ظلت شخصية الشيخ عبدالسلام الأسمر، عصيّة على الباحثين لزمن طويل إذ طالما نظروا إليه كظاهرة خارقة في الحياة الثقافية في ليبيا، حجبت كلّ من عداه.
فهو عند أكثرهم لم يكن صوفياً بالمعنى العلمي وإن كان شخصية شعبية بامتياز، ويأتي هذا الكتاب ليكشف عن حقيقة الشيخ الأسمر وعن دوره في انتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة آنذاك، وإدراكه ضرورة القيام بعمل ما يستهدف إصلاح هذه الأوضاع، والخروج بالمجتمع من المتاهات والخرافات التي خلفها الفراغ السياسي والتردي الاجتماعي.
وهذه الرسائل التي تنشر لأول مرة – بعد أن أصبحت أصولها في حكم المفقود – جزء من مشروع كبير تناول زاوية الأسمر وإشعاعها الروحي والحضاري استغرق من جهد الباحث سنوات عدة. رامياً من ورائه إلى تصحيح النظرة إلى رجل اختلف حوله العلماء والفقهاء والباحثون واتّهموه بالشعوذة والادّعاء. واضعاً إياه في مكانه الصحيح بين شيخيه أحمد زرّوق وعبدالواحد الدكالي، وفي مكانته كعالم صوفيّ فقيه رسم لأتباعه منهج حياة نجد معالمه في هذه الرسائل.
يعد عبدالسلام الأسمر أشهر المتصوفة الذين أنجبتهم ليبيا على مرّ العصور وأكثرهم تأثيراً حتّى اللحظة. نسبه المتّصل إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب يمرّ على إدريس الأكبر مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى. في هذا الكتاب، يقدم الدكتور مصطفى رابعة جمعاً وتحقيقاً لإحدى عشرة رسالة من رسائل الشيخ عبدالسلام الأسمر إلى مريديه في مناطق متعددة من المغرب الإسلاميّ تصل إلى المغرب الأقصى وتنثني جنوباً حتى تمبكتو بمالي. بالإضافة إلى جمع الرسائل وتحقيقها، وتخريج الأحاديث بها، ونسبة الأقوال الواردة بها لأصحابها مع تراجمهم، يقدّم الكتاب نبذة عن الشيخ، مولده ونسبه وقبيلته والبيئة التي عاش فيها. بعيداً عن كلّ التصوّرات والانطباعات المسبقة، نجح هذا الكتاب في رسم صورة في ذهني لعبدالسلام الأسمر على أنه عالمٌ استوعب ما وقعت عليه يداه من معارف في الفقه وفي التصوف. لم أجده من غلاة المتصوفة القائلين بأفكار غريبة عن الإسلام كوحدة الوجود ونحوها، أو من المغرقين في الرمزية المضيّعة والمتعبة أحياناً. بالعكس، عباراته وتوجيهاته في غالبها قصيرة بليغة محكمة وإن طغى عليها في بعض الأحيان الأسلوب السرديّ المطيل.