يركز هذا الكتاب على استعراض وجهات النظر المختلفة للعلاقة بين السعادة وطيب الحال ، وعلاقة ذلك بالبناءات الروحية مثل المعنى بالإضافة إلى البناءات المحددة للوجدانات الإيجابية والرضا عن الحياة والغرض الأساسي من الكتاب هو توضيح أن السعادة معنى أكبر من كون الشيء الصحيح يحدث لك في الوقت المناسب، فهي تعتمد على كيفية تفسيرنا للأحداث وكذلك ما نريد تحقيقه. تلك الاعتبارات تقترح أن العوامل المعرفية الوجدانية تؤدي دورا في شعورنا بالسعادة . ويناقش الكتاب أيضا تلك الأفكار في خمسة وعشرين فصلا متضمنة فى خمس وحدات ، تركز الوحدة الأولى على المتغيرات المعرفية مثل الانتباه والوظائف التنفيذية واليقظة العقلية. وتضم الوحدة الثانية المصادر المهمة للمعارف الإيجابية مثل التذوق والتفاؤل والوحدة الثالثة تركز على إسهامات تنظيم الذات في طيب الحال، وتضمنت الوحدة الرابعة العمليات الاجتماعية بينما تضمنت الوحدة الخامسة العمليات المرتبطة بالمعنى في الحياة. ويعد الكتاب في صورته النهائية كتابا ضخما ومتنوعا وثريا يركز على أساليب تساعد العقل على الهامنا للوصول إلى السعادة .
قرأته في نسخته العربية الصادرة عن القومي للترجمة بعنوان: العقل السعيد: إسهامات معرفية في طيب الحال.
كنت قد قرأت منذ مدة كتاب دليل أوكسفورد في علم النفس الإيجابي وظننت بعد قرائتي له أنني قد أتيت على جميع الأفكار الأساسية في علم النفس الإيجابي ، لكن يشاء الله أن أجد كتاب العقل السعيد في مكتبتي، ليردني من أوهام المعرفة الكاملة إلى أرض التواضع وعدم الغرور، ولأوقن بمقولة أنه لا يغني كتاب عن كتاب، ففي هذا الكتاب مباحث مختلفة بل وأحدث من سابقه إذ أنه صدر عام ٢٠١٧ في حين صدر دليل أوكسفورد عام ٢٠٠٧.
علم النفس الإيجابي لا يزال علما وليدا يتحسس خطاه، ولكنها خطى ثابتة تخرجنا من دوامة العلل والأمراض إلى تعزيز السواء، فعلم النفس الإيجابي علم ليس فقط لمن يعانون اضطرابات نفسية بل إلى كل إنسان يسعى لتعزيز رضاه وطيب وراحة باله، فهو علم ينطلق من فكرة أن طيب الحال النفسي والجسدي ليس هو غياب الأمراض، فطيب الحال والسعادة لهي جواهر أصيلة إيجابية لها كيانها المستقل الذي يستدعي صونها وصيانتها، كما أنه يضع فروقا دقيقة جدا ما بين انفعالات ومفاهيم قد تبدو مترادفة ولكنها في الواقع متمايزة، فطيب الحال ليس هو السعادة والسعادة لا تنحصر في اللذة، ومعنى الحياة قد يجعلك راضيا طيب الحال وليس شرطا أن يجعلك سعيدا، قد تكون سعيدا راضيا وبك علل جسدية وابتلاءات غير محسوبة، وقد تكون بائسا حتى في غياب كل العلل والمصائب، وكل هذا ينبع من فكرة إيجابية طيب الحال والرضى والسعادة، وليس كونهم مجرد ظواهر سلبية تتطرأ عند غياب العلل والأمراض.
تواجه هذا العالم كثير من العوائق وربما أبرزها هي معضلة القياس، إذ أن ما يقيسه هذا العلم هو انفعالات نفسية وتوجهات معرفية تستعصى على القياس، إذ كيف يمكن قياس التفاؤل أو الأمل أو معنى الحياة؟! ... وبالتالي فإن هذا العلم يتعرض لهجوم شديد تتهمه بأنه ليس علما بل أقرب للفلسفة منه للعلم، ولكن يأتي الرد قاطعا من العلاقات الارتباطية والتجارب الإمبريقية التي تدعم هذا العلم وترفع أساسه.