"مِنْ أين يبدأُ عاشقٌ بمديح من يهوى؟ من أين يدخلُ في تفاصيل الغموضِ أو الوضوحِ في جسمها المكنونِ، ما دامتْ أظلّتها تفيضُ على المديحِ والوقتُ من وجدٍ تُرابيٍ، ومن نجوى"
ولد الشاعر محمد عمران في قرية الملاجة ناحية حمين في محافظة طرطوس عام 1943 م , من أبرز أعلام شعراء الحداثة العربية الذين تلو جيل الاوائل .
تلقى تعليمه الأولي في قريته الملاجة ثم في المدارس القريبة في الدريكيش , ثم درس الثانوية العامة في مدينة طرطوس , وبعدها انتقل الى دمشق لينال إجازة في اللغة العربية من جامعتها وحصل بعدها على دبلوم التأهيل التربوي .
عمل في بداية حياته العملية في التدريس متنقلا بين المحافظات السورية, ثم استقر في دمشق , ومنها انطلقت مسيرته الأدبية .
نشر أول قصيدة له في مجلة " النقاد" ثم تبعتها قصائد أخرى متلاحقة في المجلة ذاتها في بداية الخمسينيات .أما أول قصيدة حديثة نشرت له فكانت في مجلة » الآداب« عام 1956 وفي دمشق تسلم عدة مناصب أدبية مهمة ..
واستمر في عمله هذا حتى أبعده المرض الذي صارعه طيلة اثنتي عشرة سنة متغلبا عليه بالشعر والحب ,وبالايمان بالحياة ,لكن الموت انتصر عليه أخيرا في 22/10/1996 منهيا بذلك حياة فارس من أهم فرسان الحداثة الشعرية لجيل الرواد في الوطن العربي .
توفي الشاعر الكبير محمد عمران عن عمر يناهز اثنين وستين عاما , أخلص منها مايقارب الأربعين لقضية الشعر وحده , فترك للمكتبة العربية ( ثلاث عشرة مجموعة شعرية منشورة ) بالإضافة الى مقالات وزوايا وخواطر ودراسات في الصحف والدوريات المحلية والعالمية جمع بعضا منها في ثلاثة كتب هي : /أوراق الرماد / و / كتاب الأشياء /و / للحرب أيضا وقت / هذه الأعمال الأدبية ذات مناخ شعري رفيع , ولاتزال في أوراقه مجموعة كبيرة من الكتابات النثرية المشابهة التي نشرت في الصحف والمجلات السورية والعربية , وهذه الكتابات النثرية جميعا هي خلاصة آرائه في الشعرية العربية المعاصرة وفي الأوضاع العربية والثقافية العربية على وجه الإجمال .
إن ما أنجزه محمد عمران كان نمطا ممتازا من تأصيل الحداثة أو تحديث الأصيل وهذه ميزة القصيدة عنده في غالبية نماذجها الرفيعة ولاينكرها عليه أحد من دارسيه . وقد لعب شاعرنا الراحل دورا مهما لا في حركة الثقافة العربية في سورية فحسب , بل أيضا - وبالقدر الممكن - في حركة الثقافة العربية إجمالا . وكان للحضور الكيس له في الحياة الثقافية العربية , كما في الحياة الاجتماعية العامة أثره الواضح .
أصدر محمد عمران اثنتي عشرة مجموعة شعرية، وصدرت له بعد وفاته المجموعة الثالثة عشر، وهي: 1- أغان على جدار جليدي، 1967م. 2- الجوع والضيف، 1969م. 3- الدخول في شحب بوان، 1972م. 4- مرفأ الذاكرة الجديدة، 1972-1973م. 5- أنا الذي رأيت، 1978م. 6- الملاجة، 1980م. 7- الأزرق والأحمر، 1984م. 9- محمد العربي، 1984م. 10- اسم الماء والهواء، 1986م. 11- نشيد البنفسج، 1992م. 12- كتاب المائدة، 1995م. 13- مديح من أهوى، 1998م
هذه امرأة لا تسمى فصول ابتسامتها . هذه امرأة الظن يورق حين تمر السؤال . الحمد للشعر استعنت بوجهه فأعانني . الحمد للوقت الذي استلهمته حتى تجيء يداك من غيبٍ اليّ فأشد في افقيهما ما انهد من أجزاء روحي . قلبي يدل عليك . انا ساهر بالقرب من عينيك احرس نومك الهاني . ماذا أقول لكي يصدقني الذين رأوكِ في قلبي وقالوا لا أحد . هي الأشياء تنضج في مرايانا فتسقط ثم في بطيء تموت
. يارب هذا الحب يوجعني كأني ما أزال في أول الأنثى كأني ما ابتدأت الأرض بعد . كأني لم أكن رجل الخسارات الكبيره والصغيرة فارس الوقت القتيل من جاء من موتٍ إلى موتٍ إلى عينيكِ يعلن منهما الحلم البديل . سبحان من أعطى يدي قلبًا لتنبض في يدك . كلما قلتُ دنوت ابتعد الوقت . من أين آتي اليْ ومريم تسكن كل شئ . . اسلوب رقيق وعذب
سبحان من خلق الكلام، فإن اسمك في الكلام و لأن وجهك من رضى سبحان من بسط الرضى و لأن طبعك من غمام سمّيتُكِ الوقتَ الجميل، و قلتُ قولي في مديحكِ و السلامْ ........ عذب جداً.
ثمة وتر من العاطفة، مورّث من الأب لابنته، لمسته في سطوره هنا.
«سبحان من أعطى يدي قلباً، لتنبض في يدكْ سبحان من أبقى مدىً لغدي، ليسكنَ في غدكْ سبحان من خلق الكلام، فإن إسمكِ في الكلامْ ولأن وجهكِ من رضىً، سبحان من بسط الرضى ولأن طبعكِ من غمامْ سمّيتكِ الوقت الجميلَ وقلتُ قولي في مديحكِ والسلامْ»
ديوان شعري، لوصفه أحتاج لأستعين بشطره الأول، “من أين يبدأ عاشقُُ بمديح من يهوى؟”
يالها من كلمات هذه الكلمات!!! وياله من شعر هو شعره… أسلوب رقيق ولغة شاعرية شفافة إستخدمهم الشاعر السوري الراحل “محمد عمران” في هذا الديوان الذي أعِدّه من أجمل تجاربي في قراءة الشعر. ديوان يتكون من سبع قصائد خفيفة كخفة حالاتها وتعبيراتها؛ فمنها ما يتغزل في الأنثى، ومنها ما كان كسيرةٍ ذاتية للشاعر. فضلت قصيدة “مديح من أهوى؟” لمّا فيها من تجميع لحالات الحبّ، الشجن، والتودد بين الرجل والمرأة.
الحمدُ للوقت الذي استمهلتُهُ، حتى تجيءَ يداكِ من غيبٍ إليّْ فأشُدَّ في أُفقيهما، ما انهدَّ من أجزاءِ رُوحي -من قصيدة مديح من أهوى
من الملفت التنويه في “قصيدة لم تتم” وهي أخر قصيدة ضمها هذا الديوان، لأن الشاعر توقف عن الكتابة وانتهت حياته قبل انتهاء القصيدة.
"فلَيكٌنْ ما بين عينيك وبيني سفرُُ، إني تزودتُ، خذيني ليديكِ كلمّا قلتُ دنوتُ، ابتعدَ الوقتُ كأن الوقت رمل وسرابْ إنني أعشقه هذا العذابْ إنه أغلى هداياي إليكِ." -من قصيدة رباعيات الصباح
ديوان شعري أظن بأنني، كعادتي مع القراءات الشعرية، سأقراءه لمرات أخرى عديدة بصحبة فنجان قهوة.
أخيراً، بعض الاقتباسات من القصائد.
"سبحان من أعطى يدي قلباً، تنبض في يدِكْ سبحان من أبقى مدىً لِغدي، ليسكنَ في غدكْ سبحان من رفع الصلاةَ إلى فمي، لأقيمها في معبدكْ سبحان من خلقَ الكلام، فإن إسمكِ في الكلامْ ولأن وجهكِ من رضىً سبحان من بسطَ الرضى، ولأن طبعك من غمامْ سميتُكِ الوقتَ الجميلَ، وقلتُ قولي في مديحكِ.، والسلامُ." -من قصيدة مديح من أهوى
"هل ريمُ ماءُ النهرِ؟ أم ريمُ هي الأنهار أم أنها الشعر الذي تحلم أن تكونهُ الأشعارْ؟" -من قصيدة وجه ريم
"من أين يبدأ عاشقٌ بمديح من يهوى؟ والوقتَ من وجدٍ تُرابي، ومن نجوى يا رب هذا الحب يوجعني... كأني ما أزال في أول الانثى كأني لم أكنْ رجل الخسارات الكبيرةِ والصغيرةِ. فارسَ الوقتِ القتيل؛ وقتٌ لعينيكِ، واقمتُ الصلاةَ على ميقاتهِ. سبحان من خلقَ الكلام، فإن إسمكِ في الكلامْ ولأن وجهكِ من رضىً. سبحان من بسطَ الرضى. ولأن طبعك من غمامْ، سميتُكِ الوقتَ الجميلَ. وقلتُ قولي في مديحكِ.؛: والسلامُ"
من أين يبدأ عاشق بمديح من يهوى؟ والوقت من وجد.. ومن نجوى يا رب هذا الحب يوجعني كأني في أول الألفة كأني لم أكن رجل الخسارات الكبيرة والصغيرة سبحان من خلق الكلام فإن اسمك في الكلام سبحان من بسط الرضى ولأنّ طبعك من غمام سمّيتك الوقت الجميل وقلت قولي في مديحك والسلام!"
لا أمل قراءتها لا أمل سماعها، العمق الأدبي في هذه القصائد يهزّ الروح!
* " يا ربِ ، هذا الحب يشبهني ... وهذا الوقتُ هل هي غيبةٌ كانت ، وهل هذا حضورْ ؟؟؟ هل كان يغفو النهرُ في جسدي ؟؟؟ وكنتُ أظنهُ يجري ... وهل هذي الطيورُ كانت تبيتُ على مداخله ، وكنتُ أظنها رحلتْ !!! يا رب ، هذا الحبُّ يوجعني ، كأني ما أزالْ في أول الأنثى ... كأني ما ابتدأتُ الأرضَ بعدُ ، كأنني في أول الوطنِ الجميلْ ... وكأنَّ بلور الطفولة ما تكسَّر في دمي وكأنَّ قلبي لم تجرِّحه الشظايا ، أو كأنَّ الماءَ لم يشنق على شفتي ، ولم يمت الهواءُ على يدي ... كأنما المهدُ الموشى لم يصر جدثاً ... اليومَ تكتملُ القصيدةُ ، ها دنوتُ من الختامْ ... سبحانَ من أعطى يدي قلباً لتنبضَ في يداكْ ... سبحانَ من أبقى مدىً لغدي ، ليسكنَ في غدكْ ... سبحان من رفع الصلاة إلى فمي ، لأقيمها في معبدكْ ... سبحانَ من خلقَ الكلام فأن اسمك في الكلام ... ولأن وجهكِ من رضىً ، سبحانَ من بسطَ الرضى ... ولأنَّ طبعكِ من غمامْ ، سميتك الوقت الجميلَ ... وقلتُ قولي في مديحكَ ، والسلامْ " ...