هذا الكائن عادة، لا يعرف شيئًا. لا يطلب حقه، ولا يؤدي واجبه. أحيانًا يكون بيننا، ولا نعي ذلك. غريب، لا يدري ماهيته على وجه التحديد، ولا يدرك ما الذي يحدث حوله في الواقع. أكثر براءة من الساذج، وأقل ذكاءً منه. إنه كائنٌ مستقلٌ بوجوده، لا أحد يعرفه، ولا يعرف هو بدوره، أي أحد. إن العالم يمارس وجوده، ولا يلتفت له. يكاد لا يستنشق هواءً، ولا يشغر مكانًا. منفي خارج الزمن، في بعدٍ لا أحد يعرفه، ولا هو نفسه يعرفه.
حسنًا يا صديقي.. أنا كائن معذب مثلك، وقد أكون أكثر بؤسًا منك! لكن صدقني.. تلك الكتابة العدمية يحسنها كل أحد، ليست صعبة أبدًا فكرة التمرد والصراخ على كل هذا القبح، حتى الطفل يتقن الصراخ! وهل تظن أن الله خلقنا ليعذبنا؟! وهل تظن أنه خلقنا ثم ضيعنا؟! كلا والله.. الله أرحم بعبده من رحمة الأم بولدها.. فتأمل! حسنًا.. لماذا كل هذا الشر؟! ببساطة سأقول لك: إن الله لم يعدك بأن الدنيا دار نعيم، ولم يقل لك أنها المستقر الأخير، إنما هي دار عبور للدار الآخرة.. النعيم -يا صديقي- هناك في الجنة.. ولولا بقية من خوف، وشيء من رجاء، لقتلنا أنفسنا كمدًا.. وذاك الرجاء ليس وهمًا نتمسك به، أو غبارًا يحجب عنا الحقيقة، وإنما هو يقين في إله نعلم أنه لا يظلم الناس شيئًا. تقول أنك خلقت بدون إرادة منك، وأنك لم تطلب المجيء، لذا فأنت لست مطالبًا بشيء.. وأقول لك: بعيدًا عن موضوع إرادتك، إن الله الذي خلقك لم يخلقك عبثًا، وإنما خلقك لعبادته وعمارة الأرض. وبالنسبة لموضوع الإرادة: فهذا اعتراض عاطفي طفولي جدًا.. وما يدريك أن العدم أفضل من الوجود؟! هل جربت العدم؟! وبالمناسبة.. الكتاب معظمه قائم على الاعتراض على القدر، وأننا مسيرون لا مخيرون! تقول متذمرًا: " ألا تخجل الجنات من نعيمها بوجود كل هذا الشقاء على الأرض؟ ألا يغار الجحيم بوجود عذاب أعظم منه؟! ".. هل تدرك حقًا ما تقول يا عزيزي، هل سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم “؟! أظنك سمعته، فكيف تقول ذلك؟؟ رغم كل هذا، فقد كنت مترددًا بين تقييم الكتاب بنجمتين أو ثلاثة؛ لجمال اللغة وجمال بعض المعاني، ولأنني -في النهاية- شخص كئيب جدًا، وأحب النصوص الكئيبة.. لكن أن تتجرأ على الله -بقصد أو بغير قصد-، وتنسب إليه النسيان، فتقول: " ويخيل إليّ لو سألت الله عنه، سيقول: (لم أخلقه، لا أذكره) "!!! أعوذ بالله.. هل ينسب إلى الله النسيان؟!! وهو الذي يقول في كتابه: ” لا يضل ربي ولا ينسى “، ويقول في آية الكرسي التي يحفظها كل مسلم ” لا تأخذه سنة ولا نوم “. غفر الله لنا ولك يا فيصل! أخيرًا.. البؤس يملأ العالم، والعالم يسير إلى الفناء كما قلت، لكن ليس الحل أن نعارض الأقدار، ونحارب الحياة.. لو استخدمت تلك اللغة الجميلة في شيء أكثر نفعًا، لأفدت وسلمت! وما فائدة الأساليب الجميلة إذا كانت المعاني قبيحة؟! بالطبع، أنت حر.. تلك إرادتك.. لكن -حقًا- أحزنني أن توظف تلك اللغة الراقية جدًا في نصوص كهذه.
هذا الكتاب يواجه كل المخاوف التي تسكننا. كل التساؤلات التي لا نجرأ على طرحها. كل الأحلام التي هي بالحقيقة كوابيس. كل الخيبات والتعثرات التي تعيقنا عن الوصول.
الكائن في هذا الكتاب لم يكن يمرح أبداً؛ كان يصرخ في وجه هذا العالم كان يصرخ في وجه العدم!
صراخه كان واضحاً ومتقطعاً ومخيفاً وعلى الصفحات كانت آثار مخالبه وهو يحاول التسلّق ليكتشف الحقيقة وهو يحاول التشبّث بشيء يخرجه من هذا الظلام.
فيصل ... شكراً لأنك تكتب. ولأنك قلت " الكتابة بحد ذاتها ثورة. دليل مباشر على أن هذا العالم لا يعجبنا. الكتّاب هم أولئك الذين يملكون في جعبتهم عالماً أفضل. هم أولئك الذين فضلوا التحديق في صفحة بيضاء فارغة، على النظر في وجه العالم. "
....
تنبيه: هذا الكتاب لا يجعلك تعود كما كنت، بعد الانتهاء من قراءته!
فيصل سُكِبَ في هذا الكِتاب، أستطيع قراءة حروف روحه، اختزالاته، جنونه، وكُفره بكثير من الأفكار يجعله كاتب مُختلف، أحببت هذه الحُروف فهيَ كُتبت بكل سُخرية ممكنة، وكُل قدرة على التهكّم.
كائن فيصل له قدرة على امتصاص كُل طاقة الحرف وقذفها أمام الأعين في الصفحات القليلة المثيرة للجدل.
كثيرة هيَ الاقتباسات التي بالإمكان وضعها وكثيرة هيَ الكلمات التي وضعت الخطوط تحتها، إلا أنني أفضّل أن أترك الحُكم لكم، كلمتي لهذا الكتاب باختصار أنّه (خطير، مثير). قراءته تجعلت تتساءل، وتبحث عن بعض الإجابات وتواجه الكلمة فهوَ مُستفِز. إبداعي..
(*) - أحذّركم بعض العبارات قد تكون خطيرة وقد يُساء فهمها، وبعضها لا أوافق عليها عقدياً وفكرياً -
”أليس منكم رجلٌ رشيد؟“ .. هكذا بالضبط ابدأ تعقيبي بذهول اتعجب من كُل ذا الاطراء، ومن كل هؤلاء المنمغين فوق الديِن فوق العقل والمنطق، نعم فيصل الحبيني طرح جمل جميلة لكنه ليس بالعظيم الذي تصفون.. بس أخذ منحنى أعظم في التجبر على الحياة والتخبط ؟ كان من المعقول ان يذكر احدكم عيوبه قبل مميزاته، ليس ان تصطفوا مهللين ومبهرجين له ليزداد طغياناً وكانكم تقولون له احسنت إلحاداً يا فيصل..حسنا ً تتعجبون من تعقيبي قد لا اكون اعلم عن نية ولا ايمان فيصل لكن ما كتب اقرب للالحاد من ان يكون شعراً او خواطر
تحديداً في صفحة١٣ يقارن فيصل عذاب الدنيا بعذاب جهنم متى جرب جهنم حتى يقارن؟ ويسخر من الجنة فيقول ”ألعي ألا تخجل الجنات من نعيمها، بوجود كل هذا الشقاء على الارض؟“
اما صفحة ١٤ فيسخر من ذات الله فيقول ”قاعة انتظار هائلة لسيادة الموت، الذي تأخر عن عمله طويلاً“
الموت بأمر الله فكيف يصفه بالتأخير وان اخره الله إلا لحكمة
كما يقول ”لن نهزم لقد طرحتما على جباهنا فتعلمنا الصلاة“ والامثلة كثثثثثيرة لا اعلم ان كان بقصد ام غير قصد لكنه شيءٌ يستنكره العقل الراكز وانتم تمجدون مجاملة لمجرد انه زميلكم
هناك كتب تعرف من عنوانها أنها قد كتبت لك، هذا واحد منها.
" ما انتابني ساعتها ليس كآبة، أو صدمة. بل لحظة وعي فائقة، إدراكاً تاماً لوجود المرء البائس. عندما يفطن بأن الوجود بحد ذاته، جرحٌ مستعصٍ. وبأن هذا العالم، ليس مكاناً آمناً. وأجدني الآن تائهاً، أتوق لذاك الوطن الذي جئت منه. ولكن المكان قصي، والطريق عضال. "
يمرح في العدم، ويعيا في الوجود. تعلم المشي على قدميه، لكن روحه ما زالت تتعثر. تعلم التقاط الأشياء بيديه، لكن أجزاؤه ما زالت مبعثرة في الكون. تعلم الكلام، لكي يصمت عن كل ما أهمه. جسده مكتمل، لكنه متعب دوماً كجسم غريب لم يتأقلم مع الحياة بعد. روحه دوماً قلقة، غير مستقرة، تواقة إلى شيء بعيد لا تدري ما هو.!
" وحده ذاك المعتقل، الذي أبصر الأصفاد في معصميه، يدرك أن العالم زنزانة، نافذتها السماء. "
البشر ينقسمون إلى نوعين؛ من ما زالوا يشعرون بالغربة في هذا العالم منذ أن ولدوا، ولسان حالهم يصدح يومياً " أنا لا أنتمي إلى هنا "، ومن يعتبرون العالم بيتهم ووطنهم والمنسجمين مع كل ما فيه كأنهم يعرفونه من قبل مجيئهم. من يتملكهم الارتباك كضيوف دخلاء، ومن يفيضون بالثقة كأصحاب البيت.. وأنت كعابر منفي إلى الوجود لن ترتاح يوماً لهذا المكان ولا أصحابه.
" أفتش عن مخرج من كل هذا الهذيان، بينما جميع من حولي كان يبحث عن مدخل ليسكن به؛ كهفاً كان أم بيتاً. وكأنهم يرغبون بإطالة مكوثهم على الأرض، وكأني أرغب بتعجيل هروبي منها. "
لا أعرف فيصل الحبيني، لكني ممتنة لوجوده. وعدمه.
" وإن كنت أضعف من أن أواجه خواء المعنى الذي نعيش فيه، فعلى الأقل سأخلق هذه المعنى، ولن أستعيره. حتى إن مت، سأقول إنني عشت حياتي أنا، بإخفاقاتها وخرابها، ولم يرصفها أحد غيري. "
الاقتباسات مختصرة جداً، لأني بحاجة لنشر ثلاثة أرباع الكتاب لمشاركة كل ما أعجبني، مع التحفظ على بعض المقاطع التي لا أتبنى ما ورد فيها.
أتذكر جيداً المرة الأولى التي قرأت فيها العنوان، قلتُ: اتمنى أن يدعني الكائن بأن أمرح معه! أجاب فيصل: لا أعدك بذلك. و كان هذا اللا وعد بداخله وعد، لم أمرح. لم أبتسم. و فوق كل هذا ازدادت شكوكي بالعالم. هذا كتابٌ مؤذ، مما يجعله حقيقياً للغاية.
كتاب سيعجب حزب الساخطين على الكوكب الذين ينظرون للعالم وكأنه أحفورة. لغة فيصل جميلة جدًا وطرحه أعجبني.. النفس الطويل في الكتابة يشدّني كثيرًا. استمتعت وأنا اقرأه لكن كمية السلبية فيه مُرّة.
في الحقيقة، لا جديد، الواقع تعيس، وأي سؤال يبحث عن معنى الوجود هو سؤال منطقي، وأي رفض لأي حل مطروح هو رفض منطقي.. الحبيني قال ما يعجز عن قوله كثير، وأعتقد أنه إختصر الحكاية عندما قال "ويعبر من أمامي صديقُ لاهث، منادياً: هيه أنت! قم! السعادة لا تُنتظر. ��لسعادة تُخلق. ويتابع عدوه، ناهجاً مطمئناً لما آل إليه قلبه. غير أنها طمأنينة من وجد بؤساً جديداً يتسلى به، ويتغذى عليه، كلما ضاقت به السُّبل. إنها سعادة الانشغال عن السعادة. أيقنتُ ساعتها، أن كلينا كان بائساً بطريقته."
إلا أن تشبّعي بعدمية سيوران مؤخراً أظهرت هالكتاب بشكل أقل حِدّة مما هو في الواقع، بل بشكل مزيّف أحياناً.. شخصياً، أعتقد أن القراءة في العدم بعد سيوران هو عبث بحد ذاته، كل الكتابات تبدو قاصرة والتعابير الرنانة تبدو مُزيّفة بعد سيوران، الذي وصل إلى حافة العدم وعاشه وهو في شقّته في باريس وفصّل لنا بؤس الحياة تفصيلا، يعز عليّ ويصعب أن أقرأ لأحد غيره يكتب عن العدم بلغة شاعرية لا تصلح إلا للجمال والحياة ..
لكن الحبيني، عبّر عن عدمه ووحشَته بطريقته، أوافقه في كثير مما تطرّق إليه، وأختلف مع بعض ما ذكره أيضاً .. لغته الشاعرية الجميلة لا تصلح للكتابة عن البؤس، لغته الجميلة هي بذاتها تثبت بعض جمال الوجود وهذا يناقض رسالة الكتاب نفسها..
لم أُحب لغة الصراخ التي لاحظتها ولا إنتقاداته اللاذعة للسعداء والمتفائلين ودعاويهم .. لإنك بذلك لن تختلف عنهم وستكون أنت وهم بصف واحد وكل منكم يصرخ ليثبت أن نظرته هي الواقع الصحيح .. لهذا السبب أعتقد أني أحب عدمية حسين البرغوثي، لإنه ساخط بسلام إن صح التعبير، يُعاني هو ويتسائل ويترك الآخرين وشأنهم .. أما هنا شعرتُ أن الكاتب يصرخ بسخطه ويحاول أن يخبر العالم كله عن عبثية وجوده والكون..
عموماً، ما أحاول فهمه مؤخراً، هو أن عبثية الكل، عبثيّة كل الوجود والأشياء، لا تعني بالضرورة عبثية الفرد.. وهذه فكرة مُطمْئِنة إلى حد ما، رغم صعوبة التعايش معها، حيث لا أهمية "نظرياً" للفرد في عبثية وجود بأكمله.. ولكنها أكثر منطقية على كل حال عند التفكير بها بشكل عميق ..
إن كانت لديك خططك وآمالك، لا تقرأ هذا الكتاب ولا كل الكتب التي تدور في فلكه.. هذه الكتب مؤذية سواء رأيتها كحقيقة أو مبالغة أو نظرة سوداوية للحياة، بكل الأحوال لن تسلم من تأثيرها الذي قد يطول ويُدخلك في دوّامة وحلقة مفرغة من اللامعنى ستتغيّر ملامح وجهك بعدها ..
كتاب الدهشة أو كتاب فلسفة الذات هذا ما أعدت تسميته به دون علم الكاتب . لو كان يوجد هكر لزيادة عدد النجوم لقدمت له تسعة أرطال من الإمتنان ليهب هذا الجنون القابع بين دفتّي الكتاب إحدى عشرة نجمة مع فارق التوقيت . أعجز أن أجد استهلال يليق بجودة المحتوى جودة الفكرة جودة العمق جودة خطاب ومحاورة الذات . حرف فيصل هو الفرسخ المتذبذب بين عقل وجنون هو ذاته المتذبذب بين الحس واللاحس الوعي واللاوعي الحضور والغيبوبة السديم والعدم . أن تجد ذاتك تقرؤك هي معضلة حرف وجنون وهوس كاتب يعيث بعقلك فساداً . أن تصرخ بعد كل فكرة ويملأ صوتك جوفك: الله الله الله عليك يافيصل هنا يكون هذا الفيصل قد فصل وجزم بإبداعية ونجاح كتابه وتكون شهادة بمحض العقل والحس والقلب بأنّك وقعت كقارئ تحت شِرك شباك حروفه . هل فلسفة الوجود والعدم والملل والموت هي فلسفة عبثية مفتوحة؟! أم فلسفة جوهرية منغلقة ؟! . أن تقتبس رغماً عنك ورغم محاولات تقنينك وشحك للإقتباس ما يقارب ٨٠٪ من الكتاب فهذه دلالة ومؤشر فحواهما بأنّ الكتاب رغماً عن أنفِ شُحّكَ قد حاز على كامل إعجابك . هذا الكتاب أكبر من أن أقيّمه أو يقيّمه أي قارئ عابث وإذا أردتم أن تثقوا بأي تقييم له فإبحثوا عنه في قلوب وعقول المتعطشين لفهم حقيقة الحياة وليس الناقمين عليها كما سيُفهم المسألة هي : الفرق بين العقل والجنون بين الخير والشر بين العطاء والبخل وبين كل ضد وضد . أن تقرأ بفارغ اللهفة هو نقيض لأن تقرأ وأنت متحامل على الفكرة على الكاتب على السطحية . إذا أردت أن تقرأ حروف فيصل فإقرأ ما بعدها ما وراءها ما لا لم يكتبه هنا تكون أجدت فهمه وفهم الأبعاد التي يرمي إليها . من يجد أنّ الكتاب فيه إلحاد ١٪ حسناً لنتساءل هل التساؤل بحد ذاته يُعتبر إلحاد لو كان متعلقاً بفكرة إلحادية ؟! هي على مبدأ : هل التساؤل عن المثليّة يُعتبر الشخص مِثلي؟! أو هل التساؤل حول الخمر يعتبر الشخص شارباً له؟ . إذاً لندع التساؤلات التي أتى بها فيصل وانتقدها البعض ولا حاجة لأن نفتح باباً للجدلية . ولا حاجة لأن نكفّر أو نُأسلِم الكاتب ونتهمه بالإلحاد بل علينا شكره لجنون وجرأة هذه العبثية القابعة بكل زوايا حروفه . لحظة لطفاً قبل الإنتهاء من التقييم ودعواتي للكاتب بإكمال مسيرته الأدبية علي شكر الصديقة المميزة جدا أستاذة سلمى الجابري حيث هذا الكتاب هو تزكية وترشيح منها . حتماً أنصح به لكن لفئة القارئ الشغوف النهم
كائن يمرح في العدم هذا الكتاب أولاً ليس للمتفائلين ولا السعداء ولا العقلاء ولا محبي الحياة والأحلام والآمال
بين الجنون والعقل شعرة في هذا الكتاب جنون الكاتب وعقل القارئ هو ما يحكّم إن لم تستطع أن تعرف أين أنت في هذه الحياة أو العدم فإما أنك ستنزلق في جنون الكاتب وعدميته أو تعيش في عالم العقل المحدود داخلك
الفناء والوجود والعدم والموت وحياة ما قبل الموت وما بعد الموت .. السواد والظلمة وداء الوجود الذي يعيشه كلها جلية هنا في هذا الكتاب لا أعلم هل الكاتب فيلسوف حقاً أم أنه يحاول أن يتفلسف .. شوّش عقلي و قذفني بنصوصه إلى حد اللارجعة .. لا أعلم هل يجب عليّ أن أشكره أم أنقم عليه ؟! هل أقول أنه ماسوشي ؟ أم ماذا؟ هل اقول له رائع ومذهل ومصدم ومدهش أم غير ذلك ؟ رباه قد أخذني إلى عالم مجنون لا من أثر فيه إلا الراقصين حول نار العدم واليأس وبغض حياة الوجود بكل مافيها ..
الكاتب يتكلم ويتساءل مع نفسه بصوت مسموع .. فتجد نفسك معه في مصراع هذه الصراع والحديث النفسي تصرخ معه وأحيانا تناجي نفسك .. ربما تختلف معه ولكنك قد توافقه في بعض الأحيان الأخرى .. يتساءل ولا من صدى لإجابة .. يرقص على ألحان جنائزية فتانة تعيده إلى عدمه الأول .. يا إلهي ... كم هو موغل في عدميته .. يعشقها يقدسها يتغزل بها وكأنها محبوبة قلبه ويفني نفسه من أجلها.. هو موغل فيها بكل أمن وسلام ..
نصيحة : إن أردت أن تقرأه تحسس جيوب عقلك قبل قلبك ! أحطهما بصفد حديد .. فالكاتب عنوة سيقتحمك دون هوادة .. أشعل حواسك وكل مافيك نورا عظيما فظلامه كثيف يعبر فيك دون تردد وسيؤلمك ... لا تصدق كل مافي هذا الكتاب ولا تكذبه .. لا تعجب به ولا تذمه .. ستجد فيه الكثير الذي لا يعجبك ويخالف عقيدتك الراسخة وإيمانك بخالقك - على الاقل بالنسبة لي- ولكنك حتما ستعيش الصراع في داخلك ..وقد تصفق له بحرارة إن وافقك فيما توافقه ..
اللغة جميلة جدا والأسلوب مدهش والأدب جلي وواضح لو أنه استعمل كل ذلك في اخراج نص أدبي حالم لارتاحت نفسه من كل عذاباتها .. بعض النصوص حقاً جميلة كهذا : يا الله يا أكثر من أحب ويا أكثر من أفتقد يا حبيب القديسين يا إله المجرمين يا صديق الأطفال. يا أمل العجائز كم حرمونا من الحياة باسمك يا واهب الحياة . قد أكون متسخاً ببقع العالم، ملوثاً بالخطيئة وأكثر دناءة من أن أحدّثك، لكني أحبك. سأصلي لك من أعماقي وإن جوعتني وأتعبتني وأحرقتني وأضنيتني. من قاع هذه المزبلة التي أقطنها، سأمجدك، وسأفنى بالتسبيح لك. سأكره كل من ينكرك ..فأنت الله ولا يسعني أنا سوى فعل ذلك.
"إن الكتابة فعلُ نفض. محاولة لإزالة فُتات العدم المتشبّث بنا، والامتلاء بالحياة. تخلقُ حيزًا كافيًا في الفضاء، لينسلّ الأكسچين. هي المكنسة، لمسح أكوام الغبار الجاثمة علىٰ الروح." هكذا تحدث فيصل الحبيني، وباقي الكتاب هو مجرد أصداء، أصداء العدم والخواء واللا-شيء بداخله.
أحبُّ أمثال هذه الكتابات الممتلئة بالألم والمعاناة، لكن مضت فترة طويلة مذ تأثرت بشيء من هذا النوع لإيماني بلا-جدوى ولا-قيمة كل هذا، ثم جاءت هذه النصوص لتؤثّر فيَ بعد ذلك، نصوص -على الرغم مما في بعض مواضعها من مبالغة وابتذال لا أقبلهما- جميلة، أحببتها، نصوص معظمها مكتوبٌ بصدق، وهذا يكفي.
من اجمل ما قرأت مؤخرا ، مبهر حقا اسلوب الكاتب، او بالاحرى مرحه في العدم كتاب اقل ما يمكن ان يوصف به انه سوداوي، لكن لم اصادف يوما سوادا وتشاؤما ابهرني بهذا الشكل علما انه ممنوع في العديد من الدول، فهو كتاب لا ينصح به بتاتًا،، و في نفس الوقت ينصح به بشدة :)
نصوص ذاتية بسرد سوداوي عن الفناء واللاجدوى واليأس، مكتوبة بلغة جميلة، بنفس تأملي عميق، الأفكار متشابهة على امتداد الصفحات، هو منولوج داخلي طويل، كعمل أول مبشر، بانتظار العمل الثاني
يسرد الكاتب في هاذا النص نظرته السوداوية للحياة و يتحدث عن مواضيع كثيرة منها معنى الحياة و الموت و مصير الإنسان ورغبته في الفناء.. لقد كان هذا الكتاب من أكثر الكتب سوداوية إذ يمجد فيه الكاتب الموت و يقول أنه أسمى شيء يمكن للإنسان فعله و أن الموتى هم أفضل من الأحياء لأنهم إختاروا الخروج من هذا العالم الكئيب .. كتاب جميل بالنسبة لي و يطرح أفكارا مغايرة لنظرتي عن الحياة و أسباب البقاء ،لأنني لا أعتقد أبدا أن الله خلق الإنسان ليكون أفضل شيء يفعله من أجل العالم هو أن يموت… هذه الفكرة تحتاج إلى نقاش طويل ربما سأعود لكتابته هنا .
إنه ينتقم لنا، يجيب على التساؤلات ساخطًا، كتابه لم يخيّب ظني ولا "ظن العدم"! واضحًا ومعبرًا عن الضياع والشتات فينا، مكررًا ومبالغًا ومندفعًا أحيانًا. وحين انتهى، أقول له ما قاله: "ثم تتركوننا عطشى في قلب البحر؟"
ما معنى أن يكون الانسان بلا كينونة ؟ أن يوجد ، و لكن في العدم ؟ أن يكون كيساً من اللحم و العظام ، بلا محرك باطني ؟ لا شك بأنه أقصى تشوه قد يصاب به الكائن .
لا تجذبني كتب النصوص بسهولة، لكن هذا الكتاب بالتأكيد ضمن كتب النصوص المفضلة لدي! لغة الكاتب آسرة، تعمقه بالوصف عظيم جداً، و تشبيهاته مُختارة بعناية فائقة الجمال. أنقصتُ نجمة لسببيْن: أولاً لأن الكاتب قد تمادى في بعض المواضع على الله سبحانه و تعالىٰ مثل "القاتل يصحح أخطاء القدر"، القدر هو الله، و الله حاشاه أن يخطئ. ربما يكون مقصد الكاتب مغايراً عن هذا لكن اعتقد بأن انتقاء كلمات أخرى يقع على عاتقه. السبب الثاني هو التشاؤم الزائد، و الموت المتجول بين الحروف، الموت الذي يخاف المرء في نهاية الكتاب أن يتسلل إلى روحه كلعنةٍ أبدية. الحزن حالة لا يخلى صدر الإنسان منها، و لا أعتقد بأن الحزن يمكنه أن يكون لائقاً بغير كاتب! لكن الشؤم كان مبالغ به قليلاً -برأيي-. بالرغم من هذا... كتاب فاتن!
راودتني تساؤلات خلال قراءتي لهذه الخواطر (وهي خواطر تُصوّر رفض "كائن" لهذا الوجود، مسجلًا ذلك من خلال اعتراضات على شكل تأملات واستخلاصات عن لاجدوى الحياة وقسوتها وبشاعتها وغدرها وسلبيتها بشكل عام. كتاب يمكن من خلال صفحات قليلة التنبؤ بمزاجه العام الناقم). أما تساؤلاتي فهو لماذا ينبري القراء وتحديدًا الأكثر ثقافة و"عمقًا" منهم بمهاجمة كتب التنمية البشرية التافهة والتي تغص بالكثير من السعادة غير الواقعية، بينما يغضّون الطرف عن هذه النوعية من الكتب؟ هل هذه هي وصفة العمق؟ فإن كانت تلك الكتب التي تحلّق بسعادة برأيهم لا تمت للواقع بصلة؛ هي مشابهة في مضمونها لما تحوي أمثال هذا الكتاب من عدمية وسوداوية لا تمت للواقع بصلة أيضًا، سوداوية على مدار حياة كاملة؟ حتى الأشخاص الأكثر سوداوية الذين مروا بي، كانوا يعيشون ويتوقون إلى لحظات من السعادة. ولكن هذه اللحظات تحديدًا قد تُفسد عمق المادة الأدبية التي يتناقلها القراء، والتي تحوي بالضرورة كلمات "عميقة ومهمة" مثل: وجود، تيه، رمادية، عدم، مرارة، وغيرها..
أرى أننا كبشر حالة من الوسطية، فنحن نبحث عن ذواتنا فعلًا ولكننا تواقون إلى السعادة، وأتحدث هنا عن المعنى الطبيعي وليس ذاك الشكل السعيد الماسخ، كما شكل الحزن المحقون بكثير من مواد التضخيم والتهويل الذي يفقد الحزن طبيعته كشعور إنساني ضروري وطبيعي يتم تداوله، يحلّ ويرحل، ولا نحاول التمسك به، فهو مجرد شعور!
هذه النوعية من الكتب هي نظير حفلات السعادة في كتب التنمية البشرية، لما أرى فيها (أنا) من مادة مصطنعة أيضًا تشبه حياة غير واقعية من الحزن أو الفرح الخالص. أو هي ببساطة كتب لا تشبهني، فأنا لا أدعي الصواب بالضرورة.
كل ذلك لا يُنكر أن الكثير من التأملات في هذا الكتاب أعجبتني.
أعجبني غلاف الكتاب بطبعة منشورات تكوين. أحب أن أقرأ للكاتب مجموعته القصصية "أبناء الأزمنة الأخيرة" حيث سمعت أنها تجربة واعدة.
كائنٌ يمرحُ في العدم .. لينكأ جراحاً في الوجود .. في رحلةِ هذا المنسيّ حقيقةٌ أخرى .. يدفع فيصل بهذا الكائن المتسائل بين الغبار ومراودة الملل للعدم والبحث عن وجودٍ آخر ..
في هذا النص الأدبي فلسلفةٌ جميلة نشتم فيها رائحة هايدقر حيناً وسارتر حيناً آخر برؤيةٍ مختلفةٍ ذات أبعاد إنسانية واسقاطات على واقعِ ما نعيشه .. أرى أن فيصل حارب العدم بضوء الوجود .. فبدد غبار أسئلة وحجج من يريد الهروب فقط وفلسفةِ هذا الهروب ..
صدقاً لم أستطع إنهاءه، في ثنايا هذا الكتاب كتل كبيرة من الطاقة السلبية والتشاؤم لم أقوى على تحملها، كيف احبه هذا الكم من العالم؟ وهل يوجد أناس بحجم هذه السوداوية ؟ أوجه إعتذاري لنفسي لضياع ساعتين من عمري على سواد احتاج لانتشالها منه الأن