ترتبط اللغة العربية بكيان المتلقي العربي ارتباطاً لا يضاهى، وهذا الارتباط نابع من اعتبارات دينية وحضارية ونفسية. فاللغة العربية هي لغة القرآن، وقد جعل ذلك قدسيتها من قدسية القرآن ومكانتها من مكانته.
وثمة ارتباط مكين بين لغة العرب وحضارتهم، وكل منهما مبني على الآخر. وعليه فإنّ الحضارة لا تتأتى لأحد إلا عن طريق اللغة. وعن طريق اللغة يكون التفكير والتفاهم والتواصل والتفاعل بين العقول والأفكار. لذلك فإنّ نموّ لغتنا وازدهارها وقيامها بدورها الفكري معلم من معالم حياتنا الحاضرة وطريق أساسي من طرق بناء المستقبل.
ومركز دراسات الوحدة العربية إذ يقدم هذه المجموعة من البحوث العلمية الرصينة في مجال اللغة وضمن إطار اللسان العربي وإشكالية التلقي، فإنه ينطلق من إيمانه المبدئي الراسخ بأهمية ذلك في إطار النضال القومي التحرري لتأكيد الهوية وتعزيز دورها في ترسبخ وتطوير العلاقة العضوية داخل المجتمع العربي ومع المحيط الإنساني، وبأهمية توسيع دائرة البحث والنشاط الفكري لتعزيز مكانة اللغة وتعميق دورها الإنساني.
منذ مدة ليست قصيرة نما عند بعض المثقفين العرب شعور بأن قضية الوحدة العربية لم تعد تحتل المكان الأول- كما كانت في السابق – في الاهتمام العربي، وبالتالي بضرورة لفت نظر الرأي العام العربي إلى ذلك . وقد اكتسب الشعور بضرورة إعادة تحريك قضية الوحدة قوة جديدة على أثر نكسـة حرب الخامس من حزيران / يونيو 1967وقد عبّر هذا الشعور عن نفسه، بادئ ذي بدء، وعلى أثر النكسة مباشرة، بنشاط ثقافي محدود في دمشق وبيروت، أخذ شكل عقد بعض الندوات لمناقشة ضرورة الوحدة وجمع تواقيع عدد من المثقفين العرب على نداءات بهذا المعنى نشرتها، خلال عامي 1967 و 1968 ، مجلة "دراسات عربية" إلا ان الشعور بأهمية الوحدة، وبضرورة القيام بعمل ثقافي مستمر من أجلها ، قد استمر بشكل تشاور فردي ، خلال مدة جيدة من الزمن، إلى أن تبلور الموضوع باتجاه تأسيس مركز للدراسات عن قضية الوحدة العربية. وكان أول إعلان عن هذا الهدف قد عبر عنه البيان الذي صدر في بيروت ونشرته بعض الصحف العربية في عام 1975 ، وقد تضمن البيان المذكور شرحاً واضحاً لأهدافه وطريقة عمله ووسائله، ووقّعه اثنان وثلاثون مثقفاً من مختلف أقطار الوطن العربي ولأهمية هذا البيان ندرجه فيما يلي بالنص
بيان حول تأسيس "مركز دراسات الوحدة العربية"
كان للنكسات التي لحقت بقضية الوحدة العربية أثر عميق على التقبل الفكري والعملي لهذه القضية القومية، وعلى مقدار الاهتمام بها فبعد أن كانت قضية الوحدة تحتل المكان الأول في اهتمام الرأي العام العربي والمركز الرئيسي في نشاط المثقفين العرب، أصبحت بعد تلك النكسات - خاصة بعد فشل الوحدة المصرية السورية والمشاريع الوحدوية التي تلتها – في مكان ثانوي يدل عليه فيما يدل كمية ونوعية الإنتاج الفكري الذي يدور حول هذه القضية المصيرية
إن الصراع الذي تخوضه الأمة العربية ضد الاستعمار الصهيوني الإسرائيلي والإمبريالية، بما يمثلانه من تحد خطير لمصير الأمة العربية على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية ، يتطلب اهتماماً عميقاً وجاداً بتحقيق خطوات وحدوية عملية وإلى جانب هذا الحافز السلبي في طبيعته هنالك حوافز إيجابية تنطلق من مزايا الوحدة وقيمتها الذاتية ، أهمها توق العرب إلى الحضور الفعال في مجالات التطور العلمي والتكنولوجي واستعجال الزمن في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية والتطوير الأفضل للطاقات والقوى العربية الهائلة من بشرية ومادية – وبالتالي بلوغ تحقيق أفضل لإنسانية الإنسان العربي إن هذا التوق يتململ في ضمير الوطن العربي، في عالم يشهد التطور السريع والمذهل في قدرات البلدان الصناعية وإنجازاتها في مختلف الحقول، إلى جا