ببراعة أخاذة، توظف الكاتبة الأساطير الشرقية والصحراوية في هذه الفانتازيا التاريخية كشخوص في الرواية، حيث تجمعهم "سرمدان" البلاد الواقعة بين الوجود والعدم بقرار من "إرادة الخير" التي صنعتها كملاذ للأساطير حين عجزت عن حمايتها من محاولات إنكار وجودها المتتالية من قبل البشر. في تلك البلاد "غير الموجودة" تعيش الخرافات الطيبة بسلام، بما في ذلك الحوريات، ساكنات المرايا، الأصنام، الحيوانات الناطقة بالحكمة، الجنّ بنوعيه الهادئ والماجن، النسانيس _وهي أنصاف بشرية_، وبعض الجمادات والكائنات التي صُنّفت أسطوريةً لأسباب لن تتكرر، كشجرة الأمنيات، والماعز الخضراء، وبالطبع المستحيلات الثلاث عند العرب: الغول والعنقاء والخلّ الوفيّ. لكن البلاد الأسطورية لا تعني التعايش الأسطوري بالضرورة، لا سيما وان من يحكم البلاد هم مجموعة من البشر السابقين الذين وصلت حالة الجنون المطبق بهم إلى الانفصال عن الواقع، ونقلوا إلى سرمدان بعد أن تبين أن "غياب العقل اللازم لصناعة الخرافة يساوي غياب العقل اللازم للإصابة بالجنون"، أو على الأقل هذا ما يقوله عراف نجد، كبير بيت العرافة السرمداني. "سرمدان" هي الرواية الأولى لجمانة مصطفي بعد خمس مجموعات شعرية.
هذه الحكاية الهاربة من مجلدات ألف ليلة وليلة، إنما كتبت ليقرأها الأطفال القابعين داخل أجسادنا المتآكلة، ليعرفوا أن كل الحكايات التي سمعوها في صغرهم، ثم أنكرتها عقولهم في كبرهم وشيخوختهم، هي الحقيقة الوحيدة التي ترفض هذا العالم المتوحش، وينكر الكبار وجودها؛ لأنهم يخجلون من الاعتراف بأنهم لم ينجحوافي شيء إلا في إقصاء كل جمال، وإنكار كل تفوّق! وعي الحرية المشروط بوعي العدالة، لن يتحقق فوق هذه الأرض، بل هو فقط قابل للتجسّد في سرمدان... من يعرف الكاتبة والشاعرة الفلسطينية جمانة مصطفى، يبلغها تحياتي وامتناني...
"التخيلات البشرية الأساطير تخرجها من حالة العدم لكنها تدخلها في حالة الوجود.. بمجرد أن يخطر تصور جديد في بال إنسان فهذا معناه أن الفكرة حدثت لكنها لم تتحقق!"
سرمدان..حيث تعيش الخرافات الطيبة بسلام. تخيل معي مكانًا سحريًا يجمع داخله كل الأساطير والخرافات التي خطرت على بال البشر يومًا ما! مكان تحكمه إرادة الخير ويعمه الحُب والسلام. مكان تعيش فيه الحوريات جنبًا إلى جنب مع المستحيلات الثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي وغيرها من الخرافات التي ستحكي لنا قصتها "سرجنة"..المرأة الأجمل والأكثر ذكاء وجاذبية والتي ولشدة كماليتها صنفت كأسطورة وانضمت إلى سرمدان. تحكي لنا سرجنة عن هذا العالم الخيالي بمخلوقاته وقوانينه وأحداثه..تُرى هل يوجد ما يمكنه أن يعكر صفو هذا العالم الخيالي المثالي؟ هل حياة هذه الكائنات الأسطورية ستستمر على نفس الوتيرة الهادئة والمسالمة، أم أن هناك ما لا يعلمون بشأنه والذي سيهدد أمنهم واستقرارهم في سرمدان.
هذه الرواية هي رحلة أسطورية خيالية مجنونة! لكنها حتمًا ستفصلك تمامًا عن واقعك، برغم طول المدة التي قضيتها برفقة هذه الرواية، إلا أنني كنت ألجأ إليها مدركة أنني سأنفصل عن واقعي وسأدخل عالمًا خياليًا مُختلفًا وممتعًا. قصة مختلفة، عالم خيالي ممتع ومُحكم بنته الكاتبة بكل دقة ولم تغفل عن أي تفصيلة صغيرة، ومغامرة ممتعة نخوضها برفقة كائنات أسطورية كل هذا لم يكن ليكتمل سوى بأسلوب الكاتبة المُبهر الذي وبدون منازع كان سبب حبي الأول للرواية. سرمدان بكل اختصار هي حكاية تُخاطب الطفل بداخلك لن تخرج منها إلا مستمتعًا. في النهاية، استمتعت جدًا بالرواية وبتفاصيلها الكثيرة المتقنة والممتعة وبالعالم المختلف الذي بنته الكاتبة واستطاعت نقلي إليه بكل سهولة ويسر وأخيرًا بأسلوب الكاتبة وإبداعها..تقييمي لها ٥/٥⭐⭐⭐⭐⭐
مدهشة رمزية الشخصيات والأحداث وتوظيف الأساطير 👍🏻 حانوت كيفما اتفق ،فاعل غير وفاعل غير مكرر، إحسان إحسان، إرادة الخير ومركز الحاكم السياسي للمجانين ⭐️⭐️ أنواع الوعي ورخص الحب ❤️ أدهشتني وامتعتني جداً شكراً جمانة ✨