عندما ترى عمَّال المطاعم الشهيرة بتيشرتاتهم المُلوَّنة وهم يهيمون في الشوارع الخلفية بحثًا عن مطعم فول ومقهى رخيص تحسبهم سجناء فرُّوا من السجن كلهم يحملون رقمًا واحدًا فوق ظهورهم هو رقم تليفون المطعم وعندما تراهم يجلسون يشربون الشاي ويُدخِّنون الشيشة في استراحة قصيرة تظنُّ أنهم بحارة تعطَّل مركبهم فداروا في شوارع الميناء القديم بحثًا عن حانة خمرهم هو الشاي مُخدِّراتهم هي الشيشة ورق لعبهم هو الدومينو عاهرتهم فتاة ترقص في التلفزيون يخسرون بعض الوقت ثم تتحرَّك سفينة عملهم وهناك، يبتسمون في بداية العمل كبحَّارة غادروا ميناء قديمًا. يرسم أحمد عبد الجبار بأسلوبه الذي يجمع بين البساطة والرهافة تأملات وخيالات تتنقل بين شخصيات مختلفة حقيقية ومتخيلة، عامل المصنع الشاعر والبحار والسجين في حيوات أخرى موازية تتقاطع في أماكن العمل أو شرفات البيوت أو المراسي، لتخرج في مزيج من قصائد أو قصص، تشكل حالة لا يحكمها قالبٌ لكنها تنتقل بخفة لوحات تتقاطع داخلها الشخصيات والعوالم.
كتابات أحمد عبد الجبار، شعر أو نثر، تتميز بتفردها الواضح وبُعدها عن الأساليب المتعارف عليها اللي بتضخم المشاعر وتحاول تفلسف الحياة. على عكس ده الكتاب بيلمس بساطة الحياة اليومية ويقدم لنا عالم أدبي يغوص في التفاصيل الصغيرة اللي بنمر بها دون التفات. أسلوب الكاتب جماله في تجريد المشاعر وتبسيطها بطريقة تخليها ملموسة وواضحة، وكأنها جزء من الواقع اليومي اللي بنعيشه. بدل من تقديم مشاعر أو فلسفات معقدة، عبد الجبار بيعبر عن المشاعر المعقدة بأشياء بسيطة من حولنا، فتخليها مألوفة وسهلة التخيل والفهم، ولكن في الوقت نفسه مؤثرة وعميقة. البساطة دي في التناول خلتني أرتبط بالنص وأعيش جماله وبساطته من غير ما أغرق في محاولات لانهائية لفهم العالم. الكتاب بعيد عن الخط التقليدي اللي بيحاول يفسر الأحداث اليومية بطريقة فلسفية وتحويل الروتين اليومي إلى محاولة لفهم أعمق للحياة. على العكس عبد الجبار، بيتناول الحياة كما هي، في صورتها الأولية والبسيطة، ويركز على تصوير المشاعر اللي بتولدها اللحظات دي بدل من تحليلها وتفكيكها. الأسلوب ده خلى نصوصه صادقة وأحياناً عفوية، وكأنها مشاهد حية من غير احتياج لزينة لغوية أو معانٍ مستترة. في النهاية، الكتاب لوحة فنية كاملة بسيطة أتحفرت في عقلي وقلبي لأنها مش محاولة لفهم الحياة أو تحديها، لكن محاولة لخلق مكان آمن وهادئ للذات، تلاقي فيها راحة وسكينة ويمكن لحظات نشوة، ويمكن كباية شاي، رغم كل الفوضى اللي في الخلفية. الكتاب في رأيي دعوة للوقوف شوية ومحاولة لإيجاد البساطة والراحة في اللحظات الصغيرة اللي بتمر علينا من غير ما نحس بقيمتها. كتاب يفكرنا أن الحياة مش بالضرورة طول الوقت لغز معقد محتاجين نفك شفرته، ولكن ممكن ساعات نخطف وقت للاستجمام والاستمتاع بالمألوف والجميل، مهما كان بسيطًا.
جميل جدًا. حسيت إن العلاقة بين السجين والعامل والبحار، غير السترة الزرقاء، إن حياتهم بتحاوطها الوحدة والعزلة والاغتراب. وده عبر عنه أحمد عبد الجبار بطريقة ممتازة من خلال قصائد وقصص قصيرة غاية في العذوبة.
حبيت كمان علاقة الشاعر بوالده وحبيبته وذكرياته، حسيته كأنه مش قادر يتخطاها ولا يكرهها ولا ينساها. بالإضافة كمان لرغبته في الانتماء لشيء ما، زي ما مر على مجموعة من البشر بيحيوا مساجين فوقف يحيي معاهم. أو لما ارتبط.شعوريًا بسفينة مجهولة في البحر مالوش فيها حد.
ديوان جميل وممتع. ممكن أقول بس إني لسه ما اتعودتش على فكرة مزج الشعر بالقصص القصيرة، ما ضايقنيش بس لسه مش متعود عليه.
قلت سأكون بحَّارًا أو أعيش كأني بحَّار لكني لم أستطِع قلت سأسافر إلى بلد آخر أو أعيش في بلدي على نحو مختلف لكني لم أستطِع قلت سأصاحب أناسًا لا أعرفهم أو سأتعامل مع أصحابي على نحو مختلف لكني لم أستطِع قلت سأذهب إلى مقهى آخر أو سأجلس على كرسي آخر في المقهى نفسه لكني لم أستطِع قلت سأُغيِّر عملي أو حتى طريقتي في العمل لكني لم أستطِع قلت سأقرأ كتبًا جديدة أو أقرأ الكتب القديمة بطريقة مختلفة لكني لم أستطِع.
عندما يرتدي البطل قميصه الأبيض ويذهب إلى الميناء أعرف أن هذه النهاية وأنه سيموت مقتولا وسيلون الدم الأحمر الزائف قميصه الأبيض أنا رجل عادي أرتدي قمصانا زرقاء وأذهب إلى البحر حيث أتمنى أن تكون هناك نهايتي فيظن البحر أني موجة تركها على الشاطيء ويستردني ................. رقة ورهافة ..وتأمل في معاني الحياة