إن المحاولة الحالية لتعريف القارئ الفلسفي العام بالحركة الفينومينولوجية عن طريق تاريخها لها في حد ذاتها تاريخ وثيق الصلة بالغاية من هذه الفلسفة. لقد أحدث هوسرل ثورة في الفلسفات القارية، ليس لأن فلسفته أصبحت مهيمنة، ولكن لأن أي فلسفة تسعى الآن إلى تكييف نفسها مع المنهج الظاهراتي والتعبير عن نفسها فيه. إنه شرط لا غنى عنه للاحترام النقدي. أما في العالم العربي ، على العكس من ذلك، فإن الفلسفة الظاهراتية (الفينومينولوجيا) لازالت في مهدها. إن طالب الفلسفة العادي، عندما يلتقط مجلدًا حديثًا من الفلسفة منشورًا في قارة أوروبا، يجب عليه أولاً أن يتعلم "حيل" الحرفة الظاهراتية ثم يترجم بأفضل ما يستطيع المؤثر الحقيقي لما يقال في الفلسفة. لا شك أن الدرس الفلسفي العربي سيأخذ في الاعتبار تدريجيًا انتشار المنهج والمصطلحات الظاهراتية، ولكن حتى يحدث ذلك، فإن القراء العرب للفلسفة الأوروبية سيواجهون عائقًا شديدًا؛ وهذا لا ينطبق على الفينومينولوجيا فحسب، بل على كل الأدبيات الفلسفية الحالية تقريبًا. من الواضح أن هذه الجمل تنطوي على تحدي، إن لم يكن تفويضًا، لجميع أولئك الذين كانوا، بحكم خلفيتهم وقدرتهم التفسيرية، في وضع يمكنهم من مواجهته.
The Phenomenological Movement, Herbert Spiegelberg يقدم كتاب هيربرت شبيغلبرغ "الحركة الفينومينولوجية: مقدمة تاريخية" نظرة تاريخية شاملة على تطور الحركة الفينومينولوجية كمذهب فلسفي. يركز الكتاب على تتبع الأصول والتطورات الرئيسية لهذه الحركة، بدءا من المراحل التحضيرية وصولا إلى الطور الألماني، مع التركيز على الشخصيات البارزة والمفاهيم الأساسية. ينقسم الكتاب إلى أقسام رئيسية، يبدأ بمقدمة تعرف الحركة الفينومينولوجية وتميزها عن الاستخدامات غير الفلسفية للمصطلح، ثم ينتقل إلى الطور التحضيري، وأخيرا إلى الطور الألماني الذي يشمل إدموند هوسرل وأتباعه. لينتقل الكتاب في جزئه الثاني إلى بدايات الفينومينولوجيا في فرنسا، وعلاقتها بالوجودية والهيغلية والأدب والماركسية، ثم يفحص مساهمات مفكرين مثل غابرييل مارسيل وجان بول سارتر وموريس ميرلو بونتي وبول ريكور، بالإضافة إلى آخرين مثل ميكيل دوفرين وريمون بولان. في الجزء الرابع، يستعرض الانتشار العالمي للفينومينولوجيا في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية والشرق الأقصى، مع التركيز على التحديات والآفاق المستقبلية والاحتياجات البحثية. في الجزء الخامس من الكتاب، يحدد شبيغلبرغ أساسيات المنهج الفينومينولوجي كاحتجاج ضد الاختزالية، مقسما إياه إلى خطوات تحليلية تدريجية: 1. التحقيق في الظواهر الجزئية: يشمل (أ) الإدراك الفينومينولوجي، وهو الإمساك المباشر بالظاهرة كما تظهر دون تحيزات، مع مقارنتها بظواهر مشابهة لتحديد خصائصها الفريدة؛ (ب) التحليل الفينومينولوجي، الذي يفكك الظاهرة إلى عناصرها وعلاقاتها الداخلية دون تفكيك فيزيائي، مركزا على البنية؛ (ج) الوصف الفينومينولوجي، الذي يحدد موقع الظاهرة ضمن إطار مفاهيمي، مستخدما التصنيفات للدلالة على الجوهري، مع الإشارة إلى أنه انتقائي ويوجه نحو التجربة المباشرة. 2. التحقيق في الجواهر العامة (الإدراك الجوهري): ينتقل من الجزئي إلى العام عبر التنويع الخيالي للأمثلة، لكشف الجواهر غير المتغيرة، مثل الانتقال من وردة حمراء محددة إلى "الأحمر" كجوهر عام. 3. إدراك العلاقات الجوهرية: يفحص الروابط داخل جوهر واحد أو بين جواهر متعددة، مستخدما التنويع الخيالي لتحديد الضروري (الإيجابي أو السلبي) والممكن والمستحيل، مثل علاقة اللون بالامتداد. 4. مراقبة أنماط الظهور: يركز على كيفية ظهور الظاهرة، بما في ذلك الجوانب (الأوجه)، المنظورات (التشويهات المنظورية مثل الظلال)، والوضوح (الدرجات من الغموض إلى الوضوح)، لفهم الطرق التي تقدم بها الظاهرة نفسها. 5. استكشاف تكون الظواهر في الوعي: يدرس عملية تشكل الظاهرة تدريجيا في الوعي كبنيات، مثل تشكل "صورة" مدينة جديدة، دون التزام بمثالية متعالية. 6. تعليق الإيمان بالوجود: يؤجل الحكم على وجود الظاهرة أو عدمها للتركيز على محتواها الجوهري، مما يساعد في تجنب التحيزات الوجودية، لكنه ليس ضروريا دائما. 7. تأويل المعاني المخفية (الهيرمينوطيقا): يتجاوز الظاهر المباشر لكشف المعاني غير الواضحة عبر تأويل إشاريّتها، كما في تحليل هيدغر لـ"القلق" كدلالة على "الكينونة نحو الموت"، مع الحذر من الافتراضات غير المؤكدة.