التراث الأدبي قريب المنال بعيده يغري القارئ، ويتأبى عليه، وبين الإغراء والتأبي مجال للقارئ ؛ لينطلق في رحابه الفيح؛ فإذا تمكن منه، رتع في رياضه. وفي غمرة ذلك الرّتاع ، يحتاج إلى ما يدلّه على ما استَخْفَى ويضع يده على ما استسر. وفي الطريق إلى التراث، يجدرُ أن توضع الصُّوى؛ ليتهدى بها القارئ حتى لا تُكِل خطاه المواضع الوعرة، ويُطفئ طماحه (لاحب لا يُهتدى بمناره). وهذا الكتاب مسعى لوضع الصُّوى، التي لا يُستغنى عنها، وبعضها لا يليق الجهل به ولعل ما دُوّن منها يُقدِرُ على الاستنباط، فيُتَهَدّى إلى الفرائد ويُغمز على الخرائد، مع أن الإدراك الكامل، والنظرة المستوعبة الكُمْلى، أعزّ من الغراب الأبقع ونقص الإدراك سجيّة، لا نتعلّل بها لتسويغ النقص، بل نتعزّز بها لدفع الملامة بعد بذل الجهد، وبلوغ الغاية من النظر، ومُبْلِغ نفسٍ عُذرَها مثلُ مُنجِح).
قرأته مع مجموعة قرائية مجبرة، تمللت بداية لأني لا أجد بداخلي ميلا لكتب التراث الأدبي، بمرور الوقت اندمجت مع الكتاب لسلاسة اللغة وسهولة وجاذبية طرح المواضيع، تحدث كثيرا عن التراث الأدبي العربي، والمختلق والمنحول، وعن تحقيق التراث والكوارث التي جرت، إضافة للطائفية والتي تدمر تحقيق الكتب ونشرها كذلك، وتوضيحات مهمة وثرية تفيد في قراءة التراث عموما، حفظ الله الدكتور وبارك في علمه وعمله.
هذا الكتاب بمثابة مقدمة لكل قارئ في الأدب؛ خريطة تدلك في البداية حتى تعلم أن سبر هذا التراث لا يكون بالقراءة العابرة وأخذ الآراء الجاهزة، وإنما ينبغي أن تعمل عقلك وتقرأ بقلبٍ يقظ؛ ففهمه لا يتأتى إلا بالدراسة الجادة والطلب الصادق. عمل مدهش، وينم عن تاريخ عريض من الجمع والقراءة الجادة، اللهم بارك.