««الموت يضحك»؛ من المجموعات القصصية الجديدة البارزة التي تسجل بقوة وجدارة ميلادَ كاتب موهوب، يستطيع أن يمضي بموهبته إلى أعلى درجات النجاح والتأثير، فهو يمتلك كثيرًا من الأدوات التي تجعل منه صوتًا متميزًا في أدبنا الجديد، وهو صوت مليء بالشاعرية والحزن والرؤية الفلسفية والإنسانية البعيدة كل البُعد عن السطحية، كما أنه لا يُكرَّر ولا يُقلَّد، بل يحاول أن تكون أعماله الفنية صورة حية صادقة لإحساسه الخاص وتجاربه المستقلة؛ ولذلك فهو واحد من الفنانين الذين ننتظر لهم ومنهم شيئًا له قيمة في مستقبل أدبنا العربي». من مقال الأستاذ رجاء النقاش - مجلة المصورـ 5 أغسطس 1988
ولد في مدينة المنصورة، وتعلم في مدارسها، وتخرج من كلية الطب بجامعتها، وحصل على درجة الاختصاص العالي في طب النفس والأعصاب من معهد الدراسات العليا للأطباء بمدينة كييف (عاصمة أوكرانيا)، كما حصل على اختصاص إضافي في الطب البديل من المعهد ذاته. مارس الطب النفسي في مصر وعمل أخصائيا إكلينيكيا بمستشفى بافلوف.
هجر الطب والتحق بأسرة تحرير مجلة العربي في العام 1992م، ثم عاد إلى مصر، وعاش فترة في سوريا هو الآن مستشار تحرير مجلة العربي من القاهرة. له سبعة كتب قصصية، وكتاب علمي عن الطب البديل، وكتاب إلكتروني في أدب الرحلات، وكتابان قصصيان في الثقافة البيئية للأطفال. قال عنه نجيب محفوظ: إنه موهبة فذة في عالم القصة القصيرة وقال يوسف إدريس: يمكننا أن نكوّن من قصصه باقة من أجمل القصص العالمية.
من أكثر الكتب التي فرحت بشرائها، لأنني وجدته بالصدفة في كومة هائلة من الكتاب الملقاة على الأرض في معرض الكتاب، وكان ثمنه جنيها واحدا! لا أعرف للكتاب طبعة أخرى غير هذه الطبعة الصادرة عن دار الفكر عام 1988. المجموعة بها قصص أكثر طولا من قصص المخزنجي الأخرى، وربما أكثر حزنا كذلك.
أحمد الديب يوليو 2010
تحديث
ها أنا أعيد قراءة هذا الكتاب النادر -الذي لم تصدر منه طبعة أخرى حتى اليوم- لتسجيله كاملًا بصوتي، حيث سيظل متاحًا لزوار مكتبة طه حسين داخل مكتبة الإسكندرية. لهذا التسجيل وحده قصة، بل قصص. لكن الأكثر عجبًا هو أن تمر عشر سنوات بين القرائتين -ومعرفة معلومة كهذه من إحدى الميزات القليلة التي تبقت لجودريدز- وأجدني أقرأ بعض القصص فيغمرني الذهول. هذه المرة سأذكر عناوين القصص التي أتوقع ألا أنساها مرة أخرى، وإن كنت أتوقع أن تظل تدهشني للأبد:
الفئران أمام بوابات القمح حيث الناس والبيوت هذه المزرعة البلاد البعيدة الموت يضحك هل هي آخر تحية للورد؟ دم الغزال
نجمتان ونصف كان بتلك المجموعة بعض "الرمزية" التي لا أميل كثيرا إليها. وكان لرداءة النسخة الإلكترونية عامل أخر في عدم استمتاعي الكامل بتلك المجموعة. ولكن هذا لا يمنع من أن "بحبك جدا يا دكتور محمد والله أيا كان اللي بتكتبه". ❤️❤️❤️
عندما كتب المخزنجي هذه المجموعة البديعة كنت لا أزال أتعلم أولى خطواتي في ضم الحروف ...... أعد هذه المجموعة من اكتشافاتي الشخصية، إذ لم يدلني عليها أحد، في الحقيقة نفرت منها في البداية ... المجموعة 14 قصة لا أعلم كيف ضمهم في كيان واحد، في بعض القصص بعض الإملال، ولكنه فجأة وبغتة أمتعني جدًا ... وهو درس من دروس وجويب إكمال المجموعات القصصية لإن الكاتب قد لا يبرع في ترتيب مجموعته ... يا أخي!
لم أكملها بعد ولكن يكفيني منها حتى الآن (هل هي آخـر تحيـة للورد) ا . . شكرًا يا محمد لأني تعرفت عليك
ينطلق ترام الحكايات بأحلامنا الوردية وأمنياتنا البريئة متجهاً إلى "البلاد البعيدة" فتغفو في مقطورته المظلمة عارية ببراءة تستجدي شيئاً من الدفء، إلا أنها في محطة التوقف الأولى تصحو مذعورة على لطمات الخيزران وتتبخر مع دموعنا الحارة ونشيجنا المكتوم.
"ما بال هذا الأنين" تطلقه حناجرنا في تلك اللحظة ككائنات مذبوحة، نحاول الهرب إلى "حيث الناس والبيوت"، نصطف منتظرين الأمل "أمام بوابات القمح"، وخلف "الأسوار"، فيأتي الموت هازئاً يقتص منّا ولأجلنا..
"الموت يضحك" عندما نقف بلا حول ولا قوة تحت سقف أحلامنا الآيل للسقوط، يتربص بنا خلف الأبواب، أثناء وقوفنا مشدوهين أمام شريط أيامنا المنفلت من آلة الحياة ، وبلا مبالاة يشن "الحرب" على "هذه المزرعة" البشرية فيحصد أرواح فرائسه دون أن يعير مسيرة حياتهم التي لم تكتمل بعد أدنى اهتمام، لينقلهم ببرود إلى تلك الغرفة الرطبة الباردة التي تحتلها "الفئران".
إلا أنه يستعصي ويتمنّع عندما نرغب به بشدة، وأقصى ما نستطيع القيام به أمام تجبره إذا ما طالبناه وتوسلنا إليه أن يقبض أرواحنا عوضاً عن أرواح أولئك الذين نحب، هو "المخالسة" والتضرع والبكاء، ثم السلوان والنسيان.
سائقة التروللي، هل هي آخر تحية للورد، ختان بروسلي، دم الغزال، إضافة إلى ما أطّرته في الأعلى بين أقواس، هي عناوين قصص هذه المجموعة الجميلة.
وكما أؤكد في كل مرة - وجهة نظري الشخصية - فإنني لم أجد إلى الآن بين أدباء العصر الحديث من يداني براعة المخزنجي في كتابة القصص القصيرة.
سؤال واحد يلح على و أنا أقرأها..كيف كانت حالة الكاتب و هو يكتبها؟؟ كل قصة من ال 14 زادتنى حزنا و تأثرا... حتى أنى لم اكن أعرف هل الموت يضحك لنا..أن يضحك علينا!
وبهذا أكون قد أكملت قراءة المجموعات القصصية السبع للمخزنجي. إلا أن هذه هي أقلها إبداعاً -من وجهة نظري- ليس بها روح المخزنجي المبدعة الرقيقة سوي في قصتين من أصل أربعة عشر؛ ويبدو أن هذا الاختلاف آو الابتعاد للمخزنجي عن عادته في أقاصيصه مقصود، وقد حذر منه على الغلاف الخلفي للمجموعة، وهو ما لم أصدقه في البداية.
"البلاد البعيدة" أعجبتني بشكل خاص واعتبرها من أفضل ما كتب المخزنجي. بكيت في آخر سطر منها فقد لمست الجرح الغائر في أعماق نفسي.
نُشِرَت هذه المجموعة القصصية في عام 1988، ولذلك فإعادة طباعتها مرة أخرى تشير إلى أنها "قصص لها قصة" بالفعل!
في مقدمة محمد المخزنجي لهذه الطبعة، يحكي عن آلامه النفسية والجسدية التي تسبب فيها نشر هذه المجموعة نشرًا سيئًا، فاختلطت الأسماء، وتغيَّر ترتيب الجُمَل في أغلب القصص، وربما أغلب الصفحات؛ وإن كان القارئ يعلم مدى تأثير ذلك الأمر سلبيًا على المؤلف، فهو على علم بما دار داخل المخزنجي حين رأى الطبعة الاولى بين يديه: "فقد استولى عليّ إحساس أن كتابًا بهذه الصورة من ركاكة الغلاف وأخطاء الطباعة لن يستعصي على القراءة العادلة فقط، بل سيُشرِّعني لسهام مسمومة ممن لا يحيون إلا على جثث الآخرين، وهذه طبيعة موجودة في الجانب المظلم من سيكولوجية التنافس - قليل الأدب - حتى في الأدب!".
ولم ينتشل محمد المخزنجي من هوّةِ أحزانه سوى مقال الدكتور رجاء النقاش، المنشور في مجلة "المصور"، العدد 3330، 5 أغسطس 1988؛ وبذلك، وبعد قراء هذا المقال من بلادٍ بعيدة كان المخزنجي يقيم فيها، نجده يقول: "بكيت وضحكت وشرقت بالبكاء والضحك في ظلال الغابة ووقفت أدور حول نفسي فاردًا ذراعي ورانيًا إلى وضاءة سماء الخريف بين هامات الشجر السامق. وكانت تواكب رقصتي الدوارة غمرة حاشدة من شقشقات العصافير. رأيت الدنيا جميلة جميلة جدًا، ورأيت نفسي صحيحًا، بل عفيًا، عافية عجيبة تدفقت في كياني فقفزت أتصايح شاتمًا بغير تحديد: «يا أولاد الكاااااالب. يا أولاد الكاااااالب»، وكانت صيحاتي الشاتمة تكنس بعاصفتها «مرتشي موسكو» وخنزيرة كييف، وكل من آذوني دون تحديد. كنت فتيًا كأنني في العشرين برغم تجاوزي الخامسة والثلاثين، كأن عاصفة طاقة قد هاجت في داخلي. تلاشى انحطاط قواي الذي كان يهوي بي أو يكاد، ثم انطلقت كسهم ناري أضمر أمرًا تشكل كالبرق في أعماقي ...".
وتصادف أنني مررتُ بمثل هذا الموقف في إحدى كتبي، ولم أكن أعلم عن أهوال مثل هذا الموقف على مَن يَكون في رقة المخزنجي، فأتتني كلماته بعد احتياجي لها بقليل، وربما بكثير، لكنني فهمت كلَّ حرف من آلامه حَدّ التماهي معه.
أما المجموعة القصصية ففيها من الرقة والعذوبة ما فيها، وهي، مثلها مثل كل المجموعات القصصية التي أتت بعدها، إنما تَصْدر عن روح شفيفة، ودقة في محاكاة المشاعر والأحاسيس الإنسانية غير معهودة في لغتنا، في العصر الحديث.
مجموعة أخرى، انتصر فيها المخزنجي بعد عقود بصدور الطبعة الجديدة، وانتصر انتصارًا شخصيًا فيها منذ عقود من خلال رجاء النقاش ... وينتصر بها إنسانيًا، الآن، من خلال قارئ يستطيع تذوُّق الأدب في إحدى تجلياته الاستثنائية.
مجموعة فائقة الجمال... كلمة فائقة هنا لا تحمل مبالغة. المقدمة التي وصفها د. محمد المخزنجي بـ"قصص لها قصة"، فضلًا عما كتبه الأستاذ رجاء النقاش رحمه الله عنها، أضافت إلى جمال المجموعة. حتى لو لم يكتب د. محمد في المقدمة أن هذه القصص كُتِبت على مدار سنوات مختلفة، يستطيع القارئ بيسر أن يلاحظ ذلك لأن الأسلوب مختلف بين القصص. على الرغم من اختلاف الإيقاع والأساليب بوضوح، لكن هناك أيضًا ما يجمع القصص: الموت، والحرية، والإشارة المعتادة إلى حيوانات كثيرة أذكر منها الفئران والقطط والكلاب والغزال والذئاب. أولى القصص بعنوان الفئران قاسية بدرجة مفرطة، وما يزيد من قسوتها هي أنها قسوة غير متوقعة، مكتوبة على مهل وشاعرية ورتابة مقصودة. من أقسى ما قرأت للمخزنجي، لكنها بالطبع رائعة أدبيًا. بعض القصص تصل في إلى مستوى شاهق أدبيًا وإنسانيًا مثل: الحرب - دم الغزال - المخالسة - ما بال هذا الأنين - البلاد البعيدة. ربما قصة أو اثنتان فقط كانوا في مستوى متوسط أو دون المتوسط، لكن الغالبية في مستوى شاهق حقًا. المجموعة مهمومة جدًا بالموت والحرية، ومتنوعة جدًا في أسلوب الطرح، فمنها القصص التي تعتمد مشهدًا، ومنها القصص الطويلة بعض الشيء وتناقش تجربة كاملة.
مجموعة قصصية مميزة فيها الكثير من الالم تعري امامنا عورات المجتمع المصري وتكشف لنا حياة طبقة من المصريين نتناسى وجودهم حتى لا يعذبنا الضمير. اقل القصص تاثيرا كانت الموت يضحك فلا ادري لما اختارها المؤلف لتحمل المجموعة اسمها، ربما لانها الوحيدة تقريبا التي بها تحدي للبؤس بالبهجة والضحك. عموما المجموعة كلها جميلة واوصي بقرائتها
القدرة على حشد كل تلك الطاقة من الخيال ، وصبها في أفكار متنوعة مثل تلك المجموعة ، هو أمر لا يقدر عليه إلا أحد كبار أساتذة القصة ولا ريب ، أعجبتني كلها وبالأخص : أما بوابات القمح - البلاد البعيدة - دم الغزال .