مثل الكتاب وثيقة تاريخية لآليات عمل الجهاز الأمني العراقي خلال فترة حكم صدام حسين في مراحل متعددة من صفحات المواجهة الشاملة للتحديات الأمنية التي واجهت النظام على مدى 35 عامًا. يتتبع الكتاب مراحل جهاز المخابرات العراقي ابتداءً من نشأته ومراحل تطوره وآليات عمله وهيكله الإداري والتنظيمي وقدراته الاستخبارية. ويستعرض أهم التحدّيات التي واجهت الجهاز وسبل التصدي لها والتغلب عليها. ويكشف عشرات العمليات المعقدة، والعلاقات المتشابكة، والمواقف التي يطال بعضها صنّاع الإسلاموية الحركية؛ وصلتهم بالتطرف والإرهاب. يجمع الكتاب بين النظرية والتطبيق وبين العلم والمعرفة. فيمثل نتاج سنوات عديدة من العمل ميداني في أروقة الجهاز الداخلية وتجربته التي استمرت 25 عامًا سبقتها الدراسة الأكاديمية والتدريب الاستخباري والعسكري في كلية الأمن القومي لثلاث سنوات تقويمية.
الكتاب مهم جداً، وللأسف لم يأخذ حظه من الشهرة رغم أهميته ومكانة الكاتب، فهو ضابط كبير جداً في المخابرات السابقة. الكتاب يعرض بشكل جيّد تاريخ الاستخبارات العراقية منذ التأسيس إلى 2003، ويعرض عشرات العمليات والمهام التي قام بها الجهاز السابق. والمؤلف لا يدّعي أنه يعرف كل شيء، بل يذكر أنه تواصل مع شخصيات كثيرة حتى يتم العمل.
للأسف لا يمكننا اختبار المعلومات التي ذكرها الكاتب، فهي بطبيعتها سرية، وهذا لا يقلّل من شأن الكتاب؛ فكل الكتب عن المخابرات من هذا النوع. بل إن الضابط لو سمح لنفسه بنشر معلومات سرية لعرّض نفسه للسجن بل وحتى الإعدام. ولكن وبحكم انهيار النظام السابق وتسريب جزء هائل من أرشيفه، فالكاتب هنا يملك حرية ممتازة في عرض ما يشاء من العمليات والمعلومات.
والكاتب لا يدّعي أنه يعرف كل شيء، بل يصرّ على عدم تسمية مصادر وأشخاص كثر. قرأتُ الكتاب واستمعـتُ إلى عدة لقاءات حوارية معه، ويبدو أن المعلومات التي ذكرها ذات مصداقية عالية جداً.
والكاتب والكتاب وغيره من المصادر كلّها تظهر أن الاستخبارات العراقية كانت ذات مهنية عالية جداً، وقامت بعمليات ممتازة في دول كثيرة.
نسأل الله أن يرجع العراق العظيم إلى أمجاده، ويُخزي الحكومة الحالية العميلة التي دمّرت العراق، وحوّلته إلى بلد متخلّف وغارق في الفساد والجهل والفقر.