محام يبحث بالكتابة عن الخلود، ينفض عنه رداء العدالة الأسود من أجل تحقيق حلم مُعلَّق منذ الطفولة. يتقاطع مساره مع صوفي باحث عن نفسه بين أزقة المدينة العتيقة بالقيروان ومتاهاتها الروحانية الملغزة. فكيف تداخل المصيران ليصبا في بحر حكاية واحدة؟ وهل يبرر الحلم بالكتابة السطو على حيوات الآخرين؟ أصحاب الهدهد: رواية نائمة على صحيفة في درج رجل حر، تبتلع رواية عاشها صاحبها تحت السماء بقدم مدماة مغلولة بوهم الحقيقة والحب. إنها نسيج من التأملات والسخرية والحكايات حكايات قرية لا واقع فيها غير ما يبسطه سكانها من خيالات، ومدينة انطفأت أضواؤها، ومحام حر سيختار جدرانه القديمة وصوفي سجين كسر جدرانه وبات يعرف ما يُريد وبمن يلوذ... يُسَلِّمُك سفيان رجب مفاتيح الحكاية ويضع بين يديك ما تحتاج إليه لحل اللغز بوضوح ما بعده وضوح، ثمَّ يُوَرّطك في تحري ما اعتقدت أنك تعرفه، إذ يسرد عليك القصة ثم يستَرَدُّها منك. أليس محور الرواية الجوع، جوع المحامي إلى المعرفة، وجوع الصوفي إلى الحقيقة، وجوع القارئ إلى نهاية ممكنة؟ ومن ورائهم جميعًا كاتب لا يريد أن يشبع من التلاعب واللعب، و كيف يشبع من كانت روحه الجوع؟ محمد فطومي
انتهيت من قراءة رواية #أصحاب_الهدهد للكاتب التونسي #سفيان_رجب، شعرت أنّني لم أخرج من حكاية بقدر ما خرجت من تجربة تأمل. الرواية لا تُقرأ على عجل، بل تُصغي إليك ببطء، وتطلب منك أن تتخفف من توقّع الحبكة الواضحة والأحداث المتلاحقة، لتدخل عالم الرمز والسؤال. الهدهد هنا ليس طائرًا عابرًا، بل علامة، رسالة، ووسيط خفيّ بين عوالم متقابلة: بين السلطة والحكمة، بين الصمت والقول، وبين ما نُظهره وما نخفيه في أعماقنا. ومن هذا الرمز تنفتح الرواية على أسئلة كبرى: البحث عن الحقيقة، عن المعرفة، وعن الذات في عالم مرتبك، يضجّ بالضجيج ويفتقر إلى المعنى. وجدتني أتجوّل مع النص في أزقّة القيروان، لا كمدينة واقعية فحسب، بل كمتاهة روحية. كاتب يبحث عن الخلود عبر الكتابة، وصوفيّ يبحث عن نفسه، وحكايات تتداخل، وقرى لا وجود لها إلا في الخيال، ومدن تنطفئ أضواؤها، وسجناء يحاولون كسر جدرانهم. كلّ ذلك بدا لي أقرب إلى لوحات متجاورة منها إلى مسار حكائي واحد. لغة الرواية شدّتني؛ لغة مكثّفة، مشحونة، تميل أحيانًا إلى الشعر، وتُغري بالتوقّف عند الجملة أكثر من متابعة الحدث. غير أنّ هذا الخيار الجمالي نفسه جعلني، في لحظات كثيرة، أشعر بالتعب. البناء غير الخطي، وكثافة الرمز، جعلا القراءة تجربة ذهنية أكثر منها عاطفية. ورغم ما تحمله الرواية من عمق فكري وإيحاءات ثريّة، شعرت بأن الحبكة تراجعت أمام الفكرة. الأحداث لا تتطوّر بقدر ما تدور حول السؤال نفسه، ما خلق لديّ إحساسًا بالجمود وقلة التشويق. كما أنّ الشخصيات، في أغلبها، بدت لي رموزًا تمشي على الورق أكثر من كونها ذوات إنسانية حيّة يمكن التعاطف معها أو الانفعال لمصيرها، حتى خُيّل إليّ أحيانًا أنّني أقرأ نصًا فلسفيًا متقنًا أكثر مما أقرأ رواية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ «أصحاب الهدهد» عمل يُراهن على قارئ يشبهه: قارئ جائع للمعنى، لا للحكاية فقط، قارئ يقبل أن يضلّ الطريق قليلًا، وأن يخرج بأسئلة أكثر مما دخل بإجابات. إنها رواية لا تُشبعك بقدر ما تُذكّرك بجوعك، وتتركك في النهاية أمام سؤالها الأكثر إيلامًا وصدقًا:أي شبعٍ يُنقذ روحًا اعتادت الجوع؟و هل تُشفى الروح من جوعها، أم تتعلّم فقط التعايش معه؟ ⭐️ ⭐️ ⭐️ مراجعةً شهيرة إبراهيم التركماني ديسمبر2025