أميمة الخميس (1966م) ، كاتبة وروائية سعودية من مواليد مدينة الرياض ، حاصلة على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الملك سعود - 1989م، ودبلوم لغة إنجليزية من جامعة واشنطن - 1992م ،
رواية عن الأنا و الاخر عبر خطين زمنيين : خط زمني ماض مع حكاية ماثيو المستشرق الأمريكي و زواجه من الجازي ال مشرق في بدايات القرن العشرين مع انبثاق دول الخليج و انفصالها عن الامبراطورية العثمانية و خط زمني مع فواز ال مشرق في رحلته لدراسة السينيما بالولايات المتحدة . العمل يقدم تعاقبا في الاحداث يرويها راو عليم مطلع و كذلك نسمعها على لسان الشخصيات فنتعرف على جوانبها و علاقاتها الانسانية و الاجتماعية و حتى الايديولوجية.
الرواية تأخذ القارئ في رحلة ساحرة عبر التاريخ والمجتمع، بلغة متألقة تنبض بالحياة والعمق وتعكس براعة الكاتبة الأستاذة أميمة في نسج تفاصيلها. من الواضح أن جهدًا هائلًا قد بُذل لجمع هذا الكم الغني من المعلومات، ما يجعلها تجربة فريدة تستحق الإشادة. ما يميز هذه الرواية حقًا هو تلك الجُمل التي تدعو لإعادة قراءتها مرات ومرات، ليس فقط لجمالها الأسلوبي بل أيضًا لإيحاءاتها العميقة التي تُحرك الفكر وتُلهم التأمل. استخدام المفردات الثرية ذات الدلالات القوية يضفي عليها طابعًا أدبيًا راقياً، يجعل القارئ يشعر وكأنه يقرأ أبياتًا من الشعر تنساب بسلاسة وتأسر الذهن والروح. كم كان رائعًا أن أجد نفسي غارقًا في هذا العالم الأدبي البديع، حيث تمتزج المتعة بالفكر والإبداع، ليترك في النفس أثرًا يستحق التقدير! شكرا أستاذة أميمة على هذا الابداع.
هذه القراءة الثانية من قراءات أعمال البوكر العربية هذا العام، إنه عمل ثقيل جدا لأن زمن الخطاب فيه يمتد قرنا كاملا، لأنه عمل أجيال متعاقبة هذه الرواية ركزت بشكل أساسي على حملة التبشير التي استترت خلف قناع الطب في دول الخليج أثناء الاستعمار رواية رائعة بتناصها مع الشعر والغناء الشعبي والأمثال وبمناصاتها واستيعابها لأشكال نصية وسردية متنوعة، مفسحةً للشخصيات مساحات شاسعةً لأشكال تعبيرية، رواية تشبه الصحراء في اتساعها وحرارتها وتمنعها عن الغرباء
تدور أحداث الرواية حول لغز غامض يحيط بعائلة آل مشرق، بعدما تزوجت عمتهم من مساعد طبيب أمريكي جاء إلى المملكة العربية السعودية خلال تفشي وباء الإنفلونزا الإسبانية، في السنة التي عُرفت بـ”سنة الرحمة”. بعد عقود، يكشف حفيد العائلة أسرار ذلك الماضي الغامض من خلال فيلم سينمائي، مسلطًا الضوء على ما جرى آنذاك.
تمتزج الرواية بالمعلومات التاريخية الغنية، حيث تأخذنا في رحلة عبر الزمن، ممتدة من عام 1918 وحتى عام 1970، لتصوّر تحولات المجتمع في تلك الحقبة.
كعادة الروائية أميمه خميس تأخذك بعيداً لتبحر معها تجعلك تعيش المشهد بل تعيشه عبر الزمان والمكان اعجبتنى مقولة عبدالقادر (إنها أرامكو ينبوع العالم فرنسا لديها باريس شانيل وأمريكيا آبل والسويد ڤلولڤو نحن ماركتنا أرمكو البلدة الفاخره التى نبتت حول ينبوع العالم)
يطلب أبناء عائلة آل مشرق من روائية أن توثق قصة عمّتهم الجازي بعد مئة عام من حدوثها ردّا على فيلم أمريكي تناول سيرتها ولم ينصفها كما يأملون، وافقت الكاتبة فجمعت مصادرها ووثقائقها وملحوظاتها ومرويات العائلة وجرّدت قلمها وخيالها لتحكي سيرة عمة آل مشرق من أوّلها بنظرة تخالف نظرة الآخر المستشرق وتنصف أبناء البيئة أبناء هذه الصحراء العربية، فجاء النص في ثمانية فصول وملحق، على خطين زمنين رئيسيين، الماضي والحاضر، بداية بالمنامة عام ١٩١٨ والحملة التبشيرية التي قادها الطبيب الأمريكي هاريسون ومساعده ماثيو إيدن اللذان يسافران إلى الإحساء فالرياض تلبية دعوة إلى عمق الصحراء لعلاج الناس وهناك تعرّف ماثيو إلى الجازي فسكنت قلبه وخياله، ثم عاد الطبيب ومساعده إلى البحرين ليتلقّيا بعد عامين دعوة أخرى من السلطان إثر الوباء العظيم الذي حل فذهبا ليجد ماثيو أنّ الجازي على فراش المرض بين الحياة والموت فعرض على والدها أن يعالجها شرط أن يزوجها أياه فوافق مضطرا، فأخذها معه إلى البحرين وأنجبت له آدم لكنّها ماتت أثناء الولادة، كبر آدم وعاش في الولايات المتحدة وعاد مع أبيه من بعد سنوات طويلة ليستقر في أرض أخواله ويموت أو يختفي فيها. في خط الزمن الحاضر عام ٢٠١٨ يقرّر فواز آل مشرق أن يدرس الإخراج السينمائي في نيويورك فيوافق والده عبد القادر ويسافر الفتى إلى بلد العم سام وهناك من بعد سنوات يعمل رفقة مجموعة منها أستاذه المشرف المخرج فريدريك على انتاج فيلم في السعودية عن حياة الجازي. استعملت الكاتبة السارد العليم في الحكاية وكلّفته مهمة ضخّ المعلومات الميثولوجية والتاريخية والتوثيقية والسياسية وغيرها في النص فخرج غنيا بها إمّا عبره أو عبر حوارات بعض الشخصيات الواقعية لا المتخيّلة ذات الشأن والعلم كالمبشر والطبيب الأمريكي بول هاريسون الذي كان يرى أن هدف وجوده في الجزيرة العربية أن يجعل أناسها مسيحيين، وكذلك المستعرب جون فيلبي مستشار الملك، والمهندس ماكس ستاينكي مكتشف البترول، والجيولوجي توم باركر رئيس أرامكو، وابن الصحراء المستكشف خميس الرميثان، والنسابة وعالم اللغة حمد الجاسر وآخرين. وعليه فإن الرواية كانت مثخنة بالمعلومات غارقة بالتفاصيل والمرويات ممتلئة بالبيئة ومشتقاتها فضلا عن القصص والحكايات الشعبية وصراع الانتماء بين الوطن والعروبة والقومية أو الميل للآخر الغربي الأمريكي وتقديسه. كما أنّ فيها حضورا خجولا لقضايا فرعية أخرى أشير إليها كالعلة والمعلول ورباعيات الخيام والأنفلونزا الإسبانية ومرض التراخوما والأفلام السينمائية والابتعاث والعمارة وصراع الراعي والمزارع والصناعات والأغاني والدين والطعام وعلاقة الحاكم بالرعية وغيرها الكثير، وغلّفت الكاتبة كل هذا بأسلوب متقن ولغة جيدة لولا بعض الهنات لا سيما استعمالها كاف التشبيه في غير مكانها كثيرا بشكل مستفز. ولم تغفل الخميس أن تعطي كل الشخصيات تقريبا حقها حتى وإن كانت فرعية أو غير مؤثرة أو فاعلة في القصة فلو حذفت لا يتأثر العمل لكن منحها تلك المساحة منح الرواية زخما وثقلا. أعجبني كذلك قول عبد القادر آل مشرق والد فواز مزهوا ومتفاخرا بصناعة بلده "إنها أرامكو ينبوع العالم، فرنسا لديها باريس شانيل، وأمريكا آبل، والسويد فولفو، نحن ماركتنا أرامكو، البلدة الفاخرة التي نبتت حول ينبوع العالم". التقييم: ٨/١٠
الهدوء المسرف للصحراء هو الشكل الماكر للضجيج ، مع الهدوء تبدأ كل المخلوقات بالحديث ، النجوم والرمال والحجارة
هكذا أنطقت أميمة الخميس مساعد الطبيب ماثيو وهو يتكلم عن الصحراء ، لتبدأ رحلة الرواية بين الماضي القريب الذي نهشه تطور الحاضر حتى التهمه لكن ظلت الصحراء ترسخ نفسها وتظهر وتكبر ليصبح المأكول آكلا مهما تضخمت الحضارة
تأخذنا أميمة الخميس في رحلة زمكانية ، تمر بها على عدة بلدان مرورا زمنيا يتشقلب حينا و يهرول حينا أخرى في رواية عمة آل مشرق لتكون شبيهة بتوثيق تاريخي لفترة مرت بالجزيرة العربية