، لقد ملأني العنف الذي داخلك حتى صرت مثل الحيوان، صرت خارج نفسي، والآن نعود غريبين". ❝
❞ تبدو فكرة عاطفية جدا أن يتخلى رجل عن حياته كلها وهو في ذروة عمره من أجل حب حياته، لكن للسخرية لم يكن هذا الحب إلا من طرف واحد. ❝
❞ إنني أحيانا أشعر بثقب ما في قلبي، ثقب حقيقي، يتسع أحيانا كأنه بئر وهذا البئر يسحب كل شيء بداخلي معه، ❝
❞ أشعر أننا عبارة عن ذكريات، لسنا شيئا آخر بالتأكيد، وأننا دخلنا إلى هناك ونعيش حياتنا الآن داخل ذكرياتنا منتظرين تكرارها، أو أننا نسعى لتكرارها". ❝
مجموعة قصصية من ١٠ حكايات متداخلة نوعا ما، فالسياق ليس مثصلا ولا تترابط أحداثها بالشكل التقليدي، لكن في أغلب القصص تكون الشخصية الأساسية في القصة هي إحدى الشخصيات الفرعية في القصة التي تسبقها.
عنوان المجموعة "حب عنيف" ولكن الحب هنا ليس بمعناه العاطفي ولكن بمعناه الحسي-الجنسي، ما بين نساء خاويات تبحثن عن ما يملأهن, ورجال يتصيدهن لتفريغ شحنات غرائزهم.
يعتمد فن القصة القصيرة على تكثيف اللحظة والتقاط مشهد ذو تأثير في النفس والمشاعر لتكون نقطة انطلاق القصة الحقيقية وتقتصر فيه الشخصيات عادة على اثنين أو ثلاثة على الاكثر وهو ما يجعل كتابة القصة القصيرة محكومة بقواعد لا تتيح للكاتب تجريب طرق والعاب السرد والتجريب المختلفة
لذلك تتشابه معظم المجموعات القصصية في الآونة الاخيرة من حيث طريقة بناء القصة وتقديمها وإن اختلفت مواضيع القصص ولغة الكتابة. هذا لا ينفي وجود جيل شاب جديد تمرد على قواعد القصة الكثيرة وجعلها أكثر رحابة وجدد في طريقة تقديمها وتناولها لكن يبقي هذا الفن هو الملعب الحقيقي لاختبار موهبة أي كاتب فالحفاظ على تركيز القارئ وجعله مهتم بمطالعة القصص واحدة تلو الأخري يحتاج إلى إجادة إختيار الكاتب لنصوص قصصه من السطر الأول ، في هذه المجموعة تقدم الكاتبة لعبة سردية جديدة كلياً - على الاقل بالنسبة لي فلم يسبق أن قرأت مثلها من قبل - إذ عمدت إلى جعل أبطال قصصها يشتركون معاً في أكثر من قصة وبأكثر من طريقة بشكل جديد دون أن تتحول منها المجموعة إلى متتالية قصصية محافظة على وحدة المجموعة والخيط الذي يربط بينهم ؛ من بدء اختيار العنوان والغلاف ونحن نشاهد شئ مختلف. شئ يكشف عن تجربة مختلفة لا تتشابه مع السائد حيث اختارت الكاتبة عنواناً غير تقليدي وغلاف غير تقليدي برزت فيه روح النص وما تحويه دفتي الكتاب دون أن تكشف النص أو تحرق أجزاء منه إذ عمدت إلى تقديم الحب بجموحه ونزقه وهشاشة النفس البشرية ؛ في مجموعة ( حب عنيف ) قدمت هدي عمران الحب بوصفه فعل مستحيل يبحث عنه أبطالها ويعيشون وسط تقلباته ما بين القسوة واللين وما بين الفقد والخسارة وما بين الألم والسعادة تارة أخري ، إذ عمدت إلى اختيار أبطالها وتقديمهم كبشر هامشيين يعيشون على حافة الحياة متخذين من لحظة الحب فعل مواجهة ضد الحياة بكل ما تحمله من قسوة ..فهل ينصفهم الحب ؟!
تبدو حكايات الحب في تلك المجموعة قاسية موجعة وباعثة إلى التفكير في مفهوم الحب بوصفه طريق نجاة أو أداة مواجهة تتخذها الشخصيات كدرع واقي لكن الحياة تصر على أن تكسرهم وهو ما يبدو جلياً في نهايات القصص إذ لم تكون النهايات حالمة أو خارجة عن سياق الواقع كما الحال في بعض الكتابات الرومانسية المشابهة
اختارت الكاتبة أن تكون اللغة غارقة في المجاز والتشبيهات ولربما كان الغرض أن تتناسب اللغة مع طبيعة النص والتيمة الرومانسية حيث الحب بقسوته وجموحه وخروجه عن المألوف ما جعل اللغة شاعرية أكثر من اللازم في بعض القصص وبعض المواضع ، غير أنها كانت ممتعة تكشف عن تملك الكاتبة من ناصية اللغة ومن مدي قدرتها على تطويع اللغة في خدمة نصها
-------------------------
تقييم المجموعة القصصية
فى الحقيقة اجد نفسي في حيرة عند تقييم هذه المجموعة القصصية. تارة اجد نفسي مندمج ومستمتع وتارة اخرى اتسائل ماذا تريد الكاتبة بالضبط !!
قصص لم اجد لها مغزى ما وقصص اخرى اجد مضمون متميز واسقاط بديع. لهذا سأكتفي بالحديث عن القصص التي اعجبتني كالتالي
( الموظف ) و ( مدام مروة )
قصة جميلة تحمل اسقاط سياسي رائع لما بعد ثورة يناير. فى الحقيقة قدمت الكاتبة مغزى مهم جداً هو ان لا شيء تغير على الإطلاق من خلال مؤسسة ما كانت سجناً فيما قبل الثورة. نشهد صراعات السلطة والسيطرة والشللية واللعب على جميع الحبال ولا مبدأ سوى المصلحة يحكم الجميع وما اشبه الليلة بالبارحة !
فى رأيي الشخصي هذه أفضل قصة فى المجموعة
( صداقات خطيرة )
قصة أخرى جيدة عن المتاجرة بالدين وصولاً للتحلل الكامل من كل القيود التى تحكم الانسان وبالتالي اطلاق العنان لشهواته وملذاته
( نانا - نيللي - ماريو - علي وآخرون )
قصة جيدة جداً عن الحياة الافتراضية المزيفة التى نعيشها على الفضاء الآثيري والتى نقدم انفسنا فيها بالشكل الذي نحلم به لكن على أرض الواقع نجد اننا لا نستطيع التحرك خطوة واحدة لتحقيق هذا الشكل المفترض !
( حب عنيف )
قصة متوسطة عن حب اللذة والمتعة والنشوة اللحظية كما يفعل ابطال القصة والذي يجعلهم في حالة مذبذبة طيلة الوقت
في الختام هي تجربة قصصية جديدة بالنسبة لي من حيث اسلوب الكتابة المختلف عن السائد كما ذكرت في التقديم ولا شك في ان التغيير مطلوب لضرب حجر في المياه الأدبية الراكدة
تجربة ممتعة للغاية قرأتها بتأني لفك رموزها وتشابكاتها ومستوياتها .. نصوص زخمة وشخصيات القصص متكاملة بحيث تشكل القصص معا وحدة متكاملة بالرغم من ان كل نص يمتلك خصوصيته وحيويته... دائما ما أخاف من قراءة نصوص الشعراء في ملاعب أخرى غير الشعر لأن الشعر يحكم بأوامره.. في هذه المجموعة تطوع هدي ملكات اللغة التى تمتلكها لصالح القصة .
كتابة رائقة، من مكان مذهل للتلقائية والمفاجآت، يعري العنف ويعري موقعنا منه، ويجرنا نحوتناقضات النفس وانتهازية الحاضر. هو حب عنيف أو عنف موصوم به كل حب ...