فيما تنثال حبّات الرمل في ساعة نوح حبّةً حبّةً تنثال معها القصص والحكايات، فتشكّل عالمًا روائيًّا يؤثّثه صوتان: «بلقاسم غيفارا» الحالم بثورة تغيّر وجه تونس والعالم، مدفوعًا بانتمائه وطموحه وما يحمله من شعارات، و«أولغا» الأوكرانيّة الفارّة إلى تونس من جحيم الحرب. صوتان مشدودان إلى ذاكرةٍ جريحة سنظلّ نلهث وراءهما، فتأخذنا الحكايات بين الأمكنة من تونس إلى جالطة فإيطاليا، ويحملنا الألم من روسيا إلى أوكرانيا على امتداد قرنٍ من الزمان.. كيف تُصنع الأساطير؟ وإلى أيّ مدى يمكن الاطمئنان إلى ما نسمّيه عادة «حقائق تاريخيّة»؟ وهل تكفي الأحلام والشعارات لتغيير ما نراه واقعًا رديئًا؟ تفضح هذه الرّواية زيف المعتقدات المتحجّرة، وتُفكّك ألغام البطولات الكاذبة، فتضعنا مباشرةً أمام الإنسان المصاب بداء الإديولوجيّات المجنونة إذ يقتل كلّ من يخلخل الحقائق الثابتة في رأسه. إنّها تعود بنا إلى مائة سنة من تاريخ العالم، لننفخ على الجمرة المشتعلة تحت رماد الحروب، وما الحرب إلّا فكرةٌ مُحنّطةٌ في الرأس تُريحُ الإنسان، ولكنّها تنهشه حالما تطأ الأرض.
تدور أحداث رواية "ساعة نوح" في تونس، من خلال مركزية شخصية "بلقاسم غيفارا" الحالم الذي يريد تغيير العالم ويظن أنه يملك المقومات لذلك. تتشابك حياته مع "أولغا" الأوكرانية التي هربت من ويلات الحرب إلى تونس بعدما هجرته مرة منذ سنوات، ولكنه لا يزال يحلم بها ويراسلها دون كلل، حتى تعود إليه في أحد الأيام ليكتشفا أن حكايتهما متشابكة أكثر مما يتخيلان، ويعود تاريخهما الشخصي بينهم إلى أجدادهم، أو هكذا يدعي "بلقاسم".
وعندما نتحدث عن شخصية "بلقاسم" فهي واحدة من أكثر الشخصيات التي ستنجح في استفزازك وجعلك تُريد صفعه ليستيقظ من تلك الأحلام التي يعيش فيها والتي تصل إلى درجة الخبل. يحاول تضخيم قدرته وتأثيره الذي يظن أنه قوي كفاية حتى يُغير تونس أولاً وبقية العالم بالتبعية، تلك الأوهام التي يعيشها لا تتوقف عند ذلك بل تتمادى وتتفجر عند حدثاً بعينه، فيصل إلى الحد غير المُمكن السيطرة عليه، فيختلط خياله بواقعه. يُحاول تكبير وتعظيم جده القزم، سيرة وموضوعاً، ولكن عندما يجد أنه لا طريق صالح لذلك، بل ومع قدوم وشيك لحدثاً ما سيُدنس تلك السيرة التي يُحاول تفخيمها للأبد، هنا يزداد الجنون، ويأخذه إلى طرقاً لا عودة منها.
التجربة الأولى للكاتب التونسي "سفيان رجب" وبكل تأكيد كانت ممتعة على نواح متعددة، فالسرد خفيف والتنقل بين الشخصيتين ورمزياتهم المُتشابكة كان سلساً، الفصول قصيرة مما يسهل عملية متابعة القراءة، وكل شخصية نغوص في أبعاد أفكارها إلى أقصاها، وقد يتبادر إلى ذهنك أنها قصة حب تقليدية بين الشرق والغرب والمفارقات بينهما، ولكنهما تمتد إلى ما هو أعمق وأوسع من ذلك بكل تأكيد، في إحدى مراحل الرواية هناك رواية بداخل الرواية، وبصراحة وجدتها أكثر جودة من الرواية الأصلية نفسها رغم قصرها، مما رفع شأن الرواية إجمالاً وجعلها ممتعة في أغلب أجزائها.
ختاماً.. إنها رواية عن الأوهام والضلالات التي تنتاب الفرد داخل مجتمع مليء بالسياسات الفاشلة، تأخذنا إلى أحد مدن تونس الساحلية لنعيش هناك حكاية يختلط فيها الرمل بالثلج، رواية تحمل الكثير في طياتها من الجنون والفلسفة والتقلبات، وبكل تأكيد ستجعلني أقرأ أكثر لسفيان رجب. 3.5/5
تتعفّن الرّوايات حين نحبسها داخلنا ولا نُخرجها إلى الشمس. تُصبح عُقَدًا وأمراضًا نفسيّةً، وتُصبح أرواحُنا بركًا آسنةً. إنّنا نحتاج دائمًا إلى الحَكْي، كي نكنس أرواحَنا من آثار ما علق بها، وهكذا تصيرُ أرواحُنا صافيةً ونقيّةً مثل الجداول. لكنّ الحَكْيَ يحتاج بدَوْرِه إلى إصغاءٍ صادقٍ عميق لا يمتلكه سوى الكهنة.
بين حفنة رمال و حفنة ثلج نحن أمام حكاية عن صناعة الأسطورة و عن التاريخ بين الوهم و الواقع. بلقاسم أو كما تسميه أولغا الهاربة من الحرب الروسية الأوكرانية بل قاسم حامل لوهم الإيديولوجيا البولشوفية و كذا وهم عن تاريخ أسرته حول أمجاد جده بلقاسم فيحكيها لنوح المجنون حامل الحكايات و يقتل من أجلها . عمل مميز بأسئلته حول التاريخ و الوهم و بطريقة كتابته التعاقبية بين بلقاسم و أولغا و التدخلات بين الماضي و الحاضر زمنيا. العمل مكتوب بلغة سلسة تصف حالة الشخصيات و تتمهى مع التغيرات النفسية للشخصيات .
“ساعة نوح” رواية يأخذنا فيها سفيان رجب، كعادته، إلى عالمه الخاص بسلاسة وتميز. عالم تتشابك فيه حدود الواقع والخيال، وتتداخل فيه الأزمنة والأحداث بشكل رمزي وعميق.
من خلال شخصية “بلقاسم”، يطرح الكاتب تساؤلات جريئة حول التاريخ، فيدفع القارئ إلى إعادة النظر في الحقائق المسلّم بها، والتشكيك في الروايات التاريخية السائدة. بلقاسم، الشخصية المحورية، يرفض ماضيه ويسعى لتزييف تاريخه الخاص أملاً في بناء مستقبل أفضل، لكن هذا الصراع الداخلي يقوده تدريجياً إلى الجنون.
الرواية غنية بالرموز والإيحاءات، وهي سمة بارزة في أسلوب سفيان رجب، مما يجعل النص مفتوحاً على تأويلات متعددة ويمنح القارئ فرصة للتأمل والتفكير العميق.
This entire review has been hidden because of spoilers.
هذه الرواية الخامسة على ما أظن التي اقرائها للكاتب سفيان رجب و ما يشدني دائما في رواياته هو اسلوبه المنمق و لغته السليمة و الساحرة و اختياره في كل مرة موضوع او فكرة نادرة و في بعض الأحيان غريبة و هذا ما ما لاحظته في "ساعة نوح" في هذة الرواية أراد الكاتب ان يبين لنا الى اي حد افكار الإنسان او اعتقاداته او إيمانه و انتمائاته يمكن ان تقوده حتى لو كانت مبنية من عدم..
من اجمل الاشياء التي يملكها الإنسان هي الذكريات. و أصعب موقف عندما تنهار امامك
للمرة الأولى أتعرف على أعمال سفيان رجب ولكن التجربة كانت جميلة أسلوب الرواية و التنقل و تداخل الأحداث أعطى للعمل روعة و تميز. ربما مأخذ على العمل هو وضع الاستنتاج الذي يجب عدم ذكره و ترك القارئ يصل إليه 🤷🏻♂️ بالمجمل العمل جيد و يستحق القراءة و قد دخلت في القائمة الطويلة لكتارا