نحن في أشد الحاجة إلى قائد وطني مُنجِز يبني الديمقراطية ويُرسّخ حقوق الإنسان ويحكم بالعدل ويرفع مستوى معيشة الشعب. ولعل ما يستدعي الرصد والترقب في الفترة المقبلة هو رؤية السيسي لقضايا رئيسية لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، وإزالة آثار عامٍ من الحكم الإخواني الفاشل، وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور، مثل آليات مكافحة الفساد وتطهير أجهزة الدولة، ومنع العودة إلى مثالب عهد مبارك ورموزه المرفوضة شعبيـًا، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن، وتوفير العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وترسيخ مفاهيم الديمقراطية، وتحديد دور المؤسسة العسكرية ومنع التداخل بينها وبين مؤسسات الحُكم والأنشطة الاقتصادية المختلفة. من هنا، يبدو الاختبار دقيقـًا وحاسمـًا؛ إذ على السيسي أن يُنحي جانبـًا زي المشير وذهنيته بعد أن قرر خوض الحياة المدنية والترشح للرئاسة، وأن يمنع الفلول وطبقة رجال الأعمال وشبكات المصالح وبعض القوى والتيارات السياسية من خصخصته، وأن يعمل على تأكيد مبدأ مهم مفاده أن الشعب هو الدولة، وأن الديمقراطية بأعمدتها وأسسها الثابتة التي تشمل، ضمن ما تشمل، الشفافية والرقابة والمحاسبة - هي سلاحه، وهي الضامن لمنع انهيار الدولة.
ياسر ثابت، صحفي مصري، من مواليد ألمانيا عام 1964. حاصل على درجة الدكتوراه في الصحافة عام 2000. تتضمن قائمة مؤلفاته: أولًا: إصدارات باللغة العربية: «حياة جميلة مرت بجانبنا» (دار زين، القاهرة 2024) «سينما النهايات الخالدة» (دار اكتب، القاهرة 2024) «برتقال وأشواك: أدب برائحة البارود» (دار المحرر، القاهرة 2024) «سينما القلوب الوحيدة» (دار المحرر، القاهرة 2024) «سلاطين النغم: من الموشحات إلى الموسيقى التصويرية» (دار اكتب، القاهرة 2024) «عصر المدرجات» (دار اكتب، القاهرة 2024) «دليل مصور للملائكة» (دار المحرر، القاهرة 2024) «كشوف الخالدين» (دار اكتب، القاهرة 2024) «أفضل شركائي في الجريمة» (دار زين، القاهرة 2024) «صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير» (دار المحرر، القاهرة 2023) «تاريخ الغناء الشعبي: من الموال إلى الراب» (دار دوِّن، القاهرة 2023) «تاريخ اليهود في مصر والعالم العربي: سنوات الظل والغموض» (دار دوِّن، القاهرة 2023) «مصر المدهشة» (منشورات إبييدي، القاهرة 2023) «سيرة الغبار» (دار زين، القاهرة 2023) «10 قبلات منسيّة» (دار زين، القاهرة 2023) «مشوار الخلود: سيرة محمد صلاح» (دار اكتب، القاهرة 2023) «جنرالات كرة القدم: من مارادونا إلى هالاند» (دار اكتب، القاهرة 2023) «جامعُ الشهوات» (دار زين، القاهرة 2022) «سقف العالم» (دار زين، القاهرة 2022) «كلَّ يومٍ شوق» (دار ميريت، القاهرة 2021) «الموسيقى العارية: أساطير في مملكة الغناء» (دار زين، القاهرة 2021) «طقوس الجنون» (منشورات إبييدي، القاهرة 2021) «مقامات الروح: دليل إلى الأغنية العربية» (دار خطوط وظلال، عمان 2021) «حكمة السيقان» (منشورات إبييدي، القاهرة 2020) «الرومانسيون» (دار زين، القاهرة 2020) «عادات الحب السيئة» (دار اكتب، القاهرة 2020) «صراع تحت القبة» (دار زين، القاهرة 2020) «خدوش إضافية» (دار زين، القاهرة 2020) «إثم قديم» (دار الأدهم، القاهرة 2019) «سعال وطني» (دار الأدهم، القاهرة 2019) «ولع» (دار الأدهم، القاهرة 2019) «الحرب في منزل طه حسين» (دار زين، القاهرة 2019) «عشاق وشياطين: التاريخ الممنوع للسينما» (دار اكتب، القاهرة 2019) «أبناء البكاء» (دار زين، القاهرة 2019) «الأهداف لا تعتذر» (دار اكتب، القاهرة 2019) «مراعي الذئاب» (دار زين، القاهرة 2018) «يطل الخجل من حقيبتها» (دار زين، القاهرة 2018) «موسوعة كأس العالم: من أوروغواي 1930 إلى روسيا 2018» (دار كنوز، القاهرة 2018) (طبعة ثانية، دار دوِّن، القاهرة 2022) «الملك والفرسان الثلاثة: عرب روسيا 2018» (دار كنوز، القاهرة 2018) «قبل الذروة بقليل» (دار زين، القاهرة 2018) «قانون رأس السمكة: أمة في خطر» (دار دلتا، القاهرة 2018) «لصوص وأوطان» (مركز الحضارة العربية، القاهرة 2018) «فاسدون والله أعلم» (دار دلتا، القاهرة 2017) «الوزير في الثلاجة: كواليس صناعة وانهيار الحكومات في مصر» (دار دلتا، القاهرة 2017) «أهل الضحك والعذاب» (دار اكتب، القاهرة 2017) «سيرة اللذة والجنس في مصر» (دار اكتب، القاهرة 2017) «موسوعة حصاد الأولمبياد: الدورات الأولمبية في 120 سنة» (دار كنوز، القاهرة 2016) «باشوات وأوباش: التاريخ السري للفساد» (مركز الحضارة العربية، القاهرة 2016) «خنجر في المرآة: نصوص ووجوه منسيـّة» (دار اكتب، القاهرة 2016) «جمرتان: تمارين على النسيان» (دار اكتب، القاهرة 2016) «الموت على الطريقة المصرية» (دار اكتب، القاهرة 2016) «حرائق التفكير والتكفير: شخصيات وصدمات» (دار اكتب، القاهرة 2016) «العصا والمطرقة: صراع السلطة والقضاء» (دار اكتب، القاهرة 2015) «صديق الرئيس: حكام مصر السريون» (دار اكتب، القاهرة 2015) «دين مصر: أمراء الدم والفيديو» (دار اكتب، القاهرة 2015) «وطن محلك سر» (دار اكتب، القاهرة 2015) «المتلاعبون بالعقول: سقطات الإعلام في مصر» (دار اكتب، القاهرة 2015) «حروب الهوانم» (دار اكتب، القاهرة 2015) «مصر قبل المونتاج» (دار دلتا، القاهرة 2015) «حكام مصر من الملكية إلى السيسي» (دار الحياة، القاهرة 2014) «غرفة خلع الملابس: وجوه وقياسات» (دار اكتب، القاهرة 2014) «أجمل القتلة» (دار اكتب، القاهرة 2014) «ذنب» (دار اكتب، القاهرة 2014) «الصراع على مصر: ذئاب مبارك والعهد الجديد» (دار كنوز، القاهرة 2014) «أيامنا المنسيّة» (منشورات ضفاف، بيروت/منشورات الاختلاف، الجزائر 2014) «تحت معطف الغرام» (دار اكتب، القاهرة 2014) «مراودة» (دار اكتب، القاهرة 2014) «زمن العائلة: صفقات المال والإخوان والسلطة» (دار ميريت، القاهرة 2014) «صناعة الطاغية: سقوط النخب وبذور الاستبداد» (دار اكتب، القاهرة 2013) «رئيس الفرص الضائعة: مرسي بين مصر والجماعة» (دار اكتب، القاهرة 2
قال البروفيسور الأمريكي المشرف على رسالة السيسي إبان دراسته في بنسلفانيا في الولايات المتحدة أنه ذكي و مجتهد و لسانه طلق في الحديث بالإنجليزية، بعدها بساعات وبالصدفة البحتة ( و أنا أتناول غدائي منذ يومين )، شاهدت دقيقتيْن من لقاء تليفزيوني للسيسي مع التليفزيون الإثيوبي، وجدتُه يتحدث بالعربية! و إثيوبيا تتحدث بالإنجليزية، لماذا لم يتحدث باللغة التي أشاد أستاذه بطلاقته فيها ؟!
الحقيقة أني آخر من يتحدث عن السياسة لأني عزفت عنها من فترة ليست بالقصيرة، بالتحديد عندما شاهدت خطابًا لمرسي أمام قصر الاتحادية مخاطبًا جموع الإخوان بنداء" أيها الشعب المصري العظيم"، و يكأن من ذهب من الشعب في ذات اللحظة لميدان التحرير ليس من شعبه العظيم، ساعتها أيقنتُ أن عمري قصير على متابعة ترّهات السياسة و السمع لأحاديث لا طائل من ورائها و لا متعة إلا إراحة الأعصاب و تنفيث الغضب ببعض السب و القذف في كل ما لا يعجبك! بعدها حصل الانقلاب أو الموجة الثانية من ثورة يناير أو تنفيذ مطالب الشعب(اختر ما شئت حسب هواك)، و وضحت صحة نظري أنّي كفرد و أن الشعب كله ليس له أي دور إلا بالتغنّي بروعة القائد العظيم"السيسي" الذي نجى البلاد و العباد من وباء الإخوان، و وجدنا أنفسنا نرقص رغمًا عنا على أنغام"تسلم الأيادي"!
الكتاب كتب و نشر في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2014(أنا آسف إني قلت عليها انتخابات) يحلل ما فعله السيسي، يحلل نظراته و أقواله و تاريخه، و آراء الساسة و النقاد فيه، و ما أوصلنا إلى هذا الوضع، و كيف تتقدم مصر في عهد السيسي، و أن أشد أعدائه هم من ينافقونه! الحقيقة أني لستُ مهتمًا بكل هذا، برأيي ما بُنيَ على باطل فهو باطل و باطلنا يدوم طويلًا لأن نفوسنا عامرة بخبث لا يزول!
عرض وافٍ لمضمون الكتاب في جريدة الوفد: الصراع على مصر..السيسي وقائمة التحديات
بوابة الوفد - خاص : الثلاثاء , 08 يوليو 2014 00:16
يقدم كتاب "الصراع على مصر: ذئاب مبارك والعهد الجديد" للكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت رؤية تحليلية لشخصية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ ظهوره على الساحة في أعقاب توليه منصب مدير المخابرات الحربية، مرورًا بالأدوار المختلفة التي لعبها سواء ضمن المجلس العسكري الذي أدار شؤون الحكم في مصر عقب تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحُكم، أو خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع، وانتهاء بتحركه عقب مظاهرات 30 يونيو لإنهاء تجربة الإخوان المسلمين في الحُكم وعزل الرئيس محمد مرسي، وصولاً إلى انتخاب السيسي رئيسـًا لمصر. في هذه الرحلة، يركز المؤلف في كتابه الصادر عن دار "كنوز" في القاهرة، على تقديم شخصية السيسي بهدوء وعقلانية، بعيدًا عن موجة المبالغات سواء في المديح أو الذم، والتي يرى د. ياسر ثابت أنها ناجمة في الأساس عن مواقف سابقة التجهيز وتعبر عن انتماءات أيديولوجية تؤثر في نظرة كل طرف لشخصية السيسي. يقول المؤلف إنه قبل عام 2011، لم يكن هذا الرجل معروفـًا لدى المصريين. غير أنه منذ ذلك الوقت ركب عبدالفتاح السيسي موجة من الحماسة الشعبية حملته إلى منصب الرئاسة، في حين بات كثيرون ينظرون إليه على أنه المنقذ والشخصية القوية الوحيدة القادرة على قيادة البلاد. في عهد حُكم الإخوان المسلمين، جرت مياه كثيرة في النهر وتراكمت على شواطئه مجموعة من الخطايا والأخطاء في دائرة القرار، كان أخطرها أننا أمام رئيس لا يسمع ولا يقدر ولا يحسب نتائج الأشياء، وكانت النتيجة نصائح من السيسي وقادة الجيش انتقلت إلى دائرة التوجيهات ثم التحذيرات من العواقب، قبل أن يفرض منطق الأمور نفسه في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها بسبب ممارسات الرئيس محمد مرسي ومن يقفون وراءه. بالسيسي أو من دونه، فإن التدخل كان اضطراريـًا ويُحسب له أنه تحمل مسؤولية إنقاذ البلد لمنع احتراب أهلي يفضي إلى أن تكون المؤسسة العسكرية جزءًا من الفوضى وطرفـًا فيها لا مدخلاً إلى مستقبل يحفظ البلد ويصونها. وسط ضباب الفراغ السياسي، وانقسام القوى المجتمعية والسياسية، تقدم السيسي إلى مهمة رئاسة دولةٍ مستنزفةٍ اقتصاديـًا وأمنيـًا، التخبط الإداري ضارب فيها، والفساد الممنهج استشرى في بنيتها، والتبعية الطويلة تضع حدودًا على حرية حركتها في محيطها. وإذا كان السيسي ومن معه يؤكدون أنه لا يملك عصا موسى، لا هو أو غيره، للانتقال فجأة من حال إلى حال بقفزات في الفضاء السياسي فوق الملفات الملغمة، فإن الملابسات التي أحاطت بصعوده السريع إلى السلطة وقراره خوض انتخابات الرئاسة، بدت مدعاة للتأمل والتحليل، خاصة أنها تلتقي في كثير من النقاط مع مصير وطن بحجم مصر. وإذا كان هناك من يروج لفكرة القيادة السياسية المحمولة على أكتاف الضرورات والقوى القاهرة والأحوال المتردية في مصر، وما حولها، فإن علينا ألا نغفل عن حقيقة حاجتنا أكثر من أي وقت مضى إلى قيادة تعي حدود دورها وتدرك حجم مصر، وتعمل على ترسيخ مفاهيم الديمقراطية ومبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن الحرص على تفادي الوقوع في أخطاء قيادات سابقة أوصلت مصر إلى ما نحن عليه الآن. بدت مصر أمام تحدٍّ كبير، عنوانه الأبرز: استعادة المحروسة ذاتها وروحها ودورها وقدرتها على الإنجاز. ويتصور المؤلف أن ما دخلت مصر فيه عقب تنصيب الرئيس الجديد هو بداية لمرحلة جديدة من مراحل التدافع الجيلي، وبالحسابات الكمية والنوعية فإن المستقبل وأوراق الفوز متوافرة لدى أجيال الشباب أكثر من أي طرف آخر، بشرط أن تُحسن استخدامها وتتعلم من تجاربها السابقة. وإذا كانت الشرائح العمرية الأصغر سنـًا سجلت نوعـًا من الاعتراض والتحفظ على مجريات الأمور خلال عملية الاقتراع في انتخابات الرئاسة، فإن هذا، إلى جانب ضعف الإقبال على التصويت بشكل عام، من الأمور التي تقدم درسـًا مجانيـًا ومهمـًا للقيادة السياسية الجديدة في مصر. في المقابل، لا يمكن التنبؤ بالمسار الذي ستمضي فيه ملحمة عبدالفتاح السيسي وأثر التغيرات الأخيرة على ذلك المسار، وإن كان سيسعى لتحقيق نبوءته ومصيره كما تقتضي قواعد الملحمة الشعبية. ورغم بروز تحفظات واعتراضات واضحة على تولي رجل ذي خلفية عسكرية أو غير متحمس للديمقراطية والحريات العامة بسبب دقة الظروف الأمنية، فإنه، في كل الأحوال، سيظل السيسي في نظر كثيرين، وعلى المدى المنظور على الأقل، بطلاً مُخلِّصـًا انتظرته المخيلة الشعبية منذ زمن. غير أن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن مصر في أشد الحاجة إلى قائد وطني مُنجِز، يبني الديمقراطية ويُرسِّخ حقوق الإنسان ويحكم بالعدل ويرفع مستوى معيشة الشعب. صحيحٌ أن استعادة الدولة هدفٌ محمود ومطلبٌ رئيسي من غالبية المصريين اليوم، إلا أن تحقيق السيطرة لا يصلح عنوانـًا لرؤية متكاملة. نحن بحاجة إلى رؤية مستقبلية متكاملة للإصلاح والتنمية، وتعهدات واضحة بضمان الحريات العامة، وتطبيق معايير العدالة الانتقالية المتعارف عليها دوليـًا. ولعل ما يستدعي الرصد والترقب في الفترة المقبلة هو رؤية السيسي لقضايا رئيسية لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، وإزالة آثار عامٍ من الحُكم الإخواني الفاشل، وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور، مثل آليات مكافحة الفساد وتطهير أجهزة الدولة، ومنع العودة إلى مثالب عهد مبارك ورموزه المرفوضة شعبيـًا، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن، وتوفير العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل، وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وترسيخ مفاهيم الديمقراطية، وتحديد دور المؤسسة العسكرية ومنع التداخل بينها وبين مؤسسات الحُكم والأنشطة الاقتصادية المختلفة. من هنا، يبدو الاختبار دقيقـًا وحاسمـًا؛ إذ على السيسي أن يُنحّي جانبـًا زي المشير وذهنيته بعد أن قرر خوض الحياة المدنية وتقلد منصب الرئاسة، وأن يمنع الفلول وطبقة رجال الأعمال وشبكات المصالح وبعض القوى والتيارات السياسية من "خصخصته"، وأن يعمل على تأكيد مبدأ مهم مفاده أن الشعب هو الدولة، وأن الديمقراطية بأعمدتها وأسسها الثابتة - التي تشمل، ضمن ما تشمل، الشفافية والرقابة والمحاسبة- هي سلاحه، وهي الضامن لمنع انهيار الدولة. ويقول د. ثابت إنه منذ صيف 2013، لا يكاد حوار مصري في المجالس الخاصة والنقاشات العامة، على مواقع الإنترنت أو شاشات التليفزيون، أو حتى على صفحات الصحف، يخلو من اسم واحد: السيسي. الرجل الذي يتكلم قليلاً، تحدث عنه الجميع كثيرًا. على مائدة الحوار، حضرت سيرة الرجل الذي انتقل من رتبة فريق إلى فريق أول ثم مشير خلال 18 شهرًا، قبل أن يستقر به الأمر رئيسـًا لمصر. حكاية عبدالفتاح السيسي ودوره كلاعب رئيسي في رسم معالم ومصير مصر بعد قرارات 3 يوليو 2013، كانت الشغل الشاغل للمصريين وغيرهم. الصعود السريع للمشير عبدالفتاح السيسي، من رجل عسكري بيروقراطي غامض إلى محبوب وطني، يعكس المزاج الشعبي العام في مصر بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية المستمرة، حيث بدا قطاعٌ عريض من المصريين ميالاً إلى تحقيق الاستقرار عن طريق حُكم رجل قوي، يضمن تماسك الدولة والمجتمع والوطن والخبز والأمن، حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، بدعوى أنها قضايا قابلة للتأجيل إلى أن تتحسن أوضاع الدولة والمجتمع. ظهر السيسي في قلب المشهد في توقيتٍ كان الشارع المصري فيه يشهد حالة تسييس لم يسبق لها مثيل في تاريخه، لكنه تعبير عن قلق وخوف على المستقبل لا عن رؤى وبرامج. كانت الدولة المصرية قد وصلت في تلك الفترة العصيبة إلى منزلق تاريخي يهدد بسقوطها. القلق المسيس لا يملأ فراغـًا ترتب على تصدع متزامن بطريقتين متناقضتين للتيارين الإسلامي والمدني، الأول بصدام مع مجتمعه حملت بعض أطرافه السلاح، والثاني بعجز فادح عن قراءة الخرائط السياسية المتحولة. زكى الرهان الشعبي عليه أنه بدا رجلاً قويـًا لديه ولاءات ممتدة من المؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة الأمن السيادية (المخابرات العامة والأمن الوطني) إلى الجهاز البيروقراطي للدولة بمعناه التقليدي. زكى الرهان ذاته حالة الفراغ السياسي التي ترتبت على تصدع متزامن لجماعة الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ التي عارضتها، فالأولى تصادمت مع مجتمعها وتورطت في عمليات عنف بمواجهة مواطنيها وفقدت أهليتها السياسية لفترات قد تطول.. والثانية أصابها ارتباكٌ فادح في قراءة المشهد السياسي الجديد وجدوى حضورها على مسارحه وبدت كجسد تفككت أوصاله قبل أن يبدأ حركته الحقيقية في خوض الانتخابات النيابية بهدف تشكيل ا��حكومة، وفق القواعد الدستورية. ويضيف أنه عقب 30 يونيو 2013، بات السيسي حالة مشاعر عند كثيرين، أكثر منه رجل الضرورة.. حالة بين الحُبِّ الجارف والكراهية والعداء.. أخذ الناس يتجادلون ويتخاصمون على الرجل بمنطق العريس لا الرئيس. ويرى المؤلف أنه قد تبدو مشكلة مصر هي "شخصنة السياسة"، أي أن هناك شخصـًا واحدًا يستطيع بكلمة واحدة أن يحدد كيفية حُكم مصر، وهو ما جعل أغلب النقاش السياسي المصري يركز الآن على السؤال عن طبيعة الشخصيات: "من الملاك ومن الشيطان؟". هذه الرؤية تحمل بعض الحقيقة، ولكنها تفتقر إلى حقيقة أكثر عمقـًا، وهي أن من يحكم مصر الآن لا ينتمي إلى الملائكة أو الشياطين، ولكنه قادم من المؤسسات القوية، التي تسعى إلى خدمة المجتمع وفقـًا لرؤيتها فقط، فهي مؤسسات لا تقبل توجيهات المجتمع، بل تسعى إلى توجيهه. فجميع قادة مصر في مرحلة ما بعد 3 يوليو هم نتاج مؤسسات الدولة، وعلى سبيل المثال، السيسي من نتاج الجيش، والرئيس المؤقت عدلي منصور من المحكمة الدستورية العليا، ووزير الخارجية دبلوماسي سابق، ووزير العدل قاض سابق، ومؤسسة الأزهر يقودها شخصيات أزهرية. بعد انتخابه رئيسـًا، ظلت لائحة التحديات قائمة. ومن ذلك أنه نتيجة للترويج له من قبل الدولة ووسائل الإعلام بأنه "المنقذ الوطني"، كان عليه حُكم جماهير يزداد يومـًا بعد يوم حُكمها صعوبة بما في ذلك نخبة تتوقع أن تعود إليها امتيازاتها، وجنرالات قد يرون فيه مجرد قائد عسكري ضمن آخرين. ومن الصعوبات أيضـًا وجود قطاع من الشعب لا يزال يحتج منه مئات الآلاف من مؤيدي مرسي الذين يعربون علنـًا عن رفضهم للعهد الجديد، بالإضافة إلى أعمال عنف وإرهاب ترتكبها جماعات جهادية وتكفيرية تعمل على تقويض كل أمل في الاستقرار. كان على السيسي التعامل مع سلسلة من المطالب شديدة التعقيد بأكثر من تلك التي تعامل معها من موقعه العسكري في وقت الأزمة مع جماعة الإخوان المسلمين، وبأكثر من تلك التي تعامل معها الرؤساء السابقون. فقد كشفت الثورة عن العيوب الأساسية التي تشوب أداء كل مؤسسة في الدولة التي تعمل كل منها بمعزل عن الأخرى وتبحث فقط عن مصالحها، وهناك أيضـًا جماهير ما بعد الثورة، والتوقعات والآمال المرتفعة التي يعقدونها على السيسي لحل كل مشكلاتهم. المحيطون بالسيسي كثيرون، بعضهم محترمون راهنوا على أن الرجل سيحل كل المشكلات الصعبة، وبعضهم سعى لتأمين نفسه، وبعضهم طامح في منصب أو نفوذ، وبالتالي تفنن هؤلاء في الإساءة إلى معارضي السيسي، بالتزامن مع أداء كل ألوان النفاق تزلفـًا للرجل. انتمى ممثلو الفريق الأخير بشكل واضح إلى شبكة "الفساد والمصالح" التي كانت قائمة - وما زالت- قبل 25 يناير 2011، ولم يحلم هؤلاء إلا بالعودة لحدود 24 يناير 2011، وحلم كثيرون منهم أنه ربما ينحاز السيسي إلى اختيار "تحسين" شكل نظام مبارك وليس بناء نظام العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني. بلغة المنطق، ليس أكيدًا أن كل مؤيدي السيسي من فلول الحزب الوطني، لكن الأكيد أن كل فلول الوطني يؤيدون السيسي. وفي ظل الحديث المتزايد عن نفوذ الوجوه المنتمية إلى عصر مبارك من أهل السياسة والاقتصاد والإعلام، نُقِل عن السيسي تأكيده أنه "لا عودة للوجوه القديمة، ومصر لن تعود إلى نظام ما قبل ثورة 25 يناير مرة أخرى، ومن يعتقدون أن مصر ستعود إلى الوراء مخطئون". يقول د. ثابت إن السيسي يمتلك فرصة نادرة لتصحيح المسار السياسي والاقتصادي في مصر، لكن التحديات كبيرة سياسيـًا واقتصاديـًا واجتماعيـًا وأمنيـًا، شريطة الاهتمام بمراجعة أخطاء من سبقوه، وتعزيز الممارسة الديمقراطية وحماية الحريات العامة وحقوق الأفراد وتنفيذ خطط واضحة للعدالة الاجتماعية، في مجتمع استنزفته التجارب السابقة.
الصراع على مصر: السيسي وقائمة التحديات الصعود السريع للمشير، من رجل عسكري غامض إلى محبوب وطني، يعكس المزاج الشعبي العام في مصر بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية. العرب محمد الحمامصي [نُشر في 21/07/2014، العدد: 9626، ص(6)]
يقدم كتاب “الصراع على مصر: ذئاب مبارك والعهد الجديد” للكاتب الصحفي ياسر ثابت رؤية تحليلية لشخصية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ ظهوره على الساحة في أعقاب توليه منصب مدير المخابرات الحربية، مرورا بالأدوار المختلفة التي لعبها سواء ضمن المجلس العسكري الذي أدار شؤون الحكم في مصر عقب تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحُكم، أو خلال فترة توليه منصب وزير الدفاع، وانتهاء بتحركه عقب مظاهرات 30 يونيو لإنهاء تجربة الإخوان المسلمين في الحُكم وعزل الرئيس محمد مرسي، وصولا إلى انتخاب السيسي رئيسا لمصر. في هذه الرحلة، يركز المؤلف في كتابه الصادر عن دار “كنوز″ في القاهرة، على تقديم شخصية السيسي بهدوء وعقلانية، بعيدا عن موجة المبالغات سواء في المديح أو الذم، والتي يرى ياسر ثابت أنها ناجمة في الأساس عن مواقف سابقة التجهيز وتعبر عن انتماءات أيديولوجية تؤثر في نظرة كل طرف لشخصية السيسي.
وسط ضباب الفراغ السياسي، وانقسام القوى المجتمعية والسياسية، تقدم السيسي إلى مهمة رئاسة دولة مستنزفة اقتصاديا وأمنيا، التخبط الإداري ضارب فيها والفساد الممنهج استشرى في بنيتها، والتبعية الطويلة تضع حدودًا على حرية حركتها في محيطها.
يتصور المؤلف أن ما دخلت مصر فيه عقب تنصيب الرئيس الجديد هو بداية لمرحلة جديدة من مراحل التدافع الجيلي وبالحسابات الكمية والنوعية فإن المستقبل وأوراق الفوز متوافرة لدى أجيال الشباب أكثر من أي طرف آخر، بشرط أن تُحسن استخدامها وتتعلم من تجاربها السابقة. وإذا كانت الشرائح العمرية الأصغر سنا سجلت نوعا من الاعتراض والتحفظ على مجريات الأمور خلال عملية الاقتراع في انتخابات الرئاسة، فإن هذا، إلى جانب ضعف الإقبال على التصويت بشكل عام، من الأمور التي تقدم درسا مجانيا ومهما للقيادة السياسية الجديدة في مصر.
صحيح أن استعادة الدولة هدف محمود ومطلب رئيسي من غالبية المصريين اليوم، إلا أن تحقيق السيطرة لا يصلح عنوانا لرؤية متكاملة. نحن بحاجة إلى رؤية مستقبلية متكاملة للإصلاح والتنمية، وتعهدات واضحة بضمان الحريات العامة، وتطبيق معايير العدالة الانتقالية المتعارف عليها دوليا.
ولعل ما يستدعي الرصد والترقب في الفترة المقبلة هو رؤية السيسي لقضايا رئيسية لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، وإزالة آثار عام من الحُكم الإخواني الفاشل وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور، مثل آليات مكافحة الفساد وتطهير أجهزة الدولة، ومنع العودة إلى مثالب عهد مبارك ورموزه المرفوضة شعبيا وإعادة هيكلة أجهزة الأمن وتوفير العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير وترسيخ مفاهيم الديمقراطية وتحديد دور المؤسسة العسكرية ومنع التداخل بينها وبين مؤسسات الحُكم والأنشطة الاقتصادية المختلفة.
من هنا، يبدو الاختبار دقيقا وحاسما، إذ على السيسي أن يُنحّي جانبا زي المشير وذهنيته بعد أن قرر خوض الحياة المدنية وتقلد منصب الرئاسة، وأن يمنع الفلول وطبقة رجال الأعمال وشبكات المصالح وبعض القوى والتيارات السياسية من “خصخصته”، وأن يعمل على تأكيد مبدأ مهم مفاده أن الشعب هو الدولة، وأن الديمقراطية بأعمدتها وأسسها الثابتة -التي تشمل، ضمن ما تشمل، الشفافية والرقابة والمحاسبة- هي سلاحه، وهي الضامن لمنع انهيار الدولة.
الصعود السريع للمشير عبد الفتاح السيسي، من رجل عسكري بيروقراطي غامض إلى محبوب وطني، يعكس المزاج الشعبي العام في مصر بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات السياسية المستمرة، حيث بدا قطاع عريض من المصريين ميالا إلى تحقيق الاستقرار عن طريق حكم رجل قوي، يضمن تماسك الدولة والمجتمع والوطن والخبز والأمن، حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.
ظهر السيسي في قلب المشهد في توقيت كان الشارع المصري فيه يشهد حالة تسييس لم يسبق لها مثيل في تاريخه، لكنه تعبير عن قلق وخوف على المستقبل لا عن رؤى وبرامج. كانت الدولة المصرية قد وصلت في تلك الفترة العصيبة إلى منزلق تاريخي يهدد بسقوطها.
زكى الرهان الشعبي عليه أنه بدا رجلاً قويا لديه ولاءات ممتدة من المؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة الأمن السيادية (المخابرات العامة والأمن الوطني) إلى الجهاز البيروقراطي للدولة بمعناه التقليدي.
زكى الرهان ذاته حالة الفراغ السياسي التي ترتبت على تصدع متزامن لجماعة الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ التي عارضتها، فالأولى تصادمت مع مجتمعها وتورطت في عمليات عنف بمواجهة مواطنيها وفقدت أهليتها السياسية لفترات قد تطول.. والثانية أصابها ارتباكٌ فادح في قراءة المشهد السياسي الجديد وجدوى حضورها على مسارحه وبدت كجسد تفككت أوصاله قبل أن يبدأ حركته الحقيقية في خوض الانتخابات النيابية بهدف تشكيل الحكومة، وفق القواعد الدستورية.
بعد انتخابه رئيسا، ظلت لائحة التحديات قائمة. ومن ذلك أنه نتيجة للترويج له من قبل الدولة ووسائل الإعلام بأنه “المنقذ الوطني”، كان عليه حُكم جماهير يزداد يوما بعد يوم حُكمها صعوبة بما في ذلك نخبة تتوقع أن تعود إليها امتيازاتها، وجنرالات قد يرون فيه مجرد قائد عسكري ضمن آخرين. ومن الصعوبات أيضا وجود قطاع من الشعب لا يزال يحتج منه مئات الآلاف من مؤيدي مرسي الذين يعربون علنا عن رفضهم للعهد الجديد، بالإضافة إلى أعمال عنف وإرهاب ترتكبها جماعات جهادية وتكفيرية تعمل على تقويض كل أمل في الاستقرار.
كان على السيسي التعامل مع سلسلة من المطالب شديدة التعقيد بأكثر من تلك التي تعامل معها من موقعه العسكري في وقت الأزمة مع جماعة الإخوان المسلمين، وبأكثر من تلك التي تعامل معها الرؤساء السابقون. فقد كشفت الثورة عن العيوب الأساسية التي تشوب أداء كل مؤسسة في الدولة.
الكتاب نموذج محترم للرصد التاريخي والذكي للوقائع بلا مبالغات ولا مزايدات كتابة تستحق التأمل لأنها تعرض الصورة كاملة عن مصر ولاعبيها وكيفية تشكل السياسة في الكواليس كتاب مهم ومفيد