يتيح الكتاب، بأجزائه الأربعة، تصفح أجواء السيرة النبوية العطرة، وانتقاء المثل العليا منها، والنماذج الإنسانية الرائعة، وتنسم الروح الإسلامية الخالدة فيها، وهذا إنما ليُكشف لأمة الإسلام عن طريق الحق والصواب الذي يجب أن يسلكوه، ذلك الطريق الواضح الذي جسدته سيرة النبي العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فقارئ الكتاب، إن لم يكن يعرف، يتبين أن حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وبعد البعثة كانت هي النموذج الأمثل لحياة الناس في الدنيا، كيف يتعايشون مع خالقهم، وكيف يتعايشون مع أنفسهم ومع بني جلدتهم من حولهم، بل علمتهم حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كيف يتعايشون مع الحيوانات والنباتات حتى الجماد؛ لقد كانت بحق صورة حية لما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسانية. هذا ما تعكسه هذه السيرة لابن هشام حيث تروي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم منذ ولادته وما يتصل بها والأحداث التي تتابعت عليه إلى أن أذن له الله سبحانه وتعالى بإعلان الدعوة وما رافق كل ذلك إلى حين توفاه الله سبحانه وتعالى. كل ذلك بالتفصيل وشرح الأمور التي تتصل بذلك صغيرها وكبيرها. ورواية الراوين بالتواتر. لذا كانت سير ابن هشام هذه متميزة عن غيرها من السير النبوية لما تشمل عليه من تفاصيل، ولطابعها التوثيقي.
ولأهمية هذه السيرة قام الإمام السهيلي بشرحها حيث عمد إلى إيضاح ما وقع في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما بلغه علمه، ويسّر له فهمه، من لفظ غريب أو إعراب غامض، أو كلام مستغلق، أو نسب عويص، أو موضع فقه ينبغي التنبيه عليه، أو خبر ناقص يوجد السبيل إلى تتمته.
السُّهَيْلِي (٥٠٨ - ٥٨١ هـ = ١١١٤ - ١١٨٥ م) عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي: حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في مالقة، وعمي وعمره ١٧ سنة. ونبغ، فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها. نسبته إلى سهيل (من قرى مالقة)، وهو صاحب الأبيات التي مطلعها: (يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المعدّ لكل ما يتوقع). من كتبه (الروض الأنف) في شرح السيرة النبوية لابن هشام، و(تفسير سورة يوسف)، و(التعريف والإعلام في ما أبهم في القرآن من الأسماء والإعلام) و(الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين)، و(نتائج الفكر).
رحم الله إمام السهيلي، له إشارات لطيفة في مواقع كثيرة من سيرة ابن هشام، و استطرادات كثيرة ولكن كلها مفيدة. و له تركيز على شرح الايات، والاحاديث، والابيات، و يدخل في تفاصيل صرف كثير من الكلمات الغريبة حتى تظن أنك تقرأ كتابا في علم اللغة، ولكن تظهر للقارئ مع هذه الاستطرادات كثرة علم الشيخ ، رحمه الله تعالى