كنهرٍ يفيض ماؤه على ضفّتَي الكلام، يتدفّق مانغويل ما إن تلامس محاوِرتُه موضوعاً يتعلّق بالقراءة.
في هذا الكتاب يتحدّث مانغويل عن طفولته، تكوينه الفكري، عملِه وهو في السادسة عشرة من العمر قارئاً يتلو الكتب على بورخيس، مكتبتِه التي ضمّت أربعين ألف كتاب، إدارته للمكتبة الوطنية في بوينس آيرس. كما يتناول علاقته بالقراءة والطرق الغامضة التي تحكم لقاء القارئ بالكتاب، وتأثير اللغات في الخيال، والأدب بوصفه وسيلةً علاجية.
إذا كان الأدب، بحسب مانغويل، “هو بناءُ برج بابل من دون تسلّقه”، والكلمات “هي التعبير عن التجربة، لكنها ليست التجربة نفسها”، فإن هذا الكتاب لا يحتوي سيرة مانغويل، بل هو دفق من كلمات تلهث للتعبير عن هذه الرحلة الاستثنائية.
“من أكثر الشخصيات الأدبية وعياً” The New York Times
Alberto Manguel (born 1948 in Buenos Aires) is an Argentine-born writer, translator, and editor. He is the author of numerous non-fiction books such as The Dictionary of Imaginary Places (co-written with Gianni Guadalupi in 1980) and A History of Reading (1996) The Library at Night (2007) and Homer's Iliad and Odyssey: A Biography (2008), and novels such as News From a Foreign Country Came (1991).
Manguel believes in the central importance of the book in societies of the written word where, in recent times, the intellectual act has lost most of its prestige. Libraries (the reservoirs of collective memory) should be our essential symbol, not banks. Humans can be defined as reading animals, come into the world to decipher it and themselves.
كتاب رائع عن مانغويل .. من قرأ عنه، وله، سيعجب كثيرا بالكتاب، خاصة ما ورد عن بورخيس، وكافكا، وتولستوي، وديستويفيسكي، وغيرهم من أعلام الأدب الغربي، فضلا عن مجموعة الاعمال الادبية والترشيحات المميزة لكتب ربما قرأناها، وربما لن نعرفها مطلقا ! و والكثير الكثير بعض الاقتباسات المميزة التي تستحق التذكر .. ولكن، شكل الكتاب صدمة لي بسبب بعض المعلومات الشخصية التي عرفتها عن مانغويل نفسه، والتي لم اكن اتوقعها مطلقا 🙄
قرأت مؤخرا كتاب «حياة متخيلة» لألبرتو مانغويل، وهو عبارة عن حوار طويل أجرته معه الناقدة والصحافية السويسرية سيغلندة غايزل.
لا يمل قاريء بورخيس من الكتابة عن «الكتب والمكتبات وفعل القراءة». فشهرته الواسعة لم تأتِ من الروايات أو المقالات أو الترجمات التي أنجزها، وله في هذه الحقول مؤلفات عدة، بل أتت تحديدًا من شغفه بالقراءة؛ إذ تحول هذا الشغف، وعلى امتداد نحو نصف قرن، إلى مشروع معرفي وثقافي وجمالي تجلى في كتب عدة، ومنها: «تاريخ القراءة» و«ذاكرة القراءة» و«المكتبة في الليل» و«يوميات القراءة».. وغيرها من المؤلفات المماثلة التي أظهرت قدرته على تقديم رؤى معمقة حول دور الكتب والقراءة في حياة الإنسان.
- من أنت سيد مانغويل، لو تعرف بنفسك؟
- إن كان عليّ الإجابة على سؤالك: ”من أنا؟“ بكلمة واحدة، فسوف أقول ”أنا قارئ“
- قارئ لأي نوعٍ من الكتب؟
- قارئ لكل شيء. يقول ميغيل دو سرفانتس Miguel de Cervantes في بداية Don Quixote [دون كيشوت] إنه شخصٌ يقرأ حتى الأوراقَ الممزّقة المرميّة في الشارع. فأنا لا أتوقف عن القراءة، سواء كنتُ كنتُ في السرير أو في القطار أو في الحمّام أو أثناء تناولي الغداء. أحمل دوماً كتاباً في يدي إلا إذا كنت أتحدث إلى أحد. وإن لم يكن لديّ كتاب، فإنني أقرأ ما هو مكتوب على علبة الحبوب.
- كيف أصبحتَ ”متخصصاً في الكتب“؟
- بما أنني عشت طفولة وحيدة، كان عليّ أن أبتدع علاقتي الخاصة مع الكتب. ولاحقاً، عندما بدأت الدراسة الثانوية في بوينس آيرس في سن الثالثة عشرة، أذهلني المعلّمون للسياق الفكري الذي يتمتعون به. كانت مدرسة ثانوية غريبة، حيث كان مدرّسونا أساتذة جامعيين متخصّصين في المجالات التي يعلّمونها. وفي أحد الدروس كنا نقرأ نصاً من ”العصر الذهبي الإسباني“ عندما قالت المدرّسة: هذه الصورة مأخوذة من شاعر لاتيني اسمه كذا وكذا، وسوف تظهر لاحقاً في قصائد غارسيا لوركا Lorca ، إلخ. أتذكر هذه اللحظة جيداً، حين فكرت: كيف تعرف هذه الأشياء؟ كيف يمكنها الربط بين هذه النصوص المختلفة؟ أدركتُ أن كلّ نصٍ يوجد في شبكة نصيّة لا حدود لها. ثم اكتشفتُ تلك المتعة المتأتية من ربط النص الذي أقرؤه بالنص الذي يشير إليه.
- هذا ما تفعله في الكتب التي تكتبها عن الكتب؟
- لكنني أربط النصوصَ دائماً من وجهة نظر شخصٍ جاهلٍ تماماً.
- ما الذي تعنيه بكلمة ”جاهل“؟ ربما تكون واحداً من أغزر القراء على هذا الكوكب.
- لم أدرس النظرية الأدبية قطّ، ولم أقرأ أيّ دراسات أكاديمية. لا أقرأ دريدا Derrida وليفيناس Lévinas وبورديو Bourdieu، وعندما حاولت قراءتهم لم أشعر بأي اهتمام كان. لديّ اهتمام ببعض الكتابات النظرية لأنها أدبية. أحب القرّاءَ واسعي الاطلاع من أمثال جورج ستاينر والأقل شهرةً فلورنس دوبون Florence Dupont، وهي دارسة كلاسيكية فرنسية عظيمة تحمل نظرياتٍ جريئة حول تعريف الأدب. لكنّ المنظرين الذين يبتدعون مفرداتٍ خاصة لتوصيف بعض المفاهيم التي يعتقدون أنهم يخترعونها لا يهمونني على الإطلاق. أريد أن أقرأ النصوصَ الأدبية، سواء كانت نظرية أو تخييلية أو غنائية. عليهم أن يثقوا باللغة.
- أنت تعتمد على التعلم الذاتي إذاً؟
- نعم، ولكن مع قدر كبير من المساعدة التي يقدمها الآخرون. هناك سطرٌ في إحدى قصائد روبرت براوننغ Robert Browning يعرف فيه شخصية بصفتها ”تلتقط بقايا المعرفة“. هكذا أرى نفسي. إذ إنني ألتقط البقايا التي تسقط عن الطاولة العالية التي يجلس إليها جورج ستاينر وروبرتو كالاسّو Roberto Calasso ويتناولان الطعام. أنا شخص ذاتي التعلّم سئمَ من البقايا التي يُسقطها الآخرون.
- من هم أساتذتك؟
- خورخي لويس بورخيس في الدرجة الأولى. فقد علّمني أنني لست بحاجة إلى النظرية، وأن المعرفة التي يقدمها الأدبُ لا تأتي من النظرية بل من المتعة التي نستمدّها من الكلمات والأفكار، ومن الطريقة التي يتم التعبير بها عن هذه الأفكار.
- كيف تنتقي الكتبَ التي تقرؤها؟
- كيف أنتقي الكتبَ التي أقرؤها؟ إذا كان كتاباً جديداً فربما أقرؤه من باب المصادفة نتيجة إعجابي بالعنوان. كتابي المفضّل للاتزلو فولدينيي László Földenyi هو Dostoyewsky Reads Hegel in Siberia and Bursts into Tears [دوستويفسكي يقرأ هيغل في سيبيريا وينفجر بالبكاء]. كيف يمكنكِ ألا تقرئي كتاباً يحمل هذا العنوان؟ أحياناً أختار الكتبَ من أغلفتها، وأحياناً لأنني أتذكر أنني سمعت باسم الكاتب من قبل، وفي أحيان أخرى لأن صديقاً قد نصحني بقراءة كتاب ما. هناك طرق عديدة لاختياري الكتب التي أقرؤها.
هذه ميزة أخرى تتوفر لدى القراء غير الأكاديميين؛ فأنا لستُ مرغماً على قراءة أي شيء محدّد.
- سيغلندة غايزل : ماذا تعني عبارة ”القارئ الجيد“ بالنسبة إليك، لكي نستخدم كلمات جورج ستاينر؟
- ألبرتو مانغيل : في كتاب A Reader on Reading [فن القراءة] هناك لائحة من صفحتين حول مواصفات القارئ الجيد. إنها لائحة تتسم بشيء من السخرية. وعلى الرغم من أنني لا أقرأ النظريات، فإنني معجبٌ بنظرية الاستقبال لهانس روبرت ياوس Hans Robert Jauss. فهو يطوّر فكرة القارئ الذي يعمل على تحويل النص. فكل نصٍّ يحتوي على أكثر مما يعرفه المؤلف وأعتقد أن القارئ المبدع يُغني النص بما ينطوي عليه النصُّ نفسُه.
طالما بحثتُ عن تعريفٍ للأدب الجيد والأدب السيّئ وأعتقد أن هذه التعريفات تميل إلى التبسيط. ”الأدب السيّئ“ بالنسبة إليّ يتمثل في النص الذي ينغلق أمامي وكأنه سطحُ بحيرةٍ متجمد. السطح ناعمٌ جداً ويسمح لك بالتزلج فوقه، ولكن إن كسرتِه فسوف تقعين في الجليد وتغرقين. أما الأدب الجيد فهو مليء بالثقوب والفجوات والأماكن التي يمكنك اكتشافها والاختباء فيها.
أنا لا أميل إلى التمييز بين الأدب العظيم والأدب التافه، لكنني أميّز بين النصوص التي تسمح للقارئ بمساءلتها وتلك التي تقدم لك جميع الإجابات. في النصوص التي تقدم جميع الإجابات لا يكون هناك مجالٌ للقراءة الإبداعية.
أن تقولَ كلَّ شيء يعني أنك لا تثق بالقارئ.
إن فيلمَ Amour [الحب] لمايكل هانيكي Michael Haneke هو واحد من أكثر الأفلام المؤثرة التي شاهدتُها في حياتي. هناك مشهدٌ تقف فيه الشخصية التي تلعبها إيزابيل هوبرت Isabelle Huppert وحيدةً في شقة والديها بعد وفاتهما، بعد أن قتل أبوها أمَّها ثم انتحر. سألت إيزابيل هوبرت المخرِج هانيكي: ”كيف تريدني أن أؤدي هذه اللقطة؟“، فأجابها: ”لا تفعلي أي شيء، ولا تشعري بأي شيء؛ فقط قفي هناك“. سوف يتلقى المشاهدُ المشاعرَ المتولدة من هذا المشهد لأن الممثلة لا تتلقاها.
إمّا أن يحدث الشيء في الصفحة وإمّا في ذهن القارئ.
من الأفضل أن تحدث الأشياء في ذهن القارئ بالطّبع. يجب أن تُكتبَ الأشياء بطريقة تسمح للقارئ بأن يعيش بين السطور.
بعض النصوص لا يسمح بقراءات مختلفة. ففي نصٍّ تافهٍ يقول كل شيء، تميل القراءات المختلفة إلى التشابه.
- سيغلندة غايزل : تنقّلتَ كثيراً بين أماكنَ مختلفة. هل سبق لك أن تخلصتَ من بعض الكتب؟
- ألبرتو مانغيل : عليّ الاعتراف بأنني أتخلص من بعض الكتب. لديّ مجموعة من الكتب الرديئة في مكتبتي مثل روايات باولو كويلو Paulo Coelho، ورواية The Da Vinci Code[شيفرة دافنشي]؛ إنها رواياتٌ سيئة بريئة، مكتوبة بشكل سيّئ، وتصلح لأن تكونَ مثالاً جيداً عن الأدب الرديء. ففي شيفرة دافنشي يمكنكِ معاينة الجهد الذي تبذلينه كقارئة – أكثر مما تفعلين عندما تقرئين جويس Joyce، وأكثر بكثير مما تفعلين عند قراءة لزاما ليما Lezama Lima – من ناحية فهمِ القصة وتصحيحها. إذ تكتشفين أشياء مثل: هذه الشخصية تظهر الآن، لكنها ماتت قبل ثلاثة فصول.
- سيغلندة غايزل : ”في بعض الأحيان، تصدر الكتب الجيدة عن أشخاص سيئين“، يقول كاتب المقالات الأميركي وليام هـ. غاس William H. Gass…
- ألبرتو مانغيل : الكائن البشري والفنان المبدع لا ينتميان إلى العالم نفسه. يحدث أن يجتمعا في جسدٍ واحد على الرغم من تنافرهما. فقد كان شكسبير جامعَ ضرائب سيّئاً في أواخر حياته. وكان دانتي شخصاً متغطرساً. أما كارافاجيوCaravaggio فقد قتل شخصاً. واتُهم سرفانتس بتشغيل شقيقاته في الدعارة.
كما خدم يونغر Jünger في جيش هتلر. أما لوي–فردينان سيلين Louis Ferdinand Céline، أعظم روائيّ في القرن العشرين، فقد كتب كرّاساتٍ فاشية معادية للسامية. لكن تلك الكراسات لا تنتمي إلى الأدب الجيد.
- سيغلندة غايزل : يبدو أن الأدبَ لا يحمينا من أي شيء.
- ألبرتو مانغيل : طبعاً لا! فالأفكار القائلة إن الأدب يحمينا، أو يعمل على تنويرنا وتثقيفنا، أو يجعل منا أشخاصاً أفضلَ أو أكثر عدلاً، لا تتعدى كونَها بدعاً اخترعها أناسٌ طيّبون. فالأدب لا يفعل أياً من هذه الوظائف. يمكنك أن تقرئيArchaic Torso of Apollo [جذعُ أبولو القديم] وتغيّري حياتَكِ، كما يقول ريلكه، لكن 99% من الناس لا يفعلون ذلك. فلنأخذ تلك الكليشيه القديمة حول العقيد النازي الذي يقتل اليهودَ بالغاز ثم يعود إلى بيته ويستمع إلى موزارت فهل يغيّره موزارت؟ لا. ولكن هل بمقدور موزارت أن يغيّركِ؟ نعم.
- سيغلندة غايزل : لماذا لا يغيّرنا الأدب؟
- ألبرتو مانغيل : لأن علاقة القارئ مع النص ديالكتيكية. فإن لم ينخرط القارئ في النص، ولا يعلق عليه، ولا يتمثّله في حياته الخاصة، فلن يحدثَ أيُّ شيء. لماذا لا ينخرط القارئ في النص؟ هل من الخوف، أو كنوعٍ من الكسل، أو نتيجة الجهل، أو غياب الثقة في قدرات القارئ؟ لا أدري.
- سيغلندة غايزل : طلع كافكا بالفكرة القائلة إن على الأدب أن يكونَ الفأسَ التي تكسر الجليدَ المتشكل في دواخلنا.
- ألبرتو مانغيل : إنها عبارة جميلة، لكنني لا أعتقد أنها صائبة. فإن سقط الأدب كفأسٍ، فسوف يدمّر ويقطع. كما أن البحر المتجمد في داخلنا صورةٌ تنطوي على الاحتواء والكبح، على شيءٍ ´ قد توقف عن التدفق، لكن هذا يشي أنه كان متدفقاً من قبل. ومع ذلك فهي صورة قوية ومؤثرة. لكنني أجد مقولة أخرى لكافكا أكثر تناقضاً مع العلاقة بين الأدب، والكاتب، والقارئ. لو كان بالإمكان بناء برج بابل من دون تسلّقه، يقول كافكا، لكان ذلك مسموحاً. الأدب هو بناءُ برج بابل من دون تسلّقه. فالكلماتُ هي التعبير عن التجربة، لكنها ليست التجربة نفسها. وربما يكون هذا كافياً. كافياً بالنسبة إليّ، على كل حال.
- سيغلندة غايزل : تتحدث في كتبكَ عن ”أخلاقيات القراءة“. ما الذي تعنيه بذلك؟
- ألبرتو مانغيل : أعني شيئين. هناك ثلاثة ممثلينَ في الأداء الأدبي: الكاتب، والقارئ، والنص. يتفاعل الثلاثة مع بعضهم بعضاً. ولكلّ منهم مزايا وخصائص تلوّن الدورَ الذي يلعبه. وكما رأينا، يمكن للكاتب أن يكونَ شخصاً فظيعاً لكنه يمتلك الإلهامَ الشعري اللازم لكتابة لكتابة نصٍّ جميل. لكن الأخلاق الشخصية للكاتب غير مهمة. فبمقدور لوي–فردينان سيلين أن يكتبَ نصاً استثنائياً لا ينطوي على أخلاقيات الرجل نفسه.
أما في حالة القارئ فالأمر مختلف. إذ تتم تصفية النص عبر تركيبة القارئ الأخلاقية. فالقارئ يسمح لنفسه بدرجة معينة من التأويل. سُئلَ ت. س. إليوت T. S. Eliot في إحدى القراءات الشعرية عما يعنيه بقوله: ”ثلاث نمراتٍ بيضاءَ جلسنَ تحت شجرة عرعَر“، فأجاب: ”ما عنيتُه بقولي ’ثلاث نمراتٍ بيضاء جلسن تحت شجرة عرعر‘ هو: ثلاث نمراتٍ بيضاء جلسن تحت شجرة عرعر“. هذا هو القارئ الحرفي الذي يقول: ”لا يمكنني الغوص في معاني الكلمات“. من هذا الحد التأويلي الأدنى، يمكنكِ الارتقاء إلى درجة التأويل الحر، كما حدث عندما قرأ قاتلُ جون لينون John Lennon رواية The Catcher in the Rye [الصائد في حقل الشوفان] وقال: ”يقول لي هذا الكتاب إن عليّ أن أقتلَ جون لينون“.
لكنني أعتقد أنه بالإمكان تعريف الأدب الجيد على أنه أدبٌ أخلاقي. فما نسمّيه بالأدب الجيد ينطوي على قدرٍ كافٍ من الغموض يمنع القارئَ من إطلاق أحكامٍ نهائية وقاطعة على النص. فحتى لو قال النص: ”يجب أن يموتَ جميعُ اليهود“، على الأدب الجيد أن يضع هذا في سياقٍ يستنطق هذه العبارة ويشكك فيها. وفي حال لم يحصل هذا، فإن الكتابة تنتمي إلى ذلك النوع من الكرّاسات التي كتبها سيلين ولا تمتّ إلى الأدب بصلة.
- سيغلندة غايزل : لا يتركز اهتمامُك على الأدب فقط بل تهتمّ بالكتب نفسها. ما الذي تعنيه الكتب نفسها لك؟
- ألبرتو مانغيل : لم يكن بورخيس، أعظم قارئ عرفته في حياتي، يهتم بالكتاب نفسه. في بعض الأحيان كانت تربطه علاقة عاطفية بكتابٍ معين يعود لأمّه، أو كتابٍ أعطاه إياه أحدُ أصدقائه، لكن الكتاب نفسه لم يكن يهمّه بشكل عام. كان يعطي كتبَه لأشخاص آخرين. فإن قمتِ بزيارته وتحدثتِ عن وليام جيمز William James فربّما يقول لك: ”خذي هذا الكتاب واقرئيه“.
- سيغلندة غايزل : كلمة ”فيتش“ (fetish) تعني أن شيئاً ما يتمتع بهالة مقدسة. هل ينتابك هذا الشعور حول الكتب؟
- ألبرتو مانغيل : في العصور الوسطى، عندما كانت الكتب نادرة وكانت الأناجيل والكتب الدينية تحمل أغلفة قماشية. هناك صور كثيرة لقدّيسين يحملون غلافاً قماشياً في يد وكتاباً في يد أخرى، وهناك صور لكتبٍ محفوظة بطريقة تشي بالقدسية. لا تربطني أي علاقة من هذا النوع بالكتب. فأنا أدون الملاحظات على الكتب التي أقرؤها، ولا أعتقد أن الكتابَ شي مقدس.
- سيغلندة غايزل : ألا تؤمن بما يسمى ”الأدب الملتزم“ (littérature engagée)، أي بقدرة الأدب على التأثير السياسي؟
- ألبرتو مانغيل : بلى، ولكن على ”الأدب الملتزم“ أن يكونَ ”أدباً“ قبل أن يكون ”ملتزماً“.
**
❞ طالما اعتقدتُ أن اللّقاءَ بين القارئ والكِتاب يحدث لأسبابٍ غامضة. وتتعلق هذه الأسباب بطبيعة الكِتاب، وطبيعة القارئ، وطبيعة الزمن والظروف. الأمر أشبه بالوقوع في الحبّ. ❝
**
❞إن أحد أشكال القراءة الممتعة يتمثل في القراءة الجماعية. يمكنكِ الغوص في النص بمفردكِ والتحاور مع نفسك عندما تقرئين، لكن الحوار مع صديقٍ أو مع مجموعة من القرّاء يسمح بظهور تأويلاتٍ أخرى للنص. وإن كان أفراد هذه المجموعة يتمتعون بالذكاء فمن شأن ذلك أن يُغني النص. ❝
ان الادب اشبه ببناء برج بابا دون تسلقة و الكلمات هي التعبير عن التجربة لكن ليست التجربة كتاب مهم جدا لفهم فكر و دماغ مانغويل و اراءة في الكتب و الادب و التاريخ و الموت و القراءة