لماذا هذا الكتاب؟ لأن (كلام الخبراء) في كل المعارف يظل أحد أبواب المعرفة الأساسية التي تساعد على تحصيل تلك الخبرة عملية -كانت- أو علمية. ولأن (كلام أهل العلم) في أبواب الشريعة هو مفتاح من مفاتيح التفقه فيها، وهو طريق تم التعامل معه بقلة التفهم تارة، وبالغلو فيه تارة أخرى الأمر الذي يعني مسيس الحاجة إلى طريقة سواء في منهجية التعامل وشرائط الفهم. يأتي هذا الكتاب من مركز نماء، ليسلط مؤلفه فيه الضوء على مسالك الفهم والتأويل وضوابط القراءة والتحليل التي تعتبر شرائط موضوعية لفهم كلام أهل العلم. هذا الكتاب هو مساهمة من المركز -ومن مؤلفه قبل ذلك- في رفع حالة التفهم للنصوص التراثية، يقدمها المؤلف في لغة مباشرة مشفوعة بنماذج تطبيقية لعلها أن تذلل الطريق نحو تكوين ذهنية واعية في قراءة هذا النوع من النصوص، حيث يعد هذا الكتاب هو الحلقة الخامسة من سلسلة (تكوين) التي تعتني بهذا النوع من الدراسات
السيرة الذاتية : الاسم : الشريف حاتم بن عارف العوني . المولد : في الطائف 1385ﻫ . الشهادة : دكتوراه في الشريعة الإسلامية , من جامعة أم القرى بمكة المكرمة . المرتبة الأكاديمية : أستاذ مشارك . الوظائف والأعمال : - عضو مجلس الشورى منذ 3/3/1426ﻫ , وحتى الآن . - عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى . - المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء ﷺ . - وعضو في بعض المراكز العلمية داخل المملكة . -شارك في الكثير من المؤتمرات والندوات والدورات العلمية والدعوية داخل المملكة وخارجها . - العديد من المشاركات في وسائل الإعلام من الصحف والإذاعة والتلفزيون السعودي وغيره من الفضائيات المختلفة , ببرامج مستمرّة ولقاءات وندوات عابرة .
كتاب "فهم كلام أهل العلم نحو ضوابط منهجية" للدكتور الشريف حاتم العوني من الكتب المهمة التي تشعر فوق انتهاءك من قرائتها بأنك لم تروي ظمأك من هذا الموضوع ، فكثرة الأخطاء في فهم كلام أهل العلم ليست وليدة الثقافة المعاصرة، بل هو يضرب بجذوره إلى الماضي ؛ حتى أن ابن القيم- رحمه الله- هاله كثرة ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة .
من هنا يضع مؤلف الكتاب ضوابط " مهمة" لفهم كلام أهل العلم ، هذه الضوابط هي :
أولاً : مراعاة السياق في فهم كلام العلماء :
وذلك عن طريق ( مراعاة الأحوال التي سببت الكلام) و ( مراعاة زمن الكلام والأحوال المحيطة به ) . فأهمية - مثلاً- مراعاة سياق الزمن لها أهمية عند المفسرين ؛ ولذلك حددوا المكي والمدني . وكذلك ما يحيط بالعالم من أحوال سياسية واجتماعية وأمنية وتطور الألفاظ والمفاهيم فكل ذلك يؤثر على العالم بلاشك ، ويضرب مثالاً على ذلك باختلاف اصطلاح الفقهاء المتقدمين عن المتأخرين في بعض الاطلاقات ، كاختلافهم في معنى ( لا ينبغي) فهي عند المتقدمين تشير إلى كراهة التحريم ، بينما عند المتأخرين تنحصر في الدلالة على كراهة التنزيه .
ونظير ما سبق هو ما تكلم فيه ابن تيمية رحمه الله عن الخلل الحاصل بسبب تبدل دلالات العبارات، وضرب ابن تيمية مثالاً على ذلك بلفظ القضاء . [ مجموعة الفتاوى ١٠٦/١٢ ].
أما مراعاة زمن الكلام و الأحوال المحيطة به يضرب المؤلف مثالاً بالإمام الشافعي وكتابه الرسالة ، فاصطلاحاته في الرسالة يختلف عما استقر عليه الأمر عند الأصوليين ، مما يوجب عدم محاسبته باصطلاحٍ حدث بعده كألفاظ ( المجمل ) و ( القياس) و( علل الحديث) .
ويضرب مثالاً أخر بوجوب معرفة المعارك الفكرية التي خاضها العالم لتفسير مواقفه ، مثل تشديد الإمام أحمد في مسألة الوقف في القرآن بسبب سياق البيئة العلمية التي صدر فيها هذا الإنكار ، بمعنى أخر حتى تتميز عقيدة أهل السنة عن عقيدة المعتزلة .
ثانياً: حمل كلام العالم على الصواب ما أمكن بغير تعسف: هذا هو الضابط الثاني ، فرتبة العالم كلما علت ، كلما أصبح وقوعه في الوهم والغلط أبعد،ومن هنا كان حمل كلام العالم على الصواب بضوابط : - كدرجة احتمال لفظ ذلك العالم للتأويل . - وضوح الخطأ في تلك المسألة أو غموضه. - مكانة ذلك العالم في فنّه.
ثالثاً: عدم الغلو في فهم كلام العلماء .
رابعاً: أول ما يفسر كلام العالم كلام العالم نفسه: المقصود تفسير كلام العالم بمذهبه وبكلامه ، وإن خالف ظاهر لفظه ، ويضرب مثالاً على ذلك بما ذكره الإمام مالك بعدم الصلاة على القدرية ، وسيفسر قوله ابن عبد البر ويتأول قول الإمام مالك بما يخالف ظاهرها اعتماداً على ما يعرفه من مذهبه .
خامساً : تقديم القول بين قولى العالم المتعارضين في الظاهرعلى القول بتغير الاجتهاد والترجيح: ويضرب مثالاً على ذلك بقول الإمام أحمد في رده على سؤال لابن عبد الله ( ضعيف الحديث خير من رأي أبي حنيفة ) . ثم يذكر تعقّب أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي لهذا القول وكذلك ابن تيمية وتوجيه هذا القول بأكثر من وجه . ( راجع ص ١٠٣).
ويستدل كذلك بابن رجب الذي ردّ ظاهر عبارة للإمام مسلم ، لا لكونه متناقضاً، بل لكون هذا الظاهر ليس مراد مسلم، ولا يستدل على ذلك إلا بمنهج مسلم وبمنهج المحدثين التطبيقي .
بالنهاية هذا الكتاب الصادر عن مركز نماء خطوة جيدة لبحوث أخرى أكبر حول هذا الموضوع المهم .
أعجبني جداً ربطه الشديد بين أهمية فهم اللسان العربي ولغة العرب و فهم كلام العلماء وأن تعلّم لغتهم هو السبيل إلى الفهم العميق لكلامهم فضلاً عن الكتاب والسنة.
ذكر الشيخ -حفظه الله- خمسة ضوابط لفهم كلام أهل العلم، وذكر أمثلة ونقولات من كلام أهل العلم توضح هذه الضوابط، وهي التي زانت الكتاب وحلته، نقولات جميلة جداً وبديعة، تدل على سعة اطلاع الشيخ، ودقة فهمه، وحُسن توظيفه لها.
كتاب لطيف وإن كان موجهًا بشكلٍ أكبر لطلبة العلم لكنه مفيد لغيرهم أيضاً. يبدأ في كلامه عن أساباب وقوع الناس عموماً في سوء الفهم، ثم يتكلم في أغلبه عن أهمية معرفة الخلفيات وأخذ سياقات الكلام في الاعتبار سواء كان الموقف الذي قيل في الكلام، أو الأسباب الرئيسية والحقيقية التي دعت العالم لتصنيف كتابِه. والقضايا والمعارك الفكرية المثارة في زمنه. وبشكلٍ عام يشدد الكاتب على أهمية المعرفة اللغوية والتذوق الأدبي لتجنب الوقوع في سوء الفهم.
كتاب مهم لطالب العلم، يضبط المنهجية التي ينظر بها الطالب في كلام أهل العلم، حتى لا يضل فهمه، فيحمل الكلام على غير محمله، ويحيد عن مقصد المتكلم ومراده من كلامه. وللشيخ حاتم العوني علم واسع، وقلم جزل بليغ. جمع الشيخ في هذا الكتيب الصغير مجموعة من الضوابط التي لا يستغني عنها طالب العلم في مسيرته العلمية. ونبه الشيخ في بداية الكتاب على أهمية التبصر والتعمق في فهم كلام العلماء، وعدم التسرع والاكتفاء بالنظر السطحي، وبين السبب في صعوبة الكلام الصعب، وبين أن كلام العلماء يكون على درجة عالية من البلاغة والدقة والعمق لأنهم يسبرون أغوار المعاني ويتخيرون محاسن الألفاظ وخواصها للتعبير عن تلك المعاني الخاصة، فلا بد إذن من امتلاك أدوات اللغة والتضلع بها وطول الدربة والمران عليها حتى يستقيم لك الفهم عن كلام العلماء. ثم شرع الشيخ في توضيح أهمية السياق في فهم كلام العلماء وأنواع السياقات، من سياق لفظي وسياق زماني وسياق البيئة العلمية وسياق المجال العلمي وسياق الكتاب وسياق الباب وسياق المسألة، ووضح كيفية التعامل مع كلام العلماء دون غلو، وكيفية التعامل مع كلامهم إذا لاح فيه تعارض.