Jump to ratings and reviews
Rate this book

32 ديسمبر

Rate this book
هل تستطيع دارين كتابة رواية عما حدث لها وزميلاتها ذات يوم من شهر مارس 2011. سؤال يتسبب في رواية جديدة للروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد. صار الأمر قديماً، نسيه الناس وضحاياه، فهل يُمكن تذكره دون ألم؟ هذا ما قالته صديقتاها سُلافة وروان. لقد تزوجتا وصارت لهما حياة رائعة، ودارين وحدها من رفضت دائماً الزواج.

تكتب سُلافة وروان عما حولهما فهو أغنى بكثير من الماضي وفاق كل خيال وتوافقهما دارين. تظل دارين على إصرارها على العنوسة رغم فرصة الزواج الجديدة، فهي لا تريد رجالاً لا زالوا يتلصصون عليها نائمة ولو في الخيال. إلى أين ستأخذهم الأحداث الجديدة؟ إلى القديم والأقدم وكأن لا شيء يتحرك، ومن ثم مع نهاية العام فجأة، تتغير النتائج من تلقاء ذاتها على الحائط إلى الثاني والثلاثين من ديسمبر، وليس الأول من يناير. يصبح لديسمبر أيام لا تنتهي. تلوذ دارين بروبوت صغير منسي تغني معه في الطرقات ذاهلة عن كل ما حولها رغم أي مغريات.
هل كتبت الرواية؟

- الناشر

134 pages, Paperback

First published December 1, 2024

13 people want to read

About the author

Ibrahim Abdel Meguid

57 books99 followers

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
0 (0%)
4 stars
2 (40%)
3 stars
3 (60%)
2 stars
0 (0%)
1 star
0 (0%)
Displaying 1 - 3 of 3 reviews
Profile Image for محمد خالد شريف.
1,025 reviews1,232 followers
June 3, 2025

رواية "32 ديسمبر" للكاتب المصري "إبراهيم عبدالمجيد".
قبل أن نبدأ حديثنا عن الرواية، أود أن أدعي بأنه لن يكتب رواية مثل هذه إلا "إبراهيم عبدالمجيد"، ودعني أبتعد قليلاً عن تفاصيل الرواية، وإن ظللنا في أجوائها، أقول أنه لن يكتب هذه الرواية إلا "إبراهيم عبدالمجيد" لأنه لم يتردد في الكتابة بجرأة ولم يتوان عن الإشارة والنقد والتنديد بأحداثنا اليومية، بجرأة على عكس السائد، وحتى في تجربتي الأولى معه في رواية "حامل الصحف القديمة"، وكان جليا وواضحاً أنه إنسان حقيقي، متسق مع ذاته، ومع أفكاره، وذلك ما دعاني إلى التفكير في دور الكاتب في عالمنا، لماذا أصبح الكتاب ذو المواقف نادرون؟ لماذا أصبح الكتاب يخافون الواقع أكثر من اللازم ولا يشتبكون معه؟ إنعزال تام وخوف من سجون وقيود، خرس هائل، وعجز كلي!

قرأت لكاتب -أحب كتاباته وأقدرها- منشوراً ينضح بالانحطاط والخوف، وظللت لفترة طويلة أتجنب كتبه، وأخباره، كيف لهذا الذي يكتب مراراً وتكراراً عن الظلم يمدحه؟ كيف يرضى الكاتب بالعبودية لبشر مثله؟ كيف وكيف وكيف، أعلم أن وجهة نظري عن الكاتب مثالية بشكل زائد عن اللازم، ولكن هكذا أرى الكاتب، ربما استطيع الفصل بين إنتاج الكاتب ومواقف عندما تكون قضاياه مختلفة عن مكاني الجغرافي أو زمني، ولكني لا استطيع الفصل تماماً بين إنتاج الكاتب ومواقفه الدنيئة، كيف تذم في رواياتك ما تمدحه في واقعك؟ ألا يجب أن يكون الكاتب حراً من كل قيود وأطماع؟ ألا يجب أن يكون الكاتب متمرداً؟ ناقداً وبشكل لاذع لكل ما نراه حولنا؟ كيف يكون الكاتب خانعاً ولاحساً للأحذية؟ هذا ما لا أفهمه.

لذلك أحب "إبراهيم عبدالمجيد" لجرأة كتاباته وخصوصاً في أعماله الأخيرة، ففي هذه الرواية يخوض في غمار ما لا يُقال، ما نخاف أن نقوله سراً في عقولنا حتى، يتحدث عن ظلم لا يزال ممتداً إلى لحظة كتابة هذه السطور وبعدها، من كشوف العذرية، إلى ارتفاع الأسعار، إلى الحبس بسبب منشور أو حتى مجرد وضع علامة إعجاب، إلى الظلم السائد في عمليات الانتخابات، وإلى نظرة المجتمع المختلة، وإلى الخوف، الخوف الذي تمكن منا، فأصبحنا نخاف حتى أن نضع إعجاباً على منشور يذم أي سلطة أو أي شخص تابع لها، فلا حرية رأي هنا، تحولنا الحكومات إلى روبوتات بدون ذكاء حتى، فقط نقلد ونكرر ما تُخبرنا به، ونشكر سماحهم لنا بأن نعيش، ففي ذلك كثير من الكرم والجود من سيادتهم، أصبحنا نخاف نظرات جلاديهم، نرتبك عندما نرى الطيور المُحلقة فوق الأكتف، نرتجف عندما نرى ملابس مُمثليهم الموحدة.

هكذا أصبحنا في بلاد الظلم، تلك البلاد ذات الأيام المُكررة، نعيش كل يوم مثل سابقه، ومن هنا يأتي رمزية الاسم، فما الفارق لو لم تنتهي السنة الحالية ووصل ديسمبر إلى 32 يوماً؟ أو حتى مائة؟ هل سيتوقف الظلم؟ هل سيخرج المحبوسون بلا سبب؟ هل سيجد المعدمون وجبة غذاء تملأ فراغ بطونهم؟ هل سيجد العاطلون عن العمل وظيفة يضيع راتبها في المواصلات فقط؟ الإجابة على كل تلك الأسئلة واحدة، وكلنا نعرفها، وكلنا نخاف أن ننطق بها، فربما تجد مُمثلي السلطة في أي مكان.

في الختام..
رواية قصيرة ستُثير شجنك بكل تأكيد، تحمل طابع ثوري في أحداثها وسردها، ومكتوبة بشكل تجريبي دون الإخلال بموضوعاتها، جريئة وتطرح قضايا شائكة، فخذ حذرك قبل أن تبدأ بقراءتها، فربما تجد نفسك بعدها تتوق إلى اليوم الأول من يناير.
Profile Image for علاء تامر.
57 reviews11 followers
Read
August 3, 2025
"هل هناك علاقة لا ندركها بين كشف العذرية وهدم المقابر أو رجوع الموتى إلى الحياة؟ لا أعرف كيف ستكون الرواية. أكاد أضحك وأنا على وشك أن أقول إن الكباري التي هي أعلى الأرض والناس عملية ذكورية. كلّ كوبري مثل الرجل الغشيم الذي يركب امرأته أو عشيقته، لكنه هنا لا ينزل. هل نشوة المرأة تحت الرجال وهو أمر لم أجربه ، ولن أجربه ، أشبه بأكل البيتزا أو الفول والفلافل في المطاعم التي يُنشئونها تحت الكباري؟ هل سيأتي يوم تهتز الكباري من الأورجازم وتسقط على جانبها مثل الرجال؟ وما هي الأورجازم التي تجعل كوبري يسقط من المتعة على جانبه؟ ليس إلا فيضانات لا تعرفها بلادنا ، أو أعاصير تأتي بهذه القوة. نوات الشتاء الممطرة فقط تملأ الأرض بالمياه، لأن الدولة الجميلة لا تريد أن تعيد النظر في شبكة الصرف الموجودة"
-ابراهيم عبدالمجيد، ٣٢ ديسمبر
Profile Image for Gamal Ayeash.
8 reviews
Read
October 14, 2025
فلتكن موبايلاتنا خارج الغرفة. كل شيء يسمعونه.
قالت دارين ذلك مبتسمة. تقدمت من صالة الشقة التي يجلسن فيها في المنزل الواقع بمنطقة حدائق أكتوبر، إلى طرقة صغيرة تؤدي إلى دورة المياه، ووضعت الموبايل على منضدة صغيرة بجوار الحائط. كان خلفها كلّ من روان وسلافة، فعلتا مثلها، وعادت الثلاث إلى مكانهن في الصالة الصغيرة في الشقة التي هي حجرتين مع الصالة. جلست الثلاث يبتسمن فتساءلت سلافة:
- هل حقاً يا دارين تريديننا أن نكتب رواية عمّا جرى لنا؟ وهل سنستطيع؟ كتابة الرواية فنّ لم يخطر ببالي قطّ.
قالت دارين:
- فلنحكِ لبعض. أسجّل مما تروون، لكنني سأتذكّر كلّ شيء وأكتبه في ما بعد. لقد كتبت روايتين لم أنشرهما. أخذوهما مع ما أخذوه يوم تمّ القبض عليّ من ميدان التحرير، بعد أن ذهبوا إلى البيت وصادروا كل ما فيه من أوراق وموبايلات تخصّ أبي وأمي رحمها الله، واللابتوب الذي يخصّني.
قالت روان:
- وهل سنتذكر كل شيء بلا ألم؟ لقد ابتعدتُ عن الحياة السياسية. نادراً ما أدخل صفحتى في الفيس بوك وتويتر، أقرأ ثواني، ولا أعلّق على أحد، وطلبت من الله أن ينساني الجميع، لكنّك يا دارين ستذكّريننا بكلّ شيء.
قالت دارين:
- فلنتحدّث كي ننسى تماماً. وأنا حين أكتب الرواية سأغيّر اسميكما.
لكنهنّ سمعن صوت التليفون يدقّ. عرفت دارين أنه تليفونها من نوع الدقات، فأهملته، لكنه دق أكثر من مرة، فقامت لترد.
شمل الصمت كلا من سلافة وروان. بعد لحظات عادت دارين على وجهها دهشة كبيرة تقول:
- صديق لي يقول إن أمه أبلغته بشخص دقّ جرس البيت. قامت وفتحت الباب، فوجدت أباه أمامها. سقطت وأُغمي عليها. أبوه كان ميتاً ومدفوناً في مقابر السيدة نفيسة، ولم يخبروهم بهدم المقبرة، وألقيت عظامه مع غيرها من عظام الآخرين في الأرض الخالية.
حطّ الصمت للحظات ينظرن إلى بعضهن بعضاً. لم تخبرهما بمن هو هذا الصديق. أجّلت ذلك حتى تلقاه. ابتسمت سلافة وروان. قالت سلافة:
- لقد بدأت يا دارين بكتابة الرواية.
لكن دارين التي كانت مبتسمة تجهّمت وقالت:
- هذا ما قاله لي صديقي والله. هل سيعود الموتى إلى الحياة؟
قالت روان:
- هذه هي الرواية التى تستحق أن تكتبيها حقاً.
قالت سلافة:
- أجل. من يعود ليقتل من ظلمه، ومن يعود ليتزوج من أحبها ومنعها أهلها من الزواج به، ومن يعود ليستعيد ما تم سرقته من بيته.
قالت دارين:
- هذه رواية لن تنتهي. كم من الموتى رحلوا دون أن يحققوا كل أحلامهم! دعونا نحكي لبعضنا، وسأضيف ما يصل إليَّ من أخبار، لأني أعتقد أن ذلك سيحدث كثيراً في الأيام القادمة.
***

بدت سلافة شاردة، فنظرت إليها كل من دارين وروان، لكن سلافة ظلت صامتة للحظات ثم قالت:
- نحن الثلاث كنا ضحايا لكشوف العذرية في السجن الحربي، لكن هل لو تحدثنا عن ذلك سيكون هناك جديد لنا؟
ظلت الثلاث صامتات. راحت كل منهن تتذكر تلك الأيام من شهر مارس عام 2011. كيف تم القبض عليهن مع غيرهن من اعتصام وسط ميدان التحرير، وتم أخذهن إلى المتحف المصري القريب، وهناك وجدن أيضاً عدداً كبيراً من الشباب. كيف تمّ ضربهن بالأيدي والعصيّ، وكهربتهن بالعصي المكهربة هنّ والشباب، ثم تم نقل الفتيات اللاتي كن حوالي خمس عشرة إلى السجن الحربي في منطقة الهايكستب. ثم جاءت اللحظة التي لم تكن تخطر ببالهن أبداً وهي الكشف على عذريتهن في غرفة بها طبيب وسجَّانة. القضية التي شغلت مصر وقتها، وأعلنت قيادات من الجيش أن ذلك تمّ حتى لا يتّهمن القوات العسكرية بهتك أعراضهنّ. تحديد العذراء وغير العذراء لن يعطي أحداً الفرصة لاتهام رجال الجيش. لقد انتهت القضية إلى الحفظ. كانت مشكلة كلّ منهن أنها ستجد صعوبة في الزواج بعد ما أُعلنت اسماؤهن في القضية. ورغم أن من جاء ذكرهن في القضية قليلات، حيث فضّلت الأغلبية عدم الدخول فيها لعدم معرفتهن، لكن كثيراً من الأسماء صارت معروفة. لقد كتبت أكثر من واحدة وقتها أن هناك من تقدّم لخطبتها، لكنّه طلب منها أن توافق على كشف عذرية جديد، فلم توافق، ورفضت الخطوبة. لكنّ سلافة تزوجت ولديها طفلان الآن، وكان أحد أهم مطالب زوجها أن تبتعد عن السياسة حتى ينسيا ما جرى. ابتعدت وإن ظلت علاقاتها قائمة ببعض صديقاتها، يرن التليفون في المناسبات الطيبة مثل الأعياد. أحمد زوج سلافة عانى من نظرات الناس إليه لشهور طويلة، ثمّ انتهت النظرات وصار الأمر عادياً. كان ذلك يزعجه جداً، لكنّه يحبها منذ أيام الدراسة الجامعية، وكان زواجه بها تعويضاً لها عن محنتها، وتأكيداً على حبه الكبير. كان يقول لنفسه هؤلاء الذين ينظرون إليّ بسخرية، أليس لهم أمهات أو أخوات يذهبن إلى طبيب نسائي يكشف عليهن لأيّ سبب مَرضيّ؟ يكاد يبصق على من ينظر ساخراً إليه، لكنه يستمرّ في طريقه. عادت سلافة من شرودها ثم قالت:
- لم أكن أتخيّل أن وجوه من كانوا ينظرون إلينا ونحن عراة سوف تطاردني في الأحلام. كنت كل ليلة أنهض في فزع لأفرد قميص نومي على جسمي، لأني أشعر أني صرت عارية، فأجد أني مغطاة بالبطانية، ولا شيء ينكشف مني. أعود إلى النوم ولا أعرف هل مرت دقائق أم ساعات، لأرى نفسي عارية من جديد فأستيقظ فزعة. آخذ نفساً طويلاً وأغمض عينيّ لأنام فيحدث الأمر نفسه، حتى يهدّني التعب فأنام. لكنها ساعة أو ساعتين وأصحو أمشي تائهة في الشقة. تراني أمي فتأتي إليّ تحتضنني دامعة، تربّت على كتفي وتقول لي سوف تنتهي الغمّة وستزول الكوابيس، وتدعو على من فعل بنا ذلك، وتطلب مني الانغماس في العمل واللقاء مع الأصدقاء، وأن لا أحرم نفسي من أيّ متعة أو سفر. وحين يرانا أبي تسكت أمي، وتبدو الأسئلة في عينيه، فتقول له "لا تقلق. سلافة بخير". أكثر من عام أرى نفسي كذلك كل ليلة حتى تباعدت الكوابيس.
ثم سكتت لحظات وقالت:
- لن أستطيع أن أبدأ الحكاية. أولها دراما عنيفة جديرة بأن تكون النهاية. ثمّ إنني سعيدة مع أحمد زوجي، وأي عودة إلى ذلك ولو في رواية، سيعرفه وسيضايقه بعد أن نسيناه. أحمد قارئ للروايات بشغف كبير. الأفضل يا دارين أن نبدأ من حادثة أخرى.
قالت روان:
- أنا لم أكن أرى نفسي عارية، ولا أري في الحلم الوجوه التي لا أنساها في قاعة السجن أو يطلون من نافذتها علينا، لكني كنت أشعر بمن ينزع الغطاء من فو��ي ويرفع ثوبي، فأنهض منتفضة لأراه يغادر الغرفة وهو يضحك.
ثم سكتت لحظات وقالت:
- طبعا تزوجت ونسيت ذلك ولا أريد أن أعود إليه. عادل زوجي يحب الشعر أكثر من الرواية، لكن يمكن أن يخبره أحد بما في الرواية، ولقد نسينا هذا الأمر تماماً. نسينا الثورة نفسها. دعونا في النسيان وليتنا حقاً لا ننظر حتى حولنا. لقد صرنا في بلد غريب.
ثم ابتسمت وقالت:
- أنتِ يا دارين لم تتزوجي، وعانيت مثلنا كثيراً من نظرات بعض الناس؛ وكم تحرّش بك بعضهم قائلاً في الفضاء كأنه يحدث نفسه "كشف العذرية"، فتسرعين كما كنّا نفعل وتختفين من المكان.
قالت دارين:
- لكني كما تعلمون صفعت أكثر من شخص على وجهه، وتدخل الناس يمنعونه من أن يعتدي عليّ ولاموه لوماً كبيراً.
تساءلت سلافة:
- لماذا حقاً إذن لم تتزوّجي؟ سؤال يشغلني منذ زمن. أعرف كثيرين تمنوا الزواج بك.
سكتت دارين لحظة، ثم قالت:
- أنتما كنتما تريان في الكابوس وجوهاً بعينها. أنا كنت أرى الوجوه تتغير كل ثانية، وأرى في الليلة الواحدة أكثر من عشرة وجوه، حتى أني كنت أنهض فزعة أجري إلى المطبخ أحضر سكيناً، ثم انهار فيه باكية لأن لا أحد حقيقي. لهذا كرهت كل الرجال، ولم أوافق قط على الزواج. لا أنسى نظرات الجنود إلينا قبل أن يقوم الضابط الطبيب بالكشف على عذريتنا، لكني كنت أراهم جميعاً، حتى الجندية التي كانت معهم.
شردت الثلاث لحظات حتى قالت سلافة ضاحكة:
- لا أنسى ليلة زواجي كيف قلت لأحمد ونحن في السرير، أنت الوحيد في الكون الذي أهبه عذريتي راضية.
كادت روان ودارين تضحكان، لكن سلافة هبطت دموعها وراحت تجففها.
دق تليفون روان فقامت مبتسمة لتردّ لعله زوجها عادل. عادت تقول بدهشة:
- صديقنا جمال حمزة هل تتذكّرونه؟
قالت دارين:
- لقد ترك جمال البلاد ويعيش في تركيا من زمان.
قالت روان:
- عادل يقول إنه هاتفه من إسطنبول لأول مرة، يرجوه أن يذهب إلى بيته ليتأكد مما قالته أخته له، من أن أباه الذي كان مدفوناً في مقابر السيدة عائشة قد عاد إلى الحياة. جمال لا يصدق أن ما سمعه هو صوت أخته، لأنه يعرف أن أخته معتقلة كنوع من الضغط عليه حيث لا يتوقف عن معارضة النظام من هناك.
تبادلن النظر في دهشة وحيرة. حطّ الصمت عليهن حتى قالت دارين:
- ما رأيكما أن تذهب كل واحدة لتقابل من عاد إلى الحياة وتعود لتحكي لنا ما قاله.
قالت سلافة:
- أنا لم يأتني تليفون من أحد بذلك.
قالت دارين:
- إذن نتناول غداءنا، وبعدها أقوم أنا وروان بذلك، ونحكي لك فتكتبين أنتِ الرواية.
لكنهن سمعن باب الشقة يُفتح ويدخل منه أحد. كان والد دارين الذي ظهر أمامهن. إنه يعرفهن، فلقد رأى كلاً من سلافة وروان أكثر من مرة في زيارتهما لابنته دارين، وحدهما أو مع زوجيهما. صحيح أن ذلك حدث عبر سنوات لكنه لا ينساهما، بل إنه كثيراً ما يتذكّرهما أمام دارين حين يأتيها عريس وترفض الزواج. يحدّثها عنهما وكيف تزوجتا وتعيشان في سلام، لكنها تصر على الرفض. لم يفهم أبدا سرّ هذا الرفض العجيب. لقد ماتت أمها بحسرتها عليها، وهو يعتبر أن إطالة الله في عمره هي فقط ليحميها، بعد أن غادر أخوها البلاد منذ عشر سنوات للدراسة في الخارج ولم يعد. لقد اقترح عليها أخوها أيضاً أن تسافر إليه، وأن تعمل وتكمل دراستها، فلربما تتراجع عن قرار العنوسة هذا. لكنها كانت تعرف أن ذلك مقصده فكانت ترفض. هي تعرف أن كل طريق سينفتح لحبّ الرجال سيجعلها ترى العشرات يتفرجون عليها عارية وهي لا تريد.
كان الأب يقترب من السبعين عاماً، يتّكئ على عكاز خشبيّ. جلس أمامهن في الصالة، وابتسم وهو يرحّب بسلافة وروان وقال:
- الحمد لله. نقلنا رفات أم دارين إلى مقبرة أخرى على طريق الفيوم بعد أن كانت في مقابر السيدة نفيسة.
نظرت إليه دارين في ذهول، ثم قالت، وهي تجاهد دمعها الذي كاد ينفجر:
- لماذا لم تخبرني يا أبي أنهم يريدون نقل مقبرة أمي؟ كيف فعلت ذلك دوني وأنت متعب ومريض؟ كم يوماً أخفيت ذلك عني؟
وراحت تبكي بحرقة شديدة .
أحاطت بها كل من سلافة وروان، وقالت سلافة:
- مقابر طريق الفيوم يعني قريبة منك الآن يا دارين، يمكن أن تزوريها في أي وقت.
قالت دارين:
- وماذا أقول لها؟ كيف أفسر لها تأخري عن إنقاذها؟ لماذا يا أبي؟
راحت كل منهما تربت على كتفها وتقبّلها وتخفف عنها ألمها، وقال الأب:
- أرجوكِ أعدي لي كوباً من الشاي، ودعينا نسعد بلقاء سلافة وروان.
نظرت إليه دارين تقاوم الألم، ثم انصرفت إلى المطبخ تعدّ له قدح الشاي. وقف وقال لسلافة وروان:
- اسمحا لي أن أدخل غرفتي أغير ملابسي ثم أعود. ملابس للذهاب إلى المقابر لا بد من خلعها.
ثم سألهما:
- هل تغدّيتم؟
قالت سلافة:
- لا.
قال:
- سأغير ملابسي للذهاب إلى الغداء في مطعم. سنتناول اليوم غداءً رائعاً في محلّ جديد فُتح في المنطقة. محلّ اسمه "دواعي أمنية".
ضحكت سلافة وروان فقال:
- كيف لم تخبركما دارين عنه؟
قالت روان:
- اسم غريب جداً. كيف وافق مجلس المدينة عليه؟
قال ساخراً:
- هذا هو الوصف الشائع لكل شيء الآن، وليس غريباً أن يصبح اسماً. يا بناتي أنا رجل بعيد طول حياتي عن السياسة. كانت أصعب أيامي يوم نزول الشباب إلى ميدان التحرير وما تبعه من اعتصامات. كان سعيد ابني يأخذ دارين معه كما تعرفان، لكني لم أكن مطمئناً أبداً. عشت أصعب أيام حياتي خوفاً عليهما وعلى دارين أكثر، ثم جرى ما جرى.
وسكت لحظة ثم قال:
- لا أريد أن أتذكر. لكن قولا لي ما سبب حضوركما معاً اليوم بعد غياب طويل؟
قالت سلافة:
- دعتنا دارين منذ أسبوع ولم تقل لنا السبب. قالت سيكون لقاء مهماً. وحين أتينا عرفنا أنها تريد أن تكتب رواية، وتريد من كل منا أن تحكي لها حكايتها، وأنها ستمزج بين حكاياتنا وحكايتها في الرواية.
سكت لحظات، وكانت دارين قد عادت بقدح الشاي له على صينية صغيرة، فوقف وقال:
- دقائق وسأعود.
ثم نظر إلى دارين وقال:
- سأحكي لك حكايات اليوم قد تعجبك ما دمتِ قررتِ من جديد أن تكوني كاتبة للرواية.
انصرف بينما جلست دارين وقد عادت لها ابتسامتها، فلقد عرفت أنهما حدثتاه عن سبب حضورهما، وقالت:
- يبدو بالفعل أن حكايات المقابر ستشغل الرواية كلها.
ابتسمن وجلسن في صمت لحظات. عاد الأب يرتدي ملابس أجمل ويستند على عكازه. جلس يشرب الشاي ثم قال:
- لن تصدقوني لكن هذا ماحدث. وجدت خمسة أشخاص يضربون أيديهم ببعضها في دهشة، وهم يفتحون مقابر ذويهم، ويقولون كيف زارنا الموتى في بيوتنا وها هي رفاتهم تحت الأرض. هناك شيء عجيب يحدث في البلاد!
Displaying 1 - 3 of 3 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.