على الشّاشة، رأينا بثًا مباشرًا لمدينة نائمة، بعمائرها ومآذنها، ونخيلها السّامق. السماء سوداء، حبلى بنجوم تسطع وتخبو بسرعة كالشّهب، القفر والوحشة منبسطان بضواحي العاصمة العراقية، كلّ شيء متأهّب لهجمة الكابوس العابر لآلاف الأميال”
مصحّة نفسية، ومجموعة من المرضى تنسج الصداقة وشائجها بينهم. لكلٍّ منهم حكايته التي أتت به للمصحّة، بعضها تتسم بالطرافة، وأخرى مثخنة بالمعاناة. لكن في النهاية يتحتّم عليهم تنحية مخاوفهم والتغلّب عليها، بعد سريان أقاويل بين أروقة المصحّة حول اختفاء المرضى من العنبر ليلا. تضيق بهم حلقة الخوف، ويصيروا مجبرين على مجابهة الشرّ المنسلّ من العالم الخارجي إلى داخل المصحّة.
باهر بدوي فنان تشكيلي ورسام كوميكس وروائي وقاص، مصري مواليد ١٩٨١. حاصل على شهادة ال آي جي سي إس إي البرطانية سنة ١٩٩٩ و تخرج من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري قسم إدارة الأعمال عام ٢٠٠٣.
بعد تخرجه، عمل رسامًا لقصص الأطفال والمجلات المصورة وتقدم للعديد من المجلات والصحف كصحيفتي الدستور واللأسبوع. في ٢٠٠٥ ، عمل بشركة عائلته، حتى تركها عام ٢٠١٠ واتجه لتدريس اللغة الإنجليزية بإحدى المراكز الدولية حيث أُرسل للتدريس بجامعة عين شمس ضمن مشروع برعاية وزارة الاتصالات. عاد إلى العمل بشركته عام ٢٠١١غير أنه كان قد قرر تحقيق حلم طفولته و بدأ في احتراف الرسم جدِيًا، أخرج عدداً من لوحات الفن الحديث، اتسمت بروحٍ خاصة ومميزة ركَّز فيها على حدة انفعالات ملامح مواضيع بورتريهاته. شارك بمعرض للفن التشكيلي في يوليو ٢٠١٨ بمعهد جوته الألماني. نشر مجموعته القصصية (أحلام سجينة الجسد) عام ٢٠١٥ وبعد طول انقطاع، عاد عام ٢٠١٩ ليشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بروايته الأولى (سِفْر المغيب).
بالرغم من بعض الألفاظ اللي ضايقتني شوية وبعض المشاهد الخادشة - احقاقا للحق لم تكن مبتذلة وكان لها دور في البنية- ولكن كمجمل رواية جميلة جدا جدا ، تفاعلت وحبيت وكرهت و اتوترت واتحمست، وتعاطفت جدا جدا مع الأبطال، وفي الحقيقة الرواية حاكت خوف يمكن كان عندي في فترة وانا مكنتش عارف إنه موجود، يمكن عشان كدة اتعلقت بالرواية وشخصياتها جدا شكرا باهر بدوي ❤️
"ساذج ومطيع!" في لحظةٍ ما، أثناء مشاهدة التلفاز، يراود بطل العمل هاجسٌ مفزع؛ أنه مراقَب، بسبب جملة قالها له أبوه تَوًّا. وفيما يشبه لحظات كسر الجدار الرابع في السينما، حين يتحدث الممثل إلى المتفرجين، كرّر إستفان روستي العبارة نفسها.. ليبدأ عقل البطل في التداعي، ويقع في هوة الشك والارتياب، مع استمرار شخصيات الأفلام والمسرحيات في التلاسن عليه، حتى يفقد عقله ويُزجّ به في مصحة نفسية. وهناك، مثلما عرّج دانتي على ممالك الآخرة، يعرّج بطلنا على عالم الجنون، عالمٍ كُتب على بوابته هو الآخر، وإنما بشكلٍ ضمني: "أيًّا طارقي باب جحيمي، ادرؤوا عنكم كل أمل."
______
"الناس مراوح!" يصدح بها أحد نزلاء المصحة، وتبدو للوهلة الأولى كمزحة لا يُراد بها سوى التفكّه، ناتجة عن سوء فهم للآية الكريمة: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" وfan تعني مروحة. غير أنها، مع توالي الأحداث، يتبيّن أن لها دلالةً، يؤكدها مثلًا العم عيسى مرارًا، كلما وصف النزلاء بالتروس، ويتضح أن الناس فعلًا مراوح وتروس يفترض بها أن تدور وتدور كعرائس الماريونيت، في الآلة الضخمة، وكل ترسٍ شاذ يأبى الخنوع والانصياع ينكسر و يُلقى به في غيابة النسيان. في المصحة، نرى كافة صنوف المنبوذين، ممن أعياهم الواقع ولفظهم عالمهم، وربما يتشابهون معنا ويتلاقون بشكلٍ أو بآخر، كما لو كانوا محض تمثُّلٍ للخرافات والمخاوف والأوهام والعُصاب في العقل العربي الجمعي؛ مثل هاني نوفا الجبان الذي لا يهتم إلا بمظهره، والشاذلي الواعظ الفارغ، وأبو الركب بنزعته الغنوصية الطاغية لدرجة تقديس كلبة، وكريم الريّس المهووس بكرة القدم والغارق في أحلامه الضائعة، ومصطفى رزة والبارانويا ونظريات المؤامرة، الذي زرع له طبيبه أجهزة تجسس في ضروسه، وصابر أبو لبن، اللابدّ في الحائط كمخلّصٍ منتظر. يحيطهم زبانيةٌ داعرون، يعملون على إجهاض أحلامهم ومخططاتهم، وتثبيط عزائمهم، والحرص على جعل حيواتهم جحيمًا.
______
"الدول العظمى حين تفرغ من مصمصة نخاعنا، ستبحث عن وسيلة لتسيير الكون بدلًا من الله." على الطريقة الأورويلية، يطلّ علينا جورج بوش – الشبيه بالنسناس على حد وصف البطل – من شاشة التلفاز كإلهٍ عالمي، يهدد هذا ويتوعد ذاك، وينذر بهلاك كل من يجرؤ على معارضته. تدور أحداث الرواية في زمن الغزو الأمريكي للعراق، وهو اختيارٌ – في رأيي – لم يأتِ اعتباطًا، بل له رمزية تُضفي على كل الأحداث معنًى، وتربط كل ذلك العبث بخيطٍ ناظم؛ إذ تضعنا، كما وضعت شخوص العمل، في موضع الشاهد على مصير كل رأسٍ أينعت، أو برج خال له مناطحة السحب، أو تحدي الدول العظمى؛ آلهة العالم الجديد. وتُرسِّخ – عبر مشهد المدينة المستعرة بالنيران – شعور العجز والانكسار فينا، وتتركنا في حالة بلبلةٍ بعد دمار بابل. وعلى أطلال المدينة المحترقة، ومشاعر الانهزام التي خلّفتها في نفسه، يقرر البطل – الذي آثر إنكار اسمه، وكأنه أراد الإبقاء على عمومية حالته الوجودية – متسلحًا بالفن، أن يخلق مُخلِّصًا منتظرًا، يصنعه على صورة شخصية مثالية، ليقوده هو وزملاؤه في عالمهم السافل ويحررهم – كتعويذة ريديكولس من فيلم هاري بوتر – من مخاوفهم وأوهامهم.
______
المدهش في العمل هو طريقة تعامل باهر بدوي مع اللغة؛ صوره البلاغية وتراكيبه اللغوية، وكيف نمنم الفصحى بالمفردات العامية، فخرجت المشاهد شديدة الواقعية والسوريالية في آنٍ واحد. وشخوصه حين يصفها، يستحيل قلمه إلى فرشاة، واللغة إلى ألوانٍ زاهية، فتخرج بورتريهات كاريكاتورية، لكلٍّ منها أقنومٌ طاغٍ شديد الفرادة والأصالة. لعل هذا البورتريه الأدبي هو صرخةٌ فنية، دعوةٌ إلى الصحو، والتكاتف معًا بعد بلبلتنا وتيهنا، محاولةٌ لتخليق مُخلِّص بدلًا من انتظاره، مُخلِّص ربما لن يأتي أبدًا طالما ننتظره. ساعتها، ربما، سيتبين لنا أن البعبع محض وهمٍ يتعيّش على مخاوفنا.
اسم الكاتب/باهر بدوي اسم الروايه/بورتريه ابو العلاء البشري دار النشر/ الرواق للنشر والتوزيع عدد الصفحات/ ١٨٣ القراءة الكتروني/ ابجد التصنيف/ اجتماعي نفسي التقييم/⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐
---
🦋نبذة عن الرواية:
تدور فكرتها الأساسية حول بطل الرواية الذي يحاول رسم بورتريه نفسي وروحي لوالده، لكنه يصطدم بصراعات داخلية عميقة بين الصورة المثالية التي رسمها الأب في مخيلته، وبين الحقيقة الإنسانية بكل تناقضاتها. الرواية تسير على خيط رفيع بين الحكي عن الطفولة والعائلة والهوية و الخذلان
---
🦋اللغة والسرد:
اللغة: الكاتب يستخدم لغة عامية لكنها مشحونة بالعاطفة الحميمية، مع بعض العبارات المكثفة التي لا تثقل النص بل تضيف له .
السرد: يعتمد على السرد ، مما يجعل القارئ قريبًا جدًا من مشاعر البطل وأفكاره. تنتقل الرواية بين محطات زمنية مختلفة (الطفولة، النضج، لحظات فارقة)، "الفلاش باك".
---
🦋الأفكار الرئيسية:
كيف يرى الإنسان أباه: ملاك، بطلا، ثم يكتشف هشاشته.
صراع الهوية بين ما نراه عن آبائنا وما نختاره لأنفسنا.
التسامح مع العيوب الإنسانية ومفهوم الغفران.
أثر التربية والطفولة في تشكيل شخصية الفرد.
فكرة الإرث النفسي والاجتماعي الذي نحمله دون أن نشعر.
---
🦋الشخصيات:
البطل: شاب يعيش صراع داخلي بين حبه الكبير لعائلته صدمته بكونه إنسانا غير كامل.
الأب (محور الرواية): رجل يبدو مثاليا في أعين ابنه، لكن مع تقدم الأحداث تتكشف جوانب من ضعفه أخطائه.
الأم: شخصية مساندة، تلعب دورها مهم في بناء الجو العائلي ولكن حضورها محدود مقارنة بالأب.
شخصيات فرعية أخرى: مثل الأصدقاء وبعض الأقارب، تظهر لإبراز تطور البطل ولتقديم زوايا أخرى عن علاقته مع والده.
---
🦋نقاط القوة:
العمق النفسي: معالجة دقيقة ومؤثرة للعلاقة بين الأب والابن.
اللغة : نص مشحون بالعاطفة
السرد المتقن: الانتقال بين الأزمنة سلس
طرح الأسئلة الإنسانية : عن الغفران والحب و الخذلان دون تقديم إجابات
---
🦋وجهة نظر قارئ:
كقارئ، تشعر أن الرواية تفتح لك مساحة شخصية شديدة الخصوصية، حتى أنك قد تجد نفسك تضحك بلا وعي أثناء القراءة. فـ"السرايا الصفراء" تصور مجتمعنا يبدو عاقل مجنون، يصرخ في وجه عالم قاسٍ مزيف. الرواية واقعية إلى حد الألم، بشرية مصابة ب الهذيان لكنها ترفض الاعتراف بذلك، وترى في نفسها المعيار الوحيد للصواب. السرد مضاعف الواقعية، والمصطلحات المستخدمة عامية جريئة قريبة من حياتنا الساخرة، مما يجعلها أقرب إلى كوميديا سوداء. كل الشخصيات التي تدور في فلك "الجنون" بطريقة فلسفية بدت لي أكثر عقلانية مما نحن عليه في واقعنا، كأن الجنون الحقيقي يسكن في عالمنا نحن، لا في عالمهم. ---
#قارئة_متمردة #ريفيوهات_علي_قد_المقام
This entire review has been hidden because of spoilers.
"من لا يملك شيئًا لن يخسر شيئًا بسقوطه. وأنا لا أملك سوى لحظاتي هذه"
رواية بورتريه لابي العلا البشري للكاتب باهر بدوي عن دار الرواق للنشر والتوزيع.
هل جربت يومًا قراءة يوميات شخص مضطرب عقليًا في مصحة نفسية ولكن للعلم هي ليست مصحة نفسية عادية، فكل ما فيها أكثر اضطرابًا من النزلاء أنفسهم تقرأ وأنت لا تعرف إن كان ما أمامك حقيقة أم خيال!. مريض يضحك قرب الجدار وآخر يبكي على سيناريوهات مجهولة لا يعرفها سواه، تختفي شخصيات وتظهر أخرى في مشاهد عبثية وغريبة، أطباء يدونون ملاحظات لا يقرؤها أحد ففي الليل تُغلق الأبواب على فراغ الوحدة والألم، وفي الصباح يُفتح الفراغ على أسماء جديدة أكثر جنوناً فكل شيء يحدث ولا يحدث!.. الناس مراوح والحياة مصحة نفسية، والنزلاء مجموعة من المرضى بأسماء غريبة، والممرضون يشبهون حراس أبواب السجن العسكري وتلفاز ي��رثر على البطل الذي اسمه ليس زهران وكأنه يراقب أفكاره هلاوس من الشاشة ومجازيب يتفاعلون مع مع احوال البلاد وحرب العراق وسقوط بغداد، فتكون المصحة جزء من الواقع الخارجي
يثور سكان المصحة على النظام الحاكم فيها، ويعرضون مسرحية لأهاليهم تكشف الفساد الذي يدور خلف جدرانها من اختفاء زملائهم المفاجئ وعهر الممرضين وفساد وسرقة الدكاترة لحق النزلاء وتعرضهم للجوع والتعنيف، لكن السؤال هنا هل ما نراه على لسان هؤلاء المجانين حقيقة، أم أنه من وحي خيال الأستاذ صابر أبو اللبن الذي يكلم أمين سنقر خلف الجدار؟
حكاية سريالية عبثية مكتملة الأركان، لا تعرف فيها أين ينتهي الواقع وأين يبدأ الخيال، وربما هو واقع نعيشه نحن في جدران أخرى لا ننتبه لها وربما لا نعرف عنه شيء، أجاد الكاتب رسم التفاصيل بعبثية تليق بالأحداث، وبلاغة تسير على نفس الإيقاع المجنون، وشخصيات مكتوبة بإتقان وبراعة في رسم ملامحها وإيصال جنونها للقارئ. الإيقاع في الرواية متوازن لا يترك مساحة للملل رغم تعقيد الأفكار والموضوعات المطروحة بعبثية تليق بالحياة النهاية تركتني معلقة بين ما حدث حقيقي وما لم يحدث من الاساس كأن القصة لم تنته بل بدأت للتو، استمتعت بصحبة العمل قرأته على مهل وفي نفس الوقت بشغف فلم أرغب أن تنتهي الحكاية ولا أن أؤجل قراءتها، أنهيت الرواية وظللت أنظر حولي قليلًا أتفقد الجدران، وأنتبه أن التلفاز ما زال يثرثر في الخلفية، وكأنني لم أغادر المصحة أصلًا، وأدركت ان الجنون أقرب إلى واقعنا أكثر مما نتصور..