في كتابه الجديد «الأرض تحت الريح» يقود السَّفرُ الكاتبَ «مشعان المشعان» إلى عوالم مدهشة رغبةً في التَّحرُّر من قيود الحجر الصّحيّ الّتي فرضتها جائحة كورونا.
في كتابه المصنَّف ضمن «أدب الرّحلة» يُجيب المشعان عن سؤال: "ما معنى أن نسافر؟"، باحثًا عن سموّ الذّات، وإثراء التّجربة ليس المكانيَّة فحسب، بل تجربة الذّات في امتدادها الزّمنيّ والإدراكيّ والشّعوريّ.
وهو راكدٌ في غرفته يجوب الكاتب، عبر طاقة التّخييل، أماكنَ وأفضيّةً ذات مرجعيّات جغرافيّة واقعيّة، تشحذه مخيّلتُهُ الواسعة عبر مطالعة الكتب المتنوّعة والاستعانة ببعض التّطبيقات الإكترونيّة الحديثة الّتي تتيح له اختيار تجارب سفر سياحيّة «من بعد» في مختلف دول العالم، ليكتشف مدينة «كونداسانغ» الماليزيّة أنهارها وجبالها وغاباتها، وليُعايش رحلةً مختلفةً في مدن جورجيا القديمة، فيتعرَّف قلاعها وطرقاتها، التّراثيّة وأنهارها، ويُنقّب عن خصوصيّتها الثّقافيّة المحلّيّة.
السّفر في «الأرض تحت الريح» زمنيّ نفسيّ يتأرجح بين زمن التّذكّر والاستعادة في الكويت وزمن التّخيّل والانطلاق نحو آفاق مغامرة جديدةٍ في ماليزيا وجورجيا. يستغرق سفر الكاتب عبر تمثّلات الذّات والعالم والمكان والأفكار أربعة فصولٍ تبتدئ بالرّبيع وتنتهي بالشّتاء، متنقّلًا بين ثلاثة مفاهيم: التّماهيّ، والتّجاوز، والتّناغم، مخترقًا الحدود بين المكان المرجعيّ والفضاء المتخيَّل، متجاوزًا المعاني النّهائيَّة، عابرًا دلالات الموت الشّائعة والمغلقة الَّتي تتكوّر على الوقت رافضةً امتداده واتّصاله بالحياة.
في هذا الكتاب ثمّة طرق سفرِ غير منظورةِ، تأخذ القارئ في رحلة تجمع بين التّقرير المرجعيّ والتّصوير التّخييليّ إلى عوالم متعدّدة، تجعله يتنقّل رفقة الكاتب في رحاب كتب ٍ متنوّعةٍ يستلّ منها عددًا من الاقتباسات والنّصوص الّتي يتقاطع معها في مساربها الدّلاليّة والفكريّة.
أن «الأرض تحت الريح» سرد لتجربة متخيَّلة، وبعث لمشاهد متصوَّرة، بلغةٍ رشيقةٍ، شديدة الحساسية، مكتنزة بالمجاز والعاطفة والرؤى المختلفة.
مشعان المشعان، كاتب سعودي وُلد عام 1987، يشقّ طريقه الأدبي بثباتٍ وتفرّدٍ ملحوظين في المشهد الثقافي العربي المعاصر. حاصل على درجة البكالوريوس في نظم المعلومات من كوالالمبور، ماليزيا عام 2015، غير أن مسيرته الإبداعية اختارت أن تتّخذ من الحرف موطناً لها، ومن الترحال ميداناً للتأمل والكتابة.
تميّز المشعان بقدرته على المزج بين التجربة الحياتية والانشغال الفلسفي في كتاباته، وقد تجلّى ذلك بوضوح في أعماله الإبداعية. صدر له أول كتاب بعنوان "الأرض تحت الريح: رحْلَة داخلَ رأسي"، والذي نال دعمًا من وزارة الثقافة السعودية ضمن مبادرة "حاضنة الكتّاب" عام 2024، بالتعاون مع دار رشم للنشر والتوزيع. هذه المبادرة منحت المشعان فضاءً مؤسسيًا لنضوج تجربته الأدبية.
تعمّق في فن الكتابة من خلال التحاقه بدورة مكثّفة في الكتابة الإبداعية امتدت لستة أشهر، نظّمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة في السعودية، مما أتاح له فهمًا أعمق لبنية النص وإيقاع اللغة.
في عمله الثاني "ما أحمله معي: حياة وأسفار وتصورات أخرى"، يتجلّى نضجه الفني ورؤيته الخاصة لأدب الرحلة. وقد تُوّج هذا الكتاب بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة (فرع اليوميات) لعام 2024-2025، والتي يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي "ارتياد الآفاق"، ما يُعد اعترافًا مهمًا بمكانته كصوت جديد ومميز في أدب الرحلة العربي. طُبع الكتاب عن طريق "منشورات المتوسط" في ميلانو، إيطاليا.
يُعرف المشعان بجملته اللافتة: "أحسب عمري باللحظات التي أُعايشها"، وهي تعبيرٌ صادق عن فلسفته في الكتابة والوجود؛ حيث تنصهر الذات في التجربة، وتتخذ من التأمل وسيلةً للبوح، ومن الكلمة نافذةً على العالم.
كتاب يضيف الكثير من التميز لجنس أدب الرحلات، باستكشاف مشعان رحلاته في ماليزيا وجورجيا مع تباين مشاعره في فترة جائحة كورونا. يوجد فيها ما يبحث عنه قرّاء أدب الرحلات، وفي بعض الأحيان يتشعب الكتاب في سرد قصصي يسحبك لتتشبث به من جماله اللغوي، في رحلة عبر أفكار الكاتب مقسمةً عبر الفصول الأربعة.
كتاب يثري المشهد الأدبي السعودي في جرأته على دمج الرحلة بالسرد القصصي، وبالطبع أنصح بقراءته!
في "الأرض تحت الريح"، يصحبنا "مشعان المشعان" في رحلة بين الواقع والخيال خلال فترة الحجر الصحي، مستكشفًا العالم عبر القراءة والتقنيات الرقمية. يأخذنا إلى مدن بعيدة مثل (كونداسانغ الماليزية وجورجيا)، متجاوزًا حدود المكان والزمان.
الكتاب مزيج بين (أدب الرحلات والتأمل الفلسفي)، مكتوب بلغة رشيقة ومليئة بالمجاز والعاطفة، مما يجعله تجربة فريدة تنقل القارئ إلى أماكن لم يزرها جسديًا، لكنه يحس بها وكأنه عاشها. ✨
تذكرت إميل سيوران حينما قال: "القراءة هي السفر دون الحاجة إلى تذكرة، رحلة تمنحك مغامرات العالم وأنت مستلقٍ في سريرك."
حين رأيت لافتة تحمل العنوان " الأرض تحت الريح " لفتني العنوان بشدة وأثار اهتمامي، فلم يحدث أن قرأت في أدب الرحلات من قبل، وحين قرأت هذا الكتاب أدركت أن كاتبه يكتب من منظور آخر، منظور يستحق أن يُقرأ فهو لا يقتصر على السرد المجرد بل يغوص في أعماق التجربة الإنسانية مستفزًا القارئ ليعيد النظر في مفاهيمه عن الرحلات والمكان والزمن.
كحال هذا الكتاب كنت على سفر حين قرأته ، لم يخب ظني بثقافة كاتبه حين تصفحته للمرة الأولى و اخترته ليكون معي على جناح الريح. ادهشني الكم المعرفي المبثوث في النصوص. تشاكل علي الأمر، بين الواقعي و المتخيل في رحلات الكاتب، كنت أظن أن الظرف الصحي الذي أمر به مع فيروس كورونا المتحور الآن هو السبب. لكني، أميل إلى ان هناك خيطا مفقوداً قد اكون لم احسن البحث عنه ، لعله يخرجني من متاهة اريانا تلك. ( الحد الفاصل بين الرحلة المتخيلة و الحقيقية) و الاستطرادات التي تخرج عن الموضوع الرئيس احيانا. لكنني خلصت الى نتيجة مفادها ان هذا الخيط هو ذاته ما يميز هذا الكتاب، فهو يجمع ما بين وصف رحلات حقيقية، و رحلات حدثت في عقل الكاتب بفعل قراءاته ، ورحلة العقل محفوفة ببعد فلسفي، يأخذ بيد أدب الرحلة إلى مستوى التأمل الفكري و النفسي، وإعادة تشكيل النظرة للحياة و الكون. و ما يجعل قراءته تجربة مميزة بحد ذاتها، شيء ماجذبني إلى الكتاب، قد يكون ولعي بتدوين رحلاتي .. ولكني لم أجمع ما كتبت ف بين دفتي كتاب.ووجدت في هذا الكتاب دافعا لفعل ذلك لاحقا.