يحتوي هذا الكتاب على نص مقالتين نشرتا في صحيفةالفتح ثم نشرتا معاً ككتاب سنة 1354هـ/1935م في المطبعة السلفية بالقاهرة. تمثل هاتان المقالتان وجهة نظر المنادين بالحجاب والمدافعين عن أحكام تعدّد الزوجات. وهي وجهة نظر جديرة بالبحث خاصة وأن الطرف الآخر يعرض ما يريد إلى الآن إن من حيث العمل والفعل أو من حيث القول والكلام؛ إذ ما زالت هاتان المسألتان تشغلان الحياة في العالم العربي والإسلامي. والكاتب "مصطفى صبري" ينطلق في ما يكتبه في هاتين المقالتين وفي غيرها من عقيدة إسلامية، ورؤية واضحة للدين الإسلامي.
ولد الشيخ مصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام في الخلافة العثمانية في "توقاد" سنة 1286هـ/1869م، وتعلَّم في قيصرية على الشيخ خوجة أمين أفندي، ثم انتقل إلى استانبول لاستكمال تحصيله العلمي. وفي استانبول شدَّ الشيخ مصطفى صبري انتباه مشايخه بحدة ذكائه، وقوة حافظته، وعمق تحصيله، وعيَّن مدرسًا في جامع السلطان محمد الفاتح - أكبر جامعة إسلامية في استانبول آنذاك - وهو في الثانية والعشرين من عمره، وهو منصب مرموق يحتاج إلى جدّ واجتهاد وتحصيل، ثم أصبح أمينًا لمكتبة السلطان عبد الحميد الثاني، وقد لفت انتباه السلطان عبد الحميد إليه بسعة اطلاعه وبتميزه وهو في سن الشباب بين رجال العلم الدينيين في استانبول عاصمة الخلافة. وقد بدأ مصطفى صبري نشاطه السياسي بعد إعلان الدستور الثاني سنة 1908م، إذ انتخب وقتذاك نائبًا عن بلدته "توقاد" في مجلس المبعوثان العثماني، وكان في هذه الفترة رئيسًا لتحرير مجلة "بيان الحق"، وهي مجلة إسلامية كانت تُصدرها الجمعية العلمية، كما عُين عضوًا في دار الحكمة الإسلامية، وبرز اسم مصطفى صبري آنئذ لمقدرته الخطابية، ودفاعه المجيد عن الإسلام، ولم يلبث أن تبين له سوء نية الاتحاديين، فانضم إلى حزب الائتلاف الذي تألف من الترك والعرب والأروام الذين يعارضون النزعة الطورانية التي اتسم بها الاتحاديون، وكان نائبًا لرئيس هذا الحزب المعارض.
ولما استفحل أمر الاتحاديين، وقوي نفوذهم، فرَّ من اضطهادهم سنة 1913م إلى مصر، حيث أقام مدة، ثم انتقل إلى بلاد أوروبة فأقام ببوخارست في رومانية إلى أن ألقت القبض عليه الجيوش التركية عندما دخلت بوخارست أثناء الحرب العالمية الأولى، وظل معتقلاً إلى أن انتهت الحرب بهزيمة تركية، وفرار زعماء الاتحاديين، فعاد الشيخ إلى نشاطه السياسي في استانبول، وعيِّن شيخًا للإسلام، وعضوًا في مجلس الشيوخ العثماني، وناب عن الصدر الأعظم الداماد فريد باشا أثناء غيابه في أوروبة للمفاوضة، وظلَّ في منصبه إلى سنة1920م فتركه عندما اختلف مع بعض الوزراء ذوي الميول الغربية.
وعندما استولى الكماليون على العاصمة فرَّ إلى مصر سنة 1923م، ثم انتقل إلى ضيافة الملك حسين في الحجاز، ثم عاد إلى مصر حيث احتدم النقاش بينه وبين المتعصبين لمصطفى كمال، فسافر إلى لبنان، وطبع هناك كتابه "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة".
ثم سافر إلى رومانية، ثم إلى اليونان؛ حيث أصدر مع ولده إبراهيم جريدة "يارين" - أي الغد - وظل يصدرها نحو خمس سنوات، حتى أخرجته الحكومة اليونانية بناء على طلب الكماليين، فعاد إلى مصر حيث اتخذها وطنًا ثانيًا.
وفي مصر عاش منافحًا عن الإسلام لا يخاف في الله لومة لائم، على الرغم من كبر سنه وفقره المدقع، مع التجمل في الظاهر والتجلد للشدائد. وللشيخ مصطفى صبري رحمه الله تعالى مئات المقالات بالتركية والعربية نشرها على صفحات الجرائد ولم تجمع بعد.
" فإذا سفرت السافرات من نساء المسلمين العاجزات بمقتضى ضعفهن الغريزي عن مقاومة هذه الفتنة التي عمت عدواها و عز دواؤها ، و كن مع ذلك لا يزلن معترفات بذنبهن الذي يقترفنه لاعنات للزمان الذي يضطرهن إلى اقترافه - و إن لم يكن هذا الاضطرار معدودا من الضرورات الحقيقية التي تبيح المحظورات - وقين أنفسهن بفضل هذا الاعتراف المنبئ عن عدم سراية الفساد إلى عقيدتهن الإسلامية القائلة بأن السفور من عمل الشيطان ، و كان خيرا لهن في الدنيا و الآخرة أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى و الثانية ... وقين أنفسهن شر الوقوع في الكفر بفضل هذا الاعتراف الراسخ في نفوسهن ، و إن كانت هذه الوقاية المبنية على ذلك الرسوخ أيضا في غاية الندرة المتناسبة مع ندرة العقيدة عند شيوع الفساد في العمل ، سليمة عن الفساد " ...
" و ناقض الرجل هذا اللدعاء في دعواه الأخرى الضالة أيضا ، فقال : إن الاحتجاب أمرت به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ... دون نساء المسلمين ، فكأن هذه العادة الضارة التي هي دخيلة في الإسلام و لا مناسبة لها بالدين ، منيت بها من غير مبرر أزواج النبي اللاتي هن أقرب الناس إلى الدين .
أقول : و في سورة الأحزاب التي فيها قول الله : " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " (سورة الأحزاب-33) الذي تمسك به قاسم أمين في دعواه الباطلة الثانية متغاضيا عما يحفه من القرائن المانعة عن دعوى الاختصاص - كما فصلناه في مكان آخر من هذا الكتاب - آية أخرى تبطل هذه الدعوى بكل صراحة ، و هي قوله تعالى : " يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " (سورة الأحزاب-59) فكيف ينكر الرجل من غير مخافة و لا استحياء من الله وجود الحجاب للنساء في الإسلام ، إن كان يؤمن بأن القرآن كلام الله ، أو كيف يدعي اختصاصه بأزواج النبي ؟ و مثله في نبذ الخوف و الحياء المحتفلون كل عام بذكراه في مصر من مدعي الإسلام و الإيمان " ..
كتاب كما أحب ... عرض لشبه بعض المفكرين المنتسبين للإسلام ثم رد عليهم بالعقل و المنطق ... إلا أن أسلوب الشيخ رحمه الله رغم جماله و قوته يعتريه شي من الغموض .. فاضطررت في عدة مرات أن أعيد القراءة مرة أو مرتين لأفهم القصد منها ...
كتاب (قولي في المرأة، ومقارنته بأقوال مقلدةِ الغرب)
بقلم شيخ الإسلام مصطفى صبري رحمه الله تعالى اعتنى به بسام الجابي، ونشرته دار ابن حزم.
تقع هذه الطبعة في حوالي 245 صفحة من القطع المتوسط نصفها مقدمة، لكن المقدمة التي أعدها الجابي تحتوي -بالإضافة عن الكلام عن سيرة المؤلف وحياته وأشعاره- على الكثير من النقولات الطويلة عن مؤلف الكتاب، لأن الكتاب الأصلي قد ألف قبل كتاب (قاسم أمين) لكن النقولات التي في المقدمات قد نقلها الجابي من مؤلفات وكتب أخرى للمؤلف يردّ فيها على كتاب قاسم أمين.. وقد ذكر الجابي في المقدّمة ترجمة لقاسم أمين ومحمد عبده وكذلك سعد وزغلول ونقل من مقالاتهم وآرائهم. ولا بدّ من قراءة المقدمة بالتأكيد لتكتمل للقارئ الصورة. أما عن الكتاب -والذي يبدأ عند الصفحة 120 فهو يناقش (تعدد الزوجات) و (السفور والاحتجاب) معرجاً في الختام على المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة.. ومذيلا بالحديث ومستطردا قليلا عن القبعة والطربوش، وحسب.
ولا يفوت الشيخ رحمه الله أن يصب جام غيرته من كتابات ومشاركات بعض الأقلام المصرية في مطلع القرن الماضي. بل له قصيدة طويلة من 73 بيتا -وقليلة قصائده- نقلها المحقق، يشتكي فيها من مصر والمصريين كتبها عام 1924 فقد لقي مضايقات عندما فرّ بدينه 1922 من تركيا التي أصبحت تحت حكم العلماني أتاتورك.. فذهب إلى مصر فوجد الكثير من المغترين بأتاتورك ويمجّدونه، فلحقه الأذى من ذلك وحميت غيرته على الإسلام، وقد ذكرها في كتابه (النكير على منكري النعمة) وقدم لها بمقدمة اعتذر فيها من أهل مصر على ما جاء في قصيدته من شدة وغلظة مبينا الأسباب التي دعته إلى ذلك..
كان ولا زال موضوع المرأة موضوعًا شائكًا، والكاتب ذو قلم قوي، والكتاب رائع حقيقةً، لكن إن أردنا أن نغير الواقع طبقًا لما قال، فيجب تغيير المنظومة التي تحكم بدايةً، حتى يتسنى لهذا الواقع المعوَج أن ينضبط، فلتذهب السلطة العلمانية الحاكمة إلى الجحيم، ثم يترَك للدعاة مساحة واسعة للتأثير في الواقع وإرجاع المفاهيم الصحيحة له، لأن تغيير التصورات يحتاج إلى قوة تدعمه حتى تطبق هذه التصورات على أرض الواقع وتدعم بمؤسسات، مع إصلاح النظام الاجتماعي والاقتصادي بالتبعية. فالموضوع كبير ومتشعب صىراحةً، والرجوع للأصل واجب، لكن مراعاة الواقع واجبة أيضًا، وإلا ستكون الأمور عبارة عن مهاترات لا قيمة لها ، وحتى يرجع الواقع للأصل يحتاج إلى تدرج بطئ لزمن طويل، ويحتاج تغيير فوقي،تغيير قوى وسياسات. فيكفي الآن إنه المسلم يتجنب الحرام والفواحش ويسير في المباح، و أظن أنه يجب على الدعاة في هذا الوقت ألا يضيقوا على الناس بإلزامهم بصورة مثالية بعيدة تمامًا عن الواقع كفيلة لصنع فجوة، والفجوة هذه كفيلة أن تبعد الناس عن الأصل أكثر لعدم أهليتها للتطبيق لسوء الواقع وكأنه درب من الخيال..! فلا نغير الشرع لمناسبة الواقع لكن لا نضيق الأمور على الناس، ولا نصنع قوالب جاهزة للناس نجبرهم على الخضوع لها، والأصل في الأمر الرحابة والسعة والإباحة، والفقيه من فقه الشرع وفقه الواقع. ما استفزني في خطابه، إنه المرأة ما هي إلا خلقت للرجل، وأن المرأة التي لم تتزوج امرأة ناقصة، حقيقةً لم أفهم لماذا،نحن خلقنا لعبادة ربنا، فالمتزوج يعبد الله في زواجه والأعزب يعبد الله في عزوبيته، قد ساق الأسباب في ذلك إنها بتحب التزين وتحتاج للرجل للحماية والأمان وكذا، لكن هل دا يكفي لأن نقول أنها خلقت له! ليس مهمًا أصلًا، المهم هو إطاعة الأوامر ولا غير، هذا هو مضمون العبادة، بدون الدخول في حوارت مين الناقص ومين الكامل.
عظيم وجميل جدًا.. الكتاب عبارة عن مقالتين كتبهم الشيخ مصطفى صبري.. المقالة الأولى تتحدث عن مسألة (تعدد الزوجات) وهي صغيرة الحجم = ٢٤ صفحة.. والمقالة الثانية تتحدث عن مسألة (السفور والاختلاط والحجاب) وهي مهمه وكبيرة إلى حدٍ ما، لكني أنصح بقرأتها أكثر من مرة ومحاولة الاستفادة منها، ولا يجب على الفتيات أن يضعوا في نيتهم محاولة رد كل كلمة قبل حتى البدء في قراءة المقالات.. بل استعينوا بالله على الفهم والتطبيق، اللهم اهدي بنات الإسلام، واجعلهم صالحات، ورد عنهم كل سوء.
أبدع الكاتب في عرض أفكار المخالفين له وأبدع أكثر في الرد عليهم.. طريقة الكتاب القائمة على الحجة العقلية أعجبتني كثيرا بغض النظر عن المحتوى..
أما عن المحتوى، فيتحدث الكاتب عن المرأة ودورها في المجتمع من وجهة نظره وكيف أن دعاة السفور ومساواة المرأة بالرجل في العمل والتعليم وغير ذلك في القرن الماضي لم يُريدوا بالمرأة خيرا، وكيف أنها لم تُخلق لذلك.. على الجانب الشخصي لم أكون رأيًا واضحا فيما يقوله بعد، أحتاج إلى المزيد من الإطلاع في هذا الموضوع لأصل إلى قناعة شخصية..
كتاب مختصر يتناول فيه الشيخ مصطفى صبري -آخر مفتي الدولة العثمانية- دعاوى أنصار السفور والاختلاط، وإخوانهم في الغيّ من المنبهرين بالغرب والإفرنج في زمنه، والذين نسميهم اليوم بالتغريبيين، وقد حاجج فيه الشيخ هؤلاء وفكك دعاويهم، بأسلوب سلس وواضح، ومع أن الكتاب قديم إلا أنه يبدو وكأنه يتحدث عن حالنا اليوم مع الغزو الحاصل من قبل المدنية الغربية ودعاتها، ومن الجميل فيه ما يذكر بين السطور في عرضه لبعض الأحداث العابرة وطبيعة الأفكار المنتشرة في زمنه، وكذا عن الصراعات التي حصلت آنذاك.
كتاب صغير، ولكن أهميته كييرة، وخاصة في أنه يعرض لموقف فكري وديني قد أصبح منبوذاً في تركيا في كل الأوساط ومنها الدينية وهو موضوع التعدد. لا أدري كيف انقلب الوسط الديني في تركيا من ال��دافع عن التعدد إلى المحارب له.