يروي الرواة عن المدن القديمة أحداثاً وعجائب منطوية، لكن محمد خضير يروي في "بصرياثا" عما هو معلوم ومدبر في سطور القدر، ليس كل ما فيها عجيباً، لكن الغرابة سلطة كل مواطن فيها، وحق يعلو على أية سلطة.
ولا بد لك، كقارئ، وقد سرت إليك شهوة العجب، أن ترى ما هو شائع وعادي في الطبائع والمسالك بين الأقوام، على أنه عجيب ونادر لا شبيه له في هذه البلاد، فالأصمعي روى عن نخلة، الجرذان تصعدها وتأكل من ثمرها، والجاحظ رسم مشهداً للغربان تغطي رؤوس النخيل المضطرمة تلتقط ما تخلف من حشف التمر من الكرب والليف، وكانت لا تقترب أوان نضجه في العزوق. والنبهاني والقزويني وشهرزاد، رووا عجائب أخرى من البر والبحر. وسيزيد محمد خضير، روايات التعايش الرؤوم تلك، فيقتفي الأقدار المشتتة لكائنات الأمس واليوم.
محمد خضير كاتب قصة قصيرة عراقي من الطراز الأول. بقليل من النصوص استطاع لا أن يفرض اسمه كقاص فحسب، إنما أن يشكل ظاهرة في القصة العربية ويحدث اختراقاَ نوعياَ مازال يتواصل مع نتاجه الكثيف والمميز.
في مدينة البصرة، ولد محمد خضير عام 1942. وفيها عاش وأصرّ على البقاء، حتى في فترات القصف اليومي الذي تعرضت له المدينة خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ورغم الهجرة شبه الجماعية لسكانها أثناء تلك الحرب.
ينتمي خضير إلى جيل الستينات الأدبي في العراق. وقد عرفه القراء من مواطنيه حين نشرت أولى قصصه: (النيساني) في مجلة (الأدب العراقي) قبل أكثر من ثلاثين عاما. ثم لفت اسمه أنظار القراء والنقاد العرب بعد نشر قصته (الأرجوحة) في مجلة (الآداب) البيروتية، التي ثنّت بنشر قصته (تقاسيم على وتر الربابة) عام 1968.
صدرت المجموعة القصصية الأولى لمحمد خضير: (المملكة السوداء) عام 1972، وعُدّت عملاً تجديدياً ومغايراً، يشير إلى (عالم متشابك معقد ومركب وبسيط في آن، ومتجذر ووهمي، وواقعي وسحري، محبط ومتفائل، تلعب فيه اللغة والذاكرة والمخيلة والتاريخ والأسطورة والتشوّف الإنساني النبيل أدواراً لافتة للنظر).
وفى عام 1978، صدرت مجموعة خضير القصصية الثانية: (فى درجة 45 مئوي)، وتلتها المجموعة الثالثة: (رؤيا خريف) 1995. وسجلت كل من المجموعتين مرحلة متقدمة عما سبقها في العالم القصصي للكاتب، الذي لم يكفّ عن محاولته الدؤوب لإقامة المتخيل الخارق للمدن، وخلق عوالم مدينية تضرب جذورها في عمق التاريخ الواقعي والخيالي.
وضمن سياق احتفاء محمد خضير بمدينته البصرة، أصدر عام 1993 كتابه": (بصرياثا - صورة مدينة)، الذي سجل فيه وتخيل حياة البصرة في تسعة مشاهد. وصاغ بهذا الكتاب (بياناً شخصياً) يؤكد فكرة (المواطن الأبدي) التي يعمق خضير ـ من خلالها ـ وجوده الإنساني والكتابي، وانتماءه لمدينته.
محمد خضير ذلك الرجل الذي يمثل الجيل الستيني ومراحله التي تنطلي تحت إرثرها ناستولوجيا باذخة حميمة فيها من ألم الذكريات ونشوة الماضي الكثير يكتب خضير في "بصرياثا" هوية البصرة العريقة ويهم بها كي تستعيد عافيتها من إصرار الماضي الذي لا يمكن أن يشيخ بها أو تفقده ...ذكرتني ديستيوبيته بحنين المدن وذاكراتها فكما كتب نستزاكي "الطريق إلى غريكو" وباموق " إسطنبول مدينة وذكريات" وداغستان بلدي الذي جسد فيها حمزاتوف حنينه الأبدي نرى أن خضير هنا ينشر نثره كي يؤكد مواطنته لمدينة البصرة التاريخية ويعرج على أدبها ومقاهيها وأسواقها وأدبها بيتيوبيا ساحرة تنهل من غزير لغته الآسرة والبليغة ...رائعة
بصراحة لم استطع إكماله، مع كل حماستي للاسم الكبير الذي يعتبر من رواد النثر العراقي الحديث وكنت قرأت عدة مقالات في الاشادة بأدبه، ووقع اختياري على بصرياثا، فبالرغم من اللغة الثرية ليس هناك سلاسة، وهناك افكار كثيرة وخلط تاريخ المدينة مع حاضرها، مرت علي صفحات لم افهم منها شيئا مجديا مع الاسف. وصلت منتصف الكتاب ورأيت انني اعاني في الاستمرار فتوقفت. ربما العيب في ولم اقدر على تفكيك رموز الكاتب.
نجمتين تقييم من اجل الجهد المبذول والمعاني اللغوية الجميلة. الكتاب كان بسيط المحتوى مبعثر المواضيع كنت متحمس من الاسم لكن بعد القراءة ماحسيت بترابط الاحداث والمكانات ويفتقر للكثير من المعلومات والمكانات التي تستحق الذكر (الدير والمعقل والمناوي وغيرهم )والتواريخ والاسماء من بعض العوائل او الهامات البصرية. حسيته جامد ماتنطبق عليه صورة مدينة لكن ربما صورة لذكريات الكاتب في جزء من البصرة
Wonderful book with such beautiful lyrical passages describing Basra. Cities should be so lucky as to get a tribute like this. Especially loved the chapter on rivers
محمد خضيّر كاتب مبدع وعينه بصيرة ترى ما لا يُرى وفي كتابه ذكر تاريخ مدينة يتلى في أي وقت وأي زمان وكلّي شوق على قراءة ما يتمنى كتابته: "إني أتشوق إلى تأليف كتاب بالآاف الصفحات عن غرباء الحياة الليلية"