"وعندما بدأنا نكبر بدأت أمهاتنا في الرحيل إلى أسفل شواهد القبور..كان آباؤنا يحملون المحفّات المحملةِ بجثثهنَّ وكنّا نسعى بينهم وعيوننا تنهمر منها الدموع...وكان "مرز" يسعى بيننا بعينين جامدتين، وعندما تبتلع القبور أمهاتنا..وعندما يبني آباؤنا عليها الشواهد كنا نعود إلى بيوتنا...
لكنَّ "مرز" لم يكن يرجع، كان يبقى طوال الليل جالسًا بين قبور أمهاتنا "..!!
إذا لم تكن مستعدًّا لرواية من العيار الثقيل فلا تستمع الآن..إنّها حكاية "مرز" أبله القرية وزوجته "جوهرة" الفاتنة التي أزعج الملائكة صراخها المتواصل..
هي حكاية القرية الجاحدة التي تُنكر النّور ويغزوها الشرّ فتبدأ بصناعة الأصنام لا لتعبدها بل لحاجةٍ في نفس أبناءها الذين يفقدون أمهاتهم كلّما غربت الشمس.
لكن هل هذه هي حكايتنا جميعًا نحن من صنعنا الأصنام ثمَّ فجأةً قررنا الثورة عليها؟!
قاص وروائي مصري من مواليد الأقصر٬ مصر٬عام 1967. يعمل محررا لمجلة الثقافة الجديدة. فاز بالجائزة الأولى في مسابقة صحافية (أخبار الأدب) للقصة القصيرة٬ على مستوى الوطن العربي٬ عن قصة "عجلات عربة الكارو الأربعة". صدر له ثلاث مجموعات قصصية وروايتان: "الصنم" (1999) و"منافي الرب" (2013) وقد ترشحت منافى الرب لجائزة البوكر و ايضا صدرت له رواية "إنحراف حاد"
رحلـة الخلـود تبـدأ من هنـا.. "مـرز" الطيب "العبيط" الذى يفاجئنـا طوال الرواية بمواقف غريبة لا تصدر من عقلاء، فقط لنكتشف فى النهاية أننا نحن "العبط".. عندما تريـد شئ بشدة وتخلص له فإن الظروف والقـدر يتدخلان ليحققاه لك.. يرفض الموت.. ويطلب الخلود.. ويصـرّ، فيستجيب القـدر. الرواية هى الأولى فى مشـوار الخمايسى فى "البحث عن الخلود".. بعض أفكاره هنا كررها فى منافى الرب، ولكنها فى منافى الرب أعمق وأقـوى، وهذا طبيعى، ففكرة كهذه تحتاج أن تختمـر طويلًا قبل أن تظهـر للنـور..
هناك تشابه، لا يخفى على أحد، بين "مرز" فى الصنم و "حجيـزى" فى منافى الرب، وإن كانت شخصية "حجيزى" أظرف وأكثـر تأثيرًا وحكمة.. لغة "الخمايسى" فى غاية القوة.. من أجمل أساليب الكتابة التى قد تقابلها فى حياتك.. لغة رشيقة تتراقص بخفة، ولكنها، رغم ذلك، قوية متينة ثابتة بقدمها إلى أرض صلبة..
رواية، رغم قصرها، إلا أنها تعبر عن مجتمع كادح وتقاليد متأصّلة وسذاجة محببة..
"فلو لم يكن ضحية عقله المختل هل كانت الحياة ستضيع منه هكذا؟!"
في البدء كان الإنسان ظلومًا جهولًا بحمله روتين الحياة الدائم على شكل واحد لا يمكن الخروج عليه، ثم كان ضحية عقله المختل لتضيع منه الحياة هباءً!
لكن هل هذا ينطبق على "مرز"؟ بالتأكيد لا، فقد حمل مرز "جوهرة" من البداية وكان في عين الآخرين مختل العقل، لكنه أحب جوهرة إلى أبعد حد. كانت أفعال "مرز" غير اعتيادية نظرًا لأنه كسر معنى حمل الأمانة الاعتيادي وحملها بطريقته، ربما كان ظلومًا جهولًا، لكنه استطاع أن يحب جوهرة ويخلص لها، استطاع أن يخرج عن سلطة العقل الجمعي بأفعاله المتفردة. أما عما فعله مرز بتحنيط جوهرة بعد موتها فلم يفلح، كان حلًا متسرعًا بعض الشيء، لكنه عندما غاب وقتًا أطول استطاع أن يخلد جوهرة بشكل ما، أو يمكن القول أنه جعل لجوهرة معنى آخر جوهري يرتبط بارتفاع الشمس وغيابها ونشر النور. نهاية مرز البائسة لم تكون سوى نهاية مادية وفناء لجسده، بينما نال تمثال جوهرة الخلود في شكل آخر، الصنم الذي سينعيه يوميًا غير تاركًا فرصة لنسيان مرز وأفعاله المختلفة. إذن فالإنسان هنا في عمل الخمايسي هو إنسان يسعى للخلود في صورةٍ ما، إنسان مخالف للاهوت الحياتي والعقل الجمعي والآراء السائدة، إنسان يستحق الخلود وإن كان ماديًا أو جوهريًا فقط.
إنتهيت من رواية الصنم للمبدع أشرف الخمايسي فى ساعتين لا أكثر قرأتها بعد أن إنتهيت من رواياته الأثنين ومجموعته القصصية أهواك ، هى أول ما كتب الخمايسى وأصغرهم ولكنها كعادة قلمه مبدعة ستنبهر بشخصية مرز المختلف الغريب الذى يعرف كيف يحب ويخلد ذكرى حبيبته إلى الأبد الذى يفكر ولا يستسلم ليعيش كباقى القطيع استوقفتنى بعض المواقف منها موقف الكمانجا والقرموط وأضحكتنى فعلآ بالرغم من غرابتها ، السرد واللغة كعادة الخمايسى رائعين والفكرة نحو الخلود التى اكملها فى منافى الرب مبهرة ولكنى حزنت على النهاية بالرغم من واقعيتها والتى لا اظن ان نهاية أخرى كانت ستكون بنفس الواقعية وفى النهاية سيظل قلم الخمايسى من أحب الأقلام الى قلبى :)
كم أنت رائع يا " مزر " عبيط القرية وغريبها تفرد بأفعاله عنهم فنبذوه وسخروه منه وظنوا به الخبل وذهاب العقل ، أحب بعمق وبصدق ، أحب "جوهرة " غريبة بأفعالها مثله ، آمنت به مثل ما آمن بها وغردوا بعيدَا عن السرب وهربوا من حماقة ورتين القطيع فنبذهم الجمع ! وبموت جوهرته علم الكل بصمته ان حبه لها ابدي وصنع لها تمثال من الصنم وبصدق حبها بدا وكأنه من لحم ودم ومشاعر فخُيل إلى الجميع أنه ينتحب ويبتسم ويشارك مزر مشاعره التى يمر بها !! تُرى هل الأختلاف جنون ؟ هل الروتين والأستقرار مريحين للدرجة التى تجعلنا نرفض التغيير حتى وان كان للأفضل ؟ من فينا العبيط ومن منا يحيا الحياة التي يمليها عليه عقله وقلبه ؟!!!
أول قراءة لأستاذ أشرف، والرواية راااائعة. ذكرتني بأسلوب الكاتب خيري شلبي عند الحديث عن الريف المصري. حقيقي ممتازة وعجبتني.😌⭐ التعليق الصوتي على ستوريتل فوق الرائع.⭐
إن كان مختلفا .. محبا و عفويا أعتبرناه عبيطا .. كان جميلا .. كان وحيدا إلا من فتاة كانت عفوية مثله فأحبها حتى لم يستطع فراقها فأخدها معه بعد موتها .. جعلها فوقهم جميعا .. لقد نحتها حتى أصبحت الشمس تخرج من فوق كتفها لتنير لهم ..
كان حبه و اختلافه ما جعلهم يخجلون قسوتهم .. أن خرجت عن الطريق لن تجد من يشعر بك و يكون بجانبك .. مرز .. ..
حكاية قصيرة ، و جيدة جدًا . دون استهلال أو مقدمات و بلا أي ديباجة يدخلنا الكاتب حيث نجع صغير في جنوب مصر ، اختار أن يعيش فيه مرز المتفرد وسط الصوت الجمعي الواحد . الفكرة في مضمونها ليسَت متفردة كالشخصية ، المختلف دومًا يحمل صفات قلة العقل ، العبيط ، الشاذ لأن تصرفاته تغرد في قطيع يخصها .
لكن القصة كانت مميزة جدًا في الطرح و العرض و التفاصيل ؛ شيطانها هو تفاصيلها الخلابة التي كانت قادرة بسهولة أن تحفر عميقًا بينما تلتهم حروفها و لا تملك إلا أن تعجب بشخصية مرز و تستأنس تصرفات أهل النجع .
غم عمق الشخصيات التي حفرت نفسها كأخاديد داخل كل أقصوصة أو حكاية إلا أنها كانت سطحية ، بالكاد نمر عليها مرور الكرام ، مرور لطيف لم يؤذيها أو يشرحها كأنك سيارتك تعطلت و اضطررت للمكوث داخل النجع بضع ساعات لا أكثر .
عرضت الحكاية على شكل حكاوي منفردة قصيرة تكمل بعضها بعضًا لكنها مستقل ، مواقف متفرق من حياة مرز في النجع ، مرز الذي قرر زرع قيراطه القليل جدًا ورد و أحب جوهرة التي مال خصرها على أنغام مزمار شارد و التي كرمها بصنع تمثال أو الصنم لتطل بالشمس على النجع كل يوم ! . لأنها عرضت بهذه الطريقة فكانت بلا حبكة ، أو كل ما هناك خيط رفيع يجمع بين الأقاصيص .
تنتمي " الصنم " بلا شك للواقعية السحرية على الرغم من أنها ليست متعارضة مع قوانين الواقع و ليس بها أوهام أو تصورات غريبة إلا أن صورة النجع و شخصية مرز كانت أقرب لتفرد غرائيبي من قصة حقيقية . و رغم طريق طرحها القصير عبر لمحات صغيرة إلا أنها أظهرت البراعة السردية التي يتميز بها الكاتب ، فيستطيع أن يجذبك بحكاية سردية منذ الصفحة الأولى و حتى الكلمة الأخيرة دون أدني شعور بأن هناك حوار ناقص في مكان ما ، رغم أن اللغة العامية كانت متجذرة فيها إلا أنها أضافت اللمسة المصرية على القصة .
اعتماد الكاتب على فكرة محاربة العادات و النمطية إلا أنه كتبها من الزاوية الأخرى ، زاوية الجمع الذي يراك شاذ إن قررت التصرف عكس أفكارهم و رؤيتهم إليك حتى إن نجحت فيما فشله فيه هم .
رغم يعود هذا إلي أن التخلي عما تدركه ، تعرفه و تعرف نتائجه و ما سيؤول إليه أسهل من أن تغامر بما لا تعرف ؛ وجدتني لا أستطيع مواجهة اللوم إلى أهل النجع لعدم رغبتهم لمغادرة منطقة أمانهم ، هناك حيث كل شيء معروف إلى سيؤدي و الخروج إلى البحر المفتوح ! ربما اسم الحكاية التي هي بعيدة عن كونها رواية لصغر حجمها ، أكبر من مضمون الفكرة حتى و إن كان يرمز للتمثال الذي صنعه مرز لزوجته جوهرة .. إلا و على المستويات الأخرى كانت رواية جيدة جدًا و استمعت بقرأتها و بلا شك تستحق القراءة بغض النظر عن أي أسباب أخرى .
الصنم : اشرف الخمايسي غمرني شعور اني اقرأ لغة نادرة، لذيذة و شبقة، لها رائحة كعطر فرنسي مثير، جريئة حد الوقاحة، متوحلة، هل هناك طريقة اخري لوصف الوحل افضل من كلمة وحل!؟
هكذا قالها الخمايسي و هكذا أراد لها ان تكون ، هل قصد ان تبدو لغته" عبيطة " أحيانا كما كانت شخصية بطل روايته ؟،هل تعمد ان يكتب بأسلوب يفتقد الشرف حتي يغمس قارئه بحكايته انغماس مرز بجوهرته؟ هل حقا يريد ان يقول ان الانسان لا يصبح عاشقا حقيقيا الا اذا فقد عقله ��و الجزء الأكبر منه ؟
اسئله كثيرة و كبيرة تطرحها رواية صغيرة، مثيرة للتأمل، شهية كانت و مغرية، تحتاج لأكثر من قراءة، حضرت في مخيلتي كثيرا اثناء القراءة القصيرة وجه عادل امام في فيلم الهلفوت بشعره المتشابك البرئ و لسانه الملتوي و تلقائيته الفريدة و عشقه لورده.
مرز هو الانسان حينما يقرر ان يرفض الأنماط السائدة، و يخطو بقدم عارية خارجها، ان يقتل القرموط و يتزوج السافرة التي رقصت عارية بين الرجال، و الهبتهم بسياط ملكاتها الانثوية، ليس هذا فحسب، بل كان علي استعداد ان يموت فيها و لها، فهو مجنون بدرجة عاشق، و عاشق بدرجة ميت، فليت شعري هل يشبه العشق الا الموت!؟،و ما الجنون الا كائن اخر ، يحب ان ينمو كما ينمو كل شيء،و لكنه يحب الخلود اكثر، لكن الجنون فرصته في الخلود محدودة، اما مزر فقد فعلها و خلد جنونه كما لم يقدر عليه احد !، زرع بذرة الجنون في قلبه و سقاها حبا و حبحبة حتي صارت صخرة غطت وجه الشمس ثم نحتها ليخرج منها جوهرته .
في رأيي ان احلي ما في مزر انه لم يزل طفلا، عاش كطفل و عشق كطفل و حزن أيضا كطفل، و لقد تعلق سؤال بأهداب عقلي ، تُري هل نحن في حقيقتنا "مزر" ثم هبط علينا العقل من اللا مكان ليجثم علي ارواحنا و يثقلها ب تردده و جموده و ارستقراطيته المميته؟
ابهرني وصف الخمايسي ، كان انيقا و شائقا، و السرد كان سريعا متقافزا و راقصا مع اشعة الشمس الحمراء الذائبة بين ذراع جوهرة و خصرها،كان سرده ينساب متمايلا فوق جداول الماء و نفحات الهواء اللينه هناك عند كرمة النخيل، شخصية مزر ساحرة و طبيعية و جوهرة كذلك ، كانا متطابقين و متناسبين كأنهما خلقا ليكونا معا.
و لكوني أخلاقيا، لا اجازف ، فمهما كان العمل رائعا لا ينقصه شيء في نظري ، الا اني التمس دائما ان يتخفف الكاتب من ذكر تفاصيل مشاهد الجنس، ان يجنب القارئ اصطحابه لرؤية المشهد كاملا بلا تقطيع او حذف ، لماذا؟ لا اظن اننا نحتاجه ، ابدا ابدا ، و لكن الرواية بديعة و ماتعة سأعيد قراءتها بعد فترة ، شكرا اشرف الخمايسي ❤️❤️
اسم الكتاب: الصنم اسم الكاتب: أشرف الخمايسى عدد الصفحات: ١٠٠ صفحة دار النشر: دار الربيع العربى التقييم: 4/5 أولى تجاربى مع أشرف الخمايسى، رواية قصيرة ممتعة تتحدث عن مرز الصبى الغريب الذى ينزل مقيمًا فى أحدى القرى من صغره قادمًا من قطار المحطة التى لم يسبق وأن قدم أحد منها من قبل، يعيش فيها بين أهلها طفل غريب عنها وغريب فى تصرفاته، لا يرغب بالكلام مع أحد حتى كبر وأكتشف سكان القرية أنه عبيط! نطق أولى كلماته فى القرية لينقذ جوهرة من يد أبيها بعد أن كاد أن يقتلها بطلبه الزواج منها، فكانت له جوهرة كاسمها حفظته له معروفه بإنقاذ حياتها فكانت له نعم الزوجة كما ذكر على لسان إحدى الشخصيات " هى التى دحرتنا ونصرته، هى التى كذبتنا وصدقته، عبست فى وجوهنا وضحكت له" حتى أنه قضى مدة من عمره بعد وفاتها ليصنع صنمًا لها، أى حبًا هذا يجعله يفعل ذلك.. يقول الكاتب على لسان إحدى الشخصيات أنه ليس إلا أكثر من ضحية عقله المختل، ولكننى أرى أن ما فعله ليس ألا دليل على نضج عقله وإدراكه لكل شئ وإنما فقط أراد أن يكون أمامهم بمثل هذا العبط والهبل لحاجة فى داخله، فمحاولته لصيد القرموط لا يفعلها إلا عاقل.. نجد أن مضمون الرواية يدور حول فكرة تخليد الإنسان حيث خلد مرز جوهرة بالصنم الذى صنعه لها وخلد نفسه بسيرته بين أفراد قريته بأفعاله الغريبة.. ولكن هل فعلًا كان يقصد الكاتب من عنوان الرواية الصنم التى صنعه لجوهرة أم أن مزر هو ذاته الصنم لصمته لسنوات طويلة؟ يعاب على الكاتب بعض السباب الذى ذكره وأحد المشاهد التى تطرق لها فصل من الفصول... ولكنها فى مجملها جميلة واستمتعت بها وفى شوق لقراءة عمل آخر من أعمال الخمايسى...
الصنم هل الصنم هو الصنم الذى صنعة مرز هل الصنم هو مرز نفسة بسبب قلة كلامة وتفاعلة مع باقي أهل القرية أم الصنم هو الراوى وأهل القرية أنفسهم الذين لم يستجيبوا لكل أفعال مرز التي كانت كفيلة بتغييرهم لو كانوا تعاملوا معة فقط علي انة بشر مثلهم ومن نفس طينتهم
من هو مرز ولماذا تزوج جوهرة بعد فضيحتها ومن أين اتي بالكمان وكيف تعلم العزف علية ؟ كلها أسئلة لن تجد الاجابة عليها لو قرأت هذة القصة لكني أضمن لك قصة مختلفة وممتعة ككل أعمال الخمايسي
عبيط القرية المُصلِح وغرائبية التقنية السردية قراءتي في رواية الصنم لأشرف الخمايسي عُمر سُليمان الأشيوطي
* الرواية الأولى التي أقرأها لأشرف الخمايسي، وقد كنت شغوفًا لقراءة أعماله، التي يسوق أخبارها على حسابه الاجتماعي.
* في لغة متفردة، وأسلوب خاص بالخمايسي وحده يسرد روايته، لنرى بعض المفردات العامية التي يستخدمها باستمرار، تُدلل على عالمه الروائي المُستغرق في شخصيات ولهجات القرويين الطافحة بها، ليست صعيدية صرفة، لكنها لغة الخمايسي نفسه، التي تجمع بين المدنية والريفية، فيها كلمات تراثية من اللغة الشعبية الدارجة.. حتى استخدامه للأسماء، هو من هذا الشائع الشعبي في المعاني والصفات، وكل أسماء شخصيات الرواية غريبة، لعلها تحمل صفة كل واحد منها.
* تبدو لي الرواية رمزية من الطراز الأول، فهو يحكي قصة (مرز)/ (مصر) في أحد النجوع الصعيدية، يراه أهلها مجرد (عبيط)، وهو في الحقيقة (مُصلِح) أو (رسول العِلم والعلمانية). يروي الخمايسي القصة من خلال أهل النجع بضمير المُتكلِم بصيغة الجمع (نحن)، يقصون (عبطهم) هُم فيما يرووه عن (عبيط) القرية الذي يفضح جهلهم و(عبطهم) وتكبرهم بلا تصريح! (مرز) هو المادة الأساسية التي يتناولها أهل النجع بالدهشة والعَجب والإعجاب، فهو الذي يتصرف بذكاء؛ يُرشدهم بصمته وسلوكه وتصرفه إلى الصواب، لكنهم لا يعتبرون له؛ كشأن الكُفار الذين يتهمون نبيهم بالخَلل وذهاب العقل والجنون وهُم المتصفون بهذه الصفات؛ إذ لا يتبعونه ويتكبرون عليه ويوشكوا أن يرجموه؛ برغم ما يريده لهم من إحسان ورشاد ونجاة وتقدم! والصمت ـ هنا ـ بليغ أبلغ من الكلام، وأهل النجع أهل كلام واستهجان، لا أهل أفعال وإشادة واستعلام واقتداء. (مرز)، هنا تعني في اللغة (قُرص) وهو كل شيء مستدير ومُنبسِط، قد يكون قرص الخبز أو العسل، أو قرص الشمس أو القمر أو الزهرة.
* يأتي (مرز) بواسطة القطار؛ والقطار هنا رمز للعِلم ومبعوث التطور والتقدم، ينزل منه وهو صغير، بريء نقي غير مُدنَس بوثنية النجع؛ بتقليدية أفكار أهله وتأخرهم ونمطهم الاعتيادي الراكد المفتقِر للوعي والتعليم والتطور.. من المفترض أنه يدخل النجع لينقل له وإليه طهارته وحركته ونقاءه وتفكيره ووعيه وفطرته السليمة، لكن أهل النجع يستهجنوه غيرةً وعدوانًا، مثل أي قوم ينبذون مُصلحهم ويُعاندونه ويَلوون رؤوسهم ويثنون صدورهم ويصدون عنه وهم مُستكبرون. هُم يتناولونه بألسنتهم الحادة ويلمزونه بها طَعنًا في دين تصرفاته السليم؛ يَلمزونه وهُم الملموزين بسيرتهم السيئة الطاعنة في عاداتهم السيئة وتقاليدهم العمياء ودين آباءهم الغابر.. هُم كالبهائم التي يسوقونها كل يوم صباحًا إلى حقولهم يدورون معها في سواقيهم، ويرجعون بها مَغربًا إلى حظائرهم العفنة.
* الخمايسي يستهجن أهل النجع (العُبط) وحالهم الراكد المُترع جهلًا والمتمازج مع روح عقول بهائمهم، التي لا تُجِيد غير النعير ليلًا ونهارًا، مُحتجة على ما يسد طريقها أو يقطع دورانها أو يحيد عن مسارها اليومي! يعيشون في قرية تحيا أسفل صخرة ضخمة صماء تستحوذ على المشهد ناحيتها، صخرة تحجب ضوء الشمس عنهم، وتحجبهم عن نور القمر، تُوشك أن تبتلع القرية في لحظة إن سقطت عليها.. والصخرة ـ هنا ـ إسقاط على الجهل والظلام والاختفاء والاحتجاب عن العالم. قرية، ليس فيها مدرسة واحدة، ولا وحدة صحية، ولا نقطة شرطة، ومحطة قطارها لا ينزل فيها أحد ولا يصعد منها أحد.
* كل فصل في الرواية مُسلسل بفكرة استهجان أهل النجع لـ(مرز) على أفعاله وتصرفاته المتعلقة بسلوكياتهم وعاداتهم، وكأنهم لا يدرون أنهم يلمزون أنفسهم وما يشعرون! يعرض الخمايسي الفصول بطريقة مُلغَزة؛ سطر أو سطور غير مفهومة في مُقدمته، ثم يبدأ الفصل بقصةٍ أو موقف يحكيه أفراد من أهل النجع عن (مرز) مِحور الرواية وقُرصها الدائري. ثم إذا وصلنا لنهاية الفصل انبلجت الحقائق وتبددت المِحنة، بدون ذِكر السبب، ثم نكتشف أن مُقدمة الفصل هو اللُغز المفقود والكلمات التي اقتُطِعت من النص؛ فتكتمل المشهدية ويتم الفَهم ويُزهر الوعي. كأنه يقول لنا أن هذا الاقتطاع واقع من القصة، وساقط من الحَكي أو أُسقط عمدًا؛ فبه نعرف أن (مرز) هو المُصلِح وصاحب الحقائق والمُنجي من المهالك والمُرشد إلى المخارج.. فعنوان الفصل ومَتَّن الفصل أو القصة يتكامل كل منهما بالآخر، وسَوقه بهذه التقنية يَنُّم عن أن القصص التي يشيعها العامة ليست على حقيقتها في الغالب، بل إن لها تفصيل صغير ضائع صالح للتفتيش عنه يُغيِر من سياق القصص ويُعلِن عن المتهم الحقيقي فيها من بين طرفين مُهاجِم ومُسالِم. هذه التقنية الذكية، لها علاقة مباشرة بالنمط والوعي المُجتمعي السائد الذي يحكم دائمًا على الناس بدون رَوية ولا تفكير؛ حُكماً قاسيًا مُوجعًا، ليس له أصل من الواقع ولا الحقيقة.. فيُعلي الباطل ويَستخِف ويستهزئ بالحق، يتهم الصالِح ويُبرِئ الطالِح! والخمايسي يدعو من خلالها لإكمال الدائرة الكهربية التي إن اكتملت تحركت ودارت وتقدمت وعَلت وارتقت.. يدعو لتحكيم العقل والاستماع لكل الأطراف المعنية، وعدم التسليم بشائعات الجماهير وأحاديث العامة وحُكم المجتمع.. يدعو للموضوعية في القضاء بكل المواقف الراهنة وتسليط الضوء بالتحليل والفحص بين المُتخاصمِين, وهذا شأن المُتحضرين في الفَهم والسلوك، الوعي والتطبيق. فالمُدّعين بالرواية هُم أهل النجع، والمُتهم المُدعَى عليه هو (مرز)، ونحن كقُراء/مُتلقين؛ الطرف الثالث، المُخولِين بالقضاء والحُكم، المَعنيِين بالتغيير والوعي.. باستطاعتنا أن نُوجه أصبعنا نحو المُتهَم الحقيقي ومُحاسبته وتوعيته، أو إيثار السلامة بتركه يَرزح في ركوده وطينه ووَحله حتى يغرق ويذوى ولا يكون له ذِكر في تاريخ الأمم.
* أراد (مرز) مثلًا في الفصل الأول أن يَلفِت الانتباه إلى قيمة الأمهات التي رَعته واهتمت به وربته وعطفت عليه، هُن مركز العاطفة والتربية والتغيير الفعال في النجع/المجتمع؛ أثرت به، ووجهنه إلى الرجولة والنجابة؛ فأوفى لهن ببقائه طويلًا بين شاهد قبورهن، في حين رحل عنهن الأزواج والأبناء لدنيتهم، في قلوب الآخرِين غَيرَّة على أمهاتهم وحِقد مُتنامي على (مرز) الذي نال منهن كرمهن وفضلهن ورعايتهن واعتنائهن. وتلك في الأساس هي أسباب المشاعر السلبية التي تكونت في قلوب أقران (مرز) من أهل النجع طوال عهدهم وجيلهم المرصود. ـ الفصل الثاني مثلًا أراد (مرز) أن يُخالِف العادات والتقاليد بقتل الرجل ابنته الراقصة المُتعرية، وهب هو لإنقاذها، كأنه يقول أن (جوهرة) فعلت ذلك ليس لمجرد انحلالها؛ بل لأنها ينعت وأثمرت وقد حان قِطافها للزواج، فاندفع يحول عنها السكين، ويفديها بنفسه؛ وفي ذلك تظهر رجولته التي ترومها النساء، ويتبدى ذكاءه في نَيل زوجة قد لا ينالها إذا ما تقدم لها في ظروف أخرى بسبب انقطاعه من شجرة، وانعدام أصله. ـ الفصل الثالث، يتعرض لقضية أو عادة الثأر(التار)، التي تستوجب رد الضربة أو القتل بالضرب أو القتل، لكن (مرز) يُخالفهم، فيغيب سَنة عمَن ضربه، ثم يرجع إلى قريته إلى منزل غريمه ويُواجهه بالنغم والموسيقى من خلال كمنجة! فهل تكون آلة الكمان آلة للقتل أم للمسامحة والعفو.. ربما سيُواجِه غريمه بالغناء ضده واستهجانه والكيل له، ربما تكون المُكايدة بالفن ـ هنا ـ أفدح وأقدح وأبلغ من القتل والدمار. ـ الفصل الرابع، أهل النجع أقران (مرز) مُتعجبين من أفعاله، فهو يُرهِق نفسه في أفراحهم وأتراحهم وأعباءهم اليومية يُشاركهم فيها بتفاني، هُم يعتقدون أنه يُحصِّل منهم المال لبناء أسرته، لكنه في الحقيقة يفعل كل ذلك برُوح مُحبة مُتفانِية في إسعادهم ومُساعدتهم بدون انتظار الأجر سوى ما يسد رمقه؛ يريد مُخالفتهم فيما بينهم من أنانية ودُونية وذاتية.. يريد مُخالفتهم في زراعة الأراضي، كلها للطعام والتجارة، فيزرع قطعة أرضه بالورد! فماذا يفعلون بالورد وهو لا يفيدهم شيئًا؟! ثم تتجلى الحقيقة بالرجوع للسطور الغامضة الأولى من مُقدمة الفصل، التي سقطت من المَتن والحكي، أو تلك التي كبتها التكبر في الصدور: (الذي كشف الموضوع وجعله يتَّضح، ويجلو، مثل شمس الصباح، هو هذه الرَّائحة، هذه الرَّائحة التي كنَّا نشمُّها لأوَّل مرَّة في حياتنا...) إنهم يشمون رائحة جميلة رائحة الدنيا، رائحة الرُقي، رائحة تُخالِف رائحتهم ورائحة نساءهم ورائحة أولادهم ورائحة أصناف زُروعهم المعتادة.. تلك مساحة جديدة تغزو أنوفهم وحياتهم؛ تُعرّفهم على حياة أرفع مُستوى وأجمل أريج وأرقى مكانة من مكانتهم المُتدنية العفنة، رائحة تُطلِق مساحات مردومة من وجدانهم المحبوس؛ تريد أن تلمس جوارحهم عَبق الحُرية والجمال والسعادة التي لم يكونوا يُدركون وجودها في عالمهم المزحوم بالظلام والاعتيادية والقباحة والنتانة. ـ الفصل الخامس، يُقيِم أهل النجع مباراة كرة قدم، يُتشاركوا اللعب مع أهل نجع آخرين يبدون أقوياء، على أرض المدافن الخاصة بهم تحت الصخرة العملاقة؛ لإثارة الرهبة في قلوب الفريق المُنافِس، مع ذلك راحوا يُخطئون أمامهم، وينكشف مدى ضعفهم في اللعب، حتى تخلخل الفريق تمامًا تحت قدم لاعبي النجع الآخر الذين صالوا وجالوا كالوحوش الكاسرة، وركلوا القبور، ودعكوا أولاد أمواتها.. لدرجة أنهم تمنوا: (كنَّا نتمنى أن نُوقف سيل الأهداف الذي جرف مرمانا، نحلم باللعب المتَّزن، بهجوم جيِّد، حتَّى لو لم نحرز أهدافًا، هجوم يجعلهم يقفون عند حد، ويجعلنا نستطيع التنفُس. أمنيات مستحيلة...) وقد أوشكوا على العودة لبيوتهم مَهزومين مَسحوقين. حينئِذٍ؛ ظهر (مرز) في الملعب، صفع فريقه من أهل النجع؛ ليفيقوا من ضعفهم وانهزامهم، ثم راح يلعب وهو لا يُجيد اللعب والتصويب، لكنه أراد تحقيق أمنية فريقه من التوازن وحفظ ماء الوجه؛ استمات في اللعب حتى وصفوه بأنه كان يُحارب! ورويدًا.. أخذ الفريق المُنافِس ينكمش ويتخاذل ويتراجع أمامهم، ونَمَّ سلوكهم عن توتر وقلق ورهبة أمام التطور الجديد الذي أشعله (مرز)، تحققت الأمنية التي حسبوها مستحيلة على قدم (مرز). مع ذلك؛ لعنوه وشتموه لتضييعه الأهداف التي لم تكن ضمن أمنياتهم! ـ الفصل السادس، من أمتع الفصول كذلك، وهو (مرز) والقرموط الذي عانى أهل النجع منه بسبب افتراسه لهم ولبهائمهم.. تدخل (مرز)، وظل يقوم ببناء مصيدة كبيرة، وهم لا يفهمون ماذا يفعل طوال أسابيع، يعمل بصمت، ولم يطلب مساعدتهم، كأنه يُعلمهم، ويُشير إليهم إلى ماذا يُمكن أن يفعله العقل والتفكير من أجلهم.. يصطاد القرموط الذي فشل (عناتيل) النجع في اصطياده، يصطاده بألمع فكرة لم تكن لتخطر على بال أذكاهم، مع ذلك أنكروا فضله، وحقدوا على فِعله وتناسوه! ـ الفصل السابع، يسرد فيه حَكي أهل النجع عن مُعاشرتهم لزوجاتهم؛ مُعاشرتهم الجنسية، ومعاملتهم الجافة، ومشاعرهم الصلبة.. ثم يُفاجئهم (مرز) بممارسته الجنسية مع زوجته، ممارسة جديدة عليهم، ممارسة تتمتع باللذة والدلال والميوعة، فيها من أفنانين التقبيل والتحسيس والتثني والتلوي التي تزيد من القُرب والتعلق والمَحبة في قلب الزوجين على خِلاف ما يؤدونه مع زوجاتهم، فهل يصعب عليهم مُعاملة نسائهم كما يفعل؟ وهل يتعلمون مما رأوه في أُفق (مرز) المفتوح، فلا يلجئون للموالد للمح بنات الهوى المُحترفات! ويملئون قلوب زوجاتهم وقلوبهم بالسعادة والنشوى والعافية والإزهار. ـ الفصل الثامن، تهبط فجأة طائرة ضخمة من السماء هبوطًا اضطراريًا، لتكتسح الزُروع، وتتجه إلى واحد من أهل النجع فتدوسه وتدهسه دهسًا؛ جراء دعوة دعاها (مرز) على الضحية من فترة، فلم يكن أهل النجع يُصدِق أن الله يستجيب لرجل (عبيط)، والحقيقة أن قلبه النقي هو ما فتح عنان السماء لدعائه، لا مجرد عبادته بصلاة وصوم.. أو أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وهُم استكبروا وتجنوا عليه ولم يعترفوا بتلك الحقيقة، وتَعللوا أن الرجل لا يُصلي ولا يصوم، وهي عبادات ظاهرية يُمكن أن يؤديها أيًا منهم، ويبقى حقدهم في القلب وظُلمهم في المعاملة خارج نطاق معبد العبادة.
* في أوقات معينة، يختفي (مرز) ـ النبي المُصلِح المُرشد ـ عن النجع شهور أو سنة أو سنوات، وتلك الفترة هي فترة هُدنة ومُحاسبة ودعوة للتفكير بدون وجود أو تنبيه المُصلِح بنفسه؛ لعلهم يرجعون إلى أنفسهم ويُفنِدُون الأفعال والأقوال، ويعترفوا بأحقادهم وغليلهم و(عبطهم) في لحظة صدق ذاتية، فيُبجلون مُصلحهم ونبيهم نقي الفطرة حَسن الطوية؛ ثم ينتوون الانتباه إليه والاستفادة من توجيهاته وإشاراته وتصرفاته؛ فيقتدون به ويتبعونه، وينبذون سلبياتهم وعنتهم وعبادتهم لصنم خرافاتهم وركودهم وتكبرهم.. لكن هيهات. فالتكبر هو المُسيطِر عليهم من أول الرواية وحتى آخرها؛ حتى لتكاد الحقائق تختفي مع معدومي البصر والبصيرة على مر الأجيال، إلا أن القرائن في قصصهم وحكاياتهم هي ما تدل القُراء الواعين إلى مكامنها ومساطعها وكَوَّات أنوارها.
* تنتهي الرواية بانتهاء حياة (عبيط القرية المُصلِح)، وكان الأحرى أن يتعلم منه أهلها شيئًا أو يُقدرونه ولو قدرًا يسيرًا على ما قدمه من أجلهم ونفعهم به، فيحملوه ويعتنوا به ويُقدّروا إنسانيته على الأقل، لكنهم لم يفعلوا، بل إن ما حركهم هو فقط أن يميطوا جثته عن الطريق، الدرب؛ المسار الأزلي الذي يسيرون فيه مُقتدِين بمَسير أجدادهم وآبائهم الأقدمين. كل ما همهم هو متابعة نمطهم الاعتيادي! كل ما همهم طمس جثته المُتعفِنة التي ضايقتهم وضايقت بهائمهم؛ فعطلتهم عن دَيدنهم اليومي السرمدي! وهكذا يحكي هذا الجيل قصته مع (عبيط) القرية المُصلِح، الذي ينتهي مع انتهاء عهدهم، ويبدأ مع بداية عهدهم.. بلا جدوى. في قصةٍ دائرية بامتياز؛ فهي قد بدأت: (ولو أنَّنا عرفنا، يومها، أن هذا الطِّفل، عندما يكبر، سيُقلقل أحوالنا لتصرَّفنا في طريقة تخلِّصنا منه).. وانتهت بـ(تكاثرت الجواريف، وتزحزحت الجثُّة. تزحزحت... تزحزحت.... وعندما دفعناها، دفعة واحدة قويَّة، أفلحنا في أن نلقي بها في الترعة «المُرَّة»، التي تقلقل، إثر ذلك، ماؤها الراكد.) فهم ـ هنا ـ يعترفون أنه أراد قلقلتهم عن ركودهم وثباتهم على صنم العادات والركود والظلام والجهل الذي يعبدونه (الصخرة الصماء)، وفي النهاية لم يُحركهم، ولم يُقلقلهم ولم يُزحزحهم عن ركودهم وبهيميتهم وجهلهم ومثالبهم كل هذا العُمر عبر كل تلك السنين.. كل ما تحرك هو الماء الراكد الذي أُلقيت فيه جثته! اتحادهم منذ البداية على غرابة أفعاله، ولم يتحدوا على التغيير والالتفات إلى عيوبهم، الوقت الوحيد الذي تحركوا فيه وأصبحوا قوة هو دفعه والتخلص منه، والأوبة إلى ركودهم مُستريحين بلا أي إحساس أو تأنيب أو ضمير أو عاطفة! حاول لفتهم إلى صنم العِلم الذي نحته، لكنهم قدحوا فيه واستهجنوه، برغم ما فيه من قُدرات عِلمية ومسحات جمالية وفتحات نورانية، وغرائبية سحرية.. هؤلاء القوم لا فائدة منهم ولا جدوى، وأحرى بالحُكام/القُراء أن يستوعبوا القصة ويوعوا الدرس، حتى يمكن أن تكون مَثلًا لمُحيطهم، فيأخذون العبرة منها ومنهم.
* من خلال هذا التصارع بين غرائبية الفِعل بين (مرز) وأهل النجع تتجلى غرائبية السرد، أسماء الشخصيات، نسق الفصل؛ التقدمة والمَتن، الأحداث، الرؤى، التفسيرات الأحادية، التصرفات من كلا الجانبين... كل هذا كان جديرًا أن يُوافِق سردًا غرائبيًا قديرًا بكل عناصر الرواية، ويشهد لها باكتمال الإبداع، وللقلم الموهوب الذي حباه الله هذه المهارة المتفردة. الخمايسي، أراد أن يضعنا أمام طرفين مُتناقضين؛ ليجعلنا نختار أيهما يُوافِق ركوده أو جريانه، استقراره أو حركته. أراد أن نرى ما لا يراه الآخرون في أنفسهم، أننا ذاتنا قد نحسب صلاحنا ونحن طالحين.. لذلك؛ لا أجد تمثيلًا مُتطابِقًا مع الرواية في جوهرها غير هذا النص القرآني الأصيل: {{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ﴿11﴾ ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ﴿12﴾ وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ﴿13﴾ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ﴿14﴾ الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ﴿15﴾ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ﴿16﴾ مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ﴿18﴾ صم بكم عمي فهم لا يرجعون ﴿18﴾ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ﴿19﴾ يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير ﴿20﴾}}سورة البقرة.
رواية قصيرة تحكي عن مرز مرز الذي خلد نفسه بصنم لحبيبته من صنعه خلد حبه لجوهرة ليراه كل من في البلدة كل من قال عنه إنه لمجنون كلما نظروا لصنم جوهرة سيروا وجه مرز وحبه.
المجنون المختلف العبيط المتمرد علي عادات وتقاليد القرية هذا هو مرز. الرواية تحمل قصة وسرد ولغة من أجمل ما يكون، أول عمل للكاتب وأكيد مش آخر عمل سأقرأه له.
بعد منافي الرب، لا أستطيع تذوق اي عمل لأشرف الخمايسي ومع هذا لازال الموت هو الموضوع المفضل لدى الخمايسي يستخلص منه الحب والقوة والتأمل و التصوف ..ولَم ارى اربع منه صراحة في التعامل مع هذا الموضوع في أدبنا العربي
رواية قصيرة مكتوبة بأسلوب غير معتاد. اول مرة اقرأ للكاتب و لن تكون الأخيرة. تحكي عن شخص غريب يظهر في نجع من نجوع الصعيد و يؤثر في حياة أهلها. الرواية فلسفية عن العقل الجمعي و حكمه على اي فكر مختلف عنهم حتى و ان كان هذا الفكر هو الصحيح و هو المنقذ. يظل الغريب هو "العبيط" رغم كل إنجازاته و جهوده.
ثالث تجربة لنفس الكاتب بعد (منافي الرب) و ( انحراف حاد) ، و هي أسوا تجربة. حقيقة ، لا تستحق حتي النجمة بعد قراءة نصفها. بنسبة ١٠٠٪ لن أقرأ مرة أخري لنفس الكاتب و لا أنصح بالقراءة له.
لطالما عشقت من يعزفون حروف اللغة العربية في سونيتات متفردة.. هذه ليست رواية.. وإنما سيمفونية تعزف بأنامل متفردة.. لطيفة، خفيفة، جذابة.. بديعة الإيقاع والسرد والتحركات.. مختلفة في إنتقاء الأسماء والأماكن.. استمتعت بها حتي آخر حرف
الرواية : الصنم الكاتب : الأديب أشرف الخمايسي دار النشر : منشورات الربيع - أبجد ١٥٨ صفحة
رواية تعتبر نوفيلا قصة قصيرة و لكنها تحمل الكثير من الإبداع الأدبى فهى كفيلة لإشباع رغبتك في التمتع بالأدب العربي.
بطل الرواية مرز و الذى أقرأه فى كل مرة " رمز " لمعانى كثيرة ، فأنا أرى حياة مرز كالأنبياء الذين يُبعثون برسالة من أجل البشر و أعمال تخلد بإسمهم.
جاء مرز إلى القرية ولداً وحيداً بل قبله لم يكن ليأتى أحداً للقرية و كأن لم يسمع عن اسمها إلا بعد مجيئه هكذا يكون لك أثر لوجودك.
التزم مرز الصمت حتى تخيل أهل القرية أنه أخرس و بفطنة الأم علمت أنه يعى لكل شئ ثم نشأ رجل ربما ضعيفاً و لكن مسالم للجميع غير آبه و لا يكترث بما يقولون .
فِعلك هو ما يخلد اسمك فى الدنيا هكذا كان مرز فعلاً لا قولاً أول ظهور لأفعاله العظيمة عندما أنقذ جوهرة من الذبح و تزوجها لم يكن باستطاعة أى شاب من القرية القيام بذلك ثم واجه وحشية سعود بالكمنجة و تخيل أهل القرية أنها بندقية للإنتقام .
أجمل ما فعل مرز هو زراعة ما يملك من قطعة أرض صغيرة ورد و هو فى أشد الحاجة إلى زراعة شئ آخر يسد جوعه .
لم يكن أشد شباب القرية بأساً التخلص من القرموط الذى نغص عليهم عيشتهم سوى مرز الضعيف فى جسمه، القوى بعقله.
علم مرز أهل القرية كيف يمارسون الحب مع زوجاتهم بإنسانية لا حيوانية ربما انتقضوا لذلك الفعل لكن في أنفسهم يشكرون معروفه
أهم ما فعله مرز و غير حياة القرية أنه اتخذ من وفاة حبيبته تمثالاً نحته فى الصخرة التى كانت تكتم أنفاسهم و تحبس عنهم ضوء الشمس و كانوا يظنون أنه فاقد عقله و يسخرون منه فخلد إسم حبيبته رمزا للضوء الذى أنار قريته من الظلام .
أنهى مرز رسالته فكان الموت هو النهاية الطبيعة و كان في موته رسالة كأنه ضحى بنفسه غفراناً لأهل قريته بموته مصلوباً ، لم يجد أهل قريته طريقة للتخلص منه إلا فى الترعة مصدر المياة لهم و لزرعهم ليظل إسم مرز مخلداً فى الحب و الشمس و الماء و الزرع .
مرز لم يتحدث إلا قليلاً و لكن أهل القرية كانوا دائما الحدث عنه و على لسانه و لأول مرة أرى بطل رواية يتكلم خارجها و على غلافها و يعرفنا بنفسه و أعماله و يخبرنا أنه مصلح إجتماعى و أن رفض البعض ما فعل لكن فى قرارة أنفسهم يعترفون و ينبهرون و لا يبالي مرز أن يضحى بنفسه حبا للآخرين و لا يبالى .
الكاتب لديه قدرة فى بناء و رسم الشخصيات بشكل إبداعى كأنك تعيش بينهم و السرد و الحوار كان رائع . لا يسعنى إلا أن أقيم العمل بالعلامة الكاملة خمس نجوم
This entire review has been hidden because of spoilers.
فكرة قديمة و مكررة عن المتفرد و المختلف ونظرة الآخرين له.. مواقف بسيطة يتفاعل معها المتفرد تثير ابهار التقليديين من مجتمعه وتترك أثرها فيهم، لا يشغلنا ان كانت تصرفات ايجابية أم سلبية بقدر دكها لثوابت المحيطين به.. بالرغم من بساطة الحبكة، إلا أن الخمايسي كتبها بما يثير الحماسة الكافية للإنتهاء منها في جلسة واحدة.
يدهشني قلم الخمايسي دائما، ويحفزني بحثا عن المعنى الكامن وراء كلماته... الصنم من اوائل اعماله، وقد قرأت له انحراف حاد ومنافي الرب،وهما من اجمل ما قرأت لأديب مصري معاصر، وقد سحرتني هذه النوڤيلا بنفس الدرجة وربما سأقرأها مرة اخرى. مرز الصامت دائما، لا ينفك يسحر اهل القرية البعيدة بافعاله رغم اقتناعهم التام بهبله، ينقذ جوهرة قبل ان يذبحها ابوها ويتزوجها، يحبها ويمارس حبه لها بطريقة تختلف عن قسوة وجلف القرويين، يزرع حقله الوحيد بالورود رغم فقره، يرد على من ضربه بعزف الكمنجة، يحنط جثة جوهرة ويعزف في المسجد عند وفاتها، ثم يختفي لينحت صنما لها بالصخرة التي تعتلي القرية. يبدو لي ان ما يشغل بال الخمايسي هي فكرة الخلود وهو ربما ما ترمز اليه فكرة الصنم، ولكن ما يهمني كقارئة ان شخصيات رواياته خالدة دائما في ذاكرتي.
نعيش في حياة جميع أفرادها صالحون، وحقيقة لا اعرف ما السبب في هذا لم ير الكل في ن��سه الصالح الناصح والقادر على فهم حل جميع الأزمات بل أيضا قادر علي فهم كل ما يدور في نفس الأخرين وكأننا أصبحنا أنبياء ونحن بالكاد أسوء المخلوقات يجمعنا فقط الشعور بالمثالية والكمال ولكن الحق يقال هناك من يعي من هو، يعرف حق المعرفة لم خلق وما سبب وجوده على تلك الأرض البعض فقط من يعرف أننا خلقنا من اجل الموت نعم الموت جميعنا نهابه ولكن ما نخفيه أننا ننتظره ننتظر أوانه لعل ما بعده يخرجنا من ظلمات الحياة نعيش في الحياة لنعبث ونتمنى أن تنتهي حياتنا لنصل إلى الجنة ومن يدري من من الحق بها سواه هو وحده من يعلم خفايا القلب ويعلم لم صنعنا هذا أو ذاك لست ممن يحكم على الأشخاص ولا أكتب ذلك حتى ادعي الكمال ولا حتى ممن يستحقون أن يتحدثوا باسم الدين ولكن يخاطرني سؤال هل يمكن لمجنون أن يصبح اعقل من العاقلون
الصنم
تعودت أن اقتني الأعمال التي أشاد بها أحد أصدقائي ولكن ماذا عن كاتب كل أعماله تم ترشيحها لي وبقوة وها أنا أقرر أن انتزع من عقلي جهلي بكتاباته فقررت أن ابدأ بأول أعماله
الصنم رواية بسيطة تتمحور في قليل من الصفحات، هذا ما ظننته في البداية وقد خاب ظني استطاع الكاتب أن يصنع في قليل من الصفحات رواية شيقة قوية تحمل بين خبياها كثير من الحكم التي أصبحنا نه��لها فللكاتب نظره فلسفيه ممتعه للغاية فما أن بدا معي العمل، اخذ يتعمقني حتى إنني أصبحت أعيش العمل لا اقرأه مما أسعدني وجعلني أيقن أن ما يختاره لي ذلك الصديق هو مثالي ولا يمكنني الاكتفاء منه
الفكرة غريبة بس حلوة مبدعة أوي عجبتني " ما أن انتهيت من العمل حتى سألني صديق عن رأيي تلك كانت إجابتي الفكرة بالكامل غريبه حتى أنها لا يمكن أن تخطر على بالك فمهما صنعت عصف ذهني لن تصل إليها ولكنها جميلة جدا، مميزة ودسمة مبدعة لا تخرج إلا من قلم مبدع تفنن في صنع عمل لا يستهان به لذلك فهي أعجبتني وبشدة.
اللغة من أروع عناصر العمل حيث أنها قوية جدا، تخرج من شخص يجيد اللغة بشكل مبالغ فيه فكانت كل كلمه ذات معني عميق لا يمكن الاستدلال عنه بسهولة وكأنها تعيد في عقلك القوام المضبوط للغة العربية
الحبكة بدون مبالغة هي الأروع على الأطلاق رغم أن العمل صغير الحجم وعدد صفحاته قليل جدا إلا أن الكاتب استطاع أن يدخلني عالم أخر غريب عني بل يجعلني أعيش بداخله وكأنني ولد فيه ورغم أن الحدث قصير إلا إنني كنت اشعر بأدق تفاصيله حتى إنني بعد أن أنهيت العمل اندهشت أن جميع ما عشته من أحداث كان في تلك الصفحات
السرد كان سلس متسلسل أراد الكاتب أن يجعلك تعيش الأحداث بترتيبها فلا تغفل جفناك عن شيء تبدأ منذ البداية وتنتهي مع النهاية وكما ذكرت سابقا استطاع الكاتب أن يضعني بعالم كبير من خلال بعض الصفحات وهذا أن دل فهو يدل على قدره الكاتب علي سرد الأحداث دون أضافه الحشو الزائد فالعمل كان مصنوع بجوده عالية اشتمل العمل على تسعة وتسعون بالمئة سرد حيث أن الكاتب فضل أن يقدم العمل على أساس الحاكي للقصة وهذا ما جعل نسبه السرد تفوق الحوار بالكثير
الحوار لم يكن كثيرا بل كان قليل للغاية فقط بعض الجمل لخدمه العمل أو كما أقولها أنا ل إظهار شخصية بعض الأفراد
الشخصيات.
"مرز" الشخصية الأغرب على الأطلاق الأجن والأعقل والأجمل والسؤال هنا هل كنت حقا مجنون وان كان ذلك صحيح لمَ لم اشعر بذلك!
أهل القرية أظنكم لا تختلفون كثيرا عن هؤلاء المتعايشون في عالمنا أنتم تمثلون جميعنا ففي كوكبنا نري كل عاقل مجنون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفن ... الجمال ... انه هذا الإله الذي يجعلنا ننتصر ... فإن كنا عبيدا و كهنة له اتهمنا بالجنون ... رغم أن السماء تطيعنا... إن سرت في الأفراح الصاخبة و أصحابها (المزعجين ) لجلب هذه القطع الصغيرة من اللحم النتن .. أقوم من نومي فجأة في فجر قاس .. ناء عن بشر يحبون الراحة للزرع و القلع .. و أزرع أرضي وردا .. اتهم بالجنون ... أحارب القرموط .. الشر .. ابن الزواني .. بفني .. أفوز .. فأكون مجنون ... أحب .. أعشق .. أكون مجنونا ... أصمت فلا أتكلم مع هؤلاء البشر ، و لا أتعامل مع هذه الحياة الصاخبة الا بالصمت .. اتهم بالجنون .. فقدان الأهل .. فقدان النفس ... إن حاربت هذا اللعين الذي هزمني بفني .. أكون مجنونا ... أنا ( مرز ) ... الذي وصلت لأن أخلق الصنم ... صنم الجمال .. الفن العشق ... صنم الجوهرة... ... رواية رائعة .. ممتعة جدا .. لا أعلم كم مر من الوقت و أنا تحت سحرها ... بداية أتكلم عن الشئ الذي يميز أشرف الخمايسي ... إنه ... السرد ... الخمايسي مبدع ... سرده رائع .. بديع ... يسحر بين بحور رواياته ... سرد من أحد السكان ... أحد المتحدين مع الجميع ... المنقلبين على المجنون ... فيذهلنا بالتفاصيل الرائعة ... صوت المزمار الذي رن في أذني ... و الضوء اخترق عيناي ... و الإبداع سحرني ... انه هذا السرد الرائع .. بلغته الفصيحة .. الرائعة ... ... الحوار حوار عامي مصري ريفي ... رائع ... السب فيه معبر جدا .. عن حالات الغضب .. السخرية ... ... الحبكة قوية جدا ... بناء الشخصيات رائع ... بداية من ( مرز ) الى أصحاب المشاركات القليلة في هذه الرائعة مثل ( هدية ) و غيره ... ...