أمام موضوع الحريّة، نجد أنفسنا مضطرين للبحث ضمن عدّة مستويات:
ففي الفصل الأول سنأتي على الدور الذي مارسته الحضارة الغربية في مسائل الحريّات، كوننا لا ننكر من حيث المبدأ دور هذه الحضارة (سواء اتفقنا أو اختلفنا بشكل جزئي أو كلي مع فهم الحريّة ضمن منظومتها الفكرية) في إضافة مفاهيم وتصورات جديدة، دفعت الآخرين المختلفين من أبناء الحضارات الأخرى إلى سلوك أحد الطرق الثلاثة ؛ التماهي مع التصورات المطروحة بدون نقدها واصطفاء ما يناسب منها؛ ثم تلاشي الذات الحضارية، الفوبيا منها ثم الصدام معها والانطواء أكثر على الذات، أو الطريق النقدي الذي يكون السائر فيه عصيّاً على الفوبيا والتماهي، ويملك حسّاً نقدياً عالياً يمكّنه من فهم إيجابية الحالة المعاصرة، من حيث كونها يجب أن تكون بمنزلة صعقة حضارية، تصحو من خلالها الأمّة على واقعها المرير، فنحاول فهم التطوّر الجاري في الغرب على مستوى مفاهيم الحريّة، والأهم؛ فهم أسباب غياب هذه المفاهيم عن أدبياتنا وعن ممارستنا الاجتماعية والسياسية، وسنتناول أثناء ذلك مسألة الرق بشيء من التفصيل.
نناقش في الفصل الأول كذلك بعض التطبيقات التاريخية للإسلام، وسنعمل على تحديد نقاط علّام أساسيّة ساهمت بتأصيل الاستبداد وضرب النزعة التحررية ضمن المسار التاريخي للإسلام وسنحاول تحديد الفترة التي كان لها الأثر الأكبر في غياب الحريات، وفي قلّة عناية الفكر الإسلامي بها بعد ذلك، حتى يومنا هذا.
الفصل الثاني نقارب فيه المستوى الأهم، ونتتبّع من خلاله مفاهيم الحرية في النص القرآني، وسنحاول فيه قراءة أهم الآيات المتعلّقة بالحريات، وسنناقش آراء المفسّرين فيها، وما يثار حولها من آراء، وتأويلات، وسيكون ذلك القسم الأهم من بحثنا.
الفصل الثالث والأخير سنخصّصه للحديث عن الردّة، وبعض الروايات التي تتعارض مع الحريّات، وسنتكلّم فيه بشيء من التفصيل، عن بعض حالات القتل التي حدثت في عصر النبي صلى الله عليه وسلّم، وسننهي ببضع خلاصات..
كتاب تركني أراجع الكثير من المفاهيم حول الحرية والمرأة والعبودية وغيرها من مفاصل القضايا في التاريخ الاسلامي ، نظرة اإلى التاريخ الذي نظنه لم يصنع تطوره أي إشكال .