الترجمة هي الوسيلة التي من خلالها تمتد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة، واللغة السواحيلية لغة أصيلة في الشرق الإفريقي يتحدث بها تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي (دول منابع النيل) وهذا يعني أنها لغة تحمل أهمية قصوى ولها ثقل في القارة الإفريقية، فهي تعتبر اللغة الثانية في القارة الإفريقية بعد العربية. وفي ظل الظروف الراهنة والتغيرات المتتابعة في القارة الإفريقية، كان لِزامًا علينا أن نلتفت إلى الأدب الإفريقي لاقتحام الآخر المجهول - لدى البعض - لنقدم الموضوعات والقضايا التي يتبناها أدباء آخرون تجمعنا بهم صلة قرابة أصيلة وهي إفريقيتنا، فمصر دولة إفريقية في المقام الأول ثم عربية، لنجد أن هذا الأدب يزخر بالموضوعات التي تمس القارة والتي تتلاقى مع بيئتنا العربية. ومن جهة تلك المجموعة القصصية، فهي تعتبر نافذة على المشكلات الموجودة في القارة الإفريقية، فهي مجموعة قصصية متنوعة، تنوعت من خلالها القضايا والموضوعات نظرًا إلى تنوع كتَّاب القصص، ولما كان الأدب مرآة للمجتمع، فتلك المجموعة القصصية تُعد مرآة للمجتمع الإفريقي وما به من مشكلات، والأدب الإفريقي والسواحيلي بخاصة أدب ثري، وتلك المجموعة القصصية فرصة للتعرف على أسماء أعلام الأدب السواحيلي، فكل المشاركين في هذه المجموعة ما بين أساتذة جامعيين ونقاد وكتَّاب من الطراز الرفيع في الشرق الإفريقي، وهذا يفرض علينا أن نتحلى بالفضول لمعرفة ما يحمله هؤلاء من أفكار وما يتعرضون له من مشكلات، والتي بشكل كبير تتلاقى مع مجتمعاتنا العربية. كما تُعد هذه المجموعة القصصية وسيلة يطلع من خلالها القارئ العربي على بيئة جديدة وزاوية مختلفة من الأعمال الأدبية المترجمة، ليعرف أن الأدب الإفريقي لا يزال خصبًا، وفي حاجة إلى المزيد من البحث والتنقيب خاصة بعد أن حاز الإفريقي التنزاني عبد الرزاق قرنح بجائزة نوبل في الأدب عام 2021.
كتاب خفيف لذيذ والترجمة حلوة جدا القصص متنوعة بتتكلم عن قضايا مهمه وعادات وتقاليد مُهلكة ، وطبعا مصر هي جزء من افريقيا فبنتشارك معاهم بشكل كبير أوي في الحكايات دي.
لمن يهوى القصص القصيرة التي تتمتع بمناقشة قضايا مجتمعية ذات صلة بالعادات والتقاليد، والأعراف التي تمثل السياق أو الإطار الذي يحكم تصرفاتنا وسلوكيتنا، والتي بعضها يحتاج إلى التغيير، بل إن صح القول يحتاج إلى شجاعة من يقوم بالتغيير ويدعو له؛ فإن المجموعة القصصية " أنطولوجيا القصة القصيرة السواحيلية" مناسبة له جداً. انقسم الكتاب إلى 11 قصة قصيرة جمعت بين ما هو موجود، وما هو مفقود، وما هو منشود لأجل الدفاع عن قضايا واقعية يعيشها العالم بمختلف ثقافاته- فهي ليست قاصرة فقط على المجتمع الإفريقي كما يعكس العنوان- بل إن من كتبها عمالقة من رواد الأدب الإفريقي عموماً، والسواحيلي خصوصاً حتى أنه تم الترجمة والنقل عنهم، كما دارت الأحداث على أرض دول إفريقية ولكن كأنها قد جمعت العالم ومعاناته في إطار جغرافي واحد؛ فتناولت القصص قضايا مثل: العنصرية، والفقر، والتعليم، والجهل والسحر والشعوذة، وحقوق المرأة وتجسيد صور إضطهادها في المجتمعات التي تنصب الرجل في موضع الآمر الناهي الحامل لروح المرأة في يده ليحييها أو يميتها وتوضيح مفهوم الذكورية وإساءة السلطة أو (السلطة غير المسئولة)، ونجد قضية التدين الزائف، والجنس وزواج القاصرات، والزواج بالإكراه، علاوة على تناول قضية الحب الأعمى الذي يُوقع أحد طرفي العلاقة في الإنجراف مع الشخص الخطأ وينتهي الأمر بالزواج الفاشل الذي يصبح التخلص من قيوده بعد ذلك كالمسجون الذي أُطلق سراحه. يطول الحديث حول كل قصة وتفاصيلهاوتحتاج إلى مراجعات وليس مراجعة واحدة للوصف والتفسير والتحليل للقيم التي تحملها كل قصة في طياتها، وشرح رموزها، وشخصياتها، وكذا تحليل رؤية كاتبها والعوامل التي أثرت في كتابته... ولكن نصيحتي لمن يقرأها أن يراها بعين العقل والنقد وإعمال الفكر لأن كل حدث يشمل معاني في باطنه أعمق من مجرد القراءة السطحية؛ على سبيل المثال في قصة "مايائي وزير المرض" يطلق على وزير الصحة مسمى وزير المرض، وعلى وزير الاسكان والتعمير مسمى وزير الخراب والهدم، وهي كلها ألفاظ لتشير للفساد الذي تفشى واستوطن في بعض دول إفريقيا، وكيف أن كل مسئول خالف الدور المتوقع والفعلي له. عموماً أكثر القصص التي أعجبتني على الإطلاق هي قصة "حصن النفس" لكلارا موماني وهي امتداد لروايتها توماييني، وهي نفسها مترجمة بواسطة د/ محمد يسري محمد موسى مترجم المجموعة القصصية الحالية.
أما عن الأسلوب والترجمة وجمال انتقاء الألفاظ، والاتساق مع المعاني التي حملها المؤلف في قلبه، وخطها قلمه؛ فقد استطاع المترجم المتميز دكتور محمد يسري أن يتلبس شخصية المؤلفين للقصص حتى انه ترجم مقاصدهم، وكأنه من ألّف القصص بدلاً عنهم، وهذا هو ما عهدته عليه... تمنياتي له بمزيد من التوفيق والنجاح .
أنطولوجيا القصة القصيرة السواحيلية عن سلسلة آفاق عالمية، العدد 241 – 2023م، التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة يطالع قارئ أنطولوجيا القصة القصيرة السواحيلية، إحدى عشرة قصة لعشرة أدباء ترجمها د.محمد يسري بأسلوب حكّاء يحتفظ بإدراك القارئ في كل نص من بدايته إلى نهايته، وفي الوقت نفسه يحفّزه على متابعة القصص والسعي لمعرفة هوية مؤلفها من التراجم الملحقة بنهاية المجموعة، والقصص هي اللاجئ لجون هابوي، اختيار نابع من القلب لرايا تيمامي، يوم العراف لتشيسي مبيليبيلي، يتخذ خطوة أخرى/ فاعل خير لكيالو واميتيلا، النصاب لأمير صالح، الجائزة لكين واليبورا، مايائي وزير المرض لإفريس كيزيلهابي، سر الابن لسينجيري موكوبا، حصن النفس لكلارا موماني، ألسنة الموت لتيموثي أريجي. وهناك كاتبان من تنزانيا هما تشيسي مبيليبيلي وإفريس كيزيلهابي، والآخرون من كينيا بينهما كاتبتان هما رايا تيمامي وكلارا موماني القصص حيوية تتفاعل فيها الشخصيات مع التقاليد والتطوّر والصراع الطائفي وكوامن النفس والطبيعة، فيها إرادة تحقيق الذات والخروج من ميراث الاستغلال الطبقي والتفكير السحري، تشغل قضايا التعلّم والفقر والمرأة والمراهقة مساحة كبيرة في القصص التي تتضافر فيها الواقعية النقدية والواقعية السحرية والواقعية البيئية، وبعض القصص تجيد توظيف الكوميديا السوداء والمفارقة والربط بين الدراما الاجتماعية والدراما النفسية، وأجمل قصص المجموعة من وجهة نظري هي مايائي وزير المرض بواقعيتها وغرائبيتها ورمزيتها ورحلتها في أعماق النفس عن طريق الحلم والمتخيّل. أشكر للصديق العزيز د.محمد يسري إهداءه الكريم وحرصه على وصول المجموعة لي، وفّقه الله في رحلته العلمية، وأرجو أن يظل عطاؤه في مجال الترجمة من الأدب السواحيلي خطا فكريّا للتعارف الأفريقي