لم تعد الفردوس مفقودة، لقد أصبحت مكانًا حقيقيًا على الأرض" وفق هذه الفرضية ينطلق الكاتب بنا في عالم ديستوبي له قواعده الصارمة، لنرى رحلة أبطالنا المشوقة للولوج إلى البقعة المثالية التي يتمناها البشر، وخلال المسير يكتشف كل فرد نفسه، ليعرف ذاته الحقيقية المخبأة خلف أقنعةٍ عديدة، ومع اقتراب النهاية يحل سؤال أُجل كثيرًا، سؤال تبدو إجابته بديهية للوهلة الأولى، لكنها ليست كذلك: لِمَ بدأت هذه الرحلة من الأصل؟
"مدينة عدن، ما هي عدن ؟ ، مدينة الأشجار ؟ تبعد عن التلوث أي المدينة الفاضلة ، بأعلى سعر يتسابقوا للمكوث فيها ، تختلف عن المدينة الفاسدة التي تحجب الحريات للشخوص و تُقيد عدد النسل . داخل المدينة الفاسدة ،هيئة المعارف مخصصة لنقل معلومات محددة بسبب سمة الجهل المرتفعة بين الناس . "
أحببت الأسلوب لأنه تشويقي و يسحبك منذ الوهلة الأولى لمعرفة النهاية مع لغة فصحى قوية و منتقاه بمفردات معينة لوصف مشاعر الشخصيات و دوافعهم للرحيل لعدن .
خلال القراءة سنجد كثير من الإسقاطات التي تعكس حالنا اليوم ،مثل تلوث المياه ، المنظومة الفاسدة ، الفقر الذي ينوح على السكان ، الإهمال الطبي.
إقتباس أحببته : “ و يردد كثيرا” أن ما دام البشر قليلي العلم ، لا يملكون قوت يومهم ، و ليسوا على دراية كافية بما يدور حولهم ، فمن الطبيعي أن يتم التحكم بهم ، و بمصائرهم و عقولهم “ ص٢٩ .
أكثر ما أحببته و شدني في قراءة الرواية؛ رسم الشخصيات، و إظهار مشاعرهم و خوفهم بالأخص نضال ، مثله مثل أي كاتب فضل الكتابة و العزلة عن البشر ، و أيضاً إرميا كطبيب و كيفية علاجه لمرضاه .
أثارتني آخر فقرة ص٨٥ “علاجك هو المواجهة ، و عدم التجنب ، تحدى مخاوفك و مصدر قلقك ، القلق يعطي للأمر أضعاف حجمه الحقيقي ، و من خلال التعرض للمواقف باستمرار سيكون عندك مقدرة على مواجهتها ، و خطوة بخطوة ستتخطى مأزقك بعون الرب “ .
خيال الكاتب “محمد السيد” خصب؛ أحببت وصفه لمدينة عدن و أنهارها و التأكيد على بعض الأفكار منها :-
1. الحكايات : هي تحرر الراوي من ذنوبه؛ يحكي ليخرج ما في جوفه من ضيق و هذا ما فعلوه الشخصيات، بالحكي عند الشجرة المحرمة. 2. ما الفرق بين الحقيقة ، الخيال؟ هل من الممكن أن يتحول الخيال إلى حقيقة ، و ذلك ما شعروا به بعض الشخصيات مثل رؤية إرميا حبيبته ماري أو رؤية رائف أهله الذي فقدهم. هل من الممكن العيش في خيال طوال الوقت في قلب عدن كوصف أحد الساكنين عقله بالجنون حيث قلب الخيال لحقيقة .
3.اليد اليسرى مع إرميا و عدم تحريكها هو رمز عدم الاعتراف بالذنب . “تاني فقرة في ص٢٨٩ “.
أسئلة خفية :-
-هل الخلاص بالذهاب إلى مدينة أخرى للهروب من أشباح ذكرياتنا أم ستظل تلاحقنا أينما ذهابنا ؟ -هل من الممكن أن نصلح أخطاء الماضي ؟
يفضل أن تقرأ على مهل، أحببت تفاصيلها و أحببت النهاية، أتوعد بمستقبل واعد لمحمد لأنه بالرغم من صغر سنه و لكنه أثبت موهبته دون شك .
أول ما بدأت الرواية، حسيت بخيبة أمل صراحة… قلت بس، يلا بينا على القصة اللي بقت محفوظة: مدينة ممنوع فيها الكتب، والكتب بتتحرق، والحكومة مستبدة، والناس بتدور على الخلاص، والحرية، والحقيقة… الخلطة اللي اتحكت قبل كده في خمس تلاف فيلم عربي قديم، وخمس تلاف قصة ديستوبية.
فقلت في نفسي: تمام يا فنان، شكراً على التكرار.
بس مش عارفة ليه كملت، ولما كملت لقيت نفسي قدام حاجة تانية خالص! مش الرواية المهروسة اللي كنت متوقعاها، دي رواية مكتوبة حلو أوي أوي، والأسقاطات فيها معمولة بذكاء ومدروسة، من غير ما تبقى محشورة أو متفزلكة.
الشخصيات كمان كانت مكتوبة بشكل حلو جدًا، وكل شخصية ليها عمق وملامح واضحة، ومكنتش حاسة بأي ملل وأنا بقرأ، بالعكس كنت ماشية مع الرحلة ومستمتعة.
أكتر حاجة عجبتني إن الرواية بتسأل سؤال ممكن يبان بسيط، بس في الحقيقة هو مش كده خالص: ليه أصلًا بدأت الرحلة؟ السؤال ده فضلت أفكر فيه حتى بعد ما خلصت.
بصراحة، أنا متفائلة جدًا بالكاتب، ومستنية كتابه الجديد من دلوقتي!