هرّبتْها أمُّها وإخوتَها في عتمة الفجر سرًّا من ظلم أبيهم فتفرّقوا في البلاد. بعد سنينَ، صوّب ملثّمون سلاحًا ظلاميًّا نحوها في شقّتها ببنزرت، فحقَّ هربٌ ثانٍ. إلى أين تهربين يا ناديا وممَّ تهربين؟ إلى فرنسا الحرّية؟ حسنًا.. هناك ستلتقين زوجَكِ – حبّكِ الأوحدَ وأملَكِ بالشفاء من الرعب. لكنّه أيضًا سيصوّبُ بندقيّته نحوك ممسوسًا بصدمةِ الحرب في أفغانستان! تدور هذه الرواية حول الاستيقاظ من الطفولة للهرب منها، وحول أحلام الرحيل الدائمة من الواقع المرّ، حول أثر علاقة الآباء بالأبناء وكيف تشكّلهم، عن الأقدار كيف تجمع الناس بأشباههم وكيف تفرّقهم، وعن بطلةٍ لا تصبح بطلةً سوى في الفصل الأخير من حياتها. وبين الإمارات حيث هاجرت ليندا وفرنسا حيث وصلت ناديا، قصص لا تنتهي عن حياتَيْهما المتناقضتَيْن.. تعرّج الرواية كذلك على الهجرة غير الشرعيّة وتاريخ المهاجرين إلى الغرب، على العنصريّة شرقًا وغربًا، اكتشاف الذات والآخر، وعلى النجاة من الماضي بحاضرٍ لا يخلو العطب..
مقدمة (كتابة نسائية) تعني الحديث عن (مظلومية المرأة) !!، لعنة أدبية لا تستطيع الغالبية الساحقة من الأقلام النسائية الإفلات منها، وهي تجنح بكتاباتهن أردن أم لم يردن، وتقلل من قيمتها الأدبية والفكرية لأنها في الأغلب الأعم تفقدها التوازن الفكري والشعوري، وهذا ما حدث مع روايتنا الحالية، وحدث مع كثير جدًا من الروايات قبلها وسيحدث مع كثير جدًا من الروايات بعدها ما لم تجد الأقلام النسائية وسيلة للإفلات من هذه اللعنة الأدبية. هذه الرواية بقلم كاتبة تونسية، تتحدث عن عائلة كانت تعيش في منطقة (راس أنجلة) في أقصى شمال تونس قرب (بنزرت)، وبسبب عنف الأب وسوء طباعه تفرقت العائلة في الدنيا، وجاءت الرواية لترصد شتاتها. يحسب للكاتبة التدفق السردي عمومًا، والقدرة على خلق شخصيات وأحداث، كما يحسب لها القدرة على الاسترسال في وصف الأماكن بمهارة.، ولكن يحسب عليها إغفالها لمناطق إجتماعية ودينية هامة في حياة شخوص الرواية كان يجب إطلاع القارئ عليها، وهذا واجب الكاتب، ومثل هذه المحاور الرئيسية لا تترك للإستنتاج.
مع الرواية الرواية تنقسم إلى أربعة أقسام متقاربة الحجم، جميعها تعتمد التقنية السردية للراوي المشارك، فالعائلة التي تعيش تحت قمع الزوج القاسي – الذي ليس له أي مزية ولا وجه إيجابي في حياته، كعادة الكتابات النسائية في تشويه الرجال - يتفلت منها أحد الأبناء فيحصل عملًا بعيدًا عن المنزل، ومنه يرسل بعض الأموال للأم التي تستطيع بواسطتها أن تدبر هروبًا جماعيًا من بيت الزوجية التعيس في (راس أنجلة) إلى بنزرت الميناء الشهير القريب، لكن الأسرة تكمل تفككها رغم ذلك، فالإبنة الكبرى (ناديا) – وهي الصوت الراوي للفصل الأول - تضيق بسلطة الأم أيضًا وتتجه لتحترف تعلم الطهي، ثم تلتقي بمصور محترف تعيش معه حياة لاهية شهوانية، فإذا بمجموعة من (المتطرفين) يهاجمون الشقة التي يلتقون فيها ويوسعونهما ضربًا، فتنتهز الفرصة وتطلب اللجوء السياسي لفرنسا، وهناك في (تولوز) تتعرف على الشاب الفرنسي (فيليب) جندي العلميات الخاصة فتقيم معه علاقة عاطفية وتنتقى لتسكن معه، ثم تتزوجه لاحقًا، ويعيشون حياة عارمة قبل أن ينتقل في إحدى مهامه إلى أفغانستان حيث يؤمر بتنفيذ جرائم حرب، غير أن الذي أثر فيه كثيرًا وفاة (ماثيو) صديق عمره إلى جواره، فحوله ذلك إلى رجل مضطرب نفسيًا تأتيه هلاوس ويضرب زوجته وابنه منها، فحياة ناديا هي حياة معاناة بين ذكر هو الأب القاسي الضارب لزوجته وأولاده، ثم العشيق الأول المتخاذل، ثم العشيق الثاني الزوج الضارب لزوجته. وفي الفصل الثاني ينتقل الصوت الراوي إلى (فيليب) ليتحدث عن معاناته في حرب ضد طالبان الأشباح، وكيف أنهم توقعوها نزهة ولم يتوقعوا أن يموتوا أو يصابوا، ويتحدث عن عُقَدِهِ مع أمه المنحلة متعددة العلاقات غير الشرعية، والتي أنجبته في واحدة منها مع عشيق تونسي أيضًا، ففيليب له أصول تونسية رغم أنه لا يجيد العربية، وهو مسيحي غير ممارس للشعائر ولا مهتم بالأديان، ويتحدث عن معاناته وقد أصبح عسكريًا متقاعدًا بعد أن لفظه الجيش بمجرد بدء معاناته مع المرض النفسي ولم يصبر عليه حتى يستكمل علاجه. وفي الفصل الثالث ننتقل لتغريبة أخرى مع (ليندا) أخت ناديا التي تحكي عن انتقالها إلى الإمارات لتعمل في محل كوافير نسائي في (الفجيرة)، وتسعى لتحقيق طموحاتها الجزئية في الحصول على فرصة للعمل في محل مماثل في (دبي) حيث الصخب والمولات المشتريات، سعيًا وراء طموحها الحقيقي وهو الإيقاع بأحد المواطنين أو المقيمين الأثرياء لتقيم معه علاقة علنية أو سرية تتدفق منها الأموال عليها، وتستطيع بواسطتها أن تلبس الذهب والمجوهرات، وأن يكون لها محل الكوافير الخاص بها، وقادها سعيها هذا لعلاقة غير شرعية مع طبيب قلب كاد أن يقتلها في إحدى نزواته في الفراش !. ثم نعود في الفصل الرابع مع ناديا التي تحدثنا عن أيام والدتها الأخيرة في الحياة بعد صراعها مع مرض السرطان، ورغبتها أن تدفن في راس أنجلة، وهو ما تحقق، ومنها يأخذنا الصوت الراوي لوصف منطقة راس أنجلة، حيث الغابات تطل على البحر، وحيث المرتفعات تشرف على المياه (ولم تذكر الكاتبة المعلومة الشهيرة التي يرددها التونسيون كثيرًا أن راس أنجلة هي أقصى نقطة شمالًا في أفريقيا وفي العالم العربي، توقعت أن تذكرها الكاتبة مرة وربما مرات ففاجأتني بتجاهلها) !.
إيجابيات الرواية: 1- الغلاف مناسب. 2- عنوان الرواية لافت للنظر. 3- هناك قدرة على خلق الأشخاص والأحداث. 4- ألقت الأضواء على عوالم بعيدة عن القارئ العربي، من وصف (تولوز) مرورًا بوصف (أفغانستان)، ووصولًا إلى وصف (راس أنجلة) و(بنزرت)، [وكان مما دفعني لإقتناء الرواية أنني زرت المنطقتين ].
سلبيات الرواية: 1- عدم معقولية بعض الأحداث الرئيسية. 2- إغفال جوانب إجتماعية ونفسية هامة، فمثلًا لا وجود للإسلام مطلقًا في الرواية !!، كأن تونس تعيش عصر الجاهلية، فالبطلة تعيش علاقات غير شرعية دون أي ذكر لرأيها في ذلك، ثم تتوج علاقتها مع مسيحي فرنسي بالزوا ج وهي مسلمة وتنجب جوزيف !، وفي هذه الرواية مفقودة العذرية من الجميع – عدا الأم - نجد أن الكاتبة اعتبرت إجراء الأم لكشف عذرية لإبنتها من أكبر مآسي الرواية، ومنذ تلك اللحظة كرهت الإبنة أمها، رغم أن الموقف الدرامي كان يقبل ذلك من مثل شخصية الأم المحافظة، إذ أن الإبنة ذهبت لبيت أحد الأشخاص فخلع ملابسه كاملة، ولم يذكر الحرام والحلال في الرواية مطلقًا إلى في تأكيد الأم لبناتها للمحافظة على بكارتهن، وقول ناديا لزوجها المسيحي عن رغبته في حرق جثمانه بعد وفاته أن ذلك حرام !!!. 3- رسالة الرواية ليست واضحة، وكذلك لا يوجد تصاعد للأحداث وعقدة ثم حل، مما يجعلها مجرد حكاوي مرسلة، تستعرض مظلوميات النساء المختلفة وخيباتهن في الحياة. 4- الوقوع في فخ المباشرة أحيانًا، مثل حوار مطول على مساحة ست صفحات عن علاقة فرنسا بالمهاجرين !.