"تعليم الرسل" هو رأس موسوعة "الدرة الطقسية". وهي دراسات في طقوس الكنيسة، تغوص في أعماق عشرين قرناً من التاريخ، تقلب صفحاته وأحداثه، لتظهر إلى النور درة غالية ومتلألئة. درة صنعها المسيح له المجد، وأرساها الرسل القديسون، ونحتتها المحن وتقلبات الزمان، وأصقلتها تقاليد الشعوب وعاداتهأ، وحفظتها الكنيسة المقدسة، حتى باتت تومض من جوانبها المتعددة وميض عبادة لفَّها الحب، وتسبيح بهجة كساه الرجاء. ألوانها ترمض وميضاً لا تراه العين فحسب، بل وتسمعه الأذن أيضاً، بل ويستشعره القلب حتماً. وهي بضيائها الذي يعكس نور المسيح عليها، تهدي السائرين إليه، فغايتها المسيح عبر كنيسته التي استودعها سر الحياة التي لنا فيه. ومع بداية الألفية الثالثة للميلاد، نهدي للقاريء العزيز باكورة هذه الدراسات الكنسية الطقسية، راجين المؤازرة بالصلاة ليكمل الرب عمله لمجده، وله كل المجد في كنيسته.
في وسط أي بحث أو حتى في المناقشات في الدوائر المسيحية بيتردد لفظ «الديداخي» وبحسب الكنائس التقليدية/ الرسولية تعتبر المصادر الكنسية المنسوبة للرسل في مرتبة مهمة جدًا تسبق في زمنها عن زمن تدوين الكتاب المقدس نفسه، واللي منها الديداخي والدسقولية والمراسيم الرسولية وغيرهم.
في سلسلة الأب أثناسيوس المقاري الشهيرة "مصادر طقوس الكنيسة" في أول جزء منها في شرح للديداخي ومصادره وتقسيماته بشرح أكاديمي نقدي مميز جدًا. والديداخي بيعتبر من أقدم المصادر اللي وصلتلنا، وبيرجح العلماء أنه اتكتب حوالي سنة 100 م والجميل أنه له أصل يوناني اكتشف في الثمانينات. والعنوان المطول للوثيقة دي هو "تعليم الرب للأمم بواسطة الاثنى عشر رسولًا" وبيتكلم الديداخي في 4 مواضيع، متقسمين على 16 فصل. ليه دراسة الديداخي مهمة، وإيه فائدته؟ لمَا اكتشفوا مخطوط الديداخي كان عيد بالنسبة لعلماء الباترولوجي، لأنه قدر ينقل نظرة على الكنيسة الأولى ونوّر جوانب كانت مختفية. غير أنه من أقدم الوثائق في التعليم الديني والتشريع الكنسي، فهو كمان أول تنظيم كنسي وصلنا.
في وسط ده آباء كثير ذكروا عن التعاليم دي في كتاباتهم ورسائلهم زي البابا أثناسيوس (القرن 4) في رسالته الفصحية الـ 39 اللي ذكر فيها قائمة بأسفار العهد الجديد وبعدها ذكر كتاب "تعاليم الرسل" لكنه مبيعتبروش في منزلة الأسفار وبيقول عنه: " إنه نافع للقراءة والتقويم والسلوك بحسب التقوى".
يوسابيوس القيصري كمان (اواخر القرن الـ 3) عنده فقرة شهيرة في مؤلفه "تاريخ الكنيسة" اللي بيعالج فيها الكتب القانونية للعهد الجديد، وحط بين الكتب الغير قانونية كتاب "ما يسمى تعاليم الرسل" وبيقول: ما عدا هذه الأسفار توجد غيرها لم تحدد أنها قانونية، ويرى الآباء أنه يمكن قراءتها، للذين يرغبون في اكتساب العلم والتقوى. وهذه الأسفار هي: حكمة سليمان، حكمة ابن سيراخ….والتعليم المدعو تعليم الرسل".