في مدينة تُخفي أسرارًا مؤلمة، تتشابك حيوات ثلاث نساء يحملن جراحًا عميقة. رضوى؛ الكاتبة التي تبحث عن الخلاص بين سطور كلماتها، ويُمنى؛ الطبيبة التي تواجه واقعًا قاسيًا وقراراتٍ تترك ندوبًا لا تُمحى، ومرمر؛ الطفلة البريئة التي سُلبت طفولتها قبل أوانها. جريمة إلقاء طفل حديث الولادة من شبَّاك مستشفى في طنطا تُلقي بظلالها على أرواحهن، كاشفةً عن هشاشة الحياة وقسوة القدَر. «بيت الجاز»؛ رواية متعددة الأصوات، ترصد معاناة المرأة في مواجهة الألم والخسارة، والتضحيات التي تُجبَر على تقديمها في مجتمعٍ يُحاول إخفاء عاره. رحلة مؤثرة بين الصمت والأسرار، بحثًا عن معنى للوجود في عالمٍ مليء بالتناقضات. فهل سيجدنَ طريقًا للخلاص والشفاء، أم ستظل جراحُ الماضي تُطاردهنّ؟
"الكتابة هي الألم، لن تكتب أبداً رواية سعيدة لأنها لاتوجد. الروايات هي التساؤلات الكاشفة، هي حمى راسكولنيكوف بعد قتله للمرابية العجوز، وهي دموع السيد أحمد عبد الجواد بعد موت ابنه، وهي خوف شهرزاد كل ليلة ..."
جريمة إلقاء طفل حديث الولادة من شبَّاك مستشفى في طنطا تُلقي بظلالها على الشخصية الأولى في الرواية تحت عنوان " الكاتبة " رضوى الكاتبة التي تقف أمامه هذا الخبر كثيراً وتستعيده وتفكر به وتفكر فيما وراءه ، وماقصة إلقاء هذا الطفل من النافذة ولماذا لم يتم تركه مثلا أمام جامع أو في المستشفي ليجده أحد؟! يظل هذا الخبر يخيم بظلاله عليها ويجعلها تفكر في أشياء أخرى وتستعيد ذكريات كثيرة وتفكر معها ما تفعله بها الكتابة وتأثيراتها الإيجابية والسلبية . هل كانت رضوى في هذه الأفكار الخاصة بالكتابة تعبر عن نورا ناجي نفسها كاتبة الرواية ؟ ربما نعم وربما لا ، لكني شعرت بتواجد نورا احيانا ربما لأنى قرأت مؤخراً كتابها الكاتبات والوحدة مما كان له تأثير في ربطي لكلماتها بأفكار رضوى الكاتبة في الرواية.
" الكتابة جميلة ، لكنها مخيفة ، ربما لأنها بشكل ما تحول الكاتب إلى آلة تسجيل ، وتفريغ للمشاعر .أو ربما هي في مرحلة خوف .ثمة بقع مظلمة في عقلها. تكتلات من الضغوطات التي تضعها على نفسها أملاً في أن تصبح كاتبة حقيقية. بقع مظلمة غزت عقلها والكتابة فعل إنارة، لكنها باتت تخاف الضوء وترغب في الاختباء، الانزواء داخل سجن صغير صنعته لنفسها.
يبدو أنها سجينة الخوف، سجينة فكرة ان ماتكتبه قد يظلمها، قد يعرضها للانتهاك ، أن تتحول إلى مشاعٍ، أن تُتتهك روحها"
تفكر وتقرر رضوى أن تأخذ من هذا الحدث ليكون روايتها الاخيرة لكنها تتجاهله كثيرا وتتناساه أكثر وتكتب عن أشياء أخرى هروباً من هذه الرواية .
" لماذا تريد الكتابة عن تلك الحادثة ؟ لماذا لا تنسى أبداً تفاصيل الحكاية، تخيلتها عشرات المرات إلى درجة أنها باتت تشعر وكأنها هناك . تقف اسفل المستشفي وترى الطفل يهوى من الشباك . أو أنها واحدة من النسوة اللاتي ألقينه من حالق. أو أنها الطفل نفسه. تشعر أحيانا أنها ممسوسة. أحياناً ما تتلبسها حكاية فتسير وتفكر وتحلم كشخص آخر ."
الشخصية الثانية في الرواية والتى يتم تقديم حديثها تحت عنوان" الرواية" هي يمنى الطبيبة في مستشفي الجذام صباحاً وكطبيبة جلدية في عيادة مساءً ، يمنى التي تحمل الكثير بداخلها ، الكثير من الألم والحزن والكثير من الفراغ ايضاً والتساؤلات وتحمل معهم ماضيها وذكري حدث لا تستطيع نسيانه وهو حدث إلقاء مرمر الفتاة التي تسكن أمامها في بيت الجاز ، الفتاة التي ابتسمت لها وأشعلت النار في جسدها وألقت نفسها في الشارع وتركت بذلك ذكرى لا تُمحي في ذاكرة يمنى وتؤثر على حياتها ، هذه الذكرى مع أشياء أخرى في حياتها وشخصيتها ومارأته يشكل حياتها ويؤثر في أحداثها .
" ربما هي القاسية أو هي التي لا تشعر بشئ حقيقي، ربما هي التي تحمل بكتيريا الجذام داخلها وليس مرضاها ، ربما أكلت البكتيريا مراكز الحس في أعصابها. تخيلت البكتيريا تتجول داخل جسمها لتنهش أعصابها ببطء وشراهة، بينما على السطح لاشئ يتغير، سوى نظرات عينيها التي تفقد كل يوم بعضاً من لمعانها ، وسوى تلك الغصة الدائمة التي تتكون في حلقها وتجعلها غير قادرة على البلع أحيانا ."
اما الشخصية الثالثة في الرواية تحت عنوان " الحقيقية " فهي مرمر أو ربما يمكن القول أنها ليست حكاية مرمر بمفردها لكن حكايات ساكني بيت الجاز بشكل عام لكن من خلال ما حدث مع مرمر بشكل خاص ، مرمر التي يتم الأعتداء عليها طفلة وهى لا تفهم ما حدث وتظن أن سحلية اصبحت بداخلها وأصبحت الآن تتحرك ، لا تفهم أن ما يتحرك بداخلها هو طفلها ،وتكتشف أمها ويتم ضربها وإهانتها للوصول لما حدث والتعامل معه فماذا فعلوا ؟!
" لم تأخذ الملائكة الألم. أخذت النوم ومنحتها بدلاً منه شعوراً جديداً لم تعرفه من قبل ، شعوراً بالفراغ ، لاشئ داخلها ، كل ما هو داخل جسمها خرج مع الطفل، الدماء ، والقلب والرئتان والمعدة والكبد، لم يعد بداخلها شئ سوى الخراب، جسدها مجرد قشرة لخراب فارغ.يتلاشى داخله كل ضوء او هواء أو طعام أو شراب."
تتعدد الحكايات والبؤس والحزن واحد ، تتعدد الأحداث والمأساة واحدة، تتعدد أسباب الألام وأشكاله والضياع واحد ، داخل مثلث المقبرة ومستشفي الجذام وبيت الجاز تدور الاحداث ويدور الفقدان ويدور الحزن والقهر والمرارة وفراغ الروح.
"لا شئ يمكن أن يبث روحاً أو بعض روح في حياتها الميتة ."
نتعرف على حكاية رضوى ويمنى ومرمر ومشاعرهم وأفكارهم. بأسلوب سلس وجميل تقص علينا نورا الحكاية لكني للأسف طوال فترة القراءة لم أستطع الإندماج مع الاحداث ربما لمشكلة بس وليس في النص ، ظل هناك شعورا يلازمنى أن هناك شئ خاطئ ، شئ ناقص ، أنهيت الرواية ولم استطع الإمساك والتعرف على هذا الشئ لكنى لن أنكر إعجابي بالأسلوب والكثير من الجمل والتعبيرات والأفكار والمشاعر التي أستوقفتني و لمستني بشكل خاص . أول قراءة روائية للكاتبة بعد كتاب الكاتبات والوحدة وأعتقد انى سأقرأ للكاتبة مرة أخرى وأتعرف اكثر على قلمها .
هي حكاية المرأة . العمل الممتد على ثلاث مستويات : حكاية الكاتبة رضوى و حكاية الدكتورة يمنى و حكاية الطفلة مرمر تجتمع في نقطة الموت ، القهر و المرارة . العمل في بنائه حكاية تأطر حكاية تتذكر حكاية و كأننا أمام دمية المتريوشكا المتداخلة فرضوى في إطار البحث عن نفسها تكتب رواية عن الطبيبة يمنى الرافضة لواقعها و التي تتذكر مأساة الطفلة مرمر التي انتحرت بسبب انتزاع طفلها الناتج عن اغتصابها و ذلك داخل مثلث المقبرة و مستشفى الجذام و بيت الجاز فتتداخل الحكايات و تستقل الشخصيات التي تتخيلها رضوى ليصبح لها وجودا خاصا بها دخل الحكاية و تختفي الحدود بين الهيال و الواقع. العمل في بعده التخيلي ينفتح على قضايا إنسانية و نسائية: المتغيرات التي عرفتها مصر بعد ثورة يناير، اغتصاب المحارم ، الإجهاض ، مآسي المستشفيات ،الخيانة و أزمة الكتابة هذه القضايا تتراتب في عرضها الكاتبة و فق تعاقب الفصول و تعاقب الشخصيات و تناوبها على الحكي . العمل مكتوب بلغة سلسلة بسيطة معبرة عن لسان حال شخصية الكاتبة رضوى بحكم انها كاتبة الحكايات المتداخلة . عمل مميز و متجدد في مسيرة نورا ناجي 👍👍👍👍👍
الرواية كانت رائعة جدا و تفوق التقييم و بالمناسبة هذه الرواية هى اول قرائتى للكاتبة المبدعة نورا ناجى و لن تكون الأخيرة، تأثرت جدا بها و بقصة مرمر الطفلة ذات الثالثة عشر الذى القى طفلها حديث الولادة من حمام شباك مستشفى جامعى و يمنى البنت التى شاهدت مرمر و هى تحرق نفسها و كم كان آثر هذا على حياتها صعبا و لكن لأعترف برغم أن قصة مرمر صعبة و هى الحقيقية لكن تأثرى بقصة رضوى اكبر بكثير مع ان رضوى لم تشهد حياتها نفس قسوة مرمر و لكن صراع رضوى مع نفسها كان أكبر و صراعها مع الكتابة و فى النهاية أشكر الكتابة على هذه الرواية الرائعة
رواية موجعة للنساء وعن النساء. وكعادة نورا ناجي التي تحترف كتابة الألم، قدمت هذا العمل بكامل وجعه بأسلوبها الذي يجعل القارىء لا يترك عملها قبل أن ينهيه.
كانت قراءة هذه الرواية شاقة جداً على قلبي لما فيها من قهرٍ لنساء وطفلات حملن وزر عفونة المجتمع وظلمه.
عمل آخر لنورا ناجي، لا يقل بهاءً عن روايتها المفضلة لدي: سنوات الجري في المكان.
رواية عن الألم مكتوبة بصدق وإحساس شديد، ثلاث نساء تتقاطع حكاياتهن، يجمع بينهم ذلك الشعور بقسوة المجتمع على اختلاف طبقاته، واختلاف درجة وعي كل واحدة منهن بتلك القسوة، وتلك الحياة التي تقود دوما إلى أقسى حالات الموت .. إجهاض الحلم او قتله أو التخلي عنه، ليبقى في النهاية الأمل في الكتابة، ربما تكون جرس إنذار، رواية جميلة يصعب التخلص من أثرها بسهولة
انا مش ناقد..ومش مثقف..ومش قارئ تقيل انا مجرد شاب بيهرب بالقراءة من واقع مش قادر يتحمله،وبيلاقي متعته فيها حتى لو بيقرا عن حاجات اشد بؤسا من اللي بيهرب منها جاي بكل بساطة اقول رأيي المتواضع جدا في رواية مش متواضعة خالص "بيت الجاز"
مبدئيا رحلتي في قراءة الرواية دي مختلفة جدا ف انا قريت منها ثم جه المعرض والتزاماته ف وقفت قرائتها ثم رجعت اكملها ثم حصلي ظروف ف بعدت عن القراءة ثم يجي يوم اقرر اعيد قراءة الاجزاء اللي قريتها واخلصها كلها يا الله! افعوانية من المشاعر طول ما انا بقرا،ودايما بكون مش مستوعب ازاي ممكن نورا ناجي تكون بتتكلم عن كاتبة في عقدها الخامس او زوجة بتخون زوجها او طفلة اتعرضت لحادثة عنيفة ولكنها وهي بتحكي عنهم الاقيها بتحكي حاجات عني انا وبتوصف مشاعر تخصني…عظيمة نورا ناجي
من وجهة نظري الكتابة بتتقسم جزئين الحاجة اللي الكاتب عايز يقولها او يناقشها والطريقة اللي بيستخدمها في التعبير عن الحاجة دي..اللي هو السرد واللغة والشخصيات والحبكة وكل الحاجات دي نورا ناجي مش بس بتكون عايزة تناقش حاجات محدش بيناقشها غيرها، هي بتعبر عن ده باحسن طريقة واكتر طريقة مميزة ف مثلا كُتاب وكاتبات كتار جدا اتكلموا عن الانتهاك الجسدي ولكن نورا ناجي لما هتحب تناقشه هتتكلم عنه من منظور الطفلة مرمر اللي فاكرة ان في سحلية في بطنها..عيطت من سذاجة وبراءة بنت مش عارفة اللي بيحصلها لأنه مش المفروض يكون بيحصلها اصلا سرد نورا ناجي في الرواية دي بالذات كان محسسني اني بغوص بالتدريج في كل حاجة الاحداث لما بتحصل مش بلاقيها ظهرت بحدة في الكتاب،ولكن السرد كأنه بيغوص في الحدث وهو بيحكيه واحدة واحدة وكذلك الشخصيات اللي ظهروا في اول الكتاب،ولكن مع تتابع الصفحات كنا بنغوص اكتر واكتر في شخصيات عميقة مكتوبة بحرفية يمكن اكتر جزء من الرواية كان بيبهرني واحنا بنتقدم كان الجزء الخاص بالكاتبة،اللي لقيته بيعبر عني في حاجات كتير واللي خلاني اتنطط من الفرحة لما الاقي نورا ناجي بتشير لاحداث من رواياتها السابقة
نورا ناجي عندها مشوار ثري من الاعمال المبهرة اللي بتخليني احس انها هتكون رمز كبير اوي اوي في تاريخ الادب المصري واسمها هيخلد جنب الكُتاب والكاتبات اللي بتحبهم ودايما بتذكرهم في اعمالها شكرا نورا ناجي انك بتتحملي كل الالم اللي بيصاحب الكتابة..ولكنك في النهاية بتطلعي لنا اعمال عظيمة..قادرة انها تغيّر وعي ناس،والاهم قادرة انها تخليهم يتواصلوا مع انسانيتهم.
أتمنى أن توضع هذه الرواية بين أيادي جميع صديقاتي وجميع رفيقاتي وجميع مريضاتي، بل بين أيادي جميع النساء. هذه الرواية تتجاوز الثنائيات التقليدية لتصعد نحو الثلاثيات، فبين الحياة والموت يوجد أشباح مرضى الجذام، والرضيع الذي سقط من النافذة، والكتابة كلها، ومرمر ذاتها. بين الحقيقة والرواية توجد الكاتبة التي تكتب الرواية أو الحقيقة، رضوى التي تكتب يمنى التي تتذكر مرمر، ثلاث نساء أو لعلهن امرأة واحدة، لعلهن نحن، ولعل بعضا منا في كل منهنّ، بل لعلّهنّ كل معشر النساء. رواية وكاتبة وحقيقة، ووجع لا ينتهي، وأمل في الألم، وأجنة مجهضة وأخرى تأبى المغادرة، ودماء قد تعني المصاب أو الخلاص، ورومنسية تأبى الحب، وقصة ترفض أن تُكتب، وخيانات دون نشوة، وحياة تشبه الموت، ورواية تحاكي الحقيقة، وبيت الجاز وسط كل ذلك، بجدرانه المفتوحة وحيواته الموؤودة ورائحته وحمائمه وسقوطه اللامتناهي. أكاد أجزم ان هذا الكتاب من أجمل ما قرأت في الرواية العربية في السنوات الأخيرة، وأدعوكم بشدة إلى قراءته
عندما أمسكت هذه الرواية بين يدي، كنت أعرف أنني مقبل على رحلة ممتعة ومرهقة وشجية، تقودنا فيها نورا ناجي إلى داخل أعماق النفس وأعماق النهر وأعماق الوجود.
ستجد لغة ساحرة، قصيدة فاتنة، عبارات شعرية نافذة مخترقة، كل عبارة تصلح أن تكون اقتباسًا، بنية مبتكرة، طبقات نفسية ودرامية فوق بعضها، كلما فرغت من قراءة طبقة وحصلت على متعتها الكاملة، عليك أن ترفعها كي تقرأ الطبقة التالية، يمكنك أن تزيحها بعقلك أو تقشرها بأظافرك، ستجد الطبقة التالية في انتظارك لتمنحك متعة جديدة.
في هذه الرواية تمارس نورا ناجي كل فنون السحر الذي تعلمته في معبد الأدب، تتلو كل الصلوات وتردد كل التعاويذ، تأخذنا إلى حافة العالم وأفق الوجود ولا تعيدنا، نشعر بالدوار، نجد أنفسنا سابحين فوق صفحات الرواية، نلتهم الحروف والكلمات، نجتر الأفكار والمعاني، نذوب داخل أنفسنا وداخل أنفس بطلات الرواية.
طرحت نورا ناجي كل الأسئلة دفعة واحدة، ألقت بها فوق رؤوسنا، لم تمهلنا وقتًا للإجابة، لاحقتنا بالأفكار والعبارات، كنا نلهث وراء الصفحات ووراء الكلمات ووراء الراوي، وجدنا أنفسنا نغوص في أعماق نهر الوجود والعدم، لم تدفعنا لكي نسقط في النهر، لكنها تركتنا نقفز باختيارنا، أردنا أن نعرف كل الأسرار الغارقة في أعماقه.
يمضي السرد في روايتنا من خلال "الكاتبة" (رضوى) وبطلتها في "الرواية" (يمنى) وامتدادها في "الحقيقة" (مرمر)، الراوي لم يكن فقط عليم ولكن أيضًا حكيم، شديد الاحساس والتفاعل، يجعلك تظن أن هناك رواة متعددون وأصوات مختلفة، من دون أن يفصح عن لعبته البارعة، يغوص في أعماق النفوس، ويعود محملاً باللآلئ اللامعة والصخور القاسية.
هل كان الراوي العليم رجلاً أم إمرأة؟، هل يجب أن يكون للراوي جنس أصلاً؟، لماذا يتحدث معنا بهذا الدفء وتلك القسوة؟، لماذا يخترق نفوسنا بهذه البساطة؟، لماذا نجد أنفسنا مشدودين ومتورطين إلى هذا الحد؟.
انطلق تيار الوعي بلا تردد أو اهتزاز، تحدى القارئ أن يستطيع الإفلات من بين يديه، أن يُفَوِت كلمة من كلماته، أن يسبح ضده، تيار وعي صارم عنيف جارف، بل شفاف رقيق هادئ، تبدلت موجاته بين كلٍ من فصول "الكاتبة" و"الرواية" و"الحقيقة"، تيار وعي ضَمَن الانسياب المتتابع والمتواصل للأفكار وسريانها باطنيًا وذهنيًا، وحَقَّق الحضور والتدفق للمشاعر الداخلية والانعكاسات النفسية والتحولات المزاجية بإخلاص شديد.
تحاول روايتنا أن تنتصر لنسائها، مرمر ويمنى ورضوى، النساء في بلادنا ظُلِمن ثلاث مرات، مرة عقليًا ومعرفيًا ومرة اجتماعيًا ونفسيًا ومرة ثقافيًا وحضاريًا.
دخلنا في دورات متعاقبة لثلاثية "الكاتبة" و"الرواية" و"الحقيقة"، عشر دورات كاملة ودورتان ناقصتان، نتج عن ذلك ٣٣ فصل، منها ١٢ فصل للكاتبة و ١١ فصل للرواية و ١٠ فصول للحقيقة.
رسمت نورا ناجي خريطة المكان، بيت الجاز وكوبانية الجاز ومستشفى الجذام والمقابر، والعيادة والبيت والمستشفى والكشك، تركتنا نتجول في أنحاء ذلك المكان، نلمح تفاصيله، ونشم رائحته.
توترت أزمنة الأفعال في النص بين المستقبل والمضارع والماضي، وجدنا السرد في نفس الفقرة يستخدم كل أزمنة الأفعال، أعرف أنه هكذا يكون الزمن عند نورا ناجي، استخدم الراوي أفعال الأمر أحيانًا لينبه شخصيات الرواية، ليوقظهم، وجدنا الراوي يتقمص كل الأدوار، ويتحدث بكل الضمائر، ياله من راوٍ بارع، ويالها من رواية بديعة.
امتلك الراوي كل السلطات والصلاحيات، فمضى بالسرد إلى منتهى الوجود ومنتهى العدم، لمحنا المؤلف الضمني يلقن الراوي بعض المعاني، ثم يتركه يصوغها كيفما يشاء، بنعومته وقسوته.
❞ ثم تحول السرد إلى جمل قصيرة، لاهثة، شريرة ❝ ص٨٣
عندها أخبَرنا عن مخاطر الكتابة: ❞ إن الكتابة هي شعور دائم بالسقوط ❝ ص٦٧ وإن ❞ الكتابة هي الألم ❝ ص١٩٨
وحَدَّثنا عن الناس: ❞ الناس لا يحترمون سوى الجمال ولو كان غلافًا لروح مشوهة، يحتقرون القبح ولو كان غطاءً لأجمل روح في العالم ❝ ص٩٠
اكتشفتُ أن الرواية أطول من عدد صفحاتها، وأن أفكارها أكبر من عدد كلماتها، وأن زمنها أسرع من زمن بطلاتها، وأن مكانها أبعد من حدود البيوت والمقابر، وأن رائحة الحياة والوجود بها أقوى من رائحة العدم ورائحة الجاز النفاذة.
هكذا نورا ناجي لا تعترف بالأسوار، لا أسوار المكان ولا أسوار الزمان ولا أسوار الحكاية.
اكتشفتُ أن البطلات الثلاثة يعشن داخل بعضهن البعض مثل دمي الماتريوشكا، مرمر داخل يمنى داخل رضوى، وثلاثتهن داخل الراوي وبين يديه. وشهدت ديناميكا الرواية، عندما كانت التفاصيل تتفجر من الداخل إلى الخارج، ليرتد بعدها الحكي من الخارج إلى الداخل، رضوى إلى يمنى إلى مرمر:
❞ غريب أن تخفي بطلة رواية تفاصيل حياتها عن كاتبتها؟ لكنها تتقبل ذلك. تتقبل أن تكشف لها البطلة شيئًا فشيئًا عن حياتها، هي نفسها حياتها تبدو مثل دمي الماتريوشكا، داخل كل دمية دمية أصغر فأصغر، لكن لا أحد قادر على الوصول إلى قلبها الحقيقي. ❝ ص١١٢
حدثنا الراوي بعبثية مدهشة عما فعله زيزو في حكاية مرمر، وعما فعلته يمنى في عيادة الأسنان، وقص علينا ما حدث مع رضوى:
❞ حتى السقوط لابد أن يحمل معنى ❝ ص٨٩
شهدنا الأم التي أخرجوا طفلَها من بطنِها في ٢٠١١ وألقوه من النافذة. من هو زيزو؟، هل هو الفشل والاحباط والضياع، اللامبالاة التي تلف حياتنا، هو لا يدري ماذا فعل، لا يشعر بأدنى شعور، لا الحزن ولا الفرح ولا الندم ولا المسؤولية ولا أي شعور آخر. أين الطفل؟، ربما هو الآن في الرابعة عشر من عمره، هل علينا أن نبحث عنه، نجده ونعتذر له.
وأخيرًا تقول: ❞ تلاشِي الألم لا يعني أبدًا الشفاء ❝ ص١٢٤
لكن الحقيقة أنه لا الألم تلاشَى وليس هناك من شفاء منظور.
هذه رواية بديعة وبارعة، هذا نص فلسفي ونفسي وشعري متكامل، فاتن ومهيب، رقيق وقاسي، ممتع ومرعب، رفيع المقام وعالي الهامة، قدماه على الأرض ورأسه فوق السحاب.
تدهشنا نورا ناجي كل مرة نستقبل فيها كتابًا جديدًا لها، هي تفرح وتحزن، تلهو وتتألم، تحنو وتقسو، ترضى وتغضب، لكنها تمنحنا متعة أدبية لا تنتهي. انتهت الرواية ولم نَخرج بعد من النهر الذي أنزلتنا فيه.
في بيت الجاز ، حدث جلل ، يؤدي إلى موت “مرمر” ، فالحقيقة المثبتة هي الموت. قبل الموت يكون الواقع ، و هي الأحداث المتراكمة التي نراها في حياتنا اليومية بعد الواقع يأتي الخيال. خط رفيع يفصل الواقع عن الخيال.
الموت له صور شتى. موت أشخاص، أجنة ماتوا بسبب إجهاض “ أجنة أساسية في الرواية لكلا” من مرمر و يمنى و رضوى و أجنة أخرون ذكروا يدفنوا تحت في المقابر بجانب جثث لكبار عنهم في السن و بجانب جثة مرمر” .
الأشكال الأخرى من الموت؛ المرضى في المستشفيات و بالتحديد في مستشفى الجذام التي تقرب من بيت الجاز.يموت ال��ريض مائة مرة من الألم و التعب و نظرات الشفقة من الممرضات بجانب سوء معاملتهم لهم كأنهم جثث فيتحرشوا بهم تارة أو يعنفوهم تارة أخرى .
فقد الحبيب في الدنيا موت “هل الموت واحد ؟ أن تشهد موتاً يختلف عن موت خفي مثلا” ؟ أن تشهد اختفاء شخص بين يديك، يجعلك تمس الموت فعلاً؟ لكن موت بعيد، مثل موت حبيب في غربة، أو في غرفة العمليات أو أن تصل بعد انتهاء جنازة. يجعل الموت ليس ميتاً “ ص١٤٩ . “موت شخص يعادل موت للجميع، مع كل شخص يموت، يموت جزء من الجميع، ربما لهذا تشعر يمنى أنها و كل من حولها يتحولون يوماً بعد يوم إلى جثث متحركة ، كلما شاهدوا صور الموت المستمرة ، حركوا الشاشة بأصابعهم ليحققوا في الدماء و النيران و الركام و الأكفان دون أن يرمشوا ، دون أن تتوقف حياتهم “ ص١٤٠ .
“ ما هو الموت أصلا” ؟ كيف يحدث ؟ و كيف يأخذ شخص قرارا” مثل ذلك في لحظة؟ لن تفهم أبدا”. أن يقتل نفسه الإنسان نفسه، أو أن ياخذ روحه بيده، هذه الأسئلة تشغلها “ص ١٣٢.
الموت يتجسد في “مرمر” و الحياة تتجسد في “يمنى “ ، لتطرح “نورا ناجي” سؤالا” خفي و صريح في آن واحد : “ما هو الموت؟ هل الموت للذين ماتوا ؟ أم الموت للأحياء الذين تقتل أنفسهم مائة مرة من الألم ؟ “ “نعم هذا هو الموت، ما تشعر به الآن ليس موتا” ، بل هو الحياة ، هذا هو الألم هو الحياة التي تود إنهائها “..ص١٠٧
“و هذه الحياة مجرد أيام تمر و تنتهي “ ص١٢٨
الخيال متجسد في شخصية رضوى التي تهرب من الواقع و الخوف من الموت. “هم يرونها خيالية جدا” و هي تراهم مشدودين إلى الواقع و كأنهم تماثيل اسمنتية” ص١٢٠
“بكتابة رواية تكشف لها الحقيقة و الزيف، لأن معرفة الحقيقة لن تمنحها الراحة، بل ستسلبها حتما منها” ص١١٦
أفكار ناقشت بداخل الرواية :
-فكرة قداسة الأمومة و الهالة الزائفة . -الإجهاض -الفقد -العنف ضد النساء بصور مختلفة .
أحببت ذكر الموت على هيئة شهيدة بذكر الطفلة الشهيدة “هند رجب” في الخلفية “لبنت ظلت في سيارة محاصرة بين الجثث تتوسل أن ينجدها أحدهم حتى ماتت. وجوه الأطفال المرجفين، و العيون المتجمدة، كل الحروب التي لا تنتهي منذ ولدت إلى اليوم، و كل هذا الألم، لماذا يخترقها أكثر من بنتها الحقيقية "ص٧٢ .
رمز الملائكة في الرواية هو “الموت” ؛ الحقيقة المؤكدة في هذه الدنيا. “ الملائكة تنزل إلى الأرض كل يوم لتأخذ الميتين، و أيضا” لتأخذ شيئا” من كل حي. تأخذ الحزن أو السعادة، الألم أو الراحة، كل إنسان يدفع ضريبة استمراره يوما” آخر في هذه الدنيا ص٤٩ “ .
السقوط يرمز في الرواية للموت أيضا”.
التناص رضوى عاشور في الرواية بشخصية رضوى الكاتبة “ نامت فحلمت برضوى عاشور، لم تحلم بها من قبل قط، رغم أنها بشكل ما تسكنها دائما”. هي دائما” هناك في بدايات الأشياء و آخرها تفكر فيها و لا تحلم بها". ص١٩٩
“أسمتها أمها رضوى، على اسم كاتبتها المفضلة ، بعد ذلك بسنوات ، عندما تنشئ حسابا” مختصا” بمراجعات الكتب على الفيسبوك ، ستقرر أن تقرن اسمها باسم كاتبها المفضل أيضاً .رضوى محفوظ”. “التناص أيضاً "بنجيب محفوظ” . ليصبح بعد ذلك اسمها على أغلفة كتبها عندما تبدأ في نشرها، و ليتحول انتماء اسمها لما تحب فعلا” ، أو ما تشعر به طلبا” في حياتها، لا. يتغير أبدا ص٥٤ .
أحببت النهاية و قفلتها مع تفاصيلها. عمل جميل ممتع ، يحمل بعد فلسفي ، يستلزم قرأته بتمهل .
إذًا هو بيت "الغاز" وليس "الجاز".. حتى وإن كان لإخوتنا المصريين رأي آخر xD
وهذا الاختلاف في النطق هو سبب وقوعي في فخ الرواية، ظننت أنني سأقرأ شيئًا هادئا عن الحنين وذكريات الماضي على خلفية موسيقى الجاز، فإذا بها شيء آخر
الرواية قاسية ومؤلمة، وتبدو فيها نبرة المؤلفة الساخطة على وضع العالم والمتأثرة بحرب غزة وقبلها ثورة يناير والربيع العربي
أدبيا الرواية محكمة، وأسلوب نورا ناجي تطور جدا جدا مقارنة بآخر ما قرأته لها.. ولو كان الموضوع مختلفا لكنت استمتعت بها أكثر، فلم تكن النفسية تحتمل شيئا قاسيا كهذا
علشان اسلوب رواية جديد زي اساليب نجيب محفوظ و روح الجميلة رضوي عاشور ، و كمان ان كاتبة جريئة ان تحكي عن نفسها و الواقع صعب من حروب و مشاكل في المجتمع. تطور رائع❤
- حكاية واحدة تتأرجح بين تخيل أحداثها ، المروي عنها وحقيقة ما حدث. تعددت الأصوات ورائحة الجاز واحدة !
- رداء ادبي تمت صناعته وحياكته من قماشة واحدة اختلطت فيها خيوطها من حكاية ، سرد وشخصيات بحيث لا يمكنك فصلها والا كَرت الرواية نسيجها المترابط
- طرح العديد من القضايا الاجتماعية المسكوت عنها وتعريتها بكل شجاعة
- الرواية من منظور عام ذات خط درامي ممتد بدأ فصلها الأول من ( بانا ) و( بيت الجاز ) ليست فصلها الاخير بكل تأكيد
-----
* العيوب / نقاط الضعف / الملاحظات *
- ابتعد عن اي مواد قابلة للاشتعال فالحكاية سوداوية جداً وقد تكون ذات تأثير كاسح عليك ويسمح فقط بالمناديل الورقية كي تجفف دموعك المنهمرة اذا كنت من مرهفي الحس !
-------------------------
مراجعة الرواية
" الحياة تبدو مثل دُمى الماتريوشكا ، داخل كل دُمية دُمية أصغر فأصغر ، لكن لا أحد قادر على الوصول إلى قلبها الحقيقي "
اعتقد ان هذا الاقتباس يمكن ان يكون مدخل مناسب للحديث عن هذه الرواية ذات الحكاية الواحدة ، متعددة الأصوات ما بين خيال من يكتبها ، راوي شاهد على احداثها واخيراً الحقيقة العارية والكاشفة
كما ذكرت اعلاه فالرواية عبارة عن نسيج واحد مترابط يصعب فصل خيوطه - عناصرها بمعنى أدق - والا انفرط عقدها واصبحت كالقماش المهترىء والمليء بالثقوب
كمحاولة متواضعة مني بسبر اغوار الرواية فقد خرجت بوجهة النظر تلك لعل وعسى تكون في صميم الموضوع
* الفكرة / الحبكة *
يمكن وضع عنوان رئيسي باسم ( السقوط ) عندما نتحدث عن مضمون الرواية. سقوط الانسان من حسابات الحياه والاحلام وتحوله الى كم مهمل لا يشعر به احد ، بل ويمكن ان يجد نفسه ملقي يوماً في صفيحة قمامة او مدفون تحت التراب دون حتى ان يدري ويعي لماذا ومتى وكيف ؟
بين زمن ولى وتطاير كالجاز وحاضر ومستقبل بمتغيرات غير مسبوقة تعيد تشكيل حياتنا ادت الى شعور عام بالتبلد واللامبالاة تدور احداث الرواية
* السرد / البناء الدرامي / الشخصيات / اللغة والحوار *
لماذا قمت بدمج هذه العناصر تحت عنوان رئيسي هذه المرة على خلاف المعتاد ؟
السبب هو طبيعة كتابات نورا نفسها. نحن امام نص ادبي يصعب تفكيكه لعناصر منفصلة
الرواية تسير تحت ثلاثة عناوين رئيسية
- الكاتبة. وهي من تحاول كتابة رواية جديدة بناء على خبر مؤلم قرأته على صفحات الاخبار والتواصل الاجتماعي ومر مرور الكرام على الجميع
- الرواية. ( يمنى ) الشاهد على الحدث والراوي الوحيد له
- الحقيقة. ( مرمر ) هي الحدث فعلاً. الحقيقة العارية بدون تزييف
تتداخل وتتشابك الثلاثة عناوين بما يغزل رواية واحدة كبيرة للحدث نفسه. هناك صراع ومخاض مؤلم خاضته الكاتبة بين تخيل الحدث بناء على مجرد خبر مقروء ومن خلاله تنسج كيفية حدوثه وبين الكتابة عن حقيقة حدوثه فعلاً بدون مؤثرات خارجية
هذا الصراع ادي الى تكوين ما يشبه عالمين موازيين هما عالم ( يمنى ) و ( مرمر ) الذين يعتبرا انعكاس لعالم الكاتبة الأصلي ومن خلالهم تم نسج القصة كاملة التي تأرجحت طيلة الوقت بين الحقيقة والخيال. الامر معقد ؟ نعم بكل تأكيد
المثير في الأمر ان المكان في النص ثابت. بيت وكوبانية الجاز ، مستشفى الجذام والمقابر هم عناصر واحدة في قصة الثلاث بطلات ومن خلالهم تدور الاحداث
عند الحديث عن الشخصيات تجد مفارقات ذات اهمية بالغة. مثلاً شخصية ( نجاة ) التى تعمل داية تساعد النساء لاجها،ض اجنتهم لاسباب مختلفة. لاحظ الاسم و الفعل على ارض الواقع !. ما يميز شخصيات الرواية هو احتوائها على كم هائل من التناقضات بما يعكس فكرة ( السقوط ) التي تحدثت عنها مسبقاً. نورا ناجي بارعة فيما يخص بناء الشخصيات دون شك
لنأتي الى الحوار. عفواً ؟ يا صديقي نورا لا تعبأ بالحوار في شكله التقليدي. المتابع لروايات الكاتبة سيجد ان الحوار فيها عبارة عن نقاش داخلي ، كأنه حديث مع الذات تخوضه الشخصيات طيلة الوقت. لن تجد جمل حوارية الا فيما ندر
اضف الى ما سبق ما ناقشته الرواية من موضوعات اجتماعية مسكوت عنها وكشفت الغطاء عن المستور بلا خجل
هذه الرواية تشعر انها بمثابة وجدان جمعي ادبي. بدأت فصولها من عند ( بانا ) حيث الفتاة الحالمة بعالم سحري تهرب اليه من واقع مؤلم ، مروراً ببطلتي ( الجدار ) و ( أطياف كاميليا ) مع الانعطاف نحو ( الكاتبات والوحدة ) ونهاية ب ( سنوات الجري في المكان ). ستجد ومضات متناثرة هنا وهناك تشعر معها انك داخل رواية واحدة كبيرة ممتدة بلا نهاية
* النهاية *
ختام الرواية ليس بالختام التقليدي هو الاخر. هو بمثابة نجاح عملية ولادة الرواية المتعثرة
ختام الرواية هو الرواية نفسها التي انتهيت منها للتو. وهناك الوعد بمخاض وألم جديد يسفر عن رواية جديدة عن الانسان والمعاناة في قادم الأيام
رواية تختلف عن كل ما قرأت سابقًا لنورا ناجي، بها قدر عال من التفاصيل الإنسانية المؤلمة ورؤية مُحايدة للجانب البشري الخالص في أبطال العمل.. هذه الرواية بها حرفية في التقاط التفاصيل وتحويلها إلى أسئلة لدى "الكاتبة".. ربما تنتهي الرواية ولا تجد إجابة لأسئلتك لكنك من المؤكد ستظل مشغولًا بالبحث عن الإجابات..
أكثر حاجة بتبهرني دايمًا في كتابة نورا هي إزاي بتقدر تحول لحظة واحدة مشهد صغير لعالم كامل عالم مثالي من وجهة نظري شخصياته حية وحقيقية لأبعد درجة شخصيات شبهنا.. شبهي أنا علي الأقل في الحزن في أفكارهم في حياتهم المعقدة رغم بساطتها نورا بتعرف تخلق شخصيات تخليني أعيط.. تأثر فيا وتلمس أجزاء دايمًا بهرب منها يمكن الكتابة هي الألم زي ما قالت رضوي -شخصية من شخصيات الرواية- بس بالنسبالي كتابة نورا هو انها ازاي بتحسس اللي قدامها بالمشاعر دي وإنه برغم كل الألم ده أحس إن انا مش وحيدة في اي شعور بيطاردني نورا بالنسبالي حالة فريدة شخص إستثنائي بيعرف يوصل المشاعر ويكتبها بطريقة عمر ما حد تاني عملها أو عرف يقرب منها حدث صغير يتبني عليه عمل عظيم محتاج بس لحظات أقدر أخد فيها نفسي في النص علشان طول ما أنا بقرا كنت حاسة إن أنا بنهج مش عارفة اتنفس والرواية كاتمة على نفسي هي الرواية تبان صغيرة اه بس عمرها ما تخلص في قاعدة او ساعتين ٣ فلو مستني احداث محصلتش أو plot twist معقدة الرواية دي مش ليك بس لو عايز تقرا عن الإنسان عن مشاعره وقد ايه هي معقدة وصعبة ومؤلمة، لو عايز تقرا عن الألم عن المشاهد الصغيرة المهمشة في حياتنا بس قادرة تغير حياة ناس تانية، عن كل الحاجات اللي مش بناخد بالنا منها يبقى الرواية دي أكيد ليك
أجمل ما فيها هو أسلوب السرد السلس الذي تتميّز به الأستاذة نورا. أمّا القصة فمنبعها فكرة حقيقية، ولكن تصوّرها الدرامي أخذ في الدوران حول نفس المركز من البداية إلى النهاية، تخلّلها نفس نسويّ متطرف لم أحبه كثيرًا من كاتبتي المفضلة، رغم تعاطفي مع الأهوال التي عاشتها شخصيات الرواية.
ربما أكثر ما أعجبني في الرواية هو شخصية الراوي/الكاتب. الراوي الذي يدخل ويخرج من القصة وإليها، يخبرنا عن أحداث متخيّلة ثم يجذبنا إلى واقع ربما كان أكثر قسوة من المتخيّل.
رواية مليانة مشاعر صادقة، كل جملة ليها نبض قادر تسمعه وتحسه، رواية مؤلمة من كُتر الصدق اللي مكتوبة بيه، حكاية رضوى ويمنى و مرمر، حكاية توجع القلب وتقهره على اللي بتتعرضله النساء من قهر وذل بسبب عادات وتقاليد وفكر متخلف.
رواية بيت الجاز للكاتبة نورا ناجي عدد الصفحات: 202 صفحة دار النشر: دار الشروق سنة النشر: 2025
اتساءل هل يملك الكاتب داخل خلايا روحه ماصات تلتقط الألم؟ يبحث عن الأحداث المختلفة المؤثرة والموجعة في الوقت نفسه ليختزنها ويجترها وقت الكتابة؟ هكذا شعرت في تلك الرواية، رأت نورا ناجي خبر عن طفل رُمَى من نافذة إحدى المستشفيات في طنطا، لتصنع بعد ذلك تصورها وتحفتها الفنية في (بيت الجاز).
تتناول الرواية حياة ثلاثة فتيات، الطبيبة (يمنى) والكاتبة (رضوى) والفتاة البائسة (مرمر)، تبدأ الرواية مع رضوى التي تبحث عن فكرة رواية مختلفة تتناول فيها هذا الخبر الذي احتفظت به في قصاصة صغيرة من إحدى الجرائد منذ سنوات، تبحث وراء الحكاية لتعرف تفاصيلها، تتحدث عن الكتابة وأحوالها ومشاعرها، وفي وسط كل هذا تتوغل قصتها الشخصية هي في المنتصف، ما بين أب متناقض في تصرفاته معها هي وأمها، وأمها نفسها التي تخبرها بسر خبأته عنها لسنوات، مجرد كلمة عابرة القت ثقل فوق قلب رضوى لم تعرف طوال حياتها كيف تتخلص منه والغريبة أنها لم تبحث وراءه لتتأكد من حقيقته، وما بين حب سرق منها كل شيء ولكنه تركها فقط بألم تجسده في كتاباتها.
أما يمنى شخصية جعلها السر والحدث الذي رأته التي من النافذة الصغيرة واحدة أخرى غيرها، لتبدأ في التعرف على سر الجسد، هذا الحدث التي رأته مرأي العين من النافذة البعيدة، لم يتوقف السر على هذا، ولكنه تُوج بصدمة اللهب الذي وصلها وأحرق داخلها حتى وأن كان بعيد ولم يلمسها، الاحتراق دائمًا ينبع من الداخل لا الخارج، لذا استمرت يمنى في الاحتراق على مدار سنوات تالية، كنت أشعر وكأن عود الثقاب البارز على الغلاف له معنى جلل، وددت لو أخذته وأحرقت كل هذا الألم في الرواية.
أما مرمر.. كانت هي حلقة وصل كل الألم في تلك الرواية، مرمر من الشخصيات المؤلمة في تفاصيلها وبراءتها وفي حملها وسببه وفي ولادتها واحتراقها داخليًا قبل خارجيًا، كنت أشعر بكل هذا الألم الذي شعرت به مرمر ومن بعدها يُمنى، كان جسدي يؤلمني، رحمي يستغيث من هذا الألم الذي شعرت به منذ سنوات وكأنه عاد للظهور مرة أخرى، كيف يمكن أن تكون رواية حقيقية ومؤلمة بهذا الشكل؟!
انتهيت من الرواية منذ أسبوع كامل، تعثرت في الحديث عنها، فتحتها وأغلقتها مرات ومرات، لا أعرف كيف يمكنني الكتابة عن كل هذا الوجع، هل يمكن لأي شخص أن يقول نقده عن الوجع الحقيقي لأشخاص حقيقة في واقعنا؟ لا أعتقد، منذ أيام قبلها كنت أخبر صديقة أن من لم يعيش الحدث نفسه لا يمكنه الحكم أبدًا على من عاشه، كنت أنا هنا والآن، لا استطيع الحكم على هؤلاء في كل ما عاشوه، على الرغم من أنني شعرت بجزء كبير من ألمهم النفسي والجسدي، ولكنني مازلت هنا والآن، وهم كانوا هناك!
رحلت مرمر ولكنها تركت بصمتها وحكايتها في كل من تركتهم خلفها، ما بين يمنى التي رأت الحدث كله أمامها من نافذة بدت وكأنها شاشة سينما تعرض أحدث مبالغ فيها، ولكنها للأسف كانت حقيقه، وما بين رضوى التي كانت تبحث عن أصلها في قصاصة ورق احتفظت بها لسنوات وحب لم يكن أبدًا حقيقي ولكن آلمه كان واقعي وحقيقي جدًا.
رواية تحكي عن الألم والجسد وربما صورة زائفة للحب، تحكي عن الظلم والقهر والأسرار، وعن أطفال ليس لها ذنب تأتي إلى هذا العالم وتترك به آلمها وترحل، كمرمر وطفلتها.
اقتباسات:
"تحول كل شيء عززي في حياتها إلى مجرد نص محتمل. الكتاب جميلة، لكنها مخيفة، ربما لأنها بشكل ما تحوّل الكاتب إلى آلة تسجيل وتفريغ للمشاعر. أو ربما هي في مرحلة خوف. ثمة بقع مظلمة في عقلها. تكتلات من الضغوطات التي تضعها على نفسها أملًا في أن تصبح كاتبة حقيقية. بقع مظلمة غزت عقلها والكتابة فعل إنارة، لكنها باتت تخاف الضوء وترغب في الاختبار، الانزواء داخل سجن صغير صنعته لنفسها."
"ثمة لحظات عابرة لا يمكن وصفها، ولا يمكن تفسير أهميتها، لحظات تتراكم لتكوّن ما يمكن أن نسميه فعلًا حياة."
"تلك اللحظة التي تتقدم في كل ثانية لتصبح ماضيًا، لن تعود أبدًا."
"كل هذه الروايات التي تكتبها والتي تقرأها- لم تمنحها ما تود فهمه عن حقيقه كونها شبحًا، لا يملك ما يعرفه كإنسان حقيقي."
"ليس ثمة غربة في الموت."
"ما الذي كسبته؟ هذا الشعور بالخفة بعد انتهائها من كتابة نص. من كتابة ولو 100 كلمة. هذا الشعور الإدماني بالخلق، بالقوة، وبالسيطرة على العالم. الكاتب مدمن وأناني. كل خسائره هي لا شيء أمام تلك اللحظة من الانتشاء، كل خسائر الحب والمال والوقت والراحة والسعادة وحتى الألم."
"موت شخص يعادل موت الجميع، مع كل شخص يموت، يموت جزء من الجميع."
"هل الموت واحد؟ أن تشهد موتًا يختلف عن موت خفي مثلًا؟ أن تشهد اختفاء شخص بين يديك، يجعلك تمس الموت فعلًا؟ لكن موت بعيد، مثل موت حبيب في غربة، أو في غرفة العمليات، أو أن تصل بعد انتهاء جنازة. يجعل الميت ليس ميتًا؟"
"ثمة لحظات تنتهي فيها حياتك لتبدأ من جديد. يختفي فيها الشخص الذي كنته، ويولد شخص آخر، مثل تلك اللحظة التي لم ترَ فيها الموت جيدًا، لكنها رأت كل ما يشير إليه."
"ستتذكر بالكتاب، وستنسى أيضًا بها، لان الأفكار المنحوتة على جدار جمجمتها، الذكريات، المعلومات، التواريخ والأسماء، تُنسى عندما تنتقل إلى الورق، عندما يقرأها الجميع، عندما تتحول إلى مشاع رخيص لا قيمة له. على الكتابة أن تمنحها اليوم الخلاص الذي تتمناه، من كل ما يثقلها ويجذبها إلى الأرض."
"سيصبح ماضيها مجرد مشاهد من أفلام لا تعلق في الذاكرة، وستحل محله مشاهد جديدة، تعيد فيها تكوين حياتها، وتعيد أيضًا الحياة لمن فقدوها."
"الكتابة هي الألم، لن تكتب أبدًا رواية سعيدة لأنها لا توجد. الروايات هي التساؤلات الكاشفة."
"ستتحول إلى امرأة مهشمة، لن تنفعها كل الكتب التي قرأتها وكل الكتب التي كتبتها لأن الكتابة صنعت منها بعد ذلك امرأة وحيدة."
عزيزتي نورا لها قدرة غريبة في انها تجعلني اشكرها على إلامي عن طريق كتابتها ، لاحساسي بالتعاطف الشديد اتجاه شخصياتها فاجد نفسي غير قادرة على الحكم بسطحية عليهم. الرواية اقل ما يقال عنها انها مبهرة
تعرف نورا كيف تكتب عن الألم ، كيف تنسج خيوط حكاياتها ، و ترسم شخصياتها لتعيش معها و تترك بك تلك الغصة و ذلك الوجع ، عن النساء و الحياة ، الأمومة و الحب ، و حتى عن مخاض الكتابة و تلك الحساسية الشديدة لدى الكاتب لكل مشاهد الحياة .
جاءت الرواية بفصول قصيرة تتنقل فيها ما بين شخصياتها ، بحبكة مناسبة ، لغة حانية ، مع كتابة معبرة ، و كلمات تتدفق كشلال تسحبك لعالم رضوى ، يمنى و مرمر ، لتحكي قصص تكمل بعضها ، و معاناة تكررت صورها .
ربما تتشابه تفاصيل الحكاية ، و قد يراها البعض معروفة و مكررة ، بل إن الكاتبة اتخذت من حادث حقيقي دافعًا لبدء الحكاية ، لكنها بالتأكيد تجردت من كل مخاوفها لتجعل إحدى بطلات روايتها كاتبة ، لتخلق حالة من الحيرة داخل عقل القارىء ، تُدخله عالم الكتابة و الكلمات ، عالم قد يتشابه بشكل كبير مع عالم نورا الإنسانة .
رُسمت الشخصيات بصورة جعلت من كل منها محركًا للأخرى ، لتكون الكاتبة أكثرهم توهجًا ، مرمر أكثرهم ألمًا ، أما يمنى فأكثرهم حيرة و رغم ما تحمله نفسها من صراعات إلا إنها لم تنجح في كسب تعاطفي .
ذكرتني الرواية كثيرًا برواية الجدار و التي كانت أول قراءاتي لنورا ناجي.
استعد فأنت أمام عمل إنساني إجتماعي ينقل الواقع بإحساس شديد و الكثير الكثير من الألم ، بمهارة كاتبة تمتلك أدواتها و تبرع في تطويعها ، و مازالت تحمل في جعبتها الكثير ... في انتظار عمل جديد ربما يحمل لنا الأمل هذه المرة حتى و إن كان العالم على أعتاب نهايته .
ستقرأ في هذه الروايه عن رضوي التي تكتب يمني التي تتذكر مرمر ثلاثه نساء تتداخل حكاياهم في بيت الجاز ومستشفي الجزام والمقبرة حيث الموت قابع في كل الأماكن والأشخاص والاحداث. ربما يكون الموضوع ليس مفضل لدي ولكن استطاعت نورا ناجي ان تنسجه ببراعه وتجذبني لاكمال الروايه. نورا ناجي قلم مميز يصيغ ويكتب باسلوب سلس وممتع ساردا وواصفا المشاعر والأحاسيس بصورة رائعه . اقتباسات/ أن الكتابة محض ألم.. مثل الحياه مجرد ألم مستمر تتخلله لحظات خفيفه من اللاشعور..أن الكتابه هي شعور دائم بالسقوط.
I know they buried her body with others Her sister and mother and five hundred families And will she remember me fifty years later I wished I could save her in some sort of time machine Know all your enemies We know who our enemies are Know all your enemies We know who our enemies are Goldaline my dear We will fold and freeze together Far away from here There is sun and spring and green forever But now we move to feel For ourselves inside some strangers stomach Place your body here Let your skin begin to blend itself with mine
حكاية قاسية. وكلمات حادة كالسكين تنغرس في القلب ببطئ على مدار الصفحات حتى تصل إلى النهاية منهكا بجروح غائرة مالهاش أول من آخر. أتمنى أن تندمل بسرعة عشان والله الواحد مش ناقص🫠