في رحلتها الفكرية، قدمت مي زيادة العديد من الإسهامات الأدبية، ولكن كانت مكرسة بشكل خاص لخدمة بني جنسها، وأحد تلك المساهمات الرائدة هو كتاب 'ظلمات وأشعة'. يُعتبر هذا الكتاب مجموعة من المقالات الأدبية التي قدّمتها زيادة في مختلف المناسبات، حيث كانت تركز بشكل كبير على قضايا المرأة الشرقية. يركز الكتاب على توعية المرأة بحقوقها المجتمعية، ويستعرض كيف يمكن للمرأة المساهمة في التقدم الحضاري والاجتماعي والسياسي والثقافي في الشرق. يقدم الكتاب هذه الأفكار بأسلوب بديع وجذاب، بعيدًا عن التكلف.
مي زيادة (1886 - 1941) كانت شاعرة وأديبة فلسطينية، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي كان ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد. كانت تتقن ست لغات، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية. ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886. ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد. تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان. وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية, وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة. وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه, كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف, أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, و أحمد شوقي. وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة. ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية, مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف). أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية و أول أعمالها بالفرنسية اسمها أزاهير حلم ظهرت عام 1911 و كانت توقع باسم ايزس كوبيا, ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية. وفيما بعد صدر لها: (باحثة البادية) (1920), (كلمات وإشارات) (1922), (المساواة) (1923), (ظلمات وأشعة) (1923), ( بين الجزر والمد ) ( 1924), و(الصحائف) (1924). وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة, وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت. وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها. وعادت مي إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 17 تشرين أول (أكتوبر) 1941.
أنا وأنت سجينان من سجناء الحياة وكما يُعرَف السجناء بأرقامهم يُعرَف كلُّ حي باسمهِ
وقد التقينا وسط جماعات المتفقين فيما بينهم على الضحك من سواهم حينًا والضحك بعضهم من بعض أحيانًا
لي بك ثقة موثوقة، وقلبي العتيُّ يفيض دموعًا. سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني، وأبثك شكوى أحزاني
وسأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبير وتأثير الآمر
وسأدعوك قومي وعشيرتي، أنا التي أعلم أن هؤلاء ليسوا دومًا بالمحبين
وسأدعوك اخي وصديقي، أنا التي لا أخ لي ولا صديق وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة، أنا التي تتخيل فيَّ قوة الأبطال
وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان .. ثم أبكي أمامك، وأنت لا تدري
حقا يا مي .. أنت زيادة .. زيادة عن اللزوم .. ولكنك زيادة في الجمال والرقة والعذوبة ..
تقول مي : أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي، ودراساتي وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة "الأيدياليزم" أي المثالية التي حييتها جلعتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس
"من الرجال من يكتفون بالمجد والوجاهة والفخر، ومن النساء من لا يفهمن الحياة إلا بالزينة والغنى وارتفاع القدر أما أنا فلا هذه العطايا تغرني ولا تلك المواهب تستهويني. شيء واحد تام الجمال في تقديري هو ما يشترك في تركيبه قسم كبير من الفكر وقسم أكبر من القلب. شيء واحد ينبه إعجابي وهو ما كان مترفعًا عن الصغائر والدنايا — هو زهرة نادرة المثال، شمس الذكاء والمعرفة تحييها، ومياه العواطف العذبة ترويها"
لست ادر لم كنت ارى جبران في كل كلمة تكتبها مي... أنا وأنت سجينان من سجناء الحياة. وكما يُعرَف السجناء بأرقامهم يُعرَف كلُّ حي باسمهِ. وقد التقينا وسط جماعات المتفقين فيما بينهم على الضحك من سواهم حينًا، والضحك بعضهم من بعض أحيانًا. لي بك ثقة موثوقة، وقلبي العتيُّ يفيض دموعًا. سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني، وأبثك شكوى أحزاني .. وسأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبير وتأثير الآمر. وسأدعوك قومي وعشيرتي، أنا التي أعلم أن هؤلاء ليسوا دومًا بالمحبين. وسأدعوك اخي وصديقي، أنا التي لا أخ لي ولا صديق وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة، أنا التي تتخيل فيَّ قوة الأبطال .. وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان .. ثم أبكي أمامك، وأنت لا تدري
إن كنت ممن يهرب إلى الكتب ليخفت الضجيج و الصخب الذي يمر بحياتنا اليومية فهذا الكتاب لك ... يمكنني القول أن مي حملتني بكلماتها فوق سحابة إلى عالم أثيري...و حتى إن غاصت مي في أعماق الحياة عبر مواضيع مقالاتها إلا أن قلمها المتميز له القدرة على انتقاء أعذب و أرق الكلمات ...فراشة الأدب العربي بالفعل ...أديبة فيلسوفة ..
كعنوانها تماما بين الظلمات و الأشعة يتيه الإنسان في الحياة... بين السعادة و الحزن ...بين الشفافية و الغموض ...إنها الرحلة ذات الضدين التي لا تنتهي إلا ... بالموت
إن كنت من عشاق كل ما هو كلاسيكي و قديم فستحس أن هذا الكتاب يعيدك إلى"زمن جميل"...زمن مضى...لن تجد نفسك إلا و قد دق قلبك له بحنين ...
هذا النوع من الكتب لا أقرأه عادة فهو يستجلب العاطفة و الوجدان و يتطلب قراءته استحضارا للتركيز و أنا لا أحبذ التركيز الا مع الكتب الفكرية العميقة ككتب مالك مثلا أما أمثال هذا الكتاب فأفضل الإستماع اليها بصوت أحدهم ، خاصة المبدعة مروة عاصم سلامة - و التي أظن أن هذه الكتب كتبت لتقرأها هي بصوتها الفريد فقد أجد الكتاب مملا لكني عندما أستمع أجد نفسي مستمتعا به - إذا أشغل المقطع و أسرج معه بعيدا و هو ما يساعد عقلي على الإستراحة و استجلاب أفكار جديدة تحدثت الكاتية هنا في قالب فلسفي عاطفي عن الحياة و أهدافها عن الأحزان و الأفراح و الحرية و أصناف الناس و مشاربهم
غدا، يا روبرت، تنمو جسدًا ونفسًا، غدًا تقف على أحوال البشر، فتجد ذاتك وحيدا في معترك الحياة، غدًا تعذبك المسئولية، وتُضنيك المجاهدة، ويلذعك لهيب الفكر، وتذيبك نار الهيام. غدًا تذوق ظمأ الروح، غدًا تصير إنسانًا. يا لهول الكلمة! غدًا تصير إنسانًا؛ أي حيوانا وإلها معًا!
رحماك أيها العام الجديد الإنسانية تتألم؛ فارفق بها!
أنت الآملة بكل شيء لأنك يائسة من كل شيء.
من الرجال من يكتفون بالمجد والوجاهة والفخر، ومن النساء من لا يفهمن الحياة إلا بالزينة والغنى وارتفاع القدر. أما أنا فلا هذه العطايا تغرني، ولا تلك المواهب تستهويني. شيء واحد تام الجمال، في تقديري، هو ما يشترك في تركيبه قسم كبير من الفكر وقسم أكبر من القلب، شيء واحد ينبه إعجابي، وهو ما كان مترفعًا عن الصغائر والدنايا؛ هو زهرة نادرة المثال، شمس الذكاء والمعرفة تحييها، ومياه العواطف العذبة ترويها. ما أتعس القلب الحساس وما ألينه لاستحكام الجراح في ثنياته!
«إذا كانت ملاحقة الأوهام والاعتقاد بها تستوجب عقوبة العمى، فمن ذا منا يا ترى؛ من ذا من البشر يا ترى يستحق أن يكون بصيرًا؟»
أنت قطرة الحزن التي توازي بحر السرور ؛ لأن وراء اللهو والجزل فراعًا وخلوا، ووراء الحسرة والقنوط نفسًا زاخرة بالعواطف، متسعرة بالحرق، رويَّة بالدموع يتناظر في غورها جبَّارا الحياة الممكن والمستحيل.
نحن نخلد الحياة بفنائنا، وهي تفنينا بخلودها.
إذا كنت رجلا فكن سعيدًا؛ لأن في شهامة الرجولة يتجسم معنى الحياة الأكبر، وإذا كنت امرأة فكن سعيدًا؛ فالمرأة منشودة الرجل، ونبلها موضع اتكاله، وعذوبتها مستودع تعزيته، وبسمتها مكافأة أتعابه.
تهيأ للحب مهما أثقلتك المشاعر ؛ لأن للحب هبَّات وسكنات، وأنت لا تعرف ساعة مروره.
أكنت وحيًا من فيض شاعريتي المكتظة، وطيفًا من أطياف شوقي وعذابي؟ أم أنت حقيقة محسوسة مرت في أفق حياتي مرور السفن في البحر إلى الشواطئ النائية؟ لقد كنت وحيًا من فيض شاعريتي المكتظة، وكنت طيفا من أطياف شوقي وعذابي، وأنت حقيقة محسوسة مرت في أفق حياتي مرور السفن في البحر إلى الشواطئ النائية. يا مهذبي!
ولكن أيكفي أن نحب شيئًا ليصير لنا ؟ وهكذا رغم حبي الأفيح أنا في وطني تلك الشريدة الطريدة لا وطن لها.
"تهيأ للحب مهما أثقلتك المشاعر ، لأن للحب هبّات وسكنات، وأنت لا تعرف ساعة مروره.. كن عظيماً ليختارك الحب العظيم، وإلا فنصيبك حب يسف التراب، ويتمرّغ في الأوحال"
مجموعة من المقالات بأسلوب راقي ولغة شاعرية هادئة وقوية وحقاً فقلم مى زيادة مميز ويُحب.
كلمات الكتاب مكتوبة بحساسية عالية , وتساؤلات حائرة لا تجد مي لها أجوبة . كأنها تخبرك من أين ينفصل الإنسان عن الحياة , ومن أين يبدأ الطريق يتسع بيننا وبين الآخرين . ونشعر بذلك الألم كوننا لانستطيع العيش بشكل ممتاز , لأننا لم نفهم بعد . على أية حال كن سعيدا على الدوام هكذا ذكرت لنا كلاما في الكتاب
ما زالوا يُحدثونني عن ميّ زيادة حتي ذهب بيّ الوهمُ كل مذهبِ، و خِلت أن تلك للمرأة التي ذللت سادات القرن العشرين ترقّي إلى مستواهم عقلاً و فِكراً كَتِفا بكتفِ أو حتى تفوقهم، لكن ليس منْ سَمِعَ كمن رأي، فالبوّنُ بينها و بين العقاد أو جبران شاسع كفلاواتِ لا يُهتدَي لآخرِها. فكان أول لقاء ليّ معها في هذا الكتاب -علي غير ما كنت آمُل- لقاء يخلوا من الحرارة، سواء أكانت حرارة الفكر أم العاطفه، و أستثني من ذلك المقال الذي تصدَّر كتابها هذا؛ فقد كان -و الحق أقول- مُتقِداً بالعواطف رصين البُنيان، فلا أدري أكان هذا المقال ک"بيضة ديك" لا تأتي في العمر مرتين كما يقول العرب، أم أن هذا الكتاب هو الذي جاء كالبقعةِ علي الثوبِ الأبيض؟! من حقِ تلك المرأة التي ملأت الأسماع أن أقرأ لها غير كتابِ قبل إبداء الرأي فيها -أعلم ذلك تماما- و لذا سأبذُل قصاري جَهدي للنظرِ في غير هذه الأوراق، فلعليّ أُغيرُ رأيي.
" عاملانِ اثنانِ يتجاذبان الجَنان، عاملُ الحُزنِ و عامِلُ السرور ، على أنّ قطرة حُزنٍ في عُمقِها توازي بحر سرورٍ في اتساعه" مجموعةٌ من المقالات تُحاكي بعضَ ما الفتهُ و شاهدتهُ ميّ تارةً و بعضاً من ألوان مخيلتها الفذةِ تارةً أخرى ... لُغةٌ شفيفةٌ موسيقية يكادُ قارئُها أن يذوبَ في أنغامِها، عباراتٌ تفيضُ جَودَةً و قوةً و عذوبة حتى لتشعُر أن مي تَحوكُ عباراتها بهدوءٍ و تمّعُن كما تحوكُ المرأةُ ثوباً غالياً على قلبها وهي إذ تُطرز ذلك الثوب بأروع ما قد يُمكن فهي تُخْفِي في كل طيةٍ من طياتِهِ أفكاراً و تساؤلاتٍ تَكشِفُ لنا ذكاءها و عقلَها الفلسفي التعاطي و عاطفتها المتدفقة كالأنهار العذبة... و أنا على ما أبصرتُهُ في كتابِها هذا أراها أنموذجاً رائعاً للمرأة العربية في كل مكانٍ و حين و أتمنى أن أقرأ كُلّ ما تبقى لها.
ظلمات وأشعة هي مجموعة من المقالات والخطب الأدبية بموضوعات مختلفة بأسلوب بسيط جدا..
أعجبني كثيرا: مقالة أين وطني، الشريدة الطريدة التي لا وطن لها، لتلامس الجانب المؤلم لحياة مي زيادة. ومقالة بكاء الولد، بكلماتها الحنونة معه ومعاتبة والدته لبكائه. ومقالة نحو مرقص الحياة، وحديثها مع الخيال السائل وإلى أين تقصد. ومقالة يوم الموتى .. وحركة الحياة وحكاية كل قبر.
أحببت الأسلوب الهادىء والراقي جدا للأديبة مي زيادة والطريقة السلسة البعيدة عن التكلف التي تبعث في نفسك الراحة والهدوء خلال قراءتك لهذا الكتاب.
مقالات جميلة ومواضيع انسانية بحته تبدو مي رقيقة شجية سلسة عذبة انسانية ترضرض روحك وانت تقرأها كما في حديثها عن الوطن والوطنية وتسمو بروحك تارة اخرى بحبها وانسانيتها وعواطفها تاره اخرى وهي تحرك كوامنك ومشاعرك والامك واوهامك وتفكيرك خاصة في قصتها مع الطفل وفي كن سعيداًُ
كن سعيداً لأن أبواب السعادة شتى، ومنافذ الحظ لا تُحصى، ومسالك الحياة تتجدد مع الدقائق. كن سعيداً دواماً على كل حال
______________ كتاب ظلمات و أشعة للأديبة مي زيادة..و هو عبارة عن مقالات قصيرة رائعة وممتعة...مفردات لغوية غاية في الجمال و جمل تسيل بعذوبة مياه النهر و تسترسل كاسترسال ألحان قيثارة ..هي القراءة الأولى للأديبة مي زيادة و كانت تجربة غاية في الروعة
انها مى زيادة ، لم ارى فى مثل كتابتها احدا من زمانها قط و خاصة النساء منهم. حقيقةً يبهرنى انتقائها للكلمات و الالفاظ و يبهرنى اكثر ما تقدمه من فكر واعٍ مثقف وانسانى و ملم بعلوم زمانها. لقد قرأت لها سابقا كتاب سوانح فتاة و هذا الكتاب ولكنى لم اكتف بهما و يبدو اننى ساقرأ المزيد .
أحببت قلم مي ورشاقته. أحببت اختيارها للكلمات وخفة تنقلها بينها وكأنها تعزف مقطوعة موسيقية عذبة أو ترسم لوحة بديعة. وأكثر ما أعجبني هو قدرتها الرائعة على التعبير عن المشاعر والمعاني المعنوية بالألفاظ المحسوسة. هذا عن الجانب الأدبي أما عن جانب الأفكار فبالتأكيد أنا لا أذهب إلى مي للأفكار ولا أنتظر منها أن تصيب فيها وما جاء خلاف ذلك فهو الشاذ وليس القاعدة ..ولهذا السبب لم أقيم الكتاب فجانب الأفكار ليس بأقل أهمية من الجانب الأدبي ..فكيف أعطيها النجوم على كل ما في أفكارها من خلل وميل ؟!
كونها نصرانية أيضا كان مريحا بالنسبة لي فحينها لا ألومها ولا أتوقع منها الكثير فيما يتعلق بالأفكار وإن كانت قد خالفت حتى ملتها في بعضها
أول تجربة لمي، وحقيقة كانت تجربة تفيض بالمشاعر والرقة والعذوبة لأبعد حد! سمعت الكتاب صوتيا على اليوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=8zqyS... والصوت كان شاعري جدا ومبهج. .. “وقفت عند كوة الحياة لا أدري لماذا أقف ومن ذا أوقفني هناك. وإذا الناس في السبيل يمرون فأخذت أتفحص الوجوه منهم والحركات لعلي أعثر على مايجعلني مختلفة عنهم وهم مختلفين عني، ولعلي أدرك ما هذا الذي يطلب مني رغم حداثتي وحيرتي وجهلي وقلة اختباري. فصرت أعجب بالناس وأغبطهم على مالديهم وليس لي أن أفوز بمثله، و أتعزى بمظاهر الكآبة عندهم لتكون تلك المظاهر صلة –ولو واهية– بيني وبينهم، على أني لم أزدد إلا شعوراً بحيرتي وعجزي، لم أزدد إلا شعوراً بأني خيال لا ضرورة له ازاء تلك الأقوام الفرحة الضاحكة– مع أن هذا الخيال يطلب منه شيء كثير لا يدري ماهو. فظننت لحظة أني وصلت إلى قرارة اليأس و أني شربت كأس المرارة حتى الحثالة. ثم أوحي إليّ بأن هناك وجوداً غير ملموس يدعى السعادة. شعرت باحتياج محرق إلى التعرف إليها والتمتع بها، ففهمت أنه ليس أقسى على النفوس في انفرادها وسكوتها وعجزها عن تلقي ذلك الوحي العنيف والشعور بذلك الاحتياج العميق ...”
الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات يجمعها رابط هو اوجاع العشاق و انين العزف الصوفي الحزين ، كلمات تضيئ ظلمات الكهوف و تدفئ برونقها زمهرير الصقيع . نثر ادبي رفيع المستوى يختلج ما بين الأدبيات الشعرية المقفاه و نصوص الادب المنمق .
مي زيادة فراشة الادب العربي بنت فلسطين الحرة الابية و وليده ناصرة يسوع ، انتقلت الى مصر ليكون لها صالونها الادبي الذي جمع في ثلاثائه جهابذة الادب العربي من مستوى طه حسين و عباس محمود العقاد . صالون مي زيادة الاسبوعي كان ملتقى الفكر و صراع ما بين الافكار و تجاذباتها ، و الكثير من رواد هذا الصالون وقع في حب مي زيادة او هكذا ترائ له ، الا ان قلب مي زيادة كان محلقاً كل البعد عن الاراضي المصرية و الأجواء الصالونية ، بعيد الى احضان أديب شجرة الرز جبران خليل جبران . علاقة مي بجبران امتدت الى ما يناهز العشرين سنة حفلت برسائل متبادلة ما بين الطرفين، و هذا القصر الرومانسي الأرجواني المبني ما بين الطرفين لم يجمعهما لأي لقاء طيل فتوة العلاقة الممتدة لعشرين سنة ، ظل حب ساخن على الورق بحبر أرجواني .
كانَ سهلًا عليّ النظر في عينيكِ أنتِ تحديدًا؛ وبهذا أقصد النظر من عينيكِ.
من خلفِ الزجاج القاسي، البراحُ واسعٌ وأخضر، والعشب الذي يمرّ من أمام عينيكِ هزيلًا يلوّح في الهواء، لا يراكِ. يلوّح قلبكِ؛ طامعًا غيرَ آملٍ بجواب. الغيومُ مكتنزة ترفسُ بعضها، ولا تلبثُ تشغرُ مساحةً لتمرّ غيمة أخرى. الغيومُ دائمًا تفضي المكان. مكتنزة ومعلّقة؛ تفقئينها بعينيك. ومثل الثريّا، ينحدرُ النور خيوطًا صافية، لا تزعجها أعين الناظرين. وتنظرين. تمعنين في النظر.
تتبدّل الفصول والألوان تتحرّرُ من أسمائها؛ الأزرق ينفجرُ من خانة الأزرق، ويتبعثر بكلّ ظلاله على العالم الذي لا يهدأ. أنتِ بدوركِ لا يهدأ لك جفن. الأصفرُ شاذٌّ وبرّي، الأصفرُ رائحة السنابل البعيدة، والشمس القريبة، كلّ ما يحرّك الأنفَ دافعًا إيّاه ليعطسَ في الضوء؛ الأصفرُ رائحة أكثر ممّا هو لون. تعطسين في وجهه وتغمضين عينيك إذ تفعلين، ولا ينفكّ الأصفرُ يغشى باطن جفنيك. الألوان لا تختفي في العتمة، نحن فقط لا نراها. قصورٌ بيولوجيّ في عالمٍ أوسع من عينٍ في جسدٍ من تراب.
اللغة ترتعش وتتقزّم، تذوي أمام جفونكِ وهي تسحبُ الأشياء. تتطلّعين إلى الزهور وهي تتبرعم، وتلك التي تفجّرت براعمها لتصيرِ وردةً مهتاجة، وتلك التي تصندقت في بذورها ولم ترَ وجه السماء بعد. تتخيّلينها نامية تعتاشُ مثل خلقِ الله، أتخيّلها معك، أقصد، أتخيّلها عبرَ خيالك.
عيونكِ تجري لمستقرٍّ لها، ولا تستقرّ. تُناكفكِ الطبيعة وتناكفين. يهربُ الجمال وتهربين إليه، هذا الذي جُعلَ ليزعج أمان المشتاقين. ترفلُ الأشجار بثيابها؛ تتذوّقينَ الصوت. للصّوتِ نكهةٌ على اللسان. اللغة تندحر. تمرّ الشجرة أمام لافتة الزجاج الصلب، ويظلّ الصدى يتردّد في أركان كيانك، تسبلين عينيك إجلالًا، لِنَنْسَ، لنِمرّ كما تمرّ الأشجار من أمام عيوننا المحتارة المستسلمة. هل تتفقّدينَ الصور؟ الصور ذكريات مفترًى عليها، نوستالجيا فاشلة، تأطيرٌ يختزل الشعور، يقصّف أطرافه، ويجرحُ فيه ما تبقّى. تتفقّدينها بقلبك، وتحلمين، إذا ما كان هناك وقتٌ للحلم.
تنزلقُ الكلمات، كما تفيضُ الأشعارُ من قلوب العارفين؛ قلوبهم الصادقة المكسورة، وأشعارهم الّتي قد تجبر. ينفُضُ الطيرُ جناحه وتلتقمهُ السماء؛ لسانُكِ ذاكرٌ، وعينُ القلب خاشعة تنبُضُ تحت شرايين السحاب. تسحبينَها خيطًا خيطًا، وبحدقتك تكوّرينها، وتعصرين. تمطرُ السماء. ينفضُ عن جناحيهِ ماءها. تبلّله ويتبلّل. ينفضها وتنفضُ في عينِ الناظر الروح. تنظرين.
في محاولةٍ سريّةٍ لاكتشاف ما يبدو عليه العالم من خلالك، أفتحُ في صدري روزنةً جديدة، تطلّ على المدى الصامت، بكلّ ما فيه من ألمٍ وسعادة، من بهجةٍ وشقاء، من صمتٍ وصراخ، ومن قبحٍ وجمال. إلّا أنّ روزنتي التي شققتها في صدري لأجلك تأبى إلّا أن ترى بعينٍِ جميلةٍ تُحسِنُ إلى خلقِ الله؛ في النظرِ إلى الطيرِ ينشُرُ أجنحته إحسانٌ إليه. أطعمتُ الهواءَ صوتي، حرًّا، جريحًا، يتهدّج الريحُ في خلاله. بمَ يتكلّمُ صوتي عندما يكفّ عن صمته؟ أغنيةٌ تحاورُ الطبيعة بلغتها الأزليّة، يعرفها القلبُ ويجهلها اللسان. من عينيكِ أصنعُ لحنًا يبهجني ويحزنني؛ يبهجني لأنّه يعرف لغة الشجر، ويحزنني لأنّني لا أدرك كنهه.
أُصلّي للجميل، ما دمتُ من عينيكِ أمتاحُ بعض أسرار جماله. أعني، ما دمتُ أحاول.
قُداس! فهي تكتب وكأنها تخطب في الناس بعظة نهار أحدٍ حزين، بلفظٍ كلاسيكيّ رصين وإحساسٍ يُنقّب عن الشجن حتى في زوايا الحفل الراقص و صخب الكرنفال. ومنطقيٌ أن لا يسعد بحال من عاش هكذا كقصّاصٍ يقتفي بدأبٍ أثر كل حزنٍ عابر ثم لا يجد ولو سببٍ واحدٍ للفرح، إذ تقول مي زيادة : " وإن قطرة حزنٍ في عمقها ترجح بحر سرور في الاتساع"، وهو ما كان يمكن أن أُسميّه عن اقتناع " تعالٍ على السعادة " خاصةً وأني لست من هواة كآبة المرفهين، يُدثرهم حزنٌ باذخٌ حريريّ على ضفاف الأنهار وعند انهمار الأمطار أومطلع كل عامٍ جديد، لولا أن عائلة "بروزاك" كانت مألوفةً كفاية للطفلة التي كنتها، إذ نذرت أمي نفسها منقذا لشقيقتها وشقيقها لأعوام، تدفعهما بجَلدٍ صبورٍ بعيدا عن هاوية الاكتئاب الحاد والفِصام، وبمرور الأيام امتلئت مكتبة أمي بكتب علم النفس، كنت أُسميّها سراً مكتبة "أين عقلي" تيمنًا بفيلم سعاد حسني الشهير، فتضحك شقيقتي الأكبر "مي" فهي الأكثر معاناة من بيننا بما أصاب أمي آنذاك من هواجس المرض النفسي وهوسه، إذ ما كان يتكور أحدنا على نفسه ليلة أو ليلتين حتى يكون لِزاما عليه أن يثبت سلامة قواه العقلية وا��نفسية قبلما يمر عُنوة من تحت مجهر التحليل والفحص، حتى أني أعتقد بأني مدينة لتلك الفترة بالذات بما اكتسبته فيما بعد من مهارات الجدال، إلا أنه في إحدى حلبات النزال بيني وبين أمي أذكر جيدا كيف أخرستني حين ظلت تكرر بانفعال: " المريض النفسي ده أذكى خلق الله" ! لم أفهم حينها أتزكية تلك أم دفاع؟ غير أني منذ تلك اللحظة قررت الاستماع للتهمة الملقاة منها بإذعان طالما لم يتم حجز موعد لي بمستشفى د. يحيى الرخاوي في إجازة نهاية العام. والآن أقرأ ل"مي زيادة" كاتبة أمي الحبيبة ولا أجد غضاضة في نفسي من الشاعرية المُفرطة لنصوصها الكئيبة، بل وتذكرت كيف أني كنت أحب الحديث إلى خالو وكيف كانت تستهويني مناوراته اللفظية أكثر قبل أن يحين موعد أخذه للدواء. وكأنه بالفعل كان يسلبه ذلك الذكاء الاستثنائي الذي أشارت إليه أمي يومذاك. فعلى ما يبدو يولد البعض بإدراك فطري لقسوة البشر وخذلان الأهل وخيبات الأمل، وإن أجلّ عمل هو أن تصدق حزنهم مخلصاً إذ أن هذا التصديق وحده قد يكون كافيا ليتوكأوا عليه كعكاز، حتى محبة أمي ل "مي زيادة" فهمتها الآن، لقد مثّلت لها صورة واحدٍ "من أذكى خلق الله" أدرك أن الحياة ما هي إلى حصيلة قسمة "أشعة" واحدة على "ظلمات" مأهولة العدد، فغرق في الاكتئاب من قبل حتى أن يصله من الانقاذ مدد.