هذه نفثةُ مصدور، لا مُجرَّد صحيفة تراصَّت فيها العباراتُ الباردةُ؛ إذ أنفق مؤلِّفُها عشر سنوات من عُمره يُراكمها بمُخالطة البلاط العثماني وأهله، والاطلاع على دخائلهم، وسبر أغوارهم، ومكابدة صغائرهم، والاحتراق بنيران دسائسهم. ومن قبلُ كان أصدقاؤه -من سكان اﻵستانة- يُحدِّثونه بأمورٍ يُنكرها ويَعُدُّها من المبالغات، حتى دخل البلد وعرف أحواله، ثم خرج ناقمًا ساخطًا يتوقَّع القارِعة تحلُّ بالأمة. وقد جاءت مقالاتُ الكتاب الناريَّة حافلة بتفاصيل دقيقة، ومُحمَّلة بمقدرة تفسيريَّة عالية تُيسِّر على القارئ استيعاب الأسباب التي أفضَت إلى انحطاط دولة العثمانيين، وتتبَّع أمارات هذا الانحطاط التي تبدَّت -آنذاك- جليَّة واضحة، والأهم من ذلك أنها تضع رد الفعل الكمالي المتطرف في سياقه الطبيعي. فكأنها نبوءة حارقة، اكتمل تحقُّقها بعد وفاة المويلحي بسنوات قلائل. وقد صيغ ذلك كلُّه في إهابٍ نقدي لاذع، وبأسلوبٍ أدبي رشيق، خلا من الزخارِف الباطلة رغم طول عباراته. وبعدُ، فهذا كتابٌ في النقد السياسي والاجتماعي جديرٌ بالدرس؛ لأنه سيُسهم في بناء سرديَّة عربيَّة جديدة للأيام الأخيرة للدولة العثمانية.
صحافي وسياسي وأديب وتاجر وناشر مصري، من أبرز أعلام القرن التاسع عشر. تقلَّب بين التجارة والصحافة، والعمل السياسي والإداري؛ فشُحذَت مَلكَاتهُ وصُقِلَت شخصيتهُ. اشتغل بتجارة الحرير، وبالمضاربة في البورصة. وأسس عددًا من الصحف، وأسهم في تحرير بعضها، كما اضطلع بوظائف في الماليَّة والتعليم. كان مُقرَّبًا من الخديو إسماعيل حتى اتخذه سكرتيرًا ومؤدِّبًا لولده (الملك فؤاد)، ومُقرَّبًا من السيد جمال الدين الأفغاني (فعاونه في تحرير "العروة الوثقى")، ومُقرَّبًا من السلطان عبد الحميد (فعيَّنهُ عضوًا في "مجلس المعارف"). وقد استقرَّ عقدًا من الزمان في اﻵستانة؛ فكان هذا الكتاب خلاصة تجربته البصيرة، وحصاد ثمرته المريرة.