ويقول الكاتب الاسلامي عن دواعي البحث ومقاصد الكتاب، إن الدارس لتراث علماء الفقه والأصول يجد مادة خصبة غنية مازالت بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتمحيص. وإن موضوع المباح الذي يقع ضمن الأحكام التكليفية الخمسة المعروفة، تطور بحثه خلال القرون
بحث تقليدي ، على أهمية الموضوع وخصوصا شقه الثاني (الدولة وتقييد المباح) ومافي هذا الموضوع من مساحات جديدة تستحق البحث والتنظير والابداع، إلا أني وجدت الكتاب دون المأمول، والكتاب من جنس الرسائل الجامعية التقليدية التي تتشابه في طريقة العرض وزاوية التناول
جاء تقسيم البحث إلى مقدمة وبابين ثم خاتمة وفهرس ولاتحة بأهم المصادر والمراجع. أبرز الباحث في المقدمة أهداف البحث، ومقاصده، وعرض أهم الكتابات السابقة عليه ، وكذلك منهجيته وصعوباته . أما الباب الأول، فقد خصصه لتحديد مفهوم تقييد المباح، والتأصيل لمشروعينه من خلال الكتاب والسُنّة وأقوال علماء الأصول. فجاء مشتملا على فصلين اثنين .
الفصل الأول، تضمن المعنى اللغوي والاصطلاحي لتقييد المباح، كما تم فيه تتبع التطور التاريخي لإعمال قاعدة تقييد المياح في الكتابات الأصولية، بدءا من الرسالة للشافعي، ومرورا بكتابات الجويني والغزالي والشاطبي، وانتهاء بالأصولي المعاصرين. واتضح من خلال ذلك أن جل الأصوليين اعملوا مبدا تقييد المباح لك بصيغ وأساليب مختلفة. أما الفصل الثاني، فقد ركز فيه على القواعد العامة المفيدة لتقييد المباح، بدأت فيه بقواعد المال والذرائع نظرا لعلاقتها الوطيدة بالمباح. فبينت أن إعمالها يؤدي إلى منع تناول المباح عندما يكون ذريعة إلى الحرام، كما أنه يفيد الإلزام به عندما يكون ذريعة إلى تحصيل الضروريات أو الحاجيات. كما تم التطرق ايضا لقواعد الضرر ودورها في تقييد المباح، ومثل البحث لذلك بنماذج متعددة من الكتاب والسنة وبعض مدونات نوازل الفقه المالكي وإذا كان تغيير الأحكام التكليفية يقوم على مراعاة مقاصد الشرع في التشريع، فإن انتقال المباح إلى غيره من الأحكام، أو تقييده ببعض الضوابط والقيود يجب أن يستند أيضا إلى قواعد المصلحة ، وهكذا قام البحث بتحديد علاقة المصالح بالحكم التكليفي عامة، وبالمياح خاصة. وأبرز هذا الفصل أيضا مشروعية تحكيم العرف في تقييد ما يباح من التصرفات الفردية والجماعية. فاختلاف العوائد يُؤدّي إلى تغيير الحكم الشرعي، وخروجه عن الإباحية إلى غيرها من الأحكام. وظهر من خلال ذلك حاجة المكلف إلى التبصر بعوائد وأعراف زمانه ، حتى يتسنى له الإحسان في إتيان المباح، بحيث لا يوقع نفسه في الحرج أو الخروج عن مألوف بيئته وعرف زمانه. أما قواعد الاحتياط، فقد اعتبرها بعض الأصوليين مظهرا لحفظ مصالح الأحكام من الفوات، وجعلوا قواعد المال والذرائع فرعا عنها. وظهر من خلال البحث أنها تُسعف في تقييد المباح، وقد تضمن الفصل نماذج وأمثلة لتطبيقها في تقييد المباح منها وإلزامًا. أما الباب الثاني، فقد ركز على بيان أثر تقييد المباح في حياة الأمة الاجتماعية ، وتنزيل ذلك من قبل الدولة. فثمرة هذا الباب وغايته في تحديد الجهات التي لها صلاحية تقييد المباح، وتحديد مجالات تنزيلها وضوابطها . وقد اقتضت منهجية الكتابة تخصيص قاعدة الصلاحية ولي الأمر في تقييد المباح» يبحث مستقل، وتميزها عن بقية الأصول والقواعد المفيدة لتقييد المباح نظرا لمركزيتها وأثرها الإلزامي.
وهكذا أبرزت في هذا الباب الأسس المفيدة لمشروعية تقييد المباح من طرف الدولة ، وبعض جوانبه التطبيقية، استنادا إلى القاعدة السالفة الذكر . فتناول في الفصل الأول من هذا الباب التأصيل الشرعي لقيام الدولة بتقييد المباح على الرعية، وتم الاعتماد في ذلك على أمهات كتب السياسة الشرعية التي أضلت مشروعية قيام ولي الأمر ينقييد المياح، وكذلك على الدراسات المعاصرة حول دور الدولة في تقييد المباح، وظهر من خلال ذلك أن قاعدة : اللامام تقييد المباح منعا وإلزامًا من الفروع الهامة لقاعدة اتصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة. وأن تنزيلها يحتاج إلى وجود مؤسسات متخصصة تتوفر على المؤهلات اللازمة لحسن تنزيل تقييد المباح. كما تطرق الفصل للضوابط اللازمة والتي ينبغي اعتبارها من طرف الدولة ومؤسساتها قبل تقييد المباح على الرعية. أما الفصل الثاني، فقد تتبع القيود والضوابط المستقاة من الشريعة الإسلامية في موضوع العلاقة بين الزوجين ؛ لأن ذلك لبنة أساسية في حفظ الأسرة، قد تغني عند حسن الالتزام بها عن تدخل القضاء لمعالجة الشقاق أو الخلاف. واشتملت الخاتمة على أهم نتائج البحث، والآفاق التي يستشرفها . وخلص إلى أن إعمال القاعدة له آثار إيجابية على الفرد والمجتمع. ولذلك نعتقد أن نشر الوعي بها عند المكلفين يُسهم إلى حد بعيد في تحقيق مقاصد الشرع، و استقامة أحوال المجتمع .
الكتاب جيد إلا أنه في مناقشته لتقييد التعدد ألمح أن تققيد التعدد تشريعيا لمصلحة تصحيح النظرة العالمية للمجتمع الاسلامي مقبولة لم يوفق فيها الكاتب عفا الله عنه