لقد ظننت بادئ الأمر أن صورة ما بقي من معالم بيت دجن من جدران تم هدمها وبيوت تم تدميرها وطرقات مهجورة، هي الصورة الوحيدة التي ستُطبع في الذاكرة، لكن وجدت ما اوردته في كتابي هذا عن بيت دجن من المراجع والموسوعات، وان ما تختزنه ذاكرة أهلها، اكثر بكثير من صور محنطة او تعابير صامتة. لقد حولتْ ذكريات اهل بيت دجن التي استرجعوها تلك الصور والتعابير الى حياة ماثلة للعيان بارتعاشاتها وحركاتها واصواتها. اصبحت ارى بيت دجن كما لو أنني أعيش فيها أيام كانت تدب فيها الحياة في كل يوم من الفجر الى اخر الليل: أذان في المسجد الشرقي، عمال بدأوا مشوارهم من حاراتهم إلى المطامير، أصحاب المتاجر والدكاكين يهمون بفتح أبواب دكاكينهم ومتاجرهم، طلاب وطالبات يصفون في طابور الصباح في المدارس... إنه يوم الخميس وبعد ساعات قليلة ستبدأ سهرة العريس وليلة الحناء للعروس. وغداًالجمعة سيمتلئ جو البلدة بالزغاريد والأغاني في زفة العرس المتجهة من بيت والد العريس الى البير والمطامير و الجرن، زغاريد تملؤها البهجة وتعلن عن بدء فرحٍ جديدٍ في بيت دجن...