يناقش كتاب العقائدية القاصرة خطابًا خطيرا ينتشر بين الشباب، وهو خطابٌ منغلق على تناول جدَلي للعقيدة، مع الخصومة لدعاة الأمة وعلمائها، واتّهام بعضهم بتقديم الدنيا وإغفال مسائل العقيدة، إلى جانب تغييب هذا الخطاب لقضايا كبرى مهمّة كحاكمية الشريعة واجتماع الأمة التي يتم تشتيتها في صراعات هامشيّة.
كتاب يستحق القراءة حيث يتطرق الى اشكال صار ملحوظا مدى تفاقمه مؤخرا وسط الأمة الاسلامية من اتباع اسباب الفرقة حتى ولو كانت امورا لا تتعلق بالعقيدة لكنها مجرد مسائل كلامية ولم تكن موجودة عند المتقدمين و كيف ان هذه المسائل لا تخرج الشخص من دائرة الأمة الاسلامية،ايضا نقطة اخرى احببتها وهي التركيز على الحاكمية وكيف ان البعض يقرن من يدعو لهذا الامر بالمنتسبين للتيارات الانسانوية بينما الانتباه لهذه المسألة سيحقق اولا ما شرعه الله من اوامر لعباده وبالتالي ستعود بالخير على الناس وايضا اعطاؤه القيمة التي اكرمه الله بها وليس غاية هذا الامر مركزية الانسان وارضاء هواه كما هي الافكار اللبرالية والعلمانية واوضح الكاتب ان هذا لا يعني عدم التطرق للشذوذات والرد عليها بطريقة علمية وانما الفكرة الا تنشأ اسباب الفرقة والطعن والكراهية من خلافات لم تعرف في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا نص عليها القرآن .
أنا متفق مع مبدأ الكتاب الحمد لله، وأظن أن أي شاب مسلم سيقرأ لأطراف الجدل العقدي، سيرى أن الحق مع جميع أهل السنة، بعيدا عن الفرق الضالة كالمعتزلة والخوارج والشيعة، وأنا في رأيي الخاص أن كثيرا من هؤلاء أيضا معذور بجهل أو بحالة نفسية بسبب تعامل الحكام بشكل خاطئ (مع الخوارج تحديدا)... نعم الخارجي يجب أن يُقتل كما أمرنا رسول الله ﷺ، أما من هو دون ذلك، فلماذا تأتي به وتعذبه عذابا شديدا حتى يتحول لخارجي!
أعود للكتاب، أنا استفدتُ استفادة عظيمة من فكرتين لم تخطرا على بالي من قبل وهما: سبب اهتمام كثير من العلماء المعاصرين بالحاكمية ليس لتقليل أهمية الربوبية والإلهية، بل لأن التقصير -بعد سقوط الخلافة- وقع في هذا الجانب من جوانب التوحيد. وهذا يشبه كتب العقيدة القديمة التي تبدأ بذكر القدر مثلا (لأن مشكلة عصر الكتاب هي الفهم الخاطئ للقدر)، وهذا كانت نقطة غير تفكيري بجماعات كاملة تهتم بهذا الجانب أكثر من غيره.
الفكرة الأساسية الثانية أن مقصد تجميع المسلمين هو مقصد يتعلق بالتوحيد بشكل أساسي، وسبحان الله أنا لا انقطع عن القرآن الكريم -بفضل الله ورحمته- ومع ذلك لم استنتج هذا الأمر.
كنت أتمنى لو أن المؤلف ركز على الأفكار الكلية في هذا الموضوع بدلا من الجزئيات والتفاصيل. مثال: ما حال من هو أشعري ولديه عقائد سلفية؟ وما حال من هو سلفي ولديه عقائد أشعرية؟ ما الحد الفاصل بين الطائفتين أصلا!
مثال: كيف خلت عصور كاملة من السلفية؟ هل يُعقل أن تكون السلفية هي السنة فقط! وأنا سألت صديقي عن هذه الإشكالية وذكرتُ له حديث: (ما تزال طائفة من أمتي... الحديث) فأرسل لي قائمة بعلماء أشاعرة لكنهم ماتوا نادمين على اشتغالهم بالفلسفة، إذن فعلا انقطعت السلفية إلا بشكل نادر عن العالم الإسلامي.
لا أفهم ما مشكلة المسلم إذا أنصف كلا الطرفين؟ ما المشكلة إذا قلت: السلفيون أكثر قربا لمذهب السلف العقدي لعدم انشغالهم بالفلسفة، لكن السلفيين المعاصرين لديهم مشكلة في الولاء والبراء بسبب السردية السعودية، أما الأشاعرة فهم أفضل بكثير في باب الولاء والبراء، ولكن مشكلتهم إدخالهم الفلسفة أو علم الكلام في العقيدة وجعلها (علم التوحيد)!
الطائفتان من أهل السنة وكل طائفة لها مميزاتها ولها عيويها، وهناك مم درس عند هذا أو هذا، وانتبه لإشكاليات طائفته فلم يرض بها. وأنا كذلك، أنا سلفي العقيدة، لكني لا أقبل بالولاء والبراء عند السلفيين المعاصرين، لا أعتقد حل الاستعانة بالكافر، ولا أعين اليهود من أجل محاربة الشيعة، ولا أقول أن النتن ياهو من أهل الكتاب أما حم. اس فهم روافض أو نواصب! جهل عظيم في الولاء والبراء.
نقدي على الكتاب: • الخلط بين الألوهية والحاكمية وجعل هذا الخلط أمرا يتفق عليه العلماء • نعت كل المخالفين بالجهل بعبارات صريحة مثل "لا يخالف هذا إلا جاهل بأصول التوحيد" • الاستدلال بالأئمة المتأخرين في المسائل التي يوافق عليها وفي باقي المسائل يبدعهم • تبديع أئمة كبار كأحمد بن حنبل • الاعتذار للأشاعرة أنهم يريدون التنزيه • صرف الأولوية إلى السياسة بدل العبادة كما يفعل الحركيون (نعم لا تستطيع أن تقول لا تنعتوني بالحركي في أول الكتاب ثم تصير حركيا في وسطه) • المغالطة بضرب مثال واحد وتعميمه على باقي المخالفين • التناقض في قوله: "كان الأئمة المتقدمون يصرفون جل دعوتهم إلى غير الجدل مع مخالفيهم" لثلاثة أسباب: ١. المخالفون لهم أعمال أكثر في الدعوة من باقي الفرق ٢. كل الفرق يجادلون بل أقلهم جدلا هم السلفيون ٣. هذا الكتاب نفسه رد وجدل بحجة رد الباطل فالمخالفون كذلك يريدون رد الباطل ولذلك يخوضون في هذا الجدال • غض الطرف عن أقوال المتقدمين في المسائل التي يوافق عليها المخالفون كقول الإمام مالك في مسألة الاستواء وهذا مما يبني عليه السلفيون قولهم
وفي الأخير كلمة لمن يريد أن يقرأ هذا الكتاب: احذر من أن تعرض نفسك للشبهات. أول ما رأيت الكتاب ظننته أن الكتاب يطلب الحق فإذا به مملوء بالشبهات. في مقدمة الكتاب قد تقرأ أن المؤلف يريد الحق وتوحيد الصف وأنه وسطي ومعتدل لكن الشبهات التي تتعرض لها في الفصل الثاني قد تؤدي بك إلى التجهم والعياذ بالله.
كتاب مهم ويقدم اطروحه جيدة ، اعجبني خصوصا آخر فصل عن فكره مركزية الدنيا الإنسان ، وأن سعي المسلم نحو العدل والحقوق هو من واجباته نحو الدين وأمة الإسلام التي تعيش أسوأ وأحط مراحل تاريخها على الإطلاق على كل المستويات وهذا الخضوع المذل للغرب وتحكماته. لنا الله.
كتاب في غاية النفاسة، وسعادتي بكل كتاب أو مقال أو حرف يخطه الكاتب لا توصف، فأنا أتابعه من سنين على المنصات الرقمية وأقرأ كل ما تصل إليه يدي من مؤلفاته، وبعضها أكرر قراءته شغفا وطربا، رضي الله عنك أبا سلمى.
This entire review has been hidden because of spoilers.