What do you think?
Rate this book


Hardcover
First published January 1, 2006
«تعيش الفلسفة على الحوار والنقاش وتبادل الأفكار والآراء، وإبان ذلك لا يعتمد الأمر على التمكن من سلسلة التطبيقات؛ فهو يقترح أو ينصح بنوع معين من التصرف. فالأمر في المناقشات الفلسفية لا يدور حول إقناع الآخرين بكل الوسائل برأي ثابت، وإنما الأهم من ذلك جدً�� المشاركة في تطوير شيء محدد.»

لا يوجد شيء غير فلسفي مثل الرأي الذي يرى أن فلسفته الخاصة الحكمة الأخيرة، وذلك لأنه لدی بحث الحقيقة فإنه يجب الإقرار بما قاله أرسطوطاليس في فقرة مشهورة من كتابه "الميتافيزيقا":
"إن أحداً لا يمكنه أن يحوزها كاملة، وإنه لا يمكن لأحد من ناحية أخرى أن يخطئها بالكامل".
فلا بد للمرء أن يكون مستعداً للتعلم من الآخرين، وأن يمتلك في الوقت نفسه القدرة والشجاعة لإعمال فكره، وبهذا المعنى فإنني أتمنى للقارئ السرور والغبطة بالتفلسف.
الصور يمكنها تبعاً لغرض المتحدث أن تسلي، تعلم، تشنع، أو تجمل. وهي تسمح باستخدامها بطرق متعددة، ولذا فهي محببة جداً في كل أنواع المجادلات سواء أكانت سياسية أم علمية، والمرء يفرق بين أنواع عدة منها، من بين ذلك: التماثل، المجاز، الرمز، والاستعارة. في الرمز تكون نقطة الارتكاز في التاريخ. أما التماثل فصورة موضوعية باردة یکون فيها التوتر السردي أقل أهمية، وذلك لأنها تعتمد قبل كل شيء على منطقية البنية. أما الاستعارة فهي صورة مكونة تبعاً لشفرة محددة، وهي تستخدم في الفن والأدب بشكل أكبر من استخدامها في البراهين.
تنتج المحاكاة الساخرة حين يملك البشر إمكانية مراقبة بعضهم البعض، ويكون مسرحها فناء المدرسة أو المطعم أو في المكتب. وهي تظهر في دوائر أخرى أيضاً: في عالم الأدب أو في عالم الموسيقى، بل إن المجال العلمي الذي يبدو موضوعیاً يیسر ظهورها. فقرب المجالات البحثية التي يوجد فيها العلماء مقابل بعضهم البعض، والقرب الاضطراري لزملاء التخصص والإجهاد المرتبط بذلك يجعل النظر في خصائص الآخرين أدق، وهذه يتم نقدها ليس فقط ببراهين هادئة متحضرة، وإنما أيضاً بسخرية مدمرة.
يستخدم المتشككون القدامى الانتظار بطريقة خاصة جداً كي يصلوا إلى هدفهم الفلسفي. كان هؤلاء المتشككون أناساً يرون من وجهة نظرهم أن اعتقاد الناس في شيء ما بشدة هو ما يجعلهم تعساء أو حتى مرضى. ولذا يجب على المرء أن يجعل المسافة نفسها بينه وبين كل النظريات، وأن يحذر أن يترك نفسه تقتنع مرة بشيء ما؛ فهكذا فقط يمكن للمرء أن يجد السلام النفسي ويبقى سليماً معافياً.
من يريد إقناع الآخرين يجب أن يكون مستعداً لتحويل كلماته لأفعال، وهذا ما يحدث في الحياة اليومية بأن يبرهن المرء للآخر من خلال التضحيات الصغيرة والكبيرة بأنه جاد فيما يهدف إليه من صداقته وحبه وقناعاته.
نادراً ما يتحدد معنى إحدى الكلمات مباشرة من خلال عرض للأمثلة؛ ففي الغالب يكون من الضروري المقارنة مع الكلمات قريبة المعاني، وهذا يشبه أن معرفة المرء بآخر تكون أفضل إذا ما تعرف على أسرته أيضاً.
تدقيق النظر يعني أن الإنسان يحمل ما يراه على محمل الجد ولا يتجاهله. وهذا الأمر ليس بدهياً كما قد يبدو؛ لأن المرء يُعطي من خلال التربية والتعليم نماذج للرؤية لا يمكن له تجنبها، وهي نماذج تحدد أي التفاصيل مهمة وأيها جانبي لا وزن له. ومن هنا فإن من يرى شيئاً لا يراه الآخرون قد يواجه صعوبات لا يمكن له تجاوزها. ولا أعرف في هذا السياق مثلاً أفضل من تطور نظرية الزحزحة القارّية بواسطة الجيوفيزيائي الألماني ودارس المنطقة القطبية الفريد فيجينر. لقد نظر فيجينر بدقة إلى المعالم الساحلية للقارات، ولاحظ ما يمكن لكل طفل أن يراه، وهو أن معالم الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية يتناسب تماماً مع تجويف ساحل غرب أفريقيا، وإن المحيط بين أوروبا وأمريكا يمكن إغلاقه دون جهد إذا ما قام المرء بتحريك بعض الخطوط الساحلية قليلاً. كان يمكن لفيجنر بالطبع أن ينحي هذه الملاحظة جانباً ويهز كتفيه قائلاً: إن الأمر مجرد صدفة، ولكنه بدلاً من ذلك أعلن نظريته عن أن القارات كانت في وقت ما قارة عملاقة واحدة ثم انفصلت عن بعضها البعض. أخذ فيجنر يجمع الأدلة على صحة هذه الفرضية، وأشار من بين ذلك على سبيل المثال إلى تشابه عالم الحيوان في كل من أمريكا الجنوبية وأفريقيا الجنوبية لدرجة مدهشة. ورغم ذلك عُد فيجنر من قبل المتخصصين مجنوناً وغريب الأطوار. وقد أشير كدليل على جنونه إلى أنه لم يقدم "شرحاً" مقنعاً لهذه الزحزحة العجيبة للقارات، ولكن لم يكن من الممكن التدليل على فرضيته بواسطة النظريات المسيطرة آنذاك في مجال الجيولوجيا ولذا فإنها رفضت.
علاقة السياسي بالعلماء تشبه علاقة السكارى بعمود النور، أي أنه يبحث عن شيء يمسك به وليس عن تنوير.
"عندما تتحدث مع أحد الأوروبيين عن إله الحب، يتقبض وجهه ثم يبتسم. ييتسم بسبب سذاجة تفكيرك. لكن أعطه قطعة معدنية دائرية لامعة أو ورقة نقدية كبيرة ثقيلة - تلمع عيناه مباشرة ويجري ريقه؛ فالمال حبه، والمال إلهه".