يتخذ الشرد في كتاب "روح" منيرة" للكاتبة السعودية "أمجاد عبد الرحمن" منحى إظهار المطموس وتوثيق المخفي أكثر من انتهاجه منهج التحليل والتعرية وبوح الاعتراف الذي يحيد عنه تكوين الشخصية السعودية المتسمة بالمحافظة والتكتم على الخصوصيات . وإذ ينتمي هذا الكتاب إلى أدب المذكرات، فلا ينتفي أن ينفتح على السيرة بنوعيها الذاتية والغيريَّة، فما ترصده الكاتبة في صفحاتها من حركة الأحداث والعوالم المعتمة الخاصة بها وبعائلتها تعكسه مرايا "الأنا"، فيتداخل البعدان التوثيقي والوجداني والتاريخي الاجتماعي والذاتي الأدبي. تكتب أمجاد عبد الرحمن، بلغة الوفاء والحب والاعتراف بالجميل مذكراتها التي ترتكز على بعث ما عايشته من ذكرياتٍ في بيت الجدّة "منيرة"، واستعادة ما رسخ في ذاكرتها الطفوليّة، وما حفظته من سير وقصص روتها لها جدتها أو والداها أو أحد أعمامها وعماتها من غير أن تعود إلى وثائق أو رسائل أو مدوّنات محفوظة . تسرد بعضا من سيرتها الطفولية وسيرة عائلتها الكبرى وخاصة سيرة جدتها ووالدها، وسيرة الحي الشعبي في منطقة الزلفي بتحولاته الجغرافية والاجتماعية والثقافية، فتتنقل بين ثلاثة أمكنة: منطقة الزلفي والرياض والمملكة المتحدة، وتغطي مساحة زمنية تمتد من النصف الثاني من القرن المنصرم حتى وقتنا الحالي .
مذكرات تفوح منها رائحة العود والبخور و المواشي والأعلاف ، رائحة الموت ، رائحة بيوت الأجداد والجدات، علب المشروبات متناثرة صنية الإفطار في "الحوش "رائحة الفصوليا والقشطة الطازجة ، تلك التي لاتزال ملاصقة لذكريات والذاكرة ..
تجد الدفئ المتحصل ذاته باديا من غلاف الكتاب تطل من النافذة إليه بكل تحفظ واحتشام ، و كفتاة من نجد من المحافظة ذاتها أقرأ هذه المذكرات وأتذكر قصص جدتي وأزعم أن تلك القصص الواردة حقيقية ومنطقية وأنا متأكدة أنها ليست كل شيء ، في هذه المذكرات تأخذنا الكاتبة الى دهاليز حياة مجتمع محافظ صغير في قلب النفود ، مجتمع متكاتف رغم شدة الظروف، مجتمعا تجد لك به يد مبسوطة لمد العون قبل طلبه ، تكثف الضوء في هذه السيرة بشقيها على حياة جدتها وذكراياتها في ذلك المنزل ، وماسمعته من العمات والأعمام ، تكتب بحرارة ووفاء بكل صدق وحب مسطرا بوجدانها قبل كل شيء ، سوف تشعر بالألفة مع أسرة لم تعرفها، سوف تفهم مكانة الملوك في قلب الكبار ، عن أهمية الاسر الممتدة في الدعم والتربية والحياة ، عن مكانة الأم في قلوب الأولاد ومكانة الجدة في قلوب الأحفاد ، عن مكانة الأولاد في قلوب الأمهات ، سوف تبكي كثيرا وسوف تضحك قليلا كما الحياة ، تبكي لكثرة الفقد وتضحك لدهاء و شقاوة الأطفال ..
مذكرات آسرة تحكي قصة ٣ أجيال ، وتحولهم من دار لدار ، حتى موت الجدةً منيره رحمها الله التي كان وجودها حلقة الربط الأساسية بين تلك الأجيال ،مذكرات كتبت لتخلد روح منيرة الحالمة بالأموات الموفية لهم لتبقى بذهن كل حي قرأها ، رحمها الله رحمة واسعة ، وكل قارئ لهذه المذكرات …
سامحك الله يا أمجاد وعفا الله عنك فلم تزل دموعي جارية حتى كتابتي لهذه النبذة..
مذكرات شخصية للكاتبة مليئة بحكايات تمتد من ذاكرة الأجداد والآباء والأمهات والجدات. تدور معظم أحداثها في قريتهم أو “الديرة” بين زياراتهم لبيت الجدة في العطل، وطفولة والدها وعائلتها.
تأثرت جداً بهذا الكتاب تحديداً الأجزاء التي كانت تتحدث فيها عن جدتها، كان لها وقع خاص فيّ. بالنسبة للكتابة ككل كانت سلسلة جداً، اندمجت مع الصفحات حتى سرقتني تماماً، ولم أستوعب إلا وقد أنهيته خلال يومين، ولو كان الوقت يسمح لأنهيته في يوم واحد. لغة الكاتبة جميلة. هذه أول مرة أقرأ مذكرات، وكانت تجربة ثرية و رائعة تستحق التكرار.
تأخذنا الكاتبة في لغة حميمية لماضي منطقة الزلفي بكل مكوناته الاجتماعي التراحمي دون التعاقدي التي تتسم به واقعنا الان. ما يميز العمل هو تداخل السرد الذاتي مع الاجتماعي، والخاص مع العام. تعبر أمجاد عن الشوق والالم بلغة مكثفة مختصرة دونما فرط وتكلف. إنها تحن لعالم بسيط. أمجاد لا تقول لنا بعبارات صريحة ومباشرة "أن المجتمع في ذاك الوقت أكثر تماسكًا ووحدةٍ"، إنما من خلال اللغة تبين لنا ذلك؛ حينما تجمع شتات التفاصيل الصغيرة وتضعها بعد إذ داخل إطار واحد، فإن تلك التفاصيل والحكايات تصبح في تماسك قوي قادرة على تغير مجرى الأحداث، والصمود تجاه الواقع.
صادف قرائتي للكتاب الذكرى الرابعة لوفاة جدتي "غزيل" وأقل من 6 شهور على وفاة جدتي "عامة". لذلك كان وقع الكتاب مؤلمًا جدًا. فالمذكرات المكتوبة هنا، تشبه كثيرًا مما عشته؛ أنا ابن القريم الصغيرة النائية عن منطقة الرياض.
امتازت المذكرات بالنسبة لي بدمج الخاص بالعام، مما يجعلها وثيقة اجتماعية وثقافية لمنطقة الزلفي بشكل خاص، ومنطقة نجد بشكل عام.
رحم الله جدة الكاتبة "منيرة" ورحم الله جميع الأجداد والجدات.